رفيق شعبان أخطأ مرة أخرى عندما رفع تقرير غش في ابن شخصية مشهورة، لم يستجب لتغير مواصفات الورقة التي ضبطت مع الطالب،بل وقف هكذا حاملا القلم بيده، تخيل نفسه وهو يكتب مرفوع الرأس مثل الباشا أنه ليس ضعيفا،فكميات كبيرة من تضخيم الذات تخمد النار في موقد الخطر،بل على العكس سيطرت عليه مشاعر العظمة كالخيال، وكأن ما فعله سيحوله إلى بطل.
نصف ثانية فقط رفعته إلى مكان شاهق،رفيق شعبان ينظر إلى الكل من هنا ، لا يسمع، لا يرى ، بينما المركز الإمتحاني في اضطراب،على الرغم من هذا فلا بد أن يسجل له أن رغبته في رؤية مسؤول يتوسل إلى مواطن تحققت أصولا.
قالت الآنسة سوزان وقد وقفت تتأمله كقديسة :
- هذا ليس عدلا؟؟
-كيف الحل
سأل بصوت عال وألفى نفسه محاصرا لدرجة التورط ،تملكه ذنب في داخله، من غير أن يخلع إحساسه ما بين تقاطيع وجهه المتقلصة،لا حقا حين ينكفئ على نفسه ويشم رائحة الخيبة عندئذ سيسمع توبيخات سيئة، أما الآن فقد استدار وطرق زجاج المكتب بقبضته الضئيلة مرة أخرى،وأشار بحركة من سباته إلى الآنسة سوزان:
_ من فضلك لي عندك سؤال هل تعتقدين أني أحب ذلك؟؟؟؟
هو يعي المخاطر الكامنة في اللعب مع كائنات الظل ،وأن الأغلبية لا تريد أن تثقل كاهلها بأعباء اللعب معهم،لذا شعر الجميع بالغرابة، أن تقول الصواب فأنت ترهق نفسك وستدفع الثمن .
رفعت سوزان بحاجبها الأيمن، ثم أنزلت رأسها نحو الأسفل، في إشارة إلى الموافقة،وأكدت ذلك بقولها:
-أنت لا تسأل ...بل تؤكد أنك تحب ذلك
رن جرس الهاتف الأرضي،حدق بالآنسة سوزان، وكأنها هي السبب.
- ألو
- الأستاذ رفيق
- نعم
- معك لجنة المتابعة ...بعد انتهاء الإمتحان عليك الحضور إلى مديرية التربية.
قطب رفيق شعبان حاجبيه وأدرك أنه وقع في فخ المعارضة مع الآخرين، والأسوأ أن أعصابه تضاعفت انفعالاتها على خارطة محياه،مع هذا أبقى عينيه سليمتين ودون أي ارتباك،لكن الهواء نقص في رئتيه ليتنفس،فتهدج صوته وأحس أنه بحاجة إلى رئتين احتياطيتين كي يتكلم بصوت لا تفوح منه رائحة الضعف ،ولسبب ما لم يغب عن باله أن الاستمرار في التفكير يجلب التوتر،ويكفي في هذه اللحظة الصمت كي لا يذهب الغضب إلى أبعد الحدود.
قال رفيق شعبان وهو يخفي الأمر :
- أقول لك الحقيقة ، سيان عندي.
قالت سوزان وهي تنظر إليه بإعجاب :
- إنك عنيد
بالنسبة للمدرسين ذوي الجيوب الخاوية ، يجدون هنا في الامتحانات انتعاشا فسيحا،فكانوا محل شبهة ،لذا كان على رفيق شعبان أن يشير إلى ذلك،سواء أكان يجلب لهم السخط أو الرضى،شعور لا تفسير له بل رغبة في أن يكون له بعض الضمير الحي.
وراء ما حدث يقبع حزن سوري قديم ، قدم الدهر ،أن تختفي الفوضى ،ينقل رفيق نظره بفزع بحتا عن عزاء في وجوه الطلاب والمدرسين ،هو يدرك أنه لا بد من ذلك،رغم تعقد المشكلة،وتوجه نحو القاعات،كان الممر مضاء، ولا حظ أن مراقبة تطل برأسها من الباب،كانت جميلة ، ترتدي بلوزة كتف زاحط،اقترب منها وسلم عليها:
- مرحبا يا أنسة
- أهلا...
حكت أنفها وهي حركة يكون بلغ فيها الشخص أقصى الارتباك،قال لها برصانة:
- إني أخشى عليك من استجواب مندوب الوزارة
رفع إصبعه منذرا إياها من تكرار ذلك،كل شيء فوضوي، هنا الفوضى أصبحت من الأثاث،نظر إلى الطلاب من فتحة الباب،الكل معه مصغرات للغش،سمع المراقبين وهم يضعون سبابتهم على شفاهم،وهم يحذرون:
- هس...هسسسس
ما عساه أن يفعل بعد أن أصبح جزء من الفوضى، لكن بدون حماية،زم شفتيه ونفخ في الهواء،وقف ساكنا وفي النهاية قرر العودة إلى مكتبه،كان ينتابه شعور كفيل أن يخلق ألما حارقا،والأسوأ من ذلك نظرات الكراهية بالغة الأثر .
لقد كان مفتونا بما جرى،لدرجة لم ير مندوب التربية،لا بد أن ظهوره حدث بطريقة خيالية،كان يرتدي قميصا أزرقا وبنطالا أبيضا،ولما رآه عبس، على جانبه الأيمن كانت القاعات تضج بأصوات الطلاب،وكأنهم في منتزه .
مد يده إلى جيبه وأخرج بطاقة تعريف وقال بنبرة توبيخ:
-هل هذا مركز امتحاني أم محل بيع فلافل
كيف يستطيع أن يفسر للذي يقف أمامه مالا يمكن تفسيره.
- حالة عامة
حدق به بملامح جادة،ودون أي ابتسامه قال له :
- ألحقني إلى المكتب
في المكتب فتح محفظته ، وأخرج بطاقتين ، الأولى إنهاء تكليفه ، والثانية تكليف الآنسة سوزان بمهمة رئيس مركز.
قالت :
- بكل سرور
لف البطاقة على شكل إذن حمار، وخرج بمشاعر يكتنفها الغموض،جلس مندوب التربية وراء المكتب وقال لها:
- تعرفين ماذا عليك أن تفعلي
أخرجت تقرير الغش وأعطته لمندوب التربية الذي وضعه في محفظته ليتلفه خارج المركز الإمتحاني
*فؤاد حسن محم
جبلة- سوريا
نصف ثانية فقط رفعته إلى مكان شاهق،رفيق شعبان ينظر إلى الكل من هنا ، لا يسمع، لا يرى ، بينما المركز الإمتحاني في اضطراب،على الرغم من هذا فلا بد أن يسجل له أن رغبته في رؤية مسؤول يتوسل إلى مواطن تحققت أصولا.
قالت الآنسة سوزان وقد وقفت تتأمله كقديسة :
- هذا ليس عدلا؟؟
-كيف الحل
سأل بصوت عال وألفى نفسه محاصرا لدرجة التورط ،تملكه ذنب في داخله، من غير أن يخلع إحساسه ما بين تقاطيع وجهه المتقلصة،لا حقا حين ينكفئ على نفسه ويشم رائحة الخيبة عندئذ سيسمع توبيخات سيئة، أما الآن فقد استدار وطرق زجاج المكتب بقبضته الضئيلة مرة أخرى،وأشار بحركة من سباته إلى الآنسة سوزان:
_ من فضلك لي عندك سؤال هل تعتقدين أني أحب ذلك؟؟؟؟
هو يعي المخاطر الكامنة في اللعب مع كائنات الظل ،وأن الأغلبية لا تريد أن تثقل كاهلها بأعباء اللعب معهم،لذا شعر الجميع بالغرابة، أن تقول الصواب فأنت ترهق نفسك وستدفع الثمن .
رفعت سوزان بحاجبها الأيمن، ثم أنزلت رأسها نحو الأسفل، في إشارة إلى الموافقة،وأكدت ذلك بقولها:
-أنت لا تسأل ...بل تؤكد أنك تحب ذلك
رن جرس الهاتف الأرضي،حدق بالآنسة سوزان، وكأنها هي السبب.
- ألو
- الأستاذ رفيق
- نعم
- معك لجنة المتابعة ...بعد انتهاء الإمتحان عليك الحضور إلى مديرية التربية.
قطب رفيق شعبان حاجبيه وأدرك أنه وقع في فخ المعارضة مع الآخرين، والأسوأ أن أعصابه تضاعفت انفعالاتها على خارطة محياه،مع هذا أبقى عينيه سليمتين ودون أي ارتباك،لكن الهواء نقص في رئتيه ليتنفس،فتهدج صوته وأحس أنه بحاجة إلى رئتين احتياطيتين كي يتكلم بصوت لا تفوح منه رائحة الضعف ،ولسبب ما لم يغب عن باله أن الاستمرار في التفكير يجلب التوتر،ويكفي في هذه اللحظة الصمت كي لا يذهب الغضب إلى أبعد الحدود.
قال رفيق شعبان وهو يخفي الأمر :
- أقول لك الحقيقة ، سيان عندي.
قالت سوزان وهي تنظر إليه بإعجاب :
- إنك عنيد
بالنسبة للمدرسين ذوي الجيوب الخاوية ، يجدون هنا في الامتحانات انتعاشا فسيحا،فكانوا محل شبهة ،لذا كان على رفيق شعبان أن يشير إلى ذلك،سواء أكان يجلب لهم السخط أو الرضى،شعور لا تفسير له بل رغبة في أن يكون له بعض الضمير الحي.
وراء ما حدث يقبع حزن سوري قديم ، قدم الدهر ،أن تختفي الفوضى ،ينقل رفيق نظره بفزع بحتا عن عزاء في وجوه الطلاب والمدرسين ،هو يدرك أنه لا بد من ذلك،رغم تعقد المشكلة،وتوجه نحو القاعات،كان الممر مضاء، ولا حظ أن مراقبة تطل برأسها من الباب،كانت جميلة ، ترتدي بلوزة كتف زاحط،اقترب منها وسلم عليها:
- مرحبا يا أنسة
- أهلا...
حكت أنفها وهي حركة يكون بلغ فيها الشخص أقصى الارتباك،قال لها برصانة:
- إني أخشى عليك من استجواب مندوب الوزارة
رفع إصبعه منذرا إياها من تكرار ذلك،كل شيء فوضوي، هنا الفوضى أصبحت من الأثاث،نظر إلى الطلاب من فتحة الباب،الكل معه مصغرات للغش،سمع المراقبين وهم يضعون سبابتهم على شفاهم،وهم يحذرون:
- هس...هسسسس
ما عساه أن يفعل بعد أن أصبح جزء من الفوضى، لكن بدون حماية،زم شفتيه ونفخ في الهواء،وقف ساكنا وفي النهاية قرر العودة إلى مكتبه،كان ينتابه شعور كفيل أن يخلق ألما حارقا،والأسوأ من ذلك نظرات الكراهية بالغة الأثر .
لقد كان مفتونا بما جرى،لدرجة لم ير مندوب التربية،لا بد أن ظهوره حدث بطريقة خيالية،كان يرتدي قميصا أزرقا وبنطالا أبيضا،ولما رآه عبس، على جانبه الأيمن كانت القاعات تضج بأصوات الطلاب،وكأنهم في منتزه .
مد يده إلى جيبه وأخرج بطاقة تعريف وقال بنبرة توبيخ:
-هل هذا مركز امتحاني أم محل بيع فلافل
كيف يستطيع أن يفسر للذي يقف أمامه مالا يمكن تفسيره.
- حالة عامة
حدق به بملامح جادة،ودون أي ابتسامه قال له :
- ألحقني إلى المكتب
في المكتب فتح محفظته ، وأخرج بطاقتين ، الأولى إنهاء تكليفه ، والثانية تكليف الآنسة سوزان بمهمة رئيس مركز.
قالت :
- بكل سرور
لف البطاقة على شكل إذن حمار، وخرج بمشاعر يكتنفها الغموض،جلس مندوب التربية وراء المكتب وقال لها:
- تعرفين ماذا عليك أن تفعلي
أخرجت تقرير الغش وأعطته لمندوب التربية الذي وضعه في محفظته ليتلفه خارج المركز الإمتحاني
*فؤاد حسن محم
جبلة- سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق