إن ما يميز الكتابة السردية عند القاص "رائد الحسْن" هو الأسلوب الحكائي الموسوم بطابع الشعرية باعتبارها ركيزة أساسية من مرتكزات الخطاب الأدبي التي يرسي من خلالها وظيفته التواصلية وينشئ أبعاده الجمالية والتأثيرية...
اختار القاص "رائد الحسْن" أن يكون عنوان مجموعته القصصية القصيرة جدا "دندنة روح" علامة على باب ما تتضمنه مجموعته من نصوص، باعتبارها خيطا ناظما لها ولمضامينها وأبعادها الدلالية والإنسانية..
وقبل أن أدخل في مناوشة بعض النماذج من السرد القصير جدا في هذه المجموعة بالتحليل والتأويل لابد أن نقف على عتبتها، لنكشف عن بعض الإيحاءات أو الإشارات اللامحة التي يختزنها العنوان، ابتغاء الوصول إلى المعنى واستكناه الدلالة منها.
يتألف العنوان من اسمين كلاهما نكرة(دندنةُ) و(روح)مما أعطاهما معنى أوسع حيث أن النكرة تخالف المعرفة، كونها لا تدل على معين في ذاته لما تشتمل عليه من صفة العموم... فـ (دندنة) اسم دال في عمقه على صوت مكتوم في داخل النفس الإنسانية، يخرج من الجوف مبهما يعبر على اكتواء داخلي... مؤلف من حرفين هما: (دن + دن) وتكرارهما موسيقيا يعبّر عن تردد صوتي من كتم في النفس يحاول الخروج من كينونته الصامتة إلى الوجود عبر صفة الانفجارية التي يحتوي عليها صوت (الدال) وما يتميز به من شدّة وجهرية، لا يمكن معهما البقاء في الجوف... تساعده في ذلك النون الساكنة التي تحتضن الترددات الصوتية التي تبوح بها روح الكاتب على لسان أبطال قصصه وهي باسطة بذلك شكلها وكأنها إناء انفتح واتسع استعدادا لاستقبال ما تفصح عن الروح...أما كلمة (روح) فهي تشير إلى كل ما فيه حياة من الكائنات الحية، فهي هنا (روح) تحيا بدندنة القاص/ البطل أو بدندنات أبطال القصص المبثوثة في المجموعة، يعبر القاص "رائد الحسْن" من خلالها عن معاناة نفسية وإشكالات اجتماعية عميقة... وغيرها.
عنوان جاذب ومثير لفضول المتلقي يحفز على تخطي العلامة/ عتبة المجموعة، ولوجا إلى أعماق ما بث فيها من نصوص سردية، رغبة في البحث وتقصي أثار عزف "دندنة روح" على مشارف أحداث الحكاية والسرد والتعبير عن مخالجة النفس ومساورة الروح... سجّل القاص "رائد الحسْن" جدارته في بناء صرح نصوصه القصيرة جدا من خلال مجموعته "دندنة روح" مؤكدا تفوقه في خوض غمار تجربة السرد القصير جدا، حيث حرص أشد الحرص على أن تكون نصوصه جامعة بين (جمالية اللغة وبراعة الحبكة السردية)، فرسم بذلك ظلالا لشخصياته وأبطاله مانحا إياها روح الإحساس ومسبغا عليها من تجليات الإنساني والواقعي واليومي والاجتماعي...كما في النص القصصي القصير جدا الموسوم بـ "دندنة روح" "تعرّفَ عليها في خريفِ الأيّامِ، التقيا على ناصيةِ الّلهفةِ، منَحتْهُ نضارةَ خُضَرِها ووهبَها بهاءَ شموخِهِ، خفقَ الفؤادانِ معًا، صَمتتْ كلُّ الألحانِ إلَا هَمَسَاتٍ أبَديّةٍ ظلّتْ تَشدو وتنعِشُ أوصالَهما وتَروي عَطشًا مِن مَنهلٍ لا ينضبُ."إذ يتبدى للمتلقي من خلال هذا النص ذلك التفاعل الإنساني الذي يؤسس للتكامل بين شخصيتين مثاليتين تقدمان أنموذج الحب الذي يروى بماء المحبة والصفاء.. يتّحدان في العمق حيث يخفق فؤاد كل منهما وتصمت كل الألحان لتخرج لا إراديا "دندنة روح" بعبق "همسات أبدية..." تنعش وتسقي جذور عشق لا يعرف الانكسار...
أضفى القاص "رائد الحسْن" على سرده للقصة القصيرة جدا من شفافية الشاعرية ما يحبب للقارئ الغوص في البحث عما وراء الخطاب القصصي، فعبّر بشاعرية راقية ورقراقة عن أفعال وحركات بلغة الشعر واستدعاء المجاز والاستعارة أحيانا كثيرة... كما في القصة: "دندنة روح" التي وسم بها مجموعته...إذ يقول: "التقيا على ناصيةِ الّلهفةِ..." وكما هو وارد في القصة: "شوق" "طفرتْ مِن عينيها دمعة وارتدّتْ روحَها من هجرةِ ذاتِها، مستذكرةَ وطنًا تركتْهُ قسرًا على حدود لهيب غربتها، حاملة أجنحة رقيقة متعلّقة بأمانيها الملوّنة..." فلا تجد في هذه المجموعة سردا حكيا جافا دون استقائه من لغة رصينة منسابة وأسلوب شيّق جذاب...
وقد سار القاص "رائد الحسْن" على هذا النهج في بناء جملة من نصوصه السردية كما في: (نصيب/ اطمِئنان/ أقدار/أماني/ إيصاد/ثكلان... وغيرها) وهناك الكثير من الجمل المتضمنة في النصوص، تحيل على ما يرتبط بتيمة Thème))العنوان "دندنة روح" مثل: "صدَرَتْ عَنْهُ تَنْهيدَةٌ مِلؤُهَا التَأَوُّه... سرعان ما تبدَّدَتْ كلُّ شَكواهُ حينما سَبَّحَ بِاسْمِ رَبِّهِ الأعلى." في القصة/ اطمئنان، و"سمعتْ صوت إغاثة مخنوقة، مازال يرّنُ في مسمعِها." كما في القصة/ شوق...
اتخذ السرد في متون القصة القصيرة جدا "دندنة روح" سبيله نحو التنوع والتعدد في اختيار المواضيع، معالجةً لقضايا وإشكالات مجتمعية ونفسية وإنسانية، شغلت اهتمام القاص "رائد الحسْن" وأثرت في كيانه وكينونته باعتباره إنسانا قاصّا وكاتبا بارعا، اهتم بما يؤرق المجتمعات الإنسانية من أحزان وأفراح وآلام وآمال واستقرار وهجران، فجاءت "دندنة روح" بوصفها خطابا سرديا يقرّب القارئ من بؤرة مختلف القضايا...ويضيء له ما أظلم من جوانب الواقع المجتمعي، في صور ومشاهد قصصية متميزة، نسجها بتقنيات سردية عالية سواء على المستوى اللغوي أو المستوى الدلالي... والأدلة للمتلقي والباحث في نصوص هذه المجموعة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى...
*الناقد عبد المجيد البطالي
اختار القاص "رائد الحسْن" أن يكون عنوان مجموعته القصصية القصيرة جدا "دندنة روح" علامة على باب ما تتضمنه مجموعته من نصوص، باعتبارها خيطا ناظما لها ولمضامينها وأبعادها الدلالية والإنسانية..
وقبل أن أدخل في مناوشة بعض النماذج من السرد القصير جدا في هذه المجموعة بالتحليل والتأويل لابد أن نقف على عتبتها، لنكشف عن بعض الإيحاءات أو الإشارات اللامحة التي يختزنها العنوان، ابتغاء الوصول إلى المعنى واستكناه الدلالة منها.
يتألف العنوان من اسمين كلاهما نكرة(دندنةُ) و(روح)مما أعطاهما معنى أوسع حيث أن النكرة تخالف المعرفة، كونها لا تدل على معين في ذاته لما تشتمل عليه من صفة العموم... فـ (دندنة) اسم دال في عمقه على صوت مكتوم في داخل النفس الإنسانية، يخرج من الجوف مبهما يعبر على اكتواء داخلي... مؤلف من حرفين هما: (دن + دن) وتكرارهما موسيقيا يعبّر عن تردد صوتي من كتم في النفس يحاول الخروج من كينونته الصامتة إلى الوجود عبر صفة الانفجارية التي يحتوي عليها صوت (الدال) وما يتميز به من شدّة وجهرية، لا يمكن معهما البقاء في الجوف... تساعده في ذلك النون الساكنة التي تحتضن الترددات الصوتية التي تبوح بها روح الكاتب على لسان أبطال قصصه وهي باسطة بذلك شكلها وكأنها إناء انفتح واتسع استعدادا لاستقبال ما تفصح عن الروح...أما كلمة (روح) فهي تشير إلى كل ما فيه حياة من الكائنات الحية، فهي هنا (روح) تحيا بدندنة القاص/ البطل أو بدندنات أبطال القصص المبثوثة في المجموعة، يعبر القاص "رائد الحسْن" من خلالها عن معاناة نفسية وإشكالات اجتماعية عميقة... وغيرها.
عنوان جاذب ومثير لفضول المتلقي يحفز على تخطي العلامة/ عتبة المجموعة، ولوجا إلى أعماق ما بث فيها من نصوص سردية، رغبة في البحث وتقصي أثار عزف "دندنة روح" على مشارف أحداث الحكاية والسرد والتعبير عن مخالجة النفس ومساورة الروح... سجّل القاص "رائد الحسْن" جدارته في بناء صرح نصوصه القصيرة جدا من خلال مجموعته "دندنة روح" مؤكدا تفوقه في خوض غمار تجربة السرد القصير جدا، حيث حرص أشد الحرص على أن تكون نصوصه جامعة بين (جمالية اللغة وبراعة الحبكة السردية)، فرسم بذلك ظلالا لشخصياته وأبطاله مانحا إياها روح الإحساس ومسبغا عليها من تجليات الإنساني والواقعي واليومي والاجتماعي...كما في النص القصصي القصير جدا الموسوم بـ "دندنة روح" "تعرّفَ عليها في خريفِ الأيّامِ، التقيا على ناصيةِ الّلهفةِ، منَحتْهُ نضارةَ خُضَرِها ووهبَها بهاءَ شموخِهِ، خفقَ الفؤادانِ معًا، صَمتتْ كلُّ الألحانِ إلَا هَمَسَاتٍ أبَديّةٍ ظلّتْ تَشدو وتنعِشُ أوصالَهما وتَروي عَطشًا مِن مَنهلٍ لا ينضبُ."إذ يتبدى للمتلقي من خلال هذا النص ذلك التفاعل الإنساني الذي يؤسس للتكامل بين شخصيتين مثاليتين تقدمان أنموذج الحب الذي يروى بماء المحبة والصفاء.. يتّحدان في العمق حيث يخفق فؤاد كل منهما وتصمت كل الألحان لتخرج لا إراديا "دندنة روح" بعبق "همسات أبدية..." تنعش وتسقي جذور عشق لا يعرف الانكسار...
أضفى القاص "رائد الحسْن" على سرده للقصة القصيرة جدا من شفافية الشاعرية ما يحبب للقارئ الغوص في البحث عما وراء الخطاب القصصي، فعبّر بشاعرية راقية ورقراقة عن أفعال وحركات بلغة الشعر واستدعاء المجاز والاستعارة أحيانا كثيرة... كما في القصة: "دندنة روح" التي وسم بها مجموعته...إذ يقول: "التقيا على ناصيةِ الّلهفةِ..." وكما هو وارد في القصة: "شوق" "طفرتْ مِن عينيها دمعة وارتدّتْ روحَها من هجرةِ ذاتِها، مستذكرةَ وطنًا تركتْهُ قسرًا على حدود لهيب غربتها، حاملة أجنحة رقيقة متعلّقة بأمانيها الملوّنة..." فلا تجد في هذه المجموعة سردا حكيا جافا دون استقائه من لغة رصينة منسابة وأسلوب شيّق جذاب...
وقد سار القاص "رائد الحسْن" على هذا النهج في بناء جملة من نصوصه السردية كما في: (نصيب/ اطمِئنان/ أقدار/أماني/ إيصاد/ثكلان... وغيرها) وهناك الكثير من الجمل المتضمنة في النصوص، تحيل على ما يرتبط بتيمة Thème))العنوان "دندنة روح" مثل: "صدَرَتْ عَنْهُ تَنْهيدَةٌ مِلؤُهَا التَأَوُّه... سرعان ما تبدَّدَتْ كلُّ شَكواهُ حينما سَبَّحَ بِاسْمِ رَبِّهِ الأعلى." في القصة/ اطمئنان، و"سمعتْ صوت إغاثة مخنوقة، مازال يرّنُ في مسمعِها." كما في القصة/ شوق...
اتخذ السرد في متون القصة القصيرة جدا "دندنة روح" سبيله نحو التنوع والتعدد في اختيار المواضيع، معالجةً لقضايا وإشكالات مجتمعية ونفسية وإنسانية، شغلت اهتمام القاص "رائد الحسْن" وأثرت في كيانه وكينونته باعتباره إنسانا قاصّا وكاتبا بارعا، اهتم بما يؤرق المجتمعات الإنسانية من أحزان وأفراح وآلام وآمال واستقرار وهجران، فجاءت "دندنة روح" بوصفها خطابا سرديا يقرّب القارئ من بؤرة مختلف القضايا...ويضيء له ما أظلم من جوانب الواقع المجتمعي، في صور ومشاهد قصصية متميزة، نسجها بتقنيات سردية عالية سواء على المستوى اللغوي أو المستوى الدلالي... والأدلة للمتلقي والباحث في نصوص هذه المجموعة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى...
*الناقد عبد المجيد البطالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق