على مقبرة الذاكرة يعزف الفؤاد مقاطع الاحتراق الأخيرة.
فأي ستائر الوجد تلهيني عن البوح الأخير.
أتدري أنّ يوم جنوحك إلى مستعمرتي كان يوم عيد، أشعلت يومها قناديل الشّوق و أقمت جسور الوصال حتى لا تطمح مرة أخرى أن تركب هودج الأشواق و تحط فراغات اللّهفة في مدينة عشق أخرى.
أتدري كم عبرت من خيوط للذّكري في ليالي الصّقيع، كنت أحمل في عيوني بريق لقائنا الأخير يوم التقينا على شرفات الورد المخضّب بالدّموع ، كنّا حينها نرتشف ما بقي من خواطر عشق تركتها على عتبات الجرح، فأرسلها الموج الصّاخب إلى مراثي وجعي.
أتدري كم أنبت لك زهورا من الوجد في بستان ذاكرتي، كم غمرتك من ماء البوح الماسي، كم تطلعت إلى قرابين عشقك كلّ ليلة لعلّها تبنأ لي بمعجزة خضراء و تغذقني بمراقص الانتشاء الجميل .
كنت كلّ مساء أجمع أمنيات عشقك التي حطّمها السّفر، و العبرات التي أنهكها الهجر، و الصّبوات التي أحرقتها منافي الضّجر، و القبلات التي إلتهمتها شفتي المطر.
كان الزّمن يخط دفاتره و كانت السّاعات تختلس منه بعض الهيف ، و كنت هناك أتشذّق بأن أحملق في قصّة غرامهما و أرى الهوى يتسابق إلى حدقات عيونهما، و الضحكات الصّاخبة تغزو خلوتها في عنفوان طائش و في داخلي ضجيج الوجد يصيح و يغرق أكثر في سجائر النسيان .
كنت كلّ ليلة أشطف بوح خواطري بحبر اغترابك، و أجمع ما بقي من مستعمرات منافيك، لعلني أجد آخر ما بقي من عشق عنترة و بطولات السّندباد، و رحلات الحلّاج، لأرتحل و أجمع شظايا فؤادي التي اندثرت في صحراء حبّك القاحلة.
و أصوات في مدينتي ترتجف في مغاور التجاويف، تسأل عن سرير لقلب لا زال متشردّا، يقطن شوارع الذّكرى، و يلتهم من أشذاق الأشواق، و يعربد على شفاه الهوى زهرا كئيب المحيّا.
سأكتب لك اليوم من مدافن الذّكري أنني أدمنت ملاهي الحبّ بلا خجل، فصرت أسيرة رعشة التوقّد، احترقت في الوصال، و نثرت رماد تعثر اللّقاء في كبرياء، و مضيت أرنو إلى حدائق الفرح المستحيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق