هبط قلبه بين قدميه .. تدحرجت دقّاته على سلّم الوقت : تك دم تك دم تك تك دم ..دم ..دم
تشكّلت أمام مقلتيه نافورة دماء راقصت إيقاعاً خارجاً عن السّياق. تثلّجت أطرافه , دخل في سبات عميق ..
انحنى عليه الصّحفيّ المكلّف بإجراء لقاء معه , أخذ يهزّه منادياً حرس الباب ... مطالباً بالإسعاف .
منذ يفاعته أحبّ أبو بشّار المطالعة والكتابة والسّفر , في المرحلة الابتدائيّة والمتوسّطة كان المكلّف بإلقاء كلمة تحيّة العلم صباح كلّ يوم خميس .
نهل المعرفة بأنواعها عن طريق قريبه إبراهيم المختار من كتب المعرّيّ إلى المتنبّيّ إلى عمالقة الفكر والأدب .عشق الفكر القوميّ وراح يبحث في صباه عن عمل منظّم ليمارس دوره في النّضال من أجل القوميّة العربيّة . أحبّ الوحدة بين مصر وسوريّة , وطالب حسب قدراته أن يكون العراق ثالثهما . راح يمارس نضاله باقتدار من خلال عمل تنظيميّ , أُبْعِد من مدينته في شرقيّ بغداد إلى محافظةٍ أخرى في غربها, في وقت قلّت فيه حافلات المواصلات .
تشكلت لديه صداقات طيّبة ما زالت حتّى اليوم , راح يراسل الصّحف والمجلّات التي نشرت له ما يكتبه , ثم مارس العمل الصحفيّ كمهنة ساعدته في تنمية قدراته الكتابية والمهنية , عمل مراسلاً في جهات القتال منذ بدء الحرب , انخرط أشقّاؤه الثلاثة في الجيش , كان أحدهم في جبهة قتالية , في اليوم الثاني للحرب الفعلية استشهد أخوه الأصغر حسن في قاطع كركوك بينما كان هو في القاطع الجنوبيّ في البصرة .
حين وصوله إلى بغداد فوجئ باستشهاد ابن أخته خليل ,اعتصر الحزن قلبه ,فكم كان يتمنّى أن يراه بعد غياب طويل . بحث عن شقيقه الآخر دون جدوى , تابع عمله كمراسل لإحدى الصّحف . كان يقوم بزيارات متكرّرة لجبهات القتال . وفي طريق عودته إلى بغداد لكتابة ما حصل عليه من معلومات وقضايا , علم باستشهاد ابن أحد الضبّاط الكبار الّذي كان يحبّه جداً لاتسامه بالبطولة والشّجاعة , لم يكن هذا الضابط يعلم باستشهاد ولده , حين التقاه في حديث صحفيّ عن واقع الشّهادة في هذا البلد الباسل , وهو الّذي كان يردّد على الدّوام : (كلّنا مشروع استشهاد , الوطن بحاجة إلى تعميد شموخه بدمائنا , والشّجرة لا تنمو إلّا بالماء .والتربة الصّالحة .) . أثناء الحديث الصحفيّ معه التقط له عدّة صور , سأله عن شعور الأب حين يستشهد ولده الّذي يحبّه ,أجاب بثقة : إنّ ما يكتبه الله لنالا رادّ له وإنّنا جميعاً مشاريع استشهاد لم يكن يعرف كيف سينقل إليه خبر استشهاد ولده , وهو الّذي غبطه على استشهاد أخويه .
أخذ في التقاط الصّورة تلو الصّورة بلهفة وحميميّة , لفتت انتباه الضابط فسأله : ما بالك متهمّ جدّاً بهذا الموضوع وبي شخصيّاً إلى درجة جعلت الوساوس تدور برأسي ؟ هل لديك عن ولدي خبرٌ ما ؟
أنت تعلم أنّه في الجبهة يخوض اليوم أعتى المعارك في القتال .
قاطعه قائلاً : لا .. لا إنّما أنت صديقي وأنا معجب ببطولتك وبطولة ابنك وعائلتك وهذه الصّور للذكرى لأنني سأغادر هذا المكان إلى مهمّة أخرى وقد لا نلتقي .
في تلك الّلحظة كان صوت المذيع لافتاً وهو يدلي بنبأ استشهاد ابن الضابط على جبهة القتال .
تجمّد الدم في عروقه , ضباب كثيف حجبه عن الرؤية , انطلقت من أعماقه صرخة مدويّة , خرّ مغشياً عليه فوق دم يتضوع شذاه في أرجاء المكان .
تشكّلت أمام مقلتيه نافورة دماء راقصت إيقاعاً خارجاً عن السّياق. تثلّجت أطرافه , دخل في سبات عميق ..
انحنى عليه الصّحفيّ المكلّف بإجراء لقاء معه , أخذ يهزّه منادياً حرس الباب ... مطالباً بالإسعاف .
منذ يفاعته أحبّ أبو بشّار المطالعة والكتابة والسّفر , في المرحلة الابتدائيّة والمتوسّطة كان المكلّف بإلقاء كلمة تحيّة العلم صباح كلّ يوم خميس .
نهل المعرفة بأنواعها عن طريق قريبه إبراهيم المختار من كتب المعرّيّ إلى المتنبّيّ إلى عمالقة الفكر والأدب .عشق الفكر القوميّ وراح يبحث في صباه عن عمل منظّم ليمارس دوره في النّضال من أجل القوميّة العربيّة . أحبّ الوحدة بين مصر وسوريّة , وطالب حسب قدراته أن يكون العراق ثالثهما . راح يمارس نضاله باقتدار من خلال عمل تنظيميّ , أُبْعِد من مدينته في شرقيّ بغداد إلى محافظةٍ أخرى في غربها, في وقت قلّت فيه حافلات المواصلات .
تشكلت لديه صداقات طيّبة ما زالت حتّى اليوم , راح يراسل الصّحف والمجلّات التي نشرت له ما يكتبه , ثم مارس العمل الصحفيّ كمهنة ساعدته في تنمية قدراته الكتابية والمهنية , عمل مراسلاً في جهات القتال منذ بدء الحرب , انخرط أشقّاؤه الثلاثة في الجيش , كان أحدهم في جبهة قتالية , في اليوم الثاني للحرب الفعلية استشهد أخوه الأصغر حسن في قاطع كركوك بينما كان هو في القاطع الجنوبيّ في البصرة .
حين وصوله إلى بغداد فوجئ باستشهاد ابن أخته خليل ,اعتصر الحزن قلبه ,فكم كان يتمنّى أن يراه بعد غياب طويل . بحث عن شقيقه الآخر دون جدوى , تابع عمله كمراسل لإحدى الصّحف . كان يقوم بزيارات متكرّرة لجبهات القتال . وفي طريق عودته إلى بغداد لكتابة ما حصل عليه من معلومات وقضايا , علم باستشهاد ابن أحد الضبّاط الكبار الّذي كان يحبّه جداً لاتسامه بالبطولة والشّجاعة , لم يكن هذا الضابط يعلم باستشهاد ولده , حين التقاه في حديث صحفيّ عن واقع الشّهادة في هذا البلد الباسل , وهو الّذي كان يردّد على الدّوام : (كلّنا مشروع استشهاد , الوطن بحاجة إلى تعميد شموخه بدمائنا , والشّجرة لا تنمو إلّا بالماء .والتربة الصّالحة .) . أثناء الحديث الصحفيّ معه التقط له عدّة صور , سأله عن شعور الأب حين يستشهد ولده الّذي يحبّه ,أجاب بثقة : إنّ ما يكتبه الله لنالا رادّ له وإنّنا جميعاً مشاريع استشهاد لم يكن يعرف كيف سينقل إليه خبر استشهاد ولده , وهو الّذي غبطه على استشهاد أخويه .
أخذ في التقاط الصّورة تلو الصّورة بلهفة وحميميّة , لفتت انتباه الضابط فسأله : ما بالك متهمّ جدّاً بهذا الموضوع وبي شخصيّاً إلى درجة جعلت الوساوس تدور برأسي ؟ هل لديك عن ولدي خبرٌ ما ؟
أنت تعلم أنّه في الجبهة يخوض اليوم أعتى المعارك في القتال .
قاطعه قائلاً : لا .. لا إنّما أنت صديقي وأنا معجب ببطولتك وبطولة ابنك وعائلتك وهذه الصّور للذكرى لأنني سأغادر هذا المكان إلى مهمّة أخرى وقد لا نلتقي .
في تلك الّلحظة كان صوت المذيع لافتاً وهو يدلي بنبأ استشهاد ابن الضابط على جبهة القتال .
تجمّد الدم في عروقه , ضباب كثيف حجبه عن الرؤية , انطلقت من أعماقه صرخة مدويّة , خرّ مغشياً عليه فوق دم يتضوع شذاه في أرجاء المكان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق