اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

مقهى السعادة ــ قصة قصيرة || بقلم د. كاظم ناصر

كان مقهى السعادة الواقع في الحي الشماليّ من المدينة معروفا بنظافته ولذّة مذاق قهوته العربيّة؛ ولهذا فقد كان ملتقى رجال الحي الذين يرتادونه منذ ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل يحتسون قهوتهم، ويستمتعوا بتبادل أطراف الحديث عن آخر الأخبار السياسيّة والاجتماعيّة، ويلعبوا ” طاولة الزهر” أو الورق.

كان الوقت متأخرا مساء الخميس وليلة الجمعة؛ غادر الزبائن جميعا المقهى باستثناء رجل طاعن في السن كان يجلس في زاوية من زوايا المقهى المطلّة على شارع مضاء يغبر نهارا بفعل حركة الناس والسيارات وعربات البائعين المتجوّلين، لكن رذاذ الندى الذي يحدث عادة في شهور الصيف والخريف في فلسطين كان يخفّف من تراكم وكثافة الغبار المتطاير في الفترة الصباحيّة ويجعله أقل تلوّثا وأكثر هدوء.
كان صابر أحد النادلين اللذين يعملان في المقهى ما زال في منتصف العمر، متزوجا منذ عشرين عاما ورزقه الله بولدين ذكيّين وبنتين جميلتين؛ أما النادل الآخر معتز فكان في الثانية والعشرين من العمر، تزوّج فتاة أحلامه الجميلة منذ بضعة أشهر، ويشعر بالسعادة الغامرة في حياته على الرغم من محدوديّة دخله الشهري الذي يكفيه لشراء حاجات بيته الضرورية.
كان النادلان يعرفان الرجل العجوز منذ سنوات لكونه من الزبائن الدائمين الذين يرتادون المقهى يوميّا. كان يأتي في المساء وغالبا ما يمكث في المقهى حتى موعد الاقفال؛ يجلس بمفرده في نفس الزاوية، يشرب فناجين قهوته بتأن وهدوء، ويقرا صحيفة أو مجلة أو كتابا يحضره معه، وقليلا ما يجلس مع الزبائن الآخرين ويشارك في أحاديثهم أو في ألعاب التسلية المتوفّرة في المقهى ربّما لأنه كان يعاني من مشكلة في السمع، أو لأنه مثقّف وله عالمه الخاص وتجاربه وظروفه التي أثّرت على قناعاته الفلسفيّة ونمط حياته.

” حاول الرجل العجوز أن ينتحر وفشل.” قال صابر لمعتز

” متى؟ ” سأل معتز.

” قبل أسبوع”

” ألا يعلم بأن الانتحار حرام، وان المسلم الذي يقتل نفسه سيكون مصيره جهنم خالدا فيها ابدا؟ ” سأل معتز

” لا شك بأنّه يعلم هذا.”

” إذا لماذا انتحر؟ “

” كان يائسا “

” من ماذا؟ “

” لا شيء! تعب وقرف من حياته، كما قال لأقاربه “

” كيف عرفت أنه لم يكن هناك سببا آخرا؟ “

” الرجل ما زال بصحّة عقليّة وجسديّة جيّدة، مثقّف وميسور الحال، يسكن في بيت جيّد، وكما ترى يلبس جيّدا ويحافظ على مظهره ونظافته، ولا يبدو أنه يعاني من مشاكل تدفعه للانتحار! “

” المظاهر ليست كل شيء في حياتنا وأحيانا تخفي الكثير من آلام الانسان وتعاسته؛ أضف إلى ذلك أن الرجل مثقّفا ويدرك ويرى النفاق والبؤس والمآسي والمحن المتناثرة في كل مكان” قال معتز.

كان الوقت متأخرا والساعة تقترب من الحادية عشرة ليلا؛ جلس صابر ومعتز على طاولة قريبة من تلك التي كان يجلس عليها العجوز؛ أنهى الرجل فنجان القهوة وانتظر بضع دقائق بصمت ثمّ أشّر بيده لمعتز وقال،

” فنجانا آخر من القهوة.”

اقترب معتز من الرجل وصرخ ليتمكن من سماعه “سوف لن تتمكّن من النوم إذا شربت فنجانا آخرا!”

” لا تهتم بهذا الأمر، أنا مدمن على شرب القهوة؛ إنها لا تقلقني.”

” إنني أفهم أنك تتوق لمغادرة هذا المكان، لكن الصبر طيّب.” قال صابر

” صبر إيه، أنا قرفان، أريد أن أغادر هذا المكان. “

أحضر معتز فنجان القهوة ووضعه على طاولة الرجل وقال بصوت منخفض ” كان يجب أن تقتل نفسك الأسبوع الماضي. “

” شكرا لك.” قال الرجل

عاد معتز إلى مقعده وعلامات التبرّم وعدم الرضا بادية على وجهه وقال ” أريد أن أذهب إلى بيتي؛ زوجتي تنتظرني لنتناول طعام العشاء معا؛ إنني تعب لأنني نمت بعد الثانية صباحا الليلة الماضية. كان من الأفضل لو أنه أنهى حياته عندما حاول الانتحار! “

” ما هي الطريقة التي حاول أن ينتحر بها؟ ” سأل معتز

” حاول شنق نفسه بحبل.”

” ألم يكن في البيت أحد ليمنعه؟ “

” لا “

” هل يعيش بمفرده؟ “

” نعم، لقد توفيت زوجته قبل خمس سنوات”

” هل له أولاد؟ “

” نعم، لكنهم تزوّجوا جميعا، وطاروا من العش كما يقولون واستقلّوا بحياتهم هم وأسرهم”

” هل علاقاته معهم وديّة؟ “

” نعم، إنهم يحبونه ويحترمونه ويزورونه مرّة أو مرّتين في الأسبوع.”

” إذا لماذا لا يعيش مع أحدهم؟ “

” رفض العيش معهم ومع أسرهم لأنه لا يحتاج إليهم ماليا، يحب أن يكون سيّد نفسه، مستقلاّ في حياته، ويستمتع بحريّته، ويريد أن يعيش ما تبقى من عمره بدون منغّصات كما يقول.”

” من الذي أنقذه؟ “

” أحد أقاربه؛ جاء لزيارته صدفة وأنقذه قبل فوات الأوان. “

” لماذا أنقذه؟ “

” رأفة بروحه، وربّما لأنه لن يرث منه شيئا! “

كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية عشرة منتصف الليل، وصابر ومعتز ما زالا يجلسان على نفس الطاولة، وينتظران الرجل لينتهي من شرب فنجان قهوته ويغادر المكان.

” إنني لا أرغب في أن أصبح طاعنا في السن مثله؛ التقدّم في السن ليس شيئا ممتعا” قال معتز

” ستكون عجوزا مثله في يوم من الأيام، وقد تكتشف أن التقدم في السن ليس بالسوء الذي تتصوّره؛ إنه جزء من حياتنا وله حسناته ومتعه ومساوئه ومنغّصاته ويجب علينا أن نعيشه شئنا أم أبينا؛ قد يكون التقدم في السن سيئا إذا كان الشخص مقعدا لا يستطيع خدمة نفسه ويعتمد في حياته على مساعدة الآخرين؛ لكن انظر إلى هذا الرجل أنّه ما زال بصحّة جيّدة، يقود سيارته، ويعتمد على نفسه في حياته اليومية ولا يزعج أحدا، ومهذّب يتعامل مع الجميع بلطف واحترام؛ إنني أتعاطف معه؛ ولا تنسى أنّه زبون دائم يصرف جزأ من نقوده في هذا المقهى الذي نكسب عيشنا منه!” قال صابر

” لا أريد أن أنظر إليه وأريده أن يذهب إلى بيته؛ إنه يعلم أن هذا هو وقت الإغلاق، لكنه لا يهتم بالعاملين من أمثالنا؛ ولا يدرك أن عندنا مسؤوليات وواجبات ولنا الحق أن نحصل على قسط وافر من النوم.”

نظر الرجل العجوز الى معتز وقال ” فنجانا آخر.”

” انتهى لن أقدّم لك فنجانا آخر؛ المقهى مقفل. ” صرخ معتز بغضب ملاحظ.

” لماذا لا تعطيه فنجانا آخر؟ اننا نتأخر في معظم الأحيان ولا نغلق المقهى عندما يكون فيه زبائن. ” قال صابر.

” أريد ان أخرج من هنا وأعود الى بيتي. اليوم الخميس؛ زوجتي تنتظرني “

” لا تغضب، سنتأخر قليلا؛ ما قيمة ساعة من الزمن؟ “

” انها تعني الكثير لي لكنها لا تعني شيئا لهذا الرجل العجوز.”

” الساعة هي نفس الشيء لا تزيد ولا تنقص.”

” انني لا اتفق معك يا صابر؛ الساعة ليست نفس الشيء لكل الناس؛ ورأيك في الزمن قد يتطابق مع رأي هذا العجوز.”

” إنك ما زلت شابا صغيرا يا معتز والزمن كفيل بتعليمك أشياء كثيرة قبل أن يهزمك كما هزم غيرك.”

وقف الرجل العجوز، ونظر إلى ساعته وقال للنادلين ” حان موعد الإغلاق؛ شكرا لكما.”

” العفو، إنني أعتذر إن كنا قد ضايقناك!”

“لا داعي للاعتذار؛ إنني أعلم أن لكل منكما حياته وعالمه الخاص، وأنا وأنتم نعيش في ثلاثة عوالم مختلفة شكّلتها ظروفنا وتجاربنا وثقافاتنا؛ لكن كل واحد منا يستطيع أن يستمتع بعالمه حسب قدراته وجهوده العقليّة؛ العقل هو مركز هذا الكون الهائل وكاشف أسراره ومحرّكه، وهو الذي يقرّر أولوياتنا ويختار سعادتنا وتعاستنا، راحتنا وشقاءنا، وحرّيتنا وعبوديّتنا! وفي النهاية، سنتحول جميعا إلى عدم، ونصبح لا شيء وننضم إلى عالم الاّ شيء، لكن لا أحد غير الله يعرف المصير النهائي الذي سيتمخض عن هذا الاّ شيء.”

وبعد ذلك غادر الرجل واختفى في الشارع الرديء الإضاءة، وأغلق النادلان المقهى وذهب كل واحد منهما إلى عالمه الخاص بحماسه وملله ويأسه!

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...