فرّتْ من موْتٍ إلى موْتٍ
عطا الله شاهين
لم تكنْ تعلم تلك المرأة عندما فرّت ذات مساء من قصفٍ مجنون دكّ قريتها ودمّر بيتها من حرب مجنونة، فما كان عليها سوى أن تتوجه إلى غابةٍ قبل أن تغرب الشمس، وولجت إلى داخل الغابة، وكانت ترتجف من الخوف، وبينما كانت تخطو بخطوات حذرة رأتْ كوخاً من بعيد، وبدأت تخطو صوبه، وحينما دنتْ منه أكثر رأتْ شابّاً كان يُقطّع الحطبَ، وكأنه كان يستعدّ لبردِ الشتاء
القادمء، وحين وصلت إلى الكوخ سلمت على الشاب الذي بدا لها منهكا فقال لها الشاب ما قصّتكِ؟ ورغم أنها كانت خائفة إلا أنها قصّت عليه قصّتها، وشعر بالحزن عليها، لأنه عاش الحزن من قبلها، فدعاها الشاب لتناول الشاي، وقال لها لا تخافي، أقسم بأن تكوني مثل شقيقتي، وسأحافظ عليكِ، فجلست معه في المطبخ، لأن العتمة بدأت تخيم على المكان ولا خيار أمامها سوى أن تمكث معه حتى الصباح، بينما راح الشاب يعدّ الشاي، وقالت في ذاتها إما أن أظلّ في الغابة وأكون عرضةً لافتراسات الحيوانات، أو أن أظلّ في هذا الكوخ، أنا أرى بأن أظل هنا في الكوخ أفضل لي، وبعدما شربا الشاي قال لها اذهبي إلى الطابق الثاني ونامي، لأنه يبدو التعب عليك جليا فأنت متعبة من مشي مجنون، فهزت المرأة رٍأسها المثقل بالأحزان وقالت: فعلا لقد سرت مسافة طويلة، واستأذنته وصعدت إلى الطابف الثاني، وهناك دخلت إلى غرفة مضاءة بفانوس قديم، وأوصدتْ على حالها الباب من باب الحذر، واستلقتْ على فراش نظيف، ومن شدة التعب نامت حتى الصباح، وعندما استيقظتْ نزلت من غرفتها ورأت الشابّ يعدّ الشاي والفطور، فحيّته بصوتٍ خافت ودعاها للجلوس كي تأكل، لأنها بالأمس لم ترد أن تأكل شيئا، فجلستْ على كرسيٍّ من خشبٍ وراحا كلاهما يتحدثان عن جنونِ الحرب، التي ما زالت مستعرة، وقال لها: أنا مثلكِ هربتُ من جُنونِ الحرب ذات يوم، وبنيتُ هنا هذا الكوخ قبل سنوات، وها أنا أعيشُ فيه كما ترين بمفردي، بعدما فقدتُ كل أقاربي. وبعد أن شربت الشاي، قالت له سأرحل الآن، فقال لها ذاك الشاب لا أستطيع أن أرغمكِ على البقاء هنا، فأنت حرة بقرارك، وودعته وشكرته على كل شيء، وسارت في تلك الغابة، لكن بعد مضي ربع ساعة على رحيلها سمع صوت رصاص، فخطا بهدوء كي يستعلم ما جرى، وبينما كان يخطو بخطوات حذرة وجد تلك المرأة التي نامت في كوخه بالأمس مضرجة بدمائها، فقال ربما أن قناصا قتلها، فحملها بسرعة، وكانت قد نزفت كثيرا، وما أن وصل إلى الكوخ حتى لفظت أنفاسها ..فدفنها هناك، وحزن عليها، وقال لقد فرّت من موت إلى موت .. يا للمسكينة لقد كانت امرأة مفعمة بالأخلاق، سأظل أتذكر حديثها الحزين عن حرب مجنونة..
القادمء، وحين وصلت إلى الكوخ سلمت على الشاب الذي بدا لها منهكا فقال لها الشاب ما قصّتكِ؟ ورغم أنها كانت خائفة إلا أنها قصّت عليه قصّتها، وشعر بالحزن عليها، لأنه عاش الحزن من قبلها، فدعاها الشاب لتناول الشاي، وقال لها لا تخافي، أقسم بأن تكوني مثل شقيقتي، وسأحافظ عليكِ، فجلست معه في المطبخ، لأن العتمة بدأت تخيم على المكان ولا خيار أمامها سوى أن تمكث معه حتى الصباح، بينما راح الشاب يعدّ الشاي، وقالت في ذاتها إما أن أظلّ في الغابة وأكون عرضةً لافتراسات الحيوانات، أو أن أظلّ في هذا الكوخ، أنا أرى بأن أظل هنا في الكوخ أفضل لي، وبعدما شربا الشاي قال لها اذهبي إلى الطابق الثاني ونامي، لأنه يبدو التعب عليك جليا فأنت متعبة من مشي مجنون، فهزت المرأة رٍأسها المثقل بالأحزان وقالت: فعلا لقد سرت مسافة طويلة، واستأذنته وصعدت إلى الطابف الثاني، وهناك دخلت إلى غرفة مضاءة بفانوس قديم، وأوصدتْ على حالها الباب من باب الحذر، واستلقتْ على فراش نظيف، ومن شدة التعب نامت حتى الصباح، وعندما استيقظتْ نزلت من غرفتها ورأت الشابّ يعدّ الشاي والفطور، فحيّته بصوتٍ خافت ودعاها للجلوس كي تأكل، لأنها بالأمس لم ترد أن تأكل شيئا، فجلستْ على كرسيٍّ من خشبٍ وراحا كلاهما يتحدثان عن جنونِ الحرب، التي ما زالت مستعرة، وقال لها: أنا مثلكِ هربتُ من جُنونِ الحرب ذات يوم، وبنيتُ هنا هذا الكوخ قبل سنوات، وها أنا أعيشُ فيه كما ترين بمفردي، بعدما فقدتُ كل أقاربي. وبعد أن شربت الشاي، قالت له سأرحل الآن، فقال لها ذاك الشاب لا أستطيع أن أرغمكِ على البقاء هنا، فأنت حرة بقرارك، وودعته وشكرته على كل شيء، وسارت في تلك الغابة، لكن بعد مضي ربع ساعة على رحيلها سمع صوت رصاص، فخطا بهدوء كي يستعلم ما جرى، وبينما كان يخطو بخطوات حذرة وجد تلك المرأة التي نامت في كوخه بالأمس مضرجة بدمائها، فقال ربما أن قناصا قتلها، فحملها بسرعة، وكانت قد نزفت كثيرا، وما أن وصل إلى الكوخ حتى لفظت أنفاسها ..فدفنها هناك، وحزن عليها، وقال لقد فرّت من موت إلى موت .. يا للمسكينة لقد كانت امرأة مفعمة بالأخلاق، سأظل أتذكر حديثها الحزين عن حرب مجنونة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق