اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

«الفأرة» لأناييس نن ... **ترجمة: ريم غنايم



عشنا أنا والفأرة في عوّامة على مقربة من نوتردام حيث ينحني نهر السّين بلا نهاية مثل أوردة حول جزر قلب مدينة باريس.
كانت الفأرة امرأةً صغيرة ذات أرجل رقيقة، ونهدين كبيرين وعينين مذعورتين. تنقلت خلسةً وهي تحرس العوّامة، أحيانًا بصمت،
وأحيانًا كانت تنشد مقطعًا من أغنية. سبع نغمات قصيرة من أغنية شعبية بريتانيّة، تتبعها دائما قعقعة القدور والقلايات. كانت دائمًا تشرع في الغناء ولا تنهي الأغنية، كما لو كانت أغنيةً سُلِبَت من قسوة العالم. وشيء ما كان يسبب لها الخوف، الخوف من العقاب أو من الخطر. كانت حجرتها أصغر مقصورة في العوّامة. احتلّ السّرير مساحتها، ولم يتبق سوى ركن لطاولة ليلية صغيرة، ولخطّاف لملابسها اليومية، ولشبشبها فأريّ اللون، وكنزتها وتنورتها فأريّتي اللون. احتفظت بملابس يوم الأحد تحت السرير في صندوق، ملفوفةً بورق المناديل الورقية. كما احتفظت بقبعتها الجديدة والوحيدة وقطعة صغيرة من فراء الفأر في المناديل الورقية. على الطاولة الليلية، وُضعت صورة لزوجها المستقبلي بالزيّ العسكريّ.

كان أكبر مخاوفها أن تقصد النافورة بعد حلول الظلام. كانت العوّامة مربوطة قريبًا من الجسر وكانت النافورة تحت الجسر، حيث اغتسل الجوّابون المتشردون ورقدوا في ساعات الليل أو جلسوا في دوائر يتحدثون ويدخنون. أثناء النهار، جلبت الفأرة الماء في سطل، وساعدها الجوابون على حمله مقابل قطعة من الجبن، بقايا نبيذ أو قطعة من الصابون. ضحكت وبادلتهم أطراف الحديث. ولكن بمجرد حلول الليل شعرت بالخوف منهم.

أطلّت الفأرة من مقصورتها الصغيرة مرتديةً زيّها الفأريّ: بلوزة، تنورة ومئزرًا باللون الفأري. انتعلت شبشبًا رماديًا ناعمًا. كانت دائما تسير بعجلة كما لو كانت مهددة. إذا ضُبطت أثناء تناولها الطعام، أخفضت عينيها وسعت إلى إخفاء الصحن. إذا شوهدت وهي تخرج من مقصورتها، أخفت على الفور ما كانت تحمله كما لو كانت لصّة. لم يكن أيّ عطف ليخترق خوف الفأرة، الذي تأصّل في جلد ساقيها الضامرتين. في كتفيها انحناءة كما لو كانا مثقلين بحمل، وكانت الأصوات الصّادرة إنذارًا لأذنيها.

أردتُ أن أبدّد خوفها. تحدثت معها عن منزلها وعائلتها والأماكن التي عملت فيها سابقًا. أجابتني الفأرة بشكل مراوغ، كما لو وقع استجوابها على يد محقق. كانت تبدي ريبةً واضطرابًا من أيّ سلوكٍ وديّ. عندما كسرت صحنًا، انتحبت عليه قائلةً: “ستخصمه المدام من راتبي”. وعندما أكدت لها أنني لا أؤمن بفعل ذلك لأن الأمر كان عبارة عن حادث، وقد يحدث معي أيضًا بنفس القدر، سكتت.

ثم تلقت الفأرة رسالة جعلتها تبكي. استجوبتُها. قالت: “أمي تريد قرضًا من مدخراتي. فأنا أوفّر النقود للزواج. سأفقد الفائدة على المال”. عرضت عليها أن أقرضها المبلغ. قبلت الفأرة العرض لكنّها بدت مرتبكة.

عندما فكرت الفأرة أنها لوحدها في العوامة، شعرت بالسعادة. أنشدت افتتاحيّة الأغنية القصيرة التي لم تنهها قطّ. أحيانًا، بدلا من رتق الجوارب، خاطتها لنفسها، لزواجها.

كان البيض سبب أوّل عاصفة. تلقّت الفأرة دائمًا نفس الطعام الذي تناولته أنا، ولم تحظ بنفس معاملة الخادمة الفرنسيّة. كانت الفأرة سعيدة لتناول أيّ شيء، إلى أن جاء اليوم الذي نقصت فيه أموالي وقلت لها:

“اليوم ستجلبين بعضًا من البيض وسنعدّ العجة”. وقفت الفأرة مكانها، ورعب كبير في عينيها. لم تقل شيئًا ولم تتحرّك. كانت شاحبة جدا، ثم أخذت تبكي. وضعت يدي على كتفها وسألتها عن الأمر.

“أوه، مدام” قالت الفأرة، “عرفت أنّ الأمر لن يدوم. لقد توفّر لدينا اللحم يوميًا، وكنت في غاية السّعادة، ظننتُ أخيرًا أنّني وجدت مكانًا جيدًا. والآن أنت تتصرفين مثل الأخريات. بيض. لا أستطيع تناول البيض”.

“ولكن إذا كنت لا تحبين البيض، يمكنك شراء أيّ شيء آخر. لا مانع لديّ. لقد ذكرت البيض فقط لأنّ المال ينقصني اليوم”.

“ليست المسألة أنّني لا أحبّه. أحببته دائمًا، في المنزل، في المزرعة. أكلنا الكثير من البيض. ولكن عندما جئت إلى باريس لأول مرة كانت السيدة التي عملت عندها بخيلة جدًا- لا يمكنك تخيل ما كانت عليه. أوصدت جميع الخزانات بالقفل والمفتاح، زانت الأغراض، أحصت قطع السكر التي أكلتُها. وبختني دائما لتناولي الطعام أكثر من اللازم. جعلتني أشتري لها اللحوم كل يوم، ولكن البيض كان دائمًا من نصيبي، البيض على الغداء والعشاء، يوميًا، حتى أصبحت مريضة إلى أقصى حدّ. واليوم عندما قلتِ… ظننتُ أنّني عدتُ من جديد إلى ذلك الوضع”.

“عليك أن تكوني قد أدركت الآن أنني لا أريدك أن تكوني تعيسة هنا”.

“لستُ تعيسة يا مدام. أنا سعيدة جدًا هنا، فقط لم أصدق ذلك. اعتقدت طوال الوقت أنّ في الأمر خدعة، أو أنك سوف توظّفينني لمدة شهر واحد فقط وأنّك تنوين طردي قبل العطلة الصيفية، حتى لا تضطري لدفع راتب إجازتي، وأكون بهذا قد علقتُ في باريس في الصيف بلا عمل، أو خلت أنك ستقيلينني قبل عيد الميلاد حتى لا تضطري إلى إعطائي هدية العام الجديد، لأن كل هذا حدث معي من قبل.

حدث أن كنت مرّة في منزل لم أقو على مغادرته. في الأمسيات، كان عليّ أن أعتني بالطفل، وفي أيام الأحد، عندما خرج الجميع، كان عليّ أن أعتني بالمنزل”. سكتَت. كان ذلك كل ما قالته طيلة أسابيع. لم تشر إلى البيض مرة أخرى. بدت أقل خوفًا بقليل، لكنها تعجّلت في سيرها كالعادة، وأكلت كما لو كانت تخاف من ضَبطها أثناء تناولها الطعام. ومرة أخرى، لم أستطع اختراق حدود خوف الفأرة. حتى عندما أعطيتها نصف تذكرتي في القرعة، حتى عندما أعطيتها إطارًا لصورة زوجها المستقبلي، حتى عندما أعطيتها ورقًا للكتابة بعد أن ضبطتُها وهي تسرقني.

وفي يومٍ، غادرتُ العوّامة لمدة أسبوع، وبقيت الفأرة بمفردها تحرسها. عندما عدت واجهتُ صعوبةً في قنص نظرات الفأرة أو إضحاكها. كانت هناك امرأة تسير على الرّصيف برفقة حبيبها فقدت قبعتها. سقطت في النهر. دقّت على بابنا وسألت الفأرة إذا كان بإمكانها أن تدخل العوامة لتلتقطها بواسطة عصا حيث طفت على الجانب الآخر للعوامة. حاول الجميع الوصول إليها من خلال النوافذ. كادت الفأرة تسقط من ثقل المكنسة وقوة دفع التيار. ضحك الجميع، وضحكت الفأرة. ثم خافت عند سماعها ضحكتها وسارعت إلى عملها.

مرّ شهر. وفي يومٍ، كانت الفأرة تطحن القهوة في المطبخ عندما سمعتها تتأوّه. وجدتها شاحبة للغاية، تتلوّى من آلام في بطنها. ساعدتها في الوصول إلى مقصورتها. قالت إنّه عسر هضم. لكن الآلام ازدادت سوءًا. تأوهت لمدة ساعة، وأخيرًا سألتني إذا كان بإمكاني أن أدعو طبيبًا كانت تعرفه حيث كان يقيمُ في الجوار. زوجة الطبيب هي التي استقبلتني، وقد سبق أن عالج الطبيب الفأرة، إلى أن أقامت في العوّامة، الأمر منع الطبيب من عيادتها لأنّه كان “معاق حرب” وبسبب ساقه الخشبية لم يكن متوقّعًا منه أن يمشي على لوح العبور المتداعي إلى عوامة متراقصة. كان ذلك مستحيلاً، كرّرت الزوجة. لكنني توسلت إليها. أوضحت أن لوح العبور ثابت، وأنّ له درابزينًا في أحد جانبيه، وأن العوامة لا تتحرّك إلا إذا مرّت عوامة أخرى من المكان، وأنها راسية بالقرب من السلالم ويسهل دخولها. كان النهر هادئًا جدًا في ذلك اليوم، ولم يكن هناك أي خوف من وقوع أي حادث. اقتنعت زوجة الطبيب جزئيًا ووعدتني جزئيًا بقدوم الطبيب بعد ساعة.

نظرنا عبر النافذة ونحن ننتظر قدومه، ورأيناه يعرج على لوح العبور متردّدًا أمامه. مشيتُ فوقه لأريه مدى ثباته، وقد عبره وهو يعرج ويكرر ببطء: “أنا معاق حرب”. لا أستطيع أن أعتني بالأشخاص الذين يعيشون في العوّامات”. لكنه لم يسقط في النهر. دخل المقصورة الصغيرة.

اضطرت الفأرة لتقديم تفسيرات معينة. خشيَت من أن تكون حبلى. حاولَت استخدام شيء أخبرتها عنه أختها، أمونيا صافية، وها هي الآلام الرهيبة تصيبها.

هز الطبيب رأسه. كان على الفأرة أن تزيل الغطاء عن نفسها. كان غريبًا رؤية الفأرة الصغيرة وساقاها الضامرتان مرفعوتان نحو الأعلى.

سألتها لماذا لم تخُبرني.

“خفت أن تطردني المدام”.

“بالعكس، كنت سأقدّم لك المعونة”.

تأوّهت الفأرة. قال الطبيب: “لقد خاطرتِ بعدوى فظيعة. إذا لم تزُل الآن، فعليك الذهاب إلى المستشفى”.



“لا، لا أستطيع أن أفعل ذلك، سوف يصل الأمر إلى أختي وسوف تغضب مني وسوف تخبر أمي”.

قد تزول العدوى من تلقاء نفسها، ولكن هذا كل ما يمكنني فعله: يحظر علي التعامل مع هكذا مسائل. في مهنتي يجب أن أكون حذرًا، لمصلحتي. أحضري لي ماء ومنشفة”.

غسل يديه بحرص، وهو يتحدّث طوال الوقت عن حقيقة أنه لا يستطيع العودة، وأن كل ما يأمله هو ألا تصاب بالعدوى. كانت الفأرة تجلس محدودبة عند طرف سريرها تتأمل بقلق الطبيب الذي كان يغسل يديه من المسؤولية. لم ينظر “مُعاق الحرب” إلى الفأرة على أنّها إنسان. قال بوضوح: أنت مجرد خادمة، مجرد خادمة صغيرة، وكحال كلّ الخادمات، تقعين في المشاكل، وهذا ذنبك. الآن، قال بصوت عالٍ: “أنتن الخادمات توقعننا، نحن الأطباء، في المشاكل”.

بعد أن غسل يديه، سار وهو يعرج على لوح العبور بلا رجعة، وعدتُ إلى المقصورة وجلستُ على سرير الفأرة.

“كان عليك أن تُشركيني سرّك، كنت سأساعدك. ارقدي الآن بهدوء، سأعتني بك”.

“لا ترسليني إلى المستشفى، سوف تعرف أمي بالأمر. حدث ذلك فقط لأنك سافرتِ، وفي تلك الليالي التي كنت فيها لوحدي شعرت بخوف رهيب. خفت كثيرا من الرجال تحت الجسر إلى درجة أنّني سمحتُ لرجُلي أن يبيت هنا، وهذا ما حدث، لأنني كنت خائفة”.

هذا ما حدث مع الفأرة، فقط بسبب الذعر، فاندفعت نحو الكمين، ووقعت فيه. كان هذا هو الحب الذي عرفته الفأرة، لحظة الذعر هذه، في الظلام.

“للأمانة يا مدام، هذا الأمر لا قيمة له. لا أرى أي شيء فيه على الإطلاق. التورط في كل هذه المشاكل لاحقًا، الوقوع في الكمين على هذا النحو، ومن أجل ماذا؟ إنه ليس شيئًا استثنائيًا”.

“ارقدي بهدوء، سأعود لاحقاً لأرى ما إذا كنت مصابة بالحمى”. بعد ساعات قليلة نادتني الفأرة: “لقد حدث يا مدام، حدث!”

لكن الفأرة كانت مصابة بالحمى التي كانت في اطراد. أصابتها العدوى، ولم يحضر أي طبيب إلى العوامة. بمجرد أن عرفوا المشكلة رفضوا الحضور، خاصة أن الحديث يدور حول الخادمة. هذا ما حدث في كثير من الأحيان. كانوا يقولون، يجب أن يتعلّمن ألاّ يتورّطن في المشاكل.

وَعدتُ الفأرة أن أتحدث إلى أختها وأختلق سبباً لغيابها إذا ما سمحت لي باصطحابها إلى المستشفى. وافقَت وعرضتُ عليها أن أحزم لها الحقيبة. عند سماع كلمة حقيبة شحبت الفأرة. تمدّدت بلا حراك وبدت أكثر خوفًا من أي وقت مضى. لكنني أخرجت الحقيبة من تحت السرير ووضعتها بجانبها.

“أخبريني أين هي ملابسك. سوف تحتاجين إلى الصابون، فرشاة أسنان، منشفة…”

“مدام …” قالت الفأرة بتردّد. فتحت الطاولة الصغيرة بجانبها. سلّمتني كل الأغراض التي اعتقدتُ أنها ضاعت خلال الشهر الماضي، صابوني، فرشاة الأسنان، المنشفة ، أحد المناديل، إحدى اسفنجات مساحيقي. أشياء كثيرة، لدرجة أنّني ابتسمت. من الرف، برزت إحدى قطع ملابسي الداخليّة. تظاهرتُ بعدم الملاحظة. كانت وجنتا الفأرة حمراوين من فرط الحمى. حزمت حقيبتها الصّغيرة بعناية. ورزمت أوراقًا للكتابة لرجُلها، وعدّتها الحياكة. طلبت منّي أن أبحث عن كتاب أرادت إدراجه. كان كتاب “مختارات للأطفال”. كانت الصفحات العشر الأولى قد اهترأت من قراءة الفأرة فيها- قصص عن الحَمَل، البقرة، الحصان. يبدو أنها قرأت نفس الصفحات لسنوات عديدة، كانت باليةً جدا ورمادية مثل شبشب غرفة نومها. قلت للفأرة إنني سأشتري لها شبشبًا جديدًا. مدّت الفأرة يدها إلى محفظتها المخبأة تحت الفراش.

“يا إلهي، ألم يعطك أحد أيّ شيء من قبل؟”

“لا يا مدام”.

“لو كنتُ فقيرة وأرقد في السرير، ألن تشتري لي شبشبًا لو احتجت إليه؟”

هذه الفكرة أخافت الفأرة أكثر من أي شيء آخر. لم يكن في مقدورها أن تتخيّل هذه الحالة العكسيّة.

“الأمر ليس سيان” قالت الفأرة.

حملوها خارج العوامة. بدت صغيرة جدًا. أصرت على ارتداء القبعة، قبعة يوم الاحد التي تمّ إخراجها من المناديل الورقية، والمعنقة ذات الفرو الصغيرة جدا بلون عينيها الفأريتين.

رفضوا في المستشفى استقبالها.

من هو طبيبها؟ لا يوجد. هل هي متزوجة؟ لا. من نفّذ الإجهاض؟ هي بنفسها. شكّوا في ذلك. نصحونا بأن نجرّب مستشفى آخر. كانت الفأرة تفقد دمًا. أهلكتها الحمى. أخذتها إلى مستشفى آخر حيث أجلسوها على مقعد. أحكمت الفأرة قبضتها على حقيبتها الصغيرة. أجهدوها بطرح الأسئلة. من أين أتت؟ أين عملت أول مرة؟ أجابت الفأرة بخنوع. وبعد ذلك؟ لم تستطع تذكر العنوان مما أدّى إلى تعليق الاستبيان لمدة عشر دقائق. وبعد ذلك؟ فأجابت الفأرة مرة أخرى. وضعت يدًا على بطنها.

اعترضتُ قائلة: “هذه المرأة تفقد دمًا، فهل كل هذه الأسئلة ضرورية؟”

حسنًا، إذا لم تكن تذكر العنوان الثالث، فهل تذكر أين عملت بعد ذلك؟ وما المدّة الزمنيّة؟ كانت المدّة عامَين دائمًا. لماذا؟ سأل الرجل في مكتب الاستقبال. وكأنّ حقيقة عدم تواجدها في المنزل لمدّة أطول هو أمرٌ مفاجىء. مثيرٌ للشبهات. كأنّها الجانية.

“لعلّك أجهضت نفسك بنفسك؟” سأل الرجل ملتفتًا إليّ.

المرأة التي نزفت على المقعد لم تعنِ لهم شيئًا. لا العينين الصغيرتين المستديرتين الرطبتين، ولا قطعة الفرو الصغيرة الممزقة حول رقبتها، ولا ذعرها. لا قبعة الأحد الجديدة والحقيبة الممزقة ذات الحبل بدلاً من المقبض. لا محفظة الجيب الزيتية، ورسائل الجندي المرصوصة بين صفحات كتاب المختارات. ولا حتى هذا الحمل، الذي نشأ في الظلام، من الخوف. إيماءة من الذعر، لفأرٍ يقع في الكمين.

*ريم غنايم
شاعرة ومترجمة فلسطينيّة


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...