⏪تأليف: شيلدون ريتشمان
⏪عرض وترجمة: نضال إبراهيم
صاحبت إنشاء «إسرائيل» على أنقاض فلسطين التاريخية رواية تاريخية مشوهة، عملت على إخفاء الطبيعة الحقيقية للمشروع الصهيوني الاستعماري. وبنى الصهاينة أسطورة ولادة «إسرائيل» المعجزة في قلب صحراء قاحلة فارغة. لقد كان مؤلف هذا الكتاب شيلدون ريتشمان مدركاً للتزوير الصهيوني للتاريخ سنوات عدة، وقد تحدّى بشكل كامل وشامل الأساطير «الإسرائيلية» المتكررة في العديد من مقالاته المكتوبة، وهو ما يتطرق إليه في هذا العمل.
يتضمن الكتاب مجموعة من المقالات التي جمعها شيلدون ريتشمان، على مدار 30 عاماً، ويكشف فيها التاريخ الحقيقي لكيفية انتزاع «إسرائيل» ملكية الفلسطينيين، وسلبهم أراضيهم. ويسعى الكاتب في هذا العمل إلى إيضاح حيثيات القصة
النموذجية التي رويت لمعظم الأمريكيين عن تأسيس «إسرائيل»، وكيف تم التلاعب بها على مدار سنوات طويلة، وهو لا شك، من دعاة ترسيخ الحرية، والسلام، والتسامح، في فلسطين، و«إسرائيل».
نشأ شيلدون في فترة اعتقد فيها الكثير من اليهود، في أعقاب «الهولوكوست»، أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، كما أعلن الصهاينة.. لكن فهِم بعض اليهود حقيقة ما كان يحدث، ولم يتوجهوا إلى فلسطين. كان شيلدون محظوظاً بوجود جدّ من ناحية أبيه كان يشكك في المزاعم الصهيونية. وهذا جعل شيلدون يفكر في هذه الأشياء، وهو ما فعله بقية حياته. هذه المجموعة من المقالات مساهمة أساسية في فهم اليهودية والصهيونية، والصراع المستمر في الشرق الأوسط.
يتوقف ريتشمان عند التزييف «الإسرائيلي» الصارخ للتاريخ، ويشرح أجزاء من الخطاب السياسي «الإسرائيلي» الذي يهدف إلى محو الشعب الفلسطيني. ويوجه القارئ إلى التصريحات المشينة التي أدلت بها رئيسة الوزراء «الإسرائيلية» جولدا مائير (1969-1974) لصحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في يونيو/ حزيران 1969، قائلة: «ليس الأمر كما لو كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين يعتبر نفسه شعباً فلسطينياً، وذهبنا وألقينا بهم بعيداً وأخذناهم بعيداً عن بلدهم. لم يكونوا موجودين».
ومع ذلك، لا يجب النظر إلى تعليقات جولدا مائير بمعزل عن المسار الصهيوني «الإسرائيلي» الراسخ الذي خطط لاستئصال الفلسطينيين، ومطالبتهم التاريخية بفلسطين، وثقافتهم، وهويتهم، وغني عن القول، حقوقهم السياسية. هذا المحو لا يزال محورياً في الأجندة الصهيونية في فلسطين.
تطبيع نظام الفصل العنصري
في الواقع، ظلت الفكرة القائلة إن الفلسطينيين لا يملكون شعوراً ذا إحساس جماعي بالدولة، مفهوماً محدداً للصهيونية حتى يومنا هذا، وانتشرت إلى ما وراء حدود «إسرائيل». والإنجيليون المسيحيون الأمريكيون مؤيدون بشدة لهذه الفكرة، الأمر الذي دفع بعض السياسيين الأمريكيين إلى تبنيها علناً في عام 2011، وعلى سبيل المثال، أخبر المرشح الرئاسي الأمريكي، نيوت جينجريتش، القناة اليهودية أن الفلسطينيين كانوا «أشخاصاً مبدعين، وأن الشعب الفلسطيني اختراع عربي، وكان جزءاً من المجتمع العربي من الناحية التاريخية. وكان لديهم فرصة للذهاب إلى أماكن كثيرة، ولأسباب سياسية متنوعة قاموا بمواصلة هذه الحرب ضد «إسرائيل» منذ أربعينات القرن الماضي».
إن تزوير التاريخ المستمر له أهداف أكبر من محو الشعب الفلسطيني، ومطالبته الجماعية بحقوق الإنسان، وكرامته، فهو يهدف إلى تطبيع الاحتلال العسكري «الإسرائيلي»، وترسيخ الفصل العنصري.
ومن بين الأدوات الكثيرة التي تهدف إلى تطبيع نظام الفصل العنصري في «إسرائيل» كانت «عملية السلام» الطويلة، والمؤلمة، والفاشلة في نهاية المطاف، والتي أعادت تسمية «إسرائيل» كطرف يسعى للسلام في مسعى من قيادة الولايات المتحدة لحل المأساة التي استمرت لعقود. وتم تحقيق أوسلو من خلال مفاوضات على نمط المفاوضات الأمريكية، التي كانت تعمل إلى حد كبير خارج إطار القانون الدولي.
والمحادثات التي بدأت في مدريد في عام 1991، وتبعها اتفاق أوسلو للسلام في عام 1993، وبروتوكول بانس في عام 1994، وبروتوكول الخليل في عام 1997، وواي ريفر في عام 1998، وكامب ديفيد في عام 2000، والاتفاقيات والتفاهمات الأخرى، أدت إلى تعزيز الاحتلال «الإسرائيلي» فقط، وازدياد عدد المستوطنين اليهود غير الشرعيين ثلاثة أضعاف، والتوسع الكبير في شبكة المستوطنات «الإسرائيلية» غير القانونية في الأراضي المحتلة.
ماذا يريد «الإسرائيليون»؟
يقول ريتشمان: «ما لن يقبله الفلسطينيون»، هو «دولة» لا تزيد على بضع قرى غير مجاورة مفصولة بجدار، «دولة» تؤكد «إسرائيل» سيطرتها النهائية عليها باسم الأمن. حتى هذا كثير بالنسبة لمعظم «الإسرائيليين»، ليس لديهم أي اعتراض على أن تمارس السلطة الفلسطينية سيطرة استبدادية على الفلسطينيين - هذا هو كل ما تم إنجازه من اتفاقات أوسلو، ما يعفي «الإسرائيليين» من العمل القذر في العلاقات العامة - لكنهم لن يقبلوا الفلسطينيين المسؤولين عن أمنهم الخاص ضد «إسرائيل»، ما يعني ليس الجيش «الإسرائيلي» فقط، ولكن أيضاً المستوطنين المتعصبين، والكثير منهم أمريكيون، لا يفكرون في قتل الفلسطينيين الذين يتعرضون للإفلات من العقاب.
وهذا أيضاً نتيجة لمحاولة «إسرائيل» المستمرة لمحو الفلسطينيين وتهميشهم عند كل منعطف، وإلغاء حقوقهم الإنسانية الأساسية. لكن بغض النظر عما تفعله «إسرائيل»، لا يمكن تغيير الحقيقة إلى الأبد. قصة فلسطين هي قصة الشعب الفلسطيني، لأنه ضحية الاضطهاد منذ النكبة، منذ إنشاء «إسرائيل» على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية في عام 1948.
أسطورة الديمقراطية الزائفة
هذا الكتاب هو أولاً، وقبل كل شيء، تحدٍ خطير ومقنع للخداع الصهيوني المطول والأكاذيب التي سبقت قيام «إسرائيل» نفسها. ووفقاً للدعاية الصهيونية، المدعومة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فإن «إسرائيل» دولة محبة للسلام، وتقدمية، وديمقراطية تواجه جحافل من العرب المعادين «للسامية». ويكتب ريتشمان: «في الأساطير الغنية في الشرق الأوسط، لا توجد أسطورة لها آثار خبيثة في الشؤون الحالية أكثر من تلك التي تقول إن إسرائيل مستعدة للتفاوض على السلام، وإن القيادة العربية ملتزمة (وتظل ملتزمة) بتدمير «إسرائيل»».
وفي الحقيقة، تحتاج «إسرائيل» إلى البقاء في شكلها الحالي غير الديمقراطي والعنصري والاستعماري، إلى أكثر من جيش قوي، وأسلحة نووية، ودعم أمريكي أعمى. كما يجب عليها أن تحافظ، لأطول فترة ممكنة، على الأسطورة القائلة إنها ملاذ ديمقراطي في بحر صاخب من العرب المستبدين، والعنيفين، الذين يشكلون تهديداً ليس للشعب اليهودي فقط، ولكن أيضاً للحضارة الغربية.
وكتاب ريتشمان يتحدى هذه الأسطورة السياسية، من خلال عمله عبر سنوات عدة في المنح الدراسية الموجهة أخلاقياً، والبحث المضني. وفي نهاية المطاف، هذا هو نوع من قول الحقيقة غير المرفق باعتذار، وهو ما تخافه «إسرائيل» أكثر من غيره.
وتوضح المقالات في العمل كيف غيرت الصهيونية وشوهت التقاليد اليهودية الإنسانية، وكذلك كيف غيرت الجهود السياسية الصهيونية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وجعلتنا، نحن الأمريكيين، في الواقع، مشاركين في الاحتلال «الإسرائيلي». وحصلت «إسرائيل» على مساعدات أمريكية أكثر من أي دولة في العالم. كما تبين لنا هذه المقالات، أن السلام والعدالة في المنطقة لا تخدم المصالح الأمريكية.
وتشير الانقسامات الحالية بين اليهود الأمريكيين بالتأكيد إلى حدوث أمور كثيرة. فعندما ينظر الناس إلى الوراء، في الوقت الذي حلت فيه القومية الضيقة محل المساهمة الدينية التاريخية لليهودية، والإيمان بالتوحيد الأخلاقي، والله الذي خلق الرجال والنساء من جميع الأعراق والأمم، سيتم تكريم أولئك الذين عملوا على الحفاظ على هذا التقليد.
أهمية فلسطين
لماذا فلسطين مهمة؟ يقول الكاتب: «إنه سؤال أطرحه على نفسي كل يوم تقريباً. هناك طريقة أخرى للتعبير عن ذلك، وهي «هل تخصيص الاهتمام الكبير بمحنة الفلسطينيين هو هوس يستحق الشك، أو استجابة مناسبة لظلم تاريخي متواصل؟ لن يتفاجأ أحد عندما أجيب أن الاهتمام الكبير يندرج في سياق استجابة مناسبة. فلسطين مهمة ويجب أن تكون موضع اهتمام. سأحاول شرح السبب».
السبب الأول، ربما بشكل أساسي، القسوة المطلقة - نطاق انتهاك الحقوق الإنسانية، أي الحقوق الفردية الطبيعية - لمعاملة «إسرائيل» للفلسطينيين، تستدعي اهتمام جميع الذين يؤيدون الحرية والقيم الليبرالية (الكلاسيكية) الأخرى: العدالة، والتعاون الاجتماعي، والتبادل الحر، والسلام. لنبدأ بالأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يقول المركز «الإسرائيلي» للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسليم»، على موقعه على الإنترنت: «نظام الاحتلال «الإسرائيلي» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتهاكات حقوق الإنسان»، وذلك في تناول ما يتميز به حكم «إسرائيل» في الضفة الغربية (مع ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني)، والقدس الشرقية (أكثر من 300000)، وقطاع غزة (نحو مليونين).
يقول الكاتب: «ليس من قبيل المبالغة وصف النظام بأنه مثال على الفصل العنصري، وهي الكلمة التي تستخدمها منظمات حقوق الإنسان «الإسرائيلية» والمسؤولون الحكوميون السابقون. (استخدم رئيس الوزراء آنذاك اسحق رابين الكلمة في تحذير يعود إلى عام 1976. وكذلك فعل أول رئيس وزراء ل«إسرائيل»، ديفيد بن جوريون، عندما كان خارج السلطة بعد حرب 1967).
عاش الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الحكم العسكري القاسي لأكثر من نصف قرن. وتتكون هذه القاعدة من قمع «منخفض المستوى»، مثل نقاط التفتيش (حتى بالنسبة إلى سيارات الإسعاف)، وتصاريح السفر، والطرق اليهودية فقط التي تعرّض الفلسطينيين للإذلال اليومي، والتعطيل، ونزوة الجنود المكلفين بمهمة السيطرة على السكان المحتلين».
السبب الثاني وراء أهمية فلسطين هو أن دافعي الضرائب الأمريكيين مجبرون على ضمان هذا النظام القائم على الظلم، والقمع. وتمنح الحكومة الأمريكية «إسرائيل»، الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية بأفضل الشروط. حتى إدارة أوباما المزعومة بمناهضتها ل«إسرائيل» سجلت رقماً قياسياً في تقديم المساعدات العسكرية ل«إسرائيل»، التي تنتهك القانون الأمريكي (والقانون الدولي)، باستخدام الأسلحة لقمع الفلسطينيين، وشن حرب ضد المدنيين. ولم يعاقب أوباما «إسرائيل» لتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، والقدس الشرقية، على الرغم من أن الحكومة الأمريكية كانت تعتبرها رسمياً أنها انتهاك للقانون الدولي. ويبرر البعض هذا الدعم غير المحدود والفريد ل«إسرائيل» على أساس أن «إسرائيل» هي «رصيد استراتيجي» أمريكي، ويتحدث الزعماء «الإسرائيليون» بسخرية بهذه الشروط. لكن هذا لا معنى له. لسبب واحد، كما اعترف العديد من القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين منذ 11/9، بدلاً من كونها رصيداً، كانت «إسرائيل» ذات مسؤولية. إن السبب الكبير وراء الإرهاب الموجه ضد الأمريكيين هو بالتحديد المساعدة العسكرية الأمريكية غير المشروطة ل«إسرائيل»، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي لها. وما يقطع شوطاً طويلاً نحو شرح المبالغ الضخمة المقدمة ل«إسرائيل» كل عام - بمبلغ 10 ملايين دولار في اليوم - هو اللوبي «الإسرائيلي» المتنفذ، والذي يتفاخر بهيمنته على السياسيين الأمريكيين.
لقد خلقت «أيباك»، وغيرها من المنظمات اليهودية، بيئة يلوح فيها النقد ل«إسرائيل» أو الصهيونية باعتباره معاداة للسامية، على الرغم من أن هذه الرابطة التي لا أساس لها من الصحة بدأت أخيراً بالتلاشي.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المعادين الأشداء للصهيونية كانوا من اليهود. هل تتغير الأمور بشكل جذري إذا انتهت المساعدة من الولايات المتحدة؟ من الصعب القول إن إنهاء المساعدات سيكون بمثابة ضربة قوية ل«إسرائيل»، لكن الالتزام الأيديولوجي هو إبقاء الفلسطينيين في حالة من القمع قوي. ومع ذلك، فإن التواطؤ الأمريكي القسري في هذا الظلم يجب أن ينتهي.
السبب الثالث الذي أود الإشارة إليه هو تهديد نشوب حرب أوسع، حرب يمكن أن تتجاوز فلسطين، و«إسرائيل» وحتى خارج الشرق الأوسط. لقد حذر المحللون منذ فترة طويلة من أن المنطقة يمكن أن تكون نقطة اشتعال لحرب تشمل إيران، وقوة إقليمية طويلة الأمد، وروسيا. نحتاج فقط إلى النظر إلى سوريا، حيث تدخلت روسيا وإيران نيابة عن حليفهما الرئيس بشار الأسد، الذي تحاول الولايات المتحدة و«إسرائيل» تقويضه - ومساعدة الجماعات المرتبطة «بالقاعدة»، مرتكبي هجمات 11 سبتمبر.
الكتاب صادر عن معهد «ذا ليبريتيريان» في سبتمبر/ أيلول 2019، في 200 صفحة من القطع المتوسط، باللغة الإنجليزية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبذة عن المؤلف
* شيلدون ريتشمان، هو المحرر التنفيذي لمعهد «ذا ليبريتيريان»، ورئيس التحرير السابق لصحيفة «فريمان» التي نشرتها مؤسسة التعليم الاقتصادي، ونائب الرئيس السابق لمؤسسة مستقبل الحرية. وهو مؤلف كتاب «الفصل بين المدرسة والدولة: كيف تحرر عائلات أمريكا، «أموالك أو حياتك: لماذا يجب علينا إلغاء ضريبة الدخل»، و«المواطنون المقيدون: حان الوقت لإلغاء دولة الرفاه»، و«الثورة المضادة الأمريكية: إعادة النظر في الدستور»، وغيرها من الأعمال الصحفية والبحثية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق