لَحْظَةً مِنْ الْعُمْرِ تُضَاهِي ثَمَن الْغُرْبَة ، سِتَّة سَنَوَاتٍ مِنَ الْعُزْلَةِ ، كِفاح بِبِلَاد عَرَبِيَّة غَريبَةٌ ، عَمِلْت وتعاملت واجدت فِي رَسْمِ تَفَاصِيل عزّة بِلَادِي .
تتسألون لِمَاذَا ؟ !
للانني مُعَلِّمٌ وأديب ، أَحْبَبْت رَسْم الْفَخْر واوج الْأَفْكَار إلَيّ عَميقٌ مِن مُنْطَلِقٌ أَعْمَق ، مَا أَرْوَع الوَطَن ، مَا أَبْغَضَ الْغُرْبَة .
سمات أَبَدًا لَن تتنكر عَنْ حُبِّ الْمَالِ والنزوة وَيَصِرّ ذَاتِيٌّ إلَّا يَرْكُل بَعْضِ الْأُمُورِ .
رَقْصَة السوينغ المنعشة ، طَاقَة بِلَا حُدُودٍ .
برغم عُمْرِي الصَّغِير اكافح ، حَتَّي عُمْرِي الْهَارِب إلَيّ الثَّلَاثِين ، برغم القَلَق والإرهاق الزمني فِي أَرَاضِين الْآخَرِين ، إلَّا بِنَفْسِي يَشُوبُهَا بَعْض الْجُنُون وَالْمَرَح .
تَمايَلَت الفَتَاة تُمَدّ زرعاها وَهِي تتلوي :
هاي سوينغ .
يَا إِلَهِي هَلْ أَنَا ببلدي الحبيبة أَم بِبِلَاد الْغَرْب ، تَرَكْت نَفْسِي حَتَّي تَفَكَّكَت أَعْضَائِي واعصابي ، اِبتسَمَت و أَنَا احْلِق بالبراح ، يالعمري الْجَمِيل . . )
انْطَلَقْت حَتَّي هَبَط آلِيا الْجُمُود وَالتَّعَب ، أَتَنَفَّس بِصُعُوبَة مُدَوِّيَة ، طَلَّق نَارِيٌّ بِعَقْلِيّ وَقَلْبِي ، يَقْتَرِب النادل مِنْ بَيْنِ عَبِق اللاعبين بالمرح بالنادي اللَّيْلِيّ ، يُقَدَّم صَحْن نَاصِعٌ الْبَيَاض إلَّا مِنْ وَرَقَةٍ صَغِيرَة تقطن بِدَاخِلِه كَطِفْل تَاه ، يَقُول بِإِشَارَة لبقة وأنيقة :
هَذَا مِنْ السَّيِّدِ /س .
أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَيَّ السَّيِّد /س ، افْتَح الْوَرَقَة المطوية ، أَقْرَاء مابها لَا أُرِي إلَّا كَلِمَةَ (تيسة)
اِبْحَثْ عَنْ النادل الَّذِي أَخْتَفِي ، وَعَن الزَّائِر الَّذِي أَرْسَلَ الْوَرَقَة المطوية ، قَد اختفيا فِي لَمْحِ البَصَرِ .
عَكَف الْمُحَقِّق "قسم" مارثون أَفْكَارًا يأرجح الْحَدَث يهمم :
خِطَاب كَنَفِه الْغَرَابَة ، يَقُول الراسل :
عَادَ مِنْ غُرْبَتِه مُنْذُ أُسْبُوعٍ فَقَط ، مُسْتَكْمِلًا سهرتة الْمُفَضّلَة بالنادي اللَّيْلِيّ ، أَعْطَاه النادل وَرَقَة كَتَبَ عَلَيْهَا ( تيسة) ثُمّ أَخْتَفِي كُلًّا مِنْ النادل وَصَاحِب الْوَرَقَة ، عَادَ الرَّجُلُ لِبَيْتِه وَكَانَت الْغَرَابَة .
تَسَاءل الطَّبِيب الشَّرْعِيّ باهْتِمام :
مَا وَجْهُ الْغَرَابَة إذَا ؟ !
صُمْت الْمُحَقِّق قَائِلًا بتعجب :
انْفَضّ الْخَطَّاب عَلَيَّ ذَلِكَ .
انْتَفَض الْعَائِدِ مِنْ غُرْبَتِه يَتَساءل بِهَذَا الْوَجْهِ الْغَرِيب :
أَيْنَ نَحْنُ ؟ !
لَمْ يَنْطِقْ مُقَيَّدَةٌ بِبِنْت شَفَاه .
يَقْتَرِب (أدهم الزَّائِر ) متسائلا لِهَيْئَة الرَّجُل الضَّخْم :
أَيْن عائلتي ؟ ! وَقَدْ قُلْت إنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيّ هُنَا
يتجاهل الضَّخْم ( أَدْهَم الزائر) يَنْطِق كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ (تيسة)
يَصْرُخ ( أَدْهَم الزائر) :
عَلَيْكَ أَنْ تَتَحَدّث ، مُنْذ أَن احضرتني إلَيّ هُنَا وَأَنْتَ لَا تَتَحَدّثُ .
خَرَج الضَّخْم يُهَرْوِل بهول جَسَدِه ، يُتْرَك الرِّيح خَلْفَه بِالْإِبْهَام ، مُتَأَهِّلًا بِالْخَوْف والهلع والزعر والخفقان .
ارْتَدَّت صَرْخَة مُدَوِّيَة تَشُقّ الْوُجُود ، حَيْث تَمَرَّغ ( أَدْهَم الزَّائِر ) بِصَحْن الْأَرْض ، بَاكِيًا يُطْلَب وَلَوْ لُقْمَةً وَاحِدَةً وَجَرْعَةٌ مِنْ الْمَاءِ .
إنَّمَا أَطْلَقَ صُراخَه ببراح الصَّمْت يَأْنَس لَيْل الغُمُوض وَلَا مُجِيبٌ عَنْ سُؤَالِهِ .
اِنْبَهَر الْمُحَقِّق حِينَ فَتَحَ الْخَطَّاب الثَّانِي ، قَائِلًا :
كُلُّ الْعَجَبِ ، أَنَّ الْخِطَابَ لَيْسَ بِهِ مَلامِح ، مَا يَضُرُّ نَفْسِي أَنْ الرَّجُلَ يتعذب .
اِقْتَرَب الطَّبِيب الشَّرْعِيّ مستفسرا :
عَنْ مَاذَا كَانَ يَتَحَدَّثُ ؟ !
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
بُدِي مِنْ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَرْوِيض أَو اِسْتِقْطاب ، إنَّمَا السُّؤَالُ هُنَا يُفْرَض نَفْسِه .
نَظَرِ الطَّبِيبِ نَظَرِه تَسَاؤُلٌ حَتَّي أَجَاب الْمُحَقِّق :
أَيْنَ ذَهَبَ أَهْلُ الرَّجُلِ ؟ ! وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمُهُ أَوْ أَيَا مَنْ الْمَعْلُومَاتِ عَنْه .
قَالَ الطَّبِيبُ : أَشْعَر بِالْخَوْف فِي عَيْنَاه .
صُمْت الْمُحَقِّق وَهُو يَلُوح بِالْخِطَاب مُسْتَفْهِمًا :
إنْ كَانَ هُوَ كَذَلِكَ ، كَيْف قَام بِبَعْث الْخِطَابَات .
انْطَلَق ( أَدْهَم ) ببراح الْأَعْشَاب وَالطُّرُق الواعرة ، كَان يَرْكُض تَارَةً وَتَارَةً أَخِّرِي يَجْلِس يُجَفِّف دِمَائِه الَّتِي نَشِبَت مِنْ أَثَرِ جروجة الَّتِي تَأَثَّرَت بجزوع الْأَشْجَار الْمُسْتَوْحِشَة الْعَجْفَاء ، وَعِنْد بَدَرَه الْأَمَل ، رَأْي سَيّارَة قادِمَةٌ حَتَّي سَمَحَتْ لَهُ بِالصُّعُود .
تَرَنَّح أَدْهَم مستفسرا :
أَيْن أَنَا .
قَالَ الرَّجُلُ الضَّخْم :
أَنْت بِيَد أَمِينَة .
جَهَر أَدْهَم بَعْد استقافة :
مَنْ أَنْتُمْ ؟ ! مَاذَا تُرِيدُونَ مِنِّي ؟ !
خَرَجَ رَجُلٌ طَوِيلٌ الْقَامَةِ ، يَتَكَلَّم بِثِقَة :
أَنْت مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَةِ علِيًّا ، غَدًا يَكُون الرَّحِيل .
شَعْر أَدْهَم بِالْوَحْدَة وَالرَّحِيل بِغَيْر رَجْعَة ، تَمالَكَ نَفْسَهُ متسائلا :
إلَيّ أَيْن تَأْخُذُونِي أَيُّهَا الْمُجْرِمِين ؟ !
أَشَار الرَّجُلُ الطَّوِيلُ قَائِلًا :
عَزِيزِي ، الْمُجْرِم هُوَ الْقَاتِلُ ، وَإِلَيْك هَذِه الْمُشَاهَد ، لَك مَا تُفَسِّر الْأَمْر .
حَتَّي أَن رَأْي الْمُشَاهَد صَرَخ أَدْهَم .
حَتَّي قَام الطَّوِيل بملاحقتة :
إنْ كُنْت مَكَانَك لهربت مِنْ الْعَدَالَةِ .
نَكَّس الْمُحَقِّق رَأْسِهِ بِلَا أَمَلِ يَنْطِق بِصُعُوبَة الْحُرُوف يقراء الْخَطَّاب الثَّالِث وَيَعْقُب بتواصل :
مُشَاهَدٌ تَدُلَّ عَلَيَّ قَتَلَه لِكُلّ عائِلَتِه ، أَدَانَه الْجَمِيع لَه ، تَوَكَّد أَنَّهُ الرَّجُلُ مُتَّهَم ، لَكِن ؟
هَلْ هُوَ رَجُلًا بَرِئ ؟ ! وَيَسْتَحِقّ الْمُجَازَفَة مِنْ أَجْلِهِ ، أَم رَجُلًا مُجْرِم .
أَفْرَغ الْمُحَقِّق الْخَطَّاب ، حَتَّي رَأْي رَقْمًا لهاتف محمول وَمِيقَات لِمَوْعِد الرَّحِيل .
اسْتَرَدّ الْمُحَقِّق وَعْيِه ، وَبَعْد الْقَلِيلِ مِنْ اللَّحَظَات ، وَقَد اِقْتَرَب الْمُحَقِّق مِنْ خَلْفِ هَيْئَة ضَخْمَةٌ بحوزتها رَجُلًا ضَئِيلٌ ، بِحَرَكَة وَاحِدَة اُسْتُوْقِف الْمُحَقِّق الْجَمِيع ، ثَار الْجُمُوع حَتَّي حَضَر المعاونين لَه بالمطار ، خَرَج ( أَدْهَم الزَّائِر ) مِنْ خَلْفِ الْمُجْرِمِين يَحْتَمِي بِالْمُحَقَّق وَأَعْوَانِه ، حَتَّي نَكَّس الْجَمِيع رُؤُوسَهُم ، وَكَانَت لَحْظَة تَارِيخِيَّةٌ ستؤرخ بصفحات تَارِيخ البِلادُ العَرَبِيَّةُ .
مَسَح ( أَدْهَم الزائر) عَنْ جَبِينِهِ ، يُحَاوِلْ أنْ يَعِيَ مَا حَدَثَ لتوة ، حَتَّي قَالَ الْمُحَقِّقُ
إلَيْك مَا تَمَّ أَمْرُهُ :
عِنْدَمَا يَتَحَدّثُ الْعَرَبُ عَنْ تَارِيخِ بِلَادِهِم بِبِلَاد غَرِيبَةٌ يَعْرِضُون أَنْفُسِهِم للمخاطرة ، وَبُدِى مِنْ أَمْرِكَ ، مَا يُفِيدُ لِلِاهْتِمَام الَّذِي دَفَعَ هَؤُلَاء الشُّخُوص الْعَمَل عَلِيّ تجنيدك .
بَرِح ( أَدْهَم ) عَن شُعُورُه متلعثما :
إنَّمَا اُنْظُر لِتِلْك الْمُشَاهَد ، لَقَد قَتَلْت أَبِي وَأُمِّي .
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
خُدْعَةٌ وترويض واستقطاب .
عَاد أَدْهَم يَتَساءل :
أَيْنَ أَبِي وَأُمِّي ؟ ! لَقَد تَحَدّثَت إلَيْهِمْ مُنْذُ أُسْبُوعٍ فَقَط .
قَالَ الْمُحَقِّقُ بَلَغَه صادمة :
قُتِل وَالِدَاك مُنْذُ سَنَواتٍ ، بِفَضْل هَؤُلَاء الْمُجْرِمِين .
صُمْت ( أَدْهَم ) حَتَّي قَال :
إذَا أَنَا مُطارِد مِن سَنَوَات ، وَكُلّ الَّذِي رَأَيْته وَسَمِعْتُه خُدْعَةٌ .
قَالَ الْمُحَقِّقُ يَكِيل الْعِزَّة لِرَجُل :
اسْتَطَعْت أَنْتَ أَيْضًا خِدَاعِهِم بِإِرْسَال هَذِه الْخِطَابَات .
تَمْتَم ( أَدْهَم الزَّائِر ) يُفْسَح :
أَنَّه صَدِيق المتعاون .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق إلَيّ الطَّبِيب الشَّرْعِيّ قَائِلًا :
لَكِن هُنَاك حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .
اِقْتَرَب أَدْهَم متسائلا :
ماهي ؟ !
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
إِنَّك هُنَا بِأَرْض بِلَادِك ، وَلَم تَجَنَّد بَعْد بِفَضْل صَدِيقِك المتعاون .
بِكَي أَدْهَم يُشْعِر بالخجل ، حَتَّي أمَال رَأْسَه يُقْبَل سَطْحِ الأَرْضِ قَائِلًا :
يَوْمًا بِأَرْض بِلَادِي عَن أَعْوَام تَكُون مُسْتَهْدَف فِيهَا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق