لا أقول..غير أن حظي العاثر، هو الذي أوقعني بجوار أسرة بسيطة، هاربة من جحيم الحرب، أشفقتْ عليها سيدة الدار الأنيقة، بعد أن سافرتْ إلى بلادٍ بعيدة، فأحبّتْ أن تضرب عصفورين بحجر: تحفظ البيت من العبث في غيابها، ريثما تعود، و تكسب الأجرفيهم، وسط هذه الظروف البائسة..
المشكلة ليست في بساطتهم، فأنا بطبعي أحبّ البسطاء، ومعشرهم الصافي ــ إن ملكت مفاتيح التعامل معهم جيداً ــ ولكن المشكلة في عصبية ( أبي أحمد ): الزوج الأربعينيّ، ونكد زوجته النحيلة، وردودها الاستفزازية التي تصب الزيت على النار.
تبدأ وصلة الشجار بجملةٍ يقولها أبو أحمد بصوتٍ فجائيّ، ترتجّ له الجدران:
ـــ ولك شوووووو هااااااااد؟؟!! ولك ليش هييييييييييييييك ؟؟!!!
فأستعيذ بالرحمن من تواليها التي حفظتها عن ظهر قلب...
تجيبه الزوجة بكلمات متداخلة، ترشّها رشّاً.. أقرب إلى الولولة....لا أمسك جيداً بمعانيها... ولكن في المحصّلة أفهم من كلامها أن : ( هذا الحاضر، وإيدك وما تعطيك ..وان ما عجبك بلّط البحر)..
يردّ عليها / أبو أحمد / : ـــ عليي الطلاااااااااااااق إنك ما بتفهمي.../
تردّ بصوت أعلى: ... ــ وهذه تصل إليّ بوضوح: ــ / أنت وأهلك اللي ما بتفهموا /
ويردّ، وتردّ .. ويردّ، وتردّ... وخبط أبوابٍ، تغلق بقوة، وأوان تتكسّر، وكراسٍ تتطاير...وأنا أهرول نحو غرفة بعيدة عنهم..حتى يهدأ الصوت..فأقول لنفسي: اظهر وبان عليك الأمان...وأنا أتنفّس الصعداء، بعد احتباس أنفاسي في صدري.
وما يدعوني إلى الجنون أكثر: أنه وبكبسة زر..يصير مزاجهم رائقاً...فهاهو الزوج يخرج إلى الشرفة، يسقي أصص النبات يناديها: يا أم أحمد..الله يرضى عليكي ساويلي من تحت دياتك ..نفَسْ أركيلة، وفنجان قهوة..وتعي عدي معي جنب ها الوردات...
ـــ أي مو على عيني تقبرني...تكّة ..وبكون عندك..
يشعل المذياع، يدندن مع أغنية الست: الحب كله ..حبيته فيك .. الحب كله ...
ــ آاااااااااااه يا أبو أحمد آااااااااااااه...تسلم ها الأنفاس..
ـــ ولك انت تسلم ايدك على ها القهوة شو طيبة، وظابطة...من يد ما نعدمها..
ـــ مطرح ما يسري... يمري ،،،،يا عمري...
ـــ شو رح تطبخيلنا اليوم؟؟
ـــ شاكرية ورز تقبرني..ما قلتلي من يومين جاية على بالك
ويكملان الحديث بودٍّ، أنساني التوتر الذي كنت به منذ هنيهة...وأشعر باستتباب الأمن، وأن الأمربات تحت السيطرة.. ..فأبتسم في سرّي : سبحان المحنّن...!! الله يصلحنا..ساعة شيطان..
وفجأة أسمع صوت ارتطام الصينية بأرض الشرفة، وجملته الشهيرة ..مفتاح الأكشن، تشق الصمت:
ـــ لك شو هاااااااااااااااد؟؟؟ لك ليش هييييييييييييييييك ؟؟!!!
وقبل أن أسمع المزيد... أعرف بأنها : ولعتْ...علقتْ.. من جديد..( واللي يحب النبي يخلي) هربت كالعادة إلى أبعد غرفة، وصوت امرأته الحادّ يولول، وأنا أضرب كفّاً لكفٍّ...لا فائدة..لا فائدة..ما الحل؟
رفقاً بأعصابي ..يستر على عرضك ...تبّا لك ........ جاري يا حمووووودة....
تشعر بــ ــــ سأرتكب جريمة ـــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق