اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

نعيم القبر | قصص قصيرة ...* محمد أبوالدهب

➤رجال الدولة
أثناء سَيرِي في الشارع -يقول أصدقائي إن خطوتي تشبه الخطوة العسكرية- توقّفتُ لأقرأ لافتةً إرشاديّة حكوميّة جديدة. واصلتُ طريقي، مستبعداً أن ألتزم بها يوماً. بدتْ لي مسألةً في غاية الخصوصيّة، أو علي الأقل اختياريّة.

افعلْ، ولا تفعلْ، وإلا!
وكنت لا أنتظر أن يعاقبوا كل هؤلاء الملايين، والذين من المرجّح وقوعهم في المخالفة، وإنْ بدون قصد. إنّ في معاقبتهم مجهوداً كبيراً علي رجال الدولة، المشغولين بالصغائر قبل الكبائر، من أجل راحتنا.
عدتُ إلي البيت. حكيتُ لزوجتي، أسامرها علي العَشاء، مُفنِّداً وجهة نظري بفصاحة، ومستمتعاً بالطعام. اصفرّ وجهها، وقفزتْ في مكانها، وأطاحت بطبق، وراحتْ تصرخ، كما لو أنها ستتخلّي، في لحظة، عن سبع سنواتٍ من العِشْرة الطّيّبة: (هل أنت...؟ وكيف بك...؟ ومنذ متي...؟ ولماذا صرتَ...؟)
انحشرتْ قطعة بطاطس مقليّة في حلقي.

➤نظريّة التابوت

قالَ أحدُهم إنه سألَ عني بإلحاح.
لم يسبق أن زُرتُ سجيناً. السجون قلاع مرعبة من حيث المبدأ، لا أدخلها إلا في الأفلام والمسلسلات، أخاف منها أكثر مما أخاف من ظلمة القبور. الموت أكرم وأرحم، علي حدّ علمي. لهذا لا أبالغُ في تفادي أسباب الموت، وأبالغ في الالتزام بالقوانين، لدرجةٍ أتخيّل معها أني أعيش داخل تابوت محكم الغلق، وتخنقني من وقتٍ لآخَر نوباتٌ من ضيق التنفّس!.. وبالتالي فإن فِراري الاحترازيّ من مكانٍ مغلق، لا تنطبق عليّ حتي الآن شروط دخوله، اختلقَ لي مكاناً متاحاً دائماً وأشدّ إغلاقاً.
سأخطّط، مُضطرّاً، لخوض المخاطرة في الساعات الحاسمة القادمة.
أتكلّم عن مجرّد زيارة، قد لا تستغرقُ دقائقَ حسب المسموح، برغم الطابع العسكريّ لكلماتي.
عَمِّي قُبِض عليه في قضيّة إتجار بالعُملة. تمّ تجديد حبسه عدّة مرّات، ونُقل من الحجز إلي أحد السجون. تناوبتْ عليه زياراتُ الأقارب والأصحاب، سواء في الحجز أو في السجن، فيما كنتُ أراقب الموقف من بعيد، وفقاً لقواعد نظريتي التابوتيّة. عندما عاد آخِرُ وفدٍ زائر، قال أحدهم إنه سأل عني بإلحاح. فهمتُ أنه لم يكن يسأل عن أحوالي، إنما عن سِرّ تخلُّفي عن زيارته.
ما أربكني أني فسّرتُ إلحاحه علي أنه نداءُ استغاثةٍ صريح. فرغم كَوْنه عمّي، إلا أنه يصغرني بكثير. التملُّص كان ممكناً لو أنها قضية قتل أو خطف أنثي مثلاً، بحجة استبراء الضمير والسُّمعة. لكننا نعلم أنه سيؤول إلي البراءة. المحامي أكّدَ هذا بثقة. ثم إنني لستُ جاحداً إلي هذا الحدّ. سأذهب لألبِّي النداء. فعلتُ أشياءَ مشابهةً من قبل؛ زرتُ أخي، عندما كان مُجنّداً، في مركز التدريب، الذي كان يحاكي سجناً.. تكرّر الأمر مع مجنّدين آخرين في العائلة.
في الطريق، لم يردعني توقُّع السلوك المتسلِّط للحرّاس عند التفتيش، ولا التطفّل الثقيل من زملاء عمّي المجرمين، إذا مضت الأمور كما في الأفلام والمسلسلات.
في نهاية الطريق، رجعتُ من حيث أتيت، لأن صوتاً أخرَسَ الجميع: (إذا دخلتَ فلن تخرج).

➤نعيم القبر

حلمتُ أني فتحتُ قبراً، وجلست مع الأموات. كانوا خمسة. صاروا ستّة، فأحدهم صغير لم يتجاوز عامين أو ثلاثة، ملفوفين في أكفانٍ ناصعة البياض، كأنّ خادماً يداوم علي غَسْلها لهم. وكانوا نائمين بطِيب خاطر، وبشكلٍ منظّم فالمسافة بين كل اثنين واحدة تقريباً. قعدتُ مقرفصاً في المنتصف، بحيث صار ثلاثةٌ عن يميني ومثلهم عن شمالي.
لم أعرف ماذا يتوجّب عليّ أن أقول أو أفعل.
لم يكونوا مصدرَ خوفٍ مثلما شاعت الفكرة، غير أني لم أكن بعيداً عن الخوف.
فقط راودتْني رغبةٌ صافية في النوم، كما لو أني حسدتُهم، وكما لو أني لم أكن نائماً من المنبع!
طُرِدتُ من الحلم، لما تململ أقربهم إلي يساري، ورفع رأسه، ثم كشف عن وجهه، وانبري يحدِّق باستغرابٍ وضِيق، يوشك أن يتساءل: (مَنْ هذا المزعج؟)
سأظلّ أذكر هذا الحلم بكلّ خير، ولن أصفه بالكابوس، حتي في أشدّ عوارض قنوطي، لأنه صار دليلي إلي نعيمٍ يلوح علي بُعْد خطوة.

➤حول قراءة الواقع

البَناتُ ينجذبْن إليه، كثيراتٍ، مُندفعات.
لم أكن أهضم الحكاية.
والحكايةُ دليلٌ آخَرُ علي عبثيّة الحياة، رغم أني لم أنافسه، أو أنافس غيره، علي حيازة أيّ بنت. فقط أقرأ الواقع علي طريقتي.
كان موظّفاً بسيطاً بقصر الثقافة ورسّاماً، قصيراً بديناً أسمر. مَنْ يتمعّنْ في شعر رأسه الهائش المفلفل، أيامها، يتوقّع أنه سيصاب بالصَلَع خلال سنوات قليلة. ويستقبلُ الداخلَ عليه المَرسَم كما يستقبلُ البُرصُ المُقبلَ علي ضربه بالشبشب.
كنتُ، وقتها، مؤمناً بأن قصر الثقافة هو المكان الذي سيصنع مني أشهر كاتب في العالم!
صاحبتُ الموظّف الفنان ما لا يقلّ عن عشر سنوات، ما لا يقلّ عن مائةً وعشرين شهراً. لا يمرّ شهر إلا وألاحظ تجمُّعاً من المتعاطفين والمتعاطفات، في ركنٍ من أركان القصر، حول بنتٍ رقيقة تبكي بصدق، لأن المذكور لا يبادلها نفس المشاعر برغم أنها قدّمت كل القرابين، أو لأنها اكتشفتْ أنه يفضّل أخري عليها، أو لأن بنتاً، رقيقةً أيضاً، هدّدتْها بأنها إذا لم تبتعد عن طريقه فستنسفها من علي وجه الأرض!.. أحياناً تطلب مني البنت، المطعونة في قلبها، الوساطة، باعتبار أني صديقه المقرّب، وكنت أخفق دائماً في توفيق الأوضاع.
تذكّرتُ كل شيء لما رأيته هذا الصباح، بعد عشرين عاماً من الخصام البارد. كنت واقفاً في بلكونة الخامس، عند حماتي، أشرب الشاي وأدخّن سيجارة مثل كل يوم. كان خارجاً من الملعب المواجه للعمارة، مرتدياً زيّاً رياضياً كاملاً. يبدو أنه جري حول التِّراك، ليحافظ علي لياقته وشبابه (تجاوز الخمسين ولا يزال أكرش) وعلي رأسه كاب رمادي (علمتُ منذ فترة أنه لم يخذلني في مسألة الصَلَع).. في الناحية الأخري من الشارع، تسير بنت، أظنّها لم تبلغ السابعة عشرة، وحيدةً وفي يدها كتاب. كانا متوازيَيْن. ولابد أنها انتبهتْ إليه وقد هاجمها بنظرةٍ كأنها عابرة، فدافعتْ عن نفسها بنظرةٍ كأنها مُستهجِنة. قبل أن يغيبا عن مدار رؤيتي، كانت نظرات الهجوم والدفاع قد تكرّرتْ ثلاث أو أربع مرّات. وحين تقاطع بهما الشارع عند المفارق، ابتسمتْ له البنت ابتسامةً تعيد الغائبَ إلي أهله في طرفة عين. وابتسمتُ أنا!

➤عن البكاء

صرتُ مقتنعاً بحاجتي إلي وصفةٍ دوائيّة، أو تعويذةٍ سحريّة، تمكّنني من البكاء، عند اللزوم، مثل خلق الله. ليس بالضبط مثلهم. لا أعني دوافعهم. ما عاد يشغلني أن أبكي عند موت شخصٍ عزيز، أو تعبيراً عن المشاركة الوجدانيّة لعذابات مَنْ يهمّني أمرُه. إنها مظاهرُ لا يصيبني عدم التمكُّن منها بالحَرَج. فالحزن في القلب كما يقولون. كل ما أريده أن أكون موهوباً في البكاء من حيث الجوهر، كما لو أني سأحتاجه بشدّة، قريباً، في أحوال مُبهمة!
سألتُ أمّي مرّةً -قبل أن تموت بسنواتٍ كثيرة- عن ردود أفعالي، عندما أتضايق أو أحزن أو يسيل دم طفولتي. قالت إنني كنتُ أزنّ مثل النحلة، وأدور مثل الدبّور، دون أن تنزل من عيني دمعة. قالت إن ذلك كان يُضحكها، ويصيبها بالصداع.
عندما جاءنا خبر وفاتها، كنت في البيت مع أبي وأختي. أبي قال (يا حبيبتي) ثم لم يفُتْه شيء: نهنهة، نحيب، دموع كالمطر. أختي فعلت الشيء ذاته، مضافاً إليه التخاطر الخاص بين البنت وأمها حين تسافر إحداهما. دخلتُ أنا غرفتي. غيّرت ملابسي. تأكّدتُ أن معي ما يكفي من المال. وقفت أمام المرآة أراقب هيئتي قبل أن أخرج. فكّرت في أن موتها قد سدّ كل المسامّ التي كانت متاحةً لي لمواصلة التنفّس. وفكّرتُ أن أبي لم يبكِ طوال خمسٍ وثلاثين سنة. ذهبت لأقابل أخي في المستشفي، فوجدته يبكي كما لو كان تحوّل إلي ماكينةٍ تُدِرُّ البكاء.
ليس هذا ما أطلب تذكيري به، كحجّةٍ قوية علي عِلّتي الخطيرة. إنه خارج الموضوع، حتي لو كان الموضوع نفسه لا يزال علي إبهامه.
لعلّه حسابٌ طويل عسير، تراكَمَتْ فاتورته كمتتاليةٍ من الخدائع والتوهُّمات، خُضتُها بعيونٍ يابسة (وفاة الأم والأب وأكثر الطّيّبين، طلاق الزوجة للفشل في إخراج الأمّ التي تسكنها، لهاث اليقين بالناس، الذهاب عن الله وإليه، التّواكُل علي الوقت، الاستنطاق المهلوس للموت)
تُرِكتُ وحدي، مثل حاملٍ لعَدْوي لا مَصْل لها.. أشتهي بكاءً من النوع الذي يُثبت الحالة، ثم لا يُبقي لها أثراً!

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...