بدون أن يشعر، داس الرجل بكل قوته على دواسة الفرامل، فصاحت العجلات الأربع بصوت يعبر عن شدة احتكاكها بالشارع الاسفلتي الخشن، ومع انتباه المارة لمصدر ذلك الصوت المنذر بالشؤم، وبتناغم مع الدهشة ورد الفعل اللاإرادي حاولت نور أن تغمض عينيها بشدة، قبل أن تجد نفسها قد رميت لمسافة تفوق الخمسة أمتار نتيجة صدمة السيارة لجسدها الصغير والنحيل، لم تكن قد أدركت بعد ما قد أصاب جسدها النحيل، وهي ممتدة بشكل جانبي على الأرض، والناس يجتمعون حولها مذهولين ومتسائلين عن حالتها الصحية. كان الألم قد بدأ ينتشر داخل أوصالها معلنا عن المناطق المتضررة من جراء هذا الحادث المفاجئ. ترجل صاحب السيارة، وقد كان قلبه يخفق بسرعة متزايدة
والأدرينالين يملأ شرايينه الداخلية، فقد كان في لحظة ظهور الفتاة الصغيرة أمامه شارد الذهن، بعدما غادر البيت غاضبا جراء شجاره مع زوجته حول مصاريف هذا الأخير والأولاد، فقد عانى من شجار دوري على مدى أيام هذه الأسابيع المنصرمة، مما جعل حالته النفسية في قمة الانهيار والسوء. وبعدما أغلق باب بيته متجها نحو سيارته كان شغله الشاغل هو التوجه إلى عمله بأقصى سرعة ممكنة. غير مدرك بذلك أن غضبه الشديد قد أنساه التحكم في تصرفاته وردود أفعاله. انطلق كالبرق بسيارته ذات المحرك ذي الأربع اسطوانات والمزود بشاحن توربيني يزيد من شدة تسارعها بشكل فوري. والأن وهو يقف مشاهدا الحشود المجتمعة على الفتاة الصغيرة، البادية عليها علامات الألم الشديد، كان عقله يحاول التركيز وجمع أفكاره مدركا تمام الإدراك أنه قد صدم بعنف تلميذة كانت متجهة نحو مدرستها الابتدائية، فقد استطاع تمييز زيها المدرسي الموحد الأزرق الداكن اللون، لقد كانت الصغيرة تحاول عبور الشارع للجهة المقابلة لتأخذ زقاقا ضيقا يوصل في نهايته إلى مدرستها الوحيدة بهذا المجمع. بدأ يتجه مقتربا نحوها بخطى متأرجحة وثقيلة. مع كل خطوة كان يخطوها كانت عيناه تحاول تمييز شناعة الفعل الذي ارتكبه لتوه، بدأ يحاول إدخال نفسه بين الحشود التي ازدادت كثافتها محيطة الطفلة بشكل دائري منظم ومتراس، حاولت نور بكل يأس النهوض لكنها لم تستطع ذلك، فقد كان الألم يزداد مع كل محاولة تقوم بها للمباشرة بأي حركة كيفما كانت بسيطة، إلا أنها استطاعت وبكل صعوبة أن تقلب وجهها للزاوية المقابلة عكس امتداد جسدها، لتجد نفسها وجها لوجه أمام أبيها الذي لم تستطع تصديق أنه قد أتى بهذه السرعة إلى مكان الحادث ليشاركها محنتها المؤلمة. رأى صاحب الحدث المتهور الذي أطاح بالفتاة أرضا، وهي تنظر إليه مباشرة بأعين يخرج منها كامل الألم والاحساس بالحنين المنبعث إليه، لقد كانت إبنته طريحة الأرض تلتوي ألما بسبب صدمه لها بسيارته القوية، انحنى بكل أسى وعيناه تمتلئان بالدموع غير مصدق مدى الجرم الذي أحدثه بيديه. وما إن اقترب منها حتى أخدت الفتاة بالاستسلام لألمها الشديد والدموع تنهمر من على وجنتيها. لم يستطع قول أي كلمة وابنته امامه طريحة ألم يفوق كل تصور ، كان يعلم علم اليقين أنه المتسبب والمذنب الوحيد في هذا كله. اقترب وأخد يقبل رأسها وهو يدمدم بكلمة '' آسف يا بنتي ... آسف لم أقصد أن – '' وقبل أن ينهي جملته المتلعثمة ردت عليه بصوتها الضعيف المليئ بطمأنينة غريبة وصادقة. " كنت أعلم أنك أنت السائق يا أبي، ولكنني لم أكن لأقول أي كلمة لأنني أعلم أنك لم تقصد ذلك أبدا '' فزداد ألمه الداخلي المتحصر على حال ابنته الملتوية ألما بين يديه. وقبل أن يحاول مسح دموعه التي انهمرت دون أن نتذرعن توقفها. كانت ابته الصغيرة تحاول أن تنطق ببعض الكلمات التي سمع منها بكل صعوبة صوتها الخافت يقول '' إنه مجرد حادث يا أبي '' ومع خروج الكلمة الأخيرة من شفتيها كان حنينها يزداد لمفارقة الحياة التي لم تكن بعد الطفلة الصغيرة قد فهمت معناها أو شكلها الحقيقي. راحت تغمض عينيها وبؤبها الصغير مثبت على وجه أبيها الذي كان يحاول بكل صعوبة تصديق لحظة فراق لم يتصور أبدا أن تأتي بهذه السرعة، أو أن تكون بهذه الطريقة علاوة عن أن يكون هو الذي سبب نشوئها.
''لا.. نور لا يمكن ابقي معي صغيرتي تماسكي هيا '' وقبل أن ينهي هذه الكلمات كانت روح نور قد بدأت تبتعد عن جسدها الصغير، والممدد بين يدي والدها. '' نور لا يا حبيبتي لا ... '' كان الحضور يتأمل بكل أسى منظر الأب الراكع على ركبتيه يبكي ويصرخ حسرتا على فقدانه لبنته الصغيرة.
كانت صرخات الألم ومشهد ابنته تحتضر بين يديه مفارقة الحياة، آخر ما يتذكره جمال وهو اليوم يقضي عقوبته بالسجن المحلي مرددا قصته هذه لمئات السجناء الجدد الذين يصغون إليه محاولين تخيل شناعة الفعل الذي قد أوصله إلى هذا السجن الذي لا رحمة فيه، كان وهو ينهي قصته هذه على زملائه المساجين غالبا بل دائما ما ينهيها بجملة حفظها عنه كل من كان يعلم بالقصة مسبقا، '' لا تخبروني من أكون، فقد فقدت نفسي يوم فقدت بنتي نور بين يدي ''.
*إسماعيل ابن تاويت
المغرب
والأدرينالين يملأ شرايينه الداخلية، فقد كان في لحظة ظهور الفتاة الصغيرة أمامه شارد الذهن، بعدما غادر البيت غاضبا جراء شجاره مع زوجته حول مصاريف هذا الأخير والأولاد، فقد عانى من شجار دوري على مدى أيام هذه الأسابيع المنصرمة، مما جعل حالته النفسية في قمة الانهيار والسوء. وبعدما أغلق باب بيته متجها نحو سيارته كان شغله الشاغل هو التوجه إلى عمله بأقصى سرعة ممكنة. غير مدرك بذلك أن غضبه الشديد قد أنساه التحكم في تصرفاته وردود أفعاله. انطلق كالبرق بسيارته ذات المحرك ذي الأربع اسطوانات والمزود بشاحن توربيني يزيد من شدة تسارعها بشكل فوري. والأن وهو يقف مشاهدا الحشود المجتمعة على الفتاة الصغيرة، البادية عليها علامات الألم الشديد، كان عقله يحاول التركيز وجمع أفكاره مدركا تمام الإدراك أنه قد صدم بعنف تلميذة كانت متجهة نحو مدرستها الابتدائية، فقد استطاع تمييز زيها المدرسي الموحد الأزرق الداكن اللون، لقد كانت الصغيرة تحاول عبور الشارع للجهة المقابلة لتأخذ زقاقا ضيقا يوصل في نهايته إلى مدرستها الوحيدة بهذا المجمع. بدأ يتجه مقتربا نحوها بخطى متأرجحة وثقيلة. مع كل خطوة كان يخطوها كانت عيناه تحاول تمييز شناعة الفعل الذي ارتكبه لتوه، بدأ يحاول إدخال نفسه بين الحشود التي ازدادت كثافتها محيطة الطفلة بشكل دائري منظم ومتراس، حاولت نور بكل يأس النهوض لكنها لم تستطع ذلك، فقد كان الألم يزداد مع كل محاولة تقوم بها للمباشرة بأي حركة كيفما كانت بسيطة، إلا أنها استطاعت وبكل صعوبة أن تقلب وجهها للزاوية المقابلة عكس امتداد جسدها، لتجد نفسها وجها لوجه أمام أبيها الذي لم تستطع تصديق أنه قد أتى بهذه السرعة إلى مكان الحادث ليشاركها محنتها المؤلمة. رأى صاحب الحدث المتهور الذي أطاح بالفتاة أرضا، وهي تنظر إليه مباشرة بأعين يخرج منها كامل الألم والاحساس بالحنين المنبعث إليه، لقد كانت إبنته طريحة الأرض تلتوي ألما بسبب صدمه لها بسيارته القوية، انحنى بكل أسى وعيناه تمتلئان بالدموع غير مصدق مدى الجرم الذي أحدثه بيديه. وما إن اقترب منها حتى أخدت الفتاة بالاستسلام لألمها الشديد والدموع تنهمر من على وجنتيها. لم يستطع قول أي كلمة وابنته امامه طريحة ألم يفوق كل تصور ، كان يعلم علم اليقين أنه المتسبب والمذنب الوحيد في هذا كله. اقترب وأخد يقبل رأسها وهو يدمدم بكلمة '' آسف يا بنتي ... آسف لم أقصد أن – '' وقبل أن ينهي جملته المتلعثمة ردت عليه بصوتها الضعيف المليئ بطمأنينة غريبة وصادقة. " كنت أعلم أنك أنت السائق يا أبي، ولكنني لم أكن لأقول أي كلمة لأنني أعلم أنك لم تقصد ذلك أبدا '' فزداد ألمه الداخلي المتحصر على حال ابنته الملتوية ألما بين يديه. وقبل أن يحاول مسح دموعه التي انهمرت دون أن نتذرعن توقفها. كانت ابته الصغيرة تحاول أن تنطق ببعض الكلمات التي سمع منها بكل صعوبة صوتها الخافت يقول '' إنه مجرد حادث يا أبي '' ومع خروج الكلمة الأخيرة من شفتيها كان حنينها يزداد لمفارقة الحياة التي لم تكن بعد الطفلة الصغيرة قد فهمت معناها أو شكلها الحقيقي. راحت تغمض عينيها وبؤبها الصغير مثبت على وجه أبيها الذي كان يحاول بكل صعوبة تصديق لحظة فراق لم يتصور أبدا أن تأتي بهذه السرعة، أو أن تكون بهذه الطريقة علاوة عن أن يكون هو الذي سبب نشوئها.
''لا.. نور لا يمكن ابقي معي صغيرتي تماسكي هيا '' وقبل أن ينهي هذه الكلمات كانت روح نور قد بدأت تبتعد عن جسدها الصغير، والممدد بين يدي والدها. '' نور لا يا حبيبتي لا ... '' كان الحضور يتأمل بكل أسى منظر الأب الراكع على ركبتيه يبكي ويصرخ حسرتا على فقدانه لبنته الصغيرة.
كانت صرخات الألم ومشهد ابنته تحتضر بين يديه مفارقة الحياة، آخر ما يتذكره جمال وهو اليوم يقضي عقوبته بالسجن المحلي مرددا قصته هذه لمئات السجناء الجدد الذين يصغون إليه محاولين تخيل شناعة الفعل الذي قد أوصله إلى هذا السجن الذي لا رحمة فيه، كان وهو ينهي قصته هذه على زملائه المساجين غالبا بل دائما ما ينهيها بجملة حفظها عنه كل من كان يعلم بالقصة مسبقا، '' لا تخبروني من أكون، فقد فقدت نفسي يوم فقدت بنتي نور بين يدي ''.
*إسماعيل ابن تاويت
المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق