⏬ جلس في ركن بعيد داخل حجرته الخاوية من الأثاث !! راح يجتر ذكريات ألمت به وكان يغسل أحزانه بعبرات تنهمر من مقلتيه تشق تلك الندوب التي ظهرت علي وجهه ، لم يكن يحسب في يوم ما أن أحواله ستئول لما آلت إليه ، من كان وعلي أسوأ
الظروف يظن أن هذا الشخص الذي كان مليء السمع و البصر والأضواء والشهرة سينتهي به الحال في إحدى الحجرات التي كانت تستخدم كمخزن للأشياء القديمة فوق سطح العمارة التي كان يملكها يوما ما ، وتعود به الذاكرة كفلاش باك ، يري أمام عينيه الأحداث كشريط سينمائي باهت ، فكم من مظلوم قد أطاح به في عنفوان قوته ، لم يكن للضمير محل في تصرفاته ، وكم بيديه هدم أسر كانت سعيدة ، تعيش الحياة بحلوها ومرها صابرة علي نوائب الدهر أو سعادته ، إنه كان الشيطان كما يحلو له أن يصف نفسه ،ذات يوم وأثناء تجواله بمصنعه شاهد عامل هزيل يجلس بجوار الماكينة التي يعمل عليها ، لم يتبادر لذهنه أن يسأل الرجل عما ألم به ،لكنه عنفه بشدة وأخذ يكيل له الكلمات الموجعة ، الرجل كانت تبدو عليه مظاهر الإعياء من شدة المرض فتحامل علي نفسه وعبثا حاول إفهامه أنه مريض ، لم يستمع له ، وأصر علي طرده ليكون عبرة لغيره من العمال، خرج الرجل منكسر وهو يردد (( حسبي الله ونعم الوكيل)) كانت الكلمات خارجة من صدر مكلوم ، وذات يوم آخر ، هذه المرة وهو جالس في سيارته الفارهة ، اقتربت منه امرأة عجوز تسأله أن يعطيها مما أعطاه الله ، سبها بأفظع الألفاظ وقام بإغلاق نافذة السيارة وهو يصرخ في السائق أن يبعده عن هذه الآفة كما وصفها ، نظرت إليه العجوز والدموع تنساب من عينيها ودعت عليه هذه الدعوة (( إلهي يحرمك مما أنت فيه ، وتذوق آلام ما أنا فيه ، ويبتليك ولا تجد من يحنو عليك)) وكأن الله ساق له أسباب التوبة عله يتوب، لكن مثل هذا لا يمكن أن تجد في قاموسه معني التوبة، إنه نمرود، كلما أعطاه الله غشيت بصيرته، وأنكر فضله كما كان يفعل قارون ولسان حاله يقول : إنما آتيته عن علم عندي فلم يكن شيء يردعه عن جموحه الشيطاني ، ولم يكن ليترك إثما ما إلا وفعله مغترا بماله، محاطا بزبانية جهنم من رفقاء السوء، لم يتزوج ، ولما يتزوج هكذا كان يجيب علي هذا السؤال لنفسه ولمن يوجهه له ، كان يصر علي الرذيلة ، فلماذا يتزوج !! دارت الأيام دورتها وبدأ نزيف الأموال والممتلكات يبذلها وفاءا لخساراته المتعددة والمتكررة، في القمار تارة ، وفي جلب ملذاته الآثمة ، شرع في رهن شركاته حتي فوجئ مع تقدم عمره أنه يمتلك الريح ، تبخرت أمواله، بارت صناعاته، وتوقف الحال ، بدأ ضميره يستيقظ لكن بعد فوات الأوان، أين كان هذا الضمير حينما كان يقسوا علي الضعفاء من الناس ؟ أين كان هذا الضمير وهو جالس علي موائد القمار ، أين كان حينما ضاجع العاهرات ، الرذيلة ثم الرذيلة كانت مبتغاه عن إرادة وإصرار، لم يأبه بالمخلصين الذين كثيرا ما نصحوه، اعتقد أنهم إنما شلة من المنتفعين يريدون تحليل ما يقومون به من أعمال، الحلال في تفكيره بعيدا ولم يخطر له علي بال ، أيقن كل ذلك بعدما صار وحيدا وانفض من حوله شلة الأفاقين والمتسلقين، يعاني آلام المرض ، لايجد عقارا ناجعا يقضي علي آلام الشيخوخة التي نالت منه وانفض الجمع من حوله ، لم يجن سوي عذاب الضمير ، ودعوات المظلومين يتردد صداها في أذنه حتي أنه يتمني أن يصير أصم ولكن هيهات ، تذكر والدموع تنساب علي وجنتيه تلك الدعوة التي خرجت من فم العجوز حينما نهرها يوما وهو جالس في سيارته الفارهة (( إلهي يحرمك مما أنت فيه ، وتذوق ما أنا فيه ، ويبتليك ولا تجد من يحنو عليك )) ..
*محمود مسعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق