جاءني صوتها:"عند المنعطف بقالية,إلى اليمين منها باب خشبي تتوسطه مطرقة نحاسية " ..توقفت أمام البقالية أستطلع المكان ..الباب الخشبي مطلي بلون أخضر باهت كما وصفته ..طرقت ثلاث طرقات كما هو متفق عليه ..زعقت مسامير الباب العجوز,أطل وجهها دون أصباغ وقد التصق بحواف الباب ..قالت بشحوب :"تفضل " .
نزلت أربع درجات ,اجتزت بهواً ضيقاً ,أفضى إلى صحن الدار ذو البلاط الشطرنجي
,تتوسطه بركة ماء صامتة ..بعد محاولات مرتبكة من قبلها توارت في إحدى الحجرات ,وقفت حائراً مثل يتيم فقد أبويه, البيوت تشبه ساكنيها,عبارة قرأتها في مكان ما ..خرجتْ ,تجر طاولة تشبه إلى حد بعيد ,طاولات المشافي العامة ,تتوزع الأطباق الشهية فوقها..أزاحت كرسيين ,وأشارت لي بالجلوس ..وشرعتْ تلتهم الطعام دونما حرج ..رفعتْ عينيها خلسة ,فقبضت عليّ متلبساً بمراقبتها ,قالت مؤنبة:" ألم تبدأ حتى الآن؟" ,مضغتْ لقمتها على عجل وقالت:"كيف كان دوامكم اليوم " .
أجبت :في الحقيقة....
قاطعتني وكأنها غير معنية بإجابتي:كم أحسدكم على غانية,ألا يخفف وجودها من ضغط ساعات العمل ؟صدقني أستاذ أديب من الضروري وجود أشخاص على شاكلة غانية ,يفرحون القلب ,ويزرعون الأمل في النفوس المتكلّسة.
ماذا تريد هذه الحمقاء؟ هل دعتني إلى بيتها لتسمعني موشحاتها السقيمة؟كلانا يستوعب ما يريده من الآخر ..هي بحاجة إلى رجل,أي رجل ..وأنا بحاجة إلى امرأة ,حتى لو كانت بقبحها ,بألوان ثيابها المتنافرة, بعقصة شعرها الأزلية,بصوتها الذي يخرج من صدرها كمواء هر لم يتناول أكثر من وجبة في حياته..مسحت فمها بمنشفة مربعة الشكل ,وضعت يديها عل حواف الطاولة ,وقوست ظهرها كمن يريد الوقوف وأكملت:عندما تدخل غانية إلى إي مكتب في الشركة تضخ الدماء الجديدة في القلوب ,فتزغرد النفوس ,وتهب الأبدان,بمرحها ,بالحياة التي يختزنها شبابها وأنوثتها ,كم أطمح لوجود رجل يفعل بي ما تفعله غانية بكم.
رفعتُ حاجبيي بدهشة ,مسحت فمي بمنديل مثل أولاد الأكابر ,اتجهت نحو المغسلة وكلام صديقتي يطن في أذني ,ويدور حولي ..جرّت طاولة الطعام بصوت كسول ,وهي تشرح عن معاناة النساء المتزوجات, والعازبات ,الباحثات بكل ما أوتين من صبر عن قطرة فرح بين الصخور ..
اتخذتُ مكاناً قرب بركة الماء التي تحولت إلى مكب لأوراق الأشجار المتساقطة..صاحت صديقتي من الداخل :أستاذ أديب ,تعال.
منيت النفس بالسعادة,هيا يا فتى فقد أزف الآزف ,ركلت الهواء بقدمي ,وكنت أمام باب المطبخ بقفزة واحدة ..قالت :"تفضل". فتناولت الأركيلة الطويلة ,مشيت بها كمن يتنقل في حقل ألغام ...لحقت بي تحمل طبقاً كبيراً من الفاكهة الطازجة ..لم أستطع منع الخيبة أن تهيمن على صوتي ..قرقرت بأركيلتها ,فخرجت من فمها الأدخنة الرمادية ذات الروائح المخدرة ,فأطاحت بما تبقى من عقلي ,اعتذرت وأنا أبعد رأسي بحنق ,فانا لا أتعاطي أي نوع من الدخان ..لم تبال بي ,ودفعت بخرطوم الأركيلة إلى فمي ,حاولتُ سحب الدخان ,فاندفعت من صدري نوبة طويلة من السعال لم تهدأ حتى أفرغت أمعائي ..هبت نحوي ,دقت على ظهري ,أحضرت منشفة ,جففت فمي ,وصدري ,مسحت وجهي بماء الورد....يا إلهي ما الذي أغراني بالمجيء إلى بيت هذه المستحاثة ؟هل تفاقمت حاجتي للمرأة لهذه الدرجة؟لو لم يخلْ المكتب في ذلك اليوم لما دار بيننا أي حوار, ولما تجرأت ودعتني إلى خرابتها ..قلت من باب تزجية الوقت:"هل تقبلين دعوتي إلى فنجان قهوة؟" ردت بثقة:"سأكون أكرم منك وأدعوك على الغداء في بيتي "..
في اليوم المحدد رن الهاتف ,أخبرني زميلي أن ثمة أنثى تطلبني ,اختطفت السماعة بشغف ,فخرج مواؤها يذكرني بالموعد, فقد أخذت إجازة ثلاثة أيام لتقوم بواجبي على أكمل وجه ...ما أتعسها تغيب ,وتحضر دون أن نبالي بها, ماذا لو أن غانية تأخرت عشر دقائق ؟لتوقفت الشركة عن العمل ..أيقظتني من شرودي وبيدها كأس عصير,ثم أحضرت كأس ماء محلى بالعسل ,فجدتها كانت تسقيها هذا المحلول لمعالجة السعال ,والزكام,والأرق ..الخ ...أخرجتْ فراشاً اسفنجياً وطلبت مني الاستلقاء عليه ريثما تسخّن زيت الزيتون..استلقيت ,فعانقتني قبة السماء الوردية ,لاحقت أسراب الحمام التي تحلق بتشكيلات مذهلة ..داعبتْ وجهي نسمات المغيب طرية ،منعشة ,أثقلت حركتي ,خدرتني, يخفت وقع أقدام صديقتي ,يتلاشى,تتفكك جملها ,أنوس على مداعبات ساحرة,يستعر داخلي برغبات حارة, أطير , أنتشي............
فتحت عينيّ,نقلت نظري مثل غريب ملقى على جزيرة مهجورة,أين أنا؟ شممت رائحة غريبة,رفعت رأسي فإذا بصديقتي تجثو على ركبتيها ,رسمتْ ابتسامة حانية وقالت:صح النوم,اعذرني لقد قمت بتدليك بطنك بزيت الزيتون أثناء نومك,الآن ستساعدني على نزع قميصك كي أدلك ظهرك.
نظرت إليها باستهجان,تلمست بطني فانزلق الزيت تحت أصابعي ..
قالت بنفاذ صبر :"هيا افعل ما أقول ,هذه وصفة جدتي ,فالزيت يُستخرج من شجرة مباركة" .
لم يكن أمامي سوى الرضوخ إليها ..استلقيت على ظهري ,فاقتربت مني ,وبدأت بنزع القميص عني....تنازعتني قوتان ,كلما اتجهت نحو واحدة,شدتني الأخرى إليها..فحيناً تتراءى كأمٍ حنون تنزع عن ولدها الثياب المتسخة,فأستسلم لهذا الشعور ,وآنس به,وتتحول حيناً آخر إلى امرأة شهية أتوق إلى هصرها بين يديّ...انبطحت على بطني ,فأرسلت يديها الحريريتين ,وبدأت تدلك ظهري بنعومة ,وانسيابية منقطعة النظير ..وتحدثني عنها ,وعن جدتها :
-"كانت جدتي تدلك مفاصلي ,وتقول إن الداء يسكن في المفاصل ,لوعاينت خزانتي لراعك ما تحويه من تعويذات ورقىً, ورصاص مصبوب على أشكال عيون جاحظة,وأفواه فاغرة,وأصابع غليظة,ولكل منها أصل وفصل وحكايات لا تنتهي عند جدتي " .
غطت ظهري بمناديل ورقية..ضحكتْ بصوت عالٍ ،قالت وهي تغسل يديها:"لقد أدهشتني أستاذ أديب, هل يمكن أن تفعل الأركيلة برجل ما فعلته بك! تبدو مدللاً و غالياً على قلب أمك" .لاحقتُ حركاتها ,ما لي أراها أهم امرأة في العالم؟ أضاءت صحن الدار بفانوس قديم ,قالت بأنه لأم جدتها,انحنت السماء فوقنا حتى ظننت بأنني سألمس قبتها المرقشة بالنجوم الكبيرة والصغيرة.....سألتها :أين جدتك؟ردت بحزن:-توفيت السنة الفائتة.
حاولت استذكار هذا التاريخ ,هل قدمت لها واجب العزاء؟هل ثمة من شاركها أحزانها ؟المسكينة تدخل كطيف ,وتخرج كشبح دون أن تدير رأس أحد...أكملت استجوابي:ووالداك؟
ردت باستنكار:انفصلا,واختار كل منهما حياة جديدة,بعد أن تركاني مع جدتي في هذا الخم.
هل أخبرها بأنه أجمل مكان في العالم؟ فضلت لجم عواطفي ,وتابعت حركاتها الشهية,
أين أخفت هذا الخزان الإنثوي الفوّار؟ كأنني أراها لأول مرة! جلست قربي,أعطتني تفاحة بعد أن قشرتها ,وقطعتها بعناية فائقة ,وقالت غير عابئة بمشاعري الوليدة:
-بقيت أنام في حضن جدتي حتى آخر لحظة من حياتها ,تهب روائح ثيابها على أحلامي ,وتلفني أنفاسها بالأمان ..في زيارات أمي المتباعدة كانت جدتي تبكي وتصرخ ,وتشتم لعلها تثير شفقة وحنان أمي ,كم مرة تمنيت طرد أمي فتمنعني شفقتي على جدتي.....أمّا بعد رحيلها فقد تركتني أمي إثر مشادة حادة تجاوزنا فيها الخطوط كلها.
تدحرجت الدموع على وجنات صديقتي ..عضت على شفتها السفلى حتى أدمتها,حاولتْ ضبط مشاعرها, فخانها ارتجاف ذقنها وتوتره ,فغطت وجهها بمنديل ,واستسلمت لرغبة حارة في البكاء والعويل..زحفتُ نحوها ,جذبتها إلى صدري ,تململتْ, حاولت الإفلات من قبضتي,مسحتُ دموعها,حررت شعرها من عقصته البغيضة,همستُ في أذنها وأنا أشدها إلى صدري شيئاً فشيئا:
-لا تبتعدي,كلانا يبحث عن حرمانه في الآخر ,ساعديني كي ننهي ليلنا الطويل.
هدأ اضطرابها, وتكورت تحت إبطي كقطة شريدة.
نزلت أربع درجات ,اجتزت بهواً ضيقاً ,أفضى إلى صحن الدار ذو البلاط الشطرنجي
,تتوسطه بركة ماء صامتة ..بعد محاولات مرتبكة من قبلها توارت في إحدى الحجرات ,وقفت حائراً مثل يتيم فقد أبويه, البيوت تشبه ساكنيها,عبارة قرأتها في مكان ما ..خرجتْ ,تجر طاولة تشبه إلى حد بعيد ,طاولات المشافي العامة ,تتوزع الأطباق الشهية فوقها..أزاحت كرسيين ,وأشارت لي بالجلوس ..وشرعتْ تلتهم الطعام دونما حرج ..رفعتْ عينيها خلسة ,فقبضت عليّ متلبساً بمراقبتها ,قالت مؤنبة:" ألم تبدأ حتى الآن؟" ,مضغتْ لقمتها على عجل وقالت:"كيف كان دوامكم اليوم " .
أجبت :في الحقيقة....
قاطعتني وكأنها غير معنية بإجابتي:كم أحسدكم على غانية,ألا يخفف وجودها من ضغط ساعات العمل ؟صدقني أستاذ أديب من الضروري وجود أشخاص على شاكلة غانية ,يفرحون القلب ,ويزرعون الأمل في النفوس المتكلّسة.
ماذا تريد هذه الحمقاء؟ هل دعتني إلى بيتها لتسمعني موشحاتها السقيمة؟كلانا يستوعب ما يريده من الآخر ..هي بحاجة إلى رجل,أي رجل ..وأنا بحاجة إلى امرأة ,حتى لو كانت بقبحها ,بألوان ثيابها المتنافرة, بعقصة شعرها الأزلية,بصوتها الذي يخرج من صدرها كمواء هر لم يتناول أكثر من وجبة في حياته..مسحت فمها بمنشفة مربعة الشكل ,وضعت يديها عل حواف الطاولة ,وقوست ظهرها كمن يريد الوقوف وأكملت:عندما تدخل غانية إلى إي مكتب في الشركة تضخ الدماء الجديدة في القلوب ,فتزغرد النفوس ,وتهب الأبدان,بمرحها ,بالحياة التي يختزنها شبابها وأنوثتها ,كم أطمح لوجود رجل يفعل بي ما تفعله غانية بكم.
رفعتُ حاجبيي بدهشة ,مسحت فمي بمنديل مثل أولاد الأكابر ,اتجهت نحو المغسلة وكلام صديقتي يطن في أذني ,ويدور حولي ..جرّت طاولة الطعام بصوت كسول ,وهي تشرح عن معاناة النساء المتزوجات, والعازبات ,الباحثات بكل ما أوتين من صبر عن قطرة فرح بين الصخور ..
اتخذتُ مكاناً قرب بركة الماء التي تحولت إلى مكب لأوراق الأشجار المتساقطة..صاحت صديقتي من الداخل :أستاذ أديب ,تعال.
منيت النفس بالسعادة,هيا يا فتى فقد أزف الآزف ,ركلت الهواء بقدمي ,وكنت أمام باب المطبخ بقفزة واحدة ..قالت :"تفضل". فتناولت الأركيلة الطويلة ,مشيت بها كمن يتنقل في حقل ألغام ...لحقت بي تحمل طبقاً كبيراً من الفاكهة الطازجة ..لم أستطع منع الخيبة أن تهيمن على صوتي ..قرقرت بأركيلتها ,فخرجت من فمها الأدخنة الرمادية ذات الروائح المخدرة ,فأطاحت بما تبقى من عقلي ,اعتذرت وأنا أبعد رأسي بحنق ,فانا لا أتعاطي أي نوع من الدخان ..لم تبال بي ,ودفعت بخرطوم الأركيلة إلى فمي ,حاولتُ سحب الدخان ,فاندفعت من صدري نوبة طويلة من السعال لم تهدأ حتى أفرغت أمعائي ..هبت نحوي ,دقت على ظهري ,أحضرت منشفة ,جففت فمي ,وصدري ,مسحت وجهي بماء الورد....يا إلهي ما الذي أغراني بالمجيء إلى بيت هذه المستحاثة ؟هل تفاقمت حاجتي للمرأة لهذه الدرجة؟لو لم يخلْ المكتب في ذلك اليوم لما دار بيننا أي حوار, ولما تجرأت ودعتني إلى خرابتها ..قلت من باب تزجية الوقت:"هل تقبلين دعوتي إلى فنجان قهوة؟" ردت بثقة:"سأكون أكرم منك وأدعوك على الغداء في بيتي "..
في اليوم المحدد رن الهاتف ,أخبرني زميلي أن ثمة أنثى تطلبني ,اختطفت السماعة بشغف ,فخرج مواؤها يذكرني بالموعد, فقد أخذت إجازة ثلاثة أيام لتقوم بواجبي على أكمل وجه ...ما أتعسها تغيب ,وتحضر دون أن نبالي بها, ماذا لو أن غانية تأخرت عشر دقائق ؟لتوقفت الشركة عن العمل ..أيقظتني من شرودي وبيدها كأس عصير,ثم أحضرت كأس ماء محلى بالعسل ,فجدتها كانت تسقيها هذا المحلول لمعالجة السعال ,والزكام,والأرق ..الخ ...أخرجتْ فراشاً اسفنجياً وطلبت مني الاستلقاء عليه ريثما تسخّن زيت الزيتون..استلقيت ,فعانقتني قبة السماء الوردية ,لاحقت أسراب الحمام التي تحلق بتشكيلات مذهلة ..داعبتْ وجهي نسمات المغيب طرية ،منعشة ,أثقلت حركتي ,خدرتني, يخفت وقع أقدام صديقتي ,يتلاشى,تتفكك جملها ,أنوس على مداعبات ساحرة,يستعر داخلي برغبات حارة, أطير , أنتشي............
فتحت عينيّ,نقلت نظري مثل غريب ملقى على جزيرة مهجورة,أين أنا؟ شممت رائحة غريبة,رفعت رأسي فإذا بصديقتي تجثو على ركبتيها ,رسمتْ ابتسامة حانية وقالت:صح النوم,اعذرني لقد قمت بتدليك بطنك بزيت الزيتون أثناء نومك,الآن ستساعدني على نزع قميصك كي أدلك ظهرك.
نظرت إليها باستهجان,تلمست بطني فانزلق الزيت تحت أصابعي ..
قالت بنفاذ صبر :"هيا افعل ما أقول ,هذه وصفة جدتي ,فالزيت يُستخرج من شجرة مباركة" .
لم يكن أمامي سوى الرضوخ إليها ..استلقيت على ظهري ,فاقتربت مني ,وبدأت بنزع القميص عني....تنازعتني قوتان ,كلما اتجهت نحو واحدة,شدتني الأخرى إليها..فحيناً تتراءى كأمٍ حنون تنزع عن ولدها الثياب المتسخة,فأستسلم لهذا الشعور ,وآنس به,وتتحول حيناً آخر إلى امرأة شهية أتوق إلى هصرها بين يديّ...انبطحت على بطني ,فأرسلت يديها الحريريتين ,وبدأت تدلك ظهري بنعومة ,وانسيابية منقطعة النظير ..وتحدثني عنها ,وعن جدتها :
-"كانت جدتي تدلك مفاصلي ,وتقول إن الداء يسكن في المفاصل ,لوعاينت خزانتي لراعك ما تحويه من تعويذات ورقىً, ورصاص مصبوب على أشكال عيون جاحظة,وأفواه فاغرة,وأصابع غليظة,ولكل منها أصل وفصل وحكايات لا تنتهي عند جدتي " .
غطت ظهري بمناديل ورقية..ضحكتْ بصوت عالٍ ،قالت وهي تغسل يديها:"لقد أدهشتني أستاذ أديب, هل يمكن أن تفعل الأركيلة برجل ما فعلته بك! تبدو مدللاً و غالياً على قلب أمك" .لاحقتُ حركاتها ,ما لي أراها أهم امرأة في العالم؟ أضاءت صحن الدار بفانوس قديم ,قالت بأنه لأم جدتها,انحنت السماء فوقنا حتى ظننت بأنني سألمس قبتها المرقشة بالنجوم الكبيرة والصغيرة.....سألتها :أين جدتك؟ردت بحزن:-توفيت السنة الفائتة.
حاولت استذكار هذا التاريخ ,هل قدمت لها واجب العزاء؟هل ثمة من شاركها أحزانها ؟المسكينة تدخل كطيف ,وتخرج كشبح دون أن تدير رأس أحد...أكملت استجوابي:ووالداك؟
ردت باستنكار:انفصلا,واختار كل منهما حياة جديدة,بعد أن تركاني مع جدتي في هذا الخم.
هل أخبرها بأنه أجمل مكان في العالم؟ فضلت لجم عواطفي ,وتابعت حركاتها الشهية,
أين أخفت هذا الخزان الإنثوي الفوّار؟ كأنني أراها لأول مرة! جلست قربي,أعطتني تفاحة بعد أن قشرتها ,وقطعتها بعناية فائقة ,وقالت غير عابئة بمشاعري الوليدة:
-بقيت أنام في حضن جدتي حتى آخر لحظة من حياتها ,تهب روائح ثيابها على أحلامي ,وتلفني أنفاسها بالأمان ..في زيارات أمي المتباعدة كانت جدتي تبكي وتصرخ ,وتشتم لعلها تثير شفقة وحنان أمي ,كم مرة تمنيت طرد أمي فتمنعني شفقتي على جدتي.....أمّا بعد رحيلها فقد تركتني أمي إثر مشادة حادة تجاوزنا فيها الخطوط كلها.
تدحرجت الدموع على وجنات صديقتي ..عضت على شفتها السفلى حتى أدمتها,حاولتْ ضبط مشاعرها, فخانها ارتجاف ذقنها وتوتره ,فغطت وجهها بمنديل ,واستسلمت لرغبة حارة في البكاء والعويل..زحفتُ نحوها ,جذبتها إلى صدري ,تململتْ, حاولت الإفلات من قبضتي,مسحتُ دموعها,حررت شعرها من عقصته البغيضة,همستُ في أذنها وأنا أشدها إلى صدري شيئاً فشيئا:
-لا تبتعدي,كلانا يبحث عن حرمانه في الآخر ,ساعديني كي ننهي ليلنا الطويل.
هدأ اضطرابها, وتكورت تحت إبطي كقطة شريدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق