⏪⏬
هو لم يكن عدوانيا أبدا، كلّ ما في الأمر أنّه قرر الانطواء على نفسه، وما إن بدأ بعزلته عن الآخرين حتى تهاوت إليه كل أثقال العداء والكلمات الجارحة: "أنتَ جبان، تفضلُ الهروب على المواجهة، إن كنتٌ رجلا تعال وردّ الصفعة، وغيرها الكثير من الألفاظ والمضايقات" ومع كلّ هذا وذاك لم يأبه بهم ولا بكلامهم، كان كلما خرج للمدرسة أو السوق لا يسلم من أذى أقرانه، وكلما حاول الردّ تذكر كلام والديه: إيّاك وإيذاء الآخرين أو التصرف مثلهم حتى وإن شتموك وشتموا والداك، إيّاك والعداء لأحد". بدأت تزداد في نفسه مشاعر القهر فهو بين نارين: المضايقات التي زادت من أقرانه ووصية والديه بألا تثأر لنفسك، زاد انطواء الصبي على نفسه، حتى بدت عليه واضحة مشاعر الضيق والحرج، بدا ينظرُ لوالديه وكأنهما قيدٌ يُكبِّل روحه، في ظهيرة ذاك اليوم عاد الصبي وقد ظهرت عليه علامات الاعتداء والضرب، وعندما سألته والدته عن السبب، أجابها وبكلِّ حُرقةٍ: أنتِ ووالدي من أردتماني أن أكون ألعوبة الصبيان وأضحوكتهم، كل ما علمتموه لي ليسَ خُلقا عظيما بل هو جبنٌ وذلّ، مما دعا صبيان الحي للتطاول عليّ إيمانا منهم أنّني لن أردّ على إساءاتهم مهما فعلوا فزادا تنمرهم عليّ وخاصة أنهم يعلمون أنني غريبٌ ولست من بلدهم، فماذا بعدُ تريدانِ مني؟ هل أُصَعِّرُ خدي لهم ليدوسوه أكثر؟ فجأة ردّ الأبُ العاجزُ من فوق سريرهُ: "بل أنت يا بنيَّ رجلٌ وبألف رجل ولا تسكت بعد اليوم عن حقك.."
في صبيحة اليوم التالي خرج الصبيّ للمدرسة وقد اجتمع عليه كالمعتاد ثلةُ من أقرانه وبدأ زعيمهم بصفعِهِ، وما إن فرغ من صفعته له إذ بالصبيّ ينهالُ عليه ضربا وقد رماهُ فوق الأرض ضاربا رأسه بالحجر الذي فجرّ رأسهُ دونما وعيٍّ منه بما كان يفعل، فقط كان يرى أنّه يُحطّم القيد الذي كان يطوق روحه...
-
* رائد العمري
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير
-
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير لتحميل الكتاب من قسم: مسرحيات عن
هذا الكتاب: هذه المسرحية نكتشف مذاق جديد يتجلى حس الفكاهة والسخرية على لسان
جحا و...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق