اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

بيت السيدة ملعقة ...*هدى حمد - كاتبة عمانية

⏪⏬
في كل واحد منا بيت، لا يمكن تجاوزه بيسر، حيث نبتت الألفة لأول مرّة، وتشكلت الصور وفتنة الخيالات. ننغلقُ على هذا البيت الذي يسكن مخيلتنا لنحميه بداخلنا، ونستعيده بصورة مفرطة في انتكاساتنا اللانهائية، ربما ليس كما عشنا فيه واقعيًّا، ولكن بقدر ما نرغب أن يكون بيتًا مثاليًّا وآسرًا، فالعالم الواقعي كما يقول غاستون باشلار: «يمّحي دفعة واحدة، حينما يسعى المرء إلى العيش في بيت الذكرى».

كان لنا في طفولتنا الأولى بيت، وعندما انتقلنا منه، صرنا نسميه «البيت القديم». لم تكن في «مرتفعات الخضراء» عمالة آسيوية عندما كان جدي يافعًا، كان بمقدوره آنذاك حمل الطابوق والإسمنت بصلابة فائقة، رغم ما قد يبدو الآن من هزاله وضموره وعظامه البارزة تحت لحمه اللين. بقينا نكبر في البيت القديم، دون ظنون مبالغ فيها بأننا سنغادره ذات نهار. لم يكن بحوزتنا أنا ووالديّ وأختي وأخي الأصغر مني، أكثر من غرفة واحدة من البيت، إلا أنّها كانت فسيحة بما لا يصدق، كلما استدعيتها في مخيلتي. أستعيد الآن، نوافذها الخشبية المدهونة باللون الأخضر، والمطعمة بأشكال هندسية لافتة، ونسمة الهواء الباردة تتخلل أجسادنا الصغيرة، والباب الذي يفضي إلى «الليوان» الممتد بين غرف البيت كشريان متدفق، والأشياء القليلة التي في الغرفة والكافية للَهْوِنا الأول. في غرفة والديّ، لا شيء يستدعي الاهتمام أكثر من الراديو الذي أهداه أبي لأمّي. كانت أمّي تفتحه على مدار اليوم، فتنبعث منه أصوات عديدة وموسيقا، لكنها تغيب عنا في أوقات أخرى في لجة التشويش.

حياتنا تمضي في الحوش الداخلي، نشرب الشاي والقهوة ونتبادل الأحاديث والطعام، ويدخل ضجيج جاراتنا إلى حوشنا بعد صلاة العصر، يجلسن متكئات على وسائد بيض منقشة بألوان زاهية، أو متكئات على شجرة البيذام التي توسطت حوشنا منذ سنوات طويلة، تنمو بينهن الأحاديث وهن «يُنجّمْن»(1) الكميم. حركة أصابعهن متناغمة تمامًا مع ضحكاتهن وإيماءة رؤوسهن وشهوة الحكي المتدافعة. وما إن يؤذن جدي في المصلى المجاور لبيتنا، ينهين أعمال الحياكة وتحمل كل منهن «كمتها» وخيوطها وإبرها في حقيبة صغيرة، ويخرجن متعجلات كما دخلن.

ننام في فصل الشتاء في الغرف، وفي الصيف نتكبد مشقة نقل فراشنا إلى السطح. نصعد نحن وأهلنا والعجائز، علينا دومًا أن نمسك بأيدي العجائز جيدًا، لنطمئن لموطئ أقدامهن المرتجفة، إن كانت في مكان آمن أم لا. هنالك على الدوام «مبولة» للصغار، مصنوعة من علب «النيدو»، تفرغُ محتوياتها كل صباح.

أنظرُ للنجوم الخلابة فوقي، أستخدمها لأرقي الطفولي، لكنها لا تُحصى. لا أعرف من أين أبدأ وأين أنتهي. عندما نجدُ فراشنا مبللًا في الصباح، تقول لنا الأمهات: إنّه «الكوس». أعرف الآن أنّها الرياح الصيفية التي تهبط على بحر العرب، امتدادًا للرياح الموسمية في شمال المحيط الهندي، ولكني آنذاك لم أكن أعرف إلا أنّ فراشنا يكتنز رطوبة عالية. في الريف، لا يقتصر البيت على البيت الذي نشأت فيه، كل بيت يغدو بيتك بالضرورة، كل الجارات يصبحن أمهات لك في غياب أمّك أو مرضها. عندما تذهب أمّي للمستشفى يصبح بيتنا بيتهن. يدخلن المطبخ، يفتشن الأغراض، يطهون الطعام، يتأكدن من حلب الأبقار، وإطعام الماشية، يفعلن الأمر بإخلاص قلّ نظيره. وبالتأكيد سيأتي اليوم الذي يذهبن هن أيضًا إلى المستشفى، وستفعل أمّي الأمر ذاته معهن.

نحفظ بيوت جيراننا عن ظهر قلب، ليس لأنّها تشبه بيتنا وحسب، وإنّما لأننا لا نكف عن غزوها من حين لآخر. نعرف مكان السلالم المؤدية للسطح، وأماكن تخزين المؤونة، وكل شيء جديد يمكن أن يصل منازلهم. مثل البيت الذي يلي بيتنا. إذ يُحضر الزوج لزوجته من دبي فستقًا وجوزًا لم نَذُقْ مثل لذته من قبل، وكانت تقاسمنا هداياه من حين لآخر. أحضر جارنا المقاول تلفازًا لأول مرّة، لا أتذكر التفاصيل إلا صورًا متقطعة ومبتورة ومشوشة، كنتُ صغيرة جدًّا وأمّي تمسكُ يدي وتمضي بي إلى بيت جارنا صاحب التلفاز. لكنها حدثتني عمّا فات ذاكرتي، فذهابهم إلى البيت الذي يتوسطه تلفاز بات أمرًا ينطوي على فضول آسر، لم يختبروا أمرًا مشابهًا من قبل في بيوتهم. شاهدوا عنترة بن شداد لأول مرّة في بيت جارنا، وتعجبوا من الكائنات المحجوزة في صندوق صغير. الفرجة كانت بِكرًا في حارتنا، وليس بحوزة الناس تصورات كافية حول ما يحدث، كونه لا يعدو أن يكون محض تمثيل!

فتن الجيران بصوت سميرة توفيق ولا تزال أصداء إعجابهم ترنُّ في رأسي كلما ذكروا القصة أمامنا. شغفٌ فاتنٌ ملأ أجواء القرية التي لم تكن تستأنس إلا بسهرها وحكاياتها الليلية. لا أتذكر تلفاز جارنا إلا في مشاهد مشوشة، لكني أتذكر تلفاز أبي بوضوح، عندما أحضر من أحد أسفاره تلفازًا أحمر صغيرًا للغاية، ظهرت فيه الصور بالأبيض والأسود. كانت لحظة فاتنة وفارقة في حياتنا كلنا. شعرتُ لحظتها أنه بإمكان كائنات جديدة أن تدخل نسيج بيتنا دون استئذان، يمكننا أن نتقاطع مع أحلامها وقصصها، أن نتعاطف معها ونكرهها في آن.

لدى والاس ستيفنز قصيدة عن الوحيدين يقول فيها: «البيت كان صامتًا، والعالم كان هادئًا»، هكذا أستعيد بيتنا القديم المتخيل هادئًا، وأستعيد التلفاز الأحمر الذي تضع أمّي منديلًا مطرزًا فوقه صامتًا غالب الوقت ريثما يشتغل المولد. شاهدتُ بالأبيض والأسود لأول مرّة في حياتي مسلسلًا كرتونيًّا، «السيدة ملعقة»، سيدة عجوز، تحمل ملعقة ذهبية على ظهرها، تصغر وتصغر في ظروف خاصة، إلا أنّ الملعقة تبقى بحجمها الطبيعي، ثقيلة فوق ظهرها، ودون أسباب واضحة تعود السيدة ملعقة لحجمها الطبيعي في نهاية الحلقة. عندما تصغر يصبح بيتها وتفاصيله أكبر من المعتاد حتى بالنسبة لنا نحن، ويصبح الجلوس على كرسي في بيتها أمرًا بالغ الصعوبة. تفكر «السيدة ملعقة» في مطبخها وحقلها وأعمالها غير المنجزة، وعلى الدوام تجد حلولًا تخفف مشقة الوصول إلى الأشياء. عقلي الصغير كان ينظر إليها ككائن مبهم، ثم صارت بيننا ألفة وانتظارات يومية، وسؤال يضجر أمّي عن موعد قدوم السيدة ملعقة، «ولأن العقل يحب المجهول» كما تقول مارغريت أتوود، فقد حصل في أكثر مساءتي الطفولية صخبًا أن دعوتها لأن تقف على راحة يدي، وأن تتجول في بيتنا القديم لتصبح فردًا منه.

بيتنا منخفض ككل البيوت في «مرتفعات الخضراء». بنى جارُنا -صاحب التلفاز الأول- بيتًا فريدًا من نوعه. كنا لأول مرّة نرى بيتًا من طابقين. لقد تحول إلى علامة، لدرجة أنّ أهلنا صاروا يصِفُون كل شيء انطلاقًا من ذلك البيت العجيب، «خلف البيت بو طابقين» أو «قرب البيت بو طابقين»، كان البيت بالنسبة لنا شاسعًا وكبيرًا، نوافذه زجاجية في وقت كانت نوافذنا خشبية. أكثر ما أثار دهشتي، الستائر التي تتطاير بفعل الهواء، لم يكن في بيتنا القديم ستائر. تَبدَّتْ لي كخفقانٍ لا نهائي لطائر مجهول. المرأة الطيبة التي تقطن الطابق السفلي، تمدُّ يدها على الدوام لِتُناوِلَنا شيئًا، الفاكهةَ أو أكياس «المينو»، وكنا نقبل سخاءها بعرفان كبير.

غير أنّ المشاهدة كانت أمرًا شاقًّا ومعقدًا، فعدا ساعات المشاهدة التي يتحكم بها مولد يعمل بالديزل لساعات محددة من اليوم، ينبغي التأكد أيضًا من تثبيت «الإريل» في كل مرّة، وإن حصل وتحرك «الإريل» بنسمة هواء طائشة، فذلك على الأرجح يجلب المزيد من التشويش. كنتُ في سن ما قبل المدرسة، في وقت تتشكل فيه مخيلتي وانفتاحي على الحكايات؛ لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز هذه المرحلة، أعني الْتِقافَ عوالم جديدة، الْتِقاط الصور والأفكار التي تجعل بيتنا أكثر اتساعًا مما يبدو في غرفتنا الواحدة، لذا كان التلفاز والراديو معًا بيتين مشتبكين ببيتنا الأول.

لدى الشاعر الأميركي تشارلز سيميك على سبيل المثال بيت يبحث عنه، حلم متكرر عن الشارع الذي ولد فيه، يرى الوقت دائمًا ليلًا، يعبر بنايات أليفة بشكل غامض محاولًا أن يجد بيته، ولكن ولسبب ما لا يعثر عليه، يعيد اقتفاء خطواته، البيوت كلها هناك، إلا البيت الذي يقصده. هكذا بصورة دؤوبة، نحمي البيت القديم بأن نستعيده. البيت الحلمي الذي تحدث عنه باشلار؛ لأن من ليس لديهم بيت حُلمي، «يعتبرون البيت حيوانًا متوحشًا حقيقيًّا».
-
*هدى حمد 
 كاتبة عمانية


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...