كل شيء بدا باهتا هذا العام . حتى أطل أيلول علينا من خلف التلال البعيدة بإرجوانه الرائع وشمسه الباردة ...لقد انتظرتك منذ زمن بعيد أيها الرفيق .
اليوم هو الأول في الإنقلاب الخريفي ..إليوم حل أيلول ضيفا علينا .
فجأة و بعد لهيب الشمس التي أمطرتنا بحرارتها الحارقة طوال الصيف ، والخمول الذي أرهق الأنفس . حضر أيلول بأرجوانه
ورياحه اللطيفة وشمسه الباردة ..لقد تغير كل شيء في داخلي فجأة ...رجع بي الزمن إلى الوراء ..حيث عشت طفولتي وتعرفت على أيلول . إنه اللقاء الأول بيني وبينه .
_ لقد رعيت الغنم في البراري على الحدود . لم اتجاوز العاشرة من عمري حينها . أراقب السماء كيف تتلون أمامي فترسل ذلك الأرجوان ليغير كل الكون من حولي ..الجبال التي خلف الحدود . الرمال الناعمة التي ملئت الفضاء .بقايا الحصيد وسنابل القمح . وذلك النشاط الذي دب في الحياة أمامي . صغار الماعز والأغنام وهي تقفز عاليا . عشرات السنونوات المهاجرة وهي تحلق فوقنا . حمائم حيّنا والعصافير الأهلية محاولة تقليد تلك السنونوات السوداء في الطيران. السواسن البرية التي تفتحت مع هذه الأطلالة الرائعة إنه منظر بديع ...
أجلس وحيد متجها إلى الغرب أقابل الشمس ساعات الأصيل وهي تغير كل شيء في هذا الفضاء المحيط بنا ..أصمت طويلا . ثم أبكي . تأتي " أمي " تتحسسني . هل أنت مريض يا بني . مابك لماذا تبكي . فأجيبها إني لا أعرف يا أمي ...أرتمي على صدرها فتبكي هي ايضا . تصيح لوالدي ..تعال انظر إلى ابنك ماذا أصابه .يقترب ابي . بتحسس رأسي وجسدي النحيل .. تسألني أمي : هل مررت من امام جارنا " ابو سعده " فهو يصيب بالعين (عائن ) إن عينه حارة جدا ..اصيح لا لا يا أمي .. اذا ما بك يا ولدي تعانقني وهي تبكي . لا شيء يا أمي لا أعرف لماذا ابكي .
لم أكن اعرف أنها بداية العشق لأيلول..لم يخبرني أحد أن أيلول بألوانه وجماله وهوائه يسرق القلوب . إنه يحرك شيء ما دفينا في أعماقنا . فيجعلنا نعيش تلك المشاعر المختلطة التي لا نفهم كنهها .
تمر السنون وأنا انتظر هذا اليوم ...حيث تغتسل روحي بألارجوان ..وتهدئ نفسي تلك الرياح الشمالية الباردة ..
ساعات طوال أراقب ايلول صامتا . وهو يشحن طاقاتنا بكل هذا الحب . وهذا الجمال ...ويروي عطش الحنين لدينا .
لقد أصبح لدي موعد مع أيلول ووريقات الخريف في مثل هذا اليوم من كل عام .
إلى الشمال تنتصب أمامي جبال حوران " جبل العرب " في سوريا . وإلى الغرب الشمالي يقف "جبل الشيخ " في لبنان معانقا السماء بكبرياء وشموخ .وإلى الغرب تسطع شمس أيلول فتزركش سماء قريتي بذلك الأرجوان الرهيب .
أقف متسمرا أمام هذا المنظر المهول صامتا لساعات طوال .
أيلول بلغته الجميلة كان يحاور ذلك الأنسان الصغير في داخلي يرسل لي الحب وأنا أرسل له الدموع ..يفهمني ولا أفهمه ...فأبكي من جديد .
الغيمات التي ساقتها رياح الشمال توقفت فوق "جبل الشيخ ". أراقب المشهد بفرح .تقترب تلك المزن الجميلة وتلتصق فوق سمائنا . فتهطل قطرات أيلول .. ويزداد المشهد روعة . يستفزني المشهد فأشد بأظافري على وجهي . أخشى على أيلول أن يًجرح . أرميها في الفضاء فألتقط روحي المعلقة بين الأرض وغيماتك يا أيلول .
بجانب الطرقات ودروب الماعز تتراكم أوراق الحور . أمسكها بيدي أعدها . وأتحدث لها بالنميمة عن وجع تموز وخيانة تشرين .
طيور "الكركي" المهاجرة تدور في جماعات مصدرة أصواتا موسيقية غاية في الروعة . تدور فوقي تماما فتسمعني صوناتاتها . كثيرا ما شعرت أنها تأتي لتلقي التحية علي .
كم تمنيت لو أن ايلول يأتي كل يوم طوال العام . وأطير أنا مع تلك الطيور المهاجرة . فيسألني الرفاق ألن تتوقف . ألم تتعب من الطيران ؟ فأجيب إن أيلول قرر ألا يتوقف سيأتي كل يوم _
اليوم اقترب كل شيء مني اكثر.أيلول ،أقلامي ،أوراقي .وفرشاة ألواني . ألا قريتي الجميلة لم تتلون بالأرجوان كعادة كل الجميلات . نظرت أليها من بعيد . آلاف الغربان دارت فوقها ونعقت بنشازاتها ، ابتسم لها كل الحمقى . ألا ظلي القديم هناك . نظر إلي؛ عبس وصمت .
....
عواد المخرازي
اليوم هو الأول في الإنقلاب الخريفي ..إليوم حل أيلول ضيفا علينا .
فجأة و بعد لهيب الشمس التي أمطرتنا بحرارتها الحارقة طوال الصيف ، والخمول الذي أرهق الأنفس . حضر أيلول بأرجوانه
ورياحه اللطيفة وشمسه الباردة ..لقد تغير كل شيء في داخلي فجأة ...رجع بي الزمن إلى الوراء ..حيث عشت طفولتي وتعرفت على أيلول . إنه اللقاء الأول بيني وبينه .
_ لقد رعيت الغنم في البراري على الحدود . لم اتجاوز العاشرة من عمري حينها . أراقب السماء كيف تتلون أمامي فترسل ذلك الأرجوان ليغير كل الكون من حولي ..الجبال التي خلف الحدود . الرمال الناعمة التي ملئت الفضاء .بقايا الحصيد وسنابل القمح . وذلك النشاط الذي دب في الحياة أمامي . صغار الماعز والأغنام وهي تقفز عاليا . عشرات السنونوات المهاجرة وهي تحلق فوقنا . حمائم حيّنا والعصافير الأهلية محاولة تقليد تلك السنونوات السوداء في الطيران. السواسن البرية التي تفتحت مع هذه الأطلالة الرائعة إنه منظر بديع ...
أجلس وحيد متجها إلى الغرب أقابل الشمس ساعات الأصيل وهي تغير كل شيء في هذا الفضاء المحيط بنا ..أصمت طويلا . ثم أبكي . تأتي " أمي " تتحسسني . هل أنت مريض يا بني . مابك لماذا تبكي . فأجيبها إني لا أعرف يا أمي ...أرتمي على صدرها فتبكي هي ايضا . تصيح لوالدي ..تعال انظر إلى ابنك ماذا أصابه .يقترب ابي . بتحسس رأسي وجسدي النحيل .. تسألني أمي : هل مررت من امام جارنا " ابو سعده " فهو يصيب بالعين (عائن ) إن عينه حارة جدا ..اصيح لا لا يا أمي .. اذا ما بك يا ولدي تعانقني وهي تبكي . لا شيء يا أمي لا أعرف لماذا ابكي .
لم أكن اعرف أنها بداية العشق لأيلول..لم يخبرني أحد أن أيلول بألوانه وجماله وهوائه يسرق القلوب . إنه يحرك شيء ما دفينا في أعماقنا . فيجعلنا نعيش تلك المشاعر المختلطة التي لا نفهم كنهها .
تمر السنون وأنا انتظر هذا اليوم ...حيث تغتسل روحي بألارجوان ..وتهدئ نفسي تلك الرياح الشمالية الباردة ..
ساعات طوال أراقب ايلول صامتا . وهو يشحن طاقاتنا بكل هذا الحب . وهذا الجمال ...ويروي عطش الحنين لدينا .
لقد أصبح لدي موعد مع أيلول ووريقات الخريف في مثل هذا اليوم من كل عام .
إلى الشمال تنتصب أمامي جبال حوران " جبل العرب " في سوريا . وإلى الغرب الشمالي يقف "جبل الشيخ " في لبنان معانقا السماء بكبرياء وشموخ .وإلى الغرب تسطع شمس أيلول فتزركش سماء قريتي بذلك الأرجوان الرهيب .
أقف متسمرا أمام هذا المنظر المهول صامتا لساعات طوال .
أيلول بلغته الجميلة كان يحاور ذلك الأنسان الصغير في داخلي يرسل لي الحب وأنا أرسل له الدموع ..يفهمني ولا أفهمه ...فأبكي من جديد .
الغيمات التي ساقتها رياح الشمال توقفت فوق "جبل الشيخ ". أراقب المشهد بفرح .تقترب تلك المزن الجميلة وتلتصق فوق سمائنا . فتهطل قطرات أيلول .. ويزداد المشهد روعة . يستفزني المشهد فأشد بأظافري على وجهي . أخشى على أيلول أن يًجرح . أرميها في الفضاء فألتقط روحي المعلقة بين الأرض وغيماتك يا أيلول .
بجانب الطرقات ودروب الماعز تتراكم أوراق الحور . أمسكها بيدي أعدها . وأتحدث لها بالنميمة عن وجع تموز وخيانة تشرين .
طيور "الكركي" المهاجرة تدور في جماعات مصدرة أصواتا موسيقية غاية في الروعة . تدور فوقي تماما فتسمعني صوناتاتها . كثيرا ما شعرت أنها تأتي لتلقي التحية علي .
كم تمنيت لو أن ايلول يأتي كل يوم طوال العام . وأطير أنا مع تلك الطيور المهاجرة . فيسألني الرفاق ألن تتوقف . ألم تتعب من الطيران ؟ فأجيب إن أيلول قرر ألا يتوقف سيأتي كل يوم _
اليوم اقترب كل شيء مني اكثر.أيلول ،أقلامي ،أوراقي .وفرشاة ألواني . ألا قريتي الجميلة لم تتلون بالأرجوان كعادة كل الجميلات . نظرت أليها من بعيد . آلاف الغربان دارت فوقها ونعقت بنشازاتها ، ابتسم لها كل الحمقى . ألا ظلي القديم هناك . نظر إلي؛ عبس وصمت .
....
عواد المخرازي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق