«الإحساس بالغربة عن هذا العالَم الذي نعيش فيه لا يخصُّ المرأة في بلادنا العربية فقط؛ إنه إحساس لا يُمكن أن تنجو منه امرأة تُولَد في أي مكان فوق هذه الكرة الأرضية، والرجل أيضًا.»
قالوا قديمًا إن الغربة داخل الوطن أشد وطئًا من الغربة خارجه؛ فجُرحُ الاغتراب في الخارج يلتئم بزيارة أو عودة، لكن غربة الذات والفكر والهُوية ربما لا تلتئم أبدًا، ولا تندمل جراحها. تدافع الدكتورة «نوال السعداوي» في هذا الكتاب عن جُلِّ قِيَمها، وعن قضيتها التي كرَّسَت لها حياتها وكتاباتها؛ وهي الدفاع عن حقوق المرأة وانتزاع هذه الحقوق، ورفع الضَّيم عنها بكل أشكاله وصوره، ليس في المجتمعات العربية فحسب، بل في العالَم بأسره.
مقدمة
بقلم منى حلمي
«نوال السعداوي … تحرضنا على التساؤل.»
ما أكثر «الكتابات» الخالية من فعل «الكتابة».
كتابات ممتلئة بالكلمات، وتعوزها «الكلمة» كتابات مُكدَّسة بالأفكار، وتفتقد «الفكر».
وفي هذا الكتاب تواجهنا «كتابة» ذات مذاقٍ مختلف.
نوال السعداوي، كاتبة، وأديبة، تؤمن أن «الكتابة»، فعلٌ ثوري، لا يعبر قدر ما يقتحم المحظور، ويخلق المحال. و«الكلمة» نغمة «نشاز» عن أغنية الواقع القانعة بالرتابة، وتصفيق الناس، وكلاهما ثمرة «فكر» متجاوز، طامح أبدًا إلى أفق الدهشة، والخطر، قناعتها أن الإبداع، هو ما يثير زوابع الغضب، وسوء الفهم.
هذه موضوعات، لا تعطينا إجابات جاهزة الصنع، يمكن استهلاكها كالأشياء، إنها شحنات تَحَدٍّ، تستفز عقولنا، تحرك بحيرات التساؤل الراكدة، تحرضنا على إعادة النظر، فيما اعتبرناه من البديهيات والمسلَّمات.
تكتب نوال السعداوي، عن أزمة الهوية، وتخوض معركة العقل ضد التيارات اللاعقلية، وتوضح قهر المرأة الجسدي، والنفسي المتستِّر وراء الفضيلة، وترفض النمط المستورد السطحي للثقافة، والفكر في كل المواقع، وهي لا تسرد، ولا تصف، بل يضرب قلمها في جذور المشكلة، يُعرِّي الجرح دون ترددٍ، أو هوادة. كامرأة اشتغلت بالطب، والجراحة تدرك خطورة الحقن بالمسكنات، وضرورة استئصال الداء من العمق.
ولأنها تواجهنا بما لم نألفه، أو نتوقعه، أو يريحنا، فإن هذه الموضوعات تصدمنا، تربكنا، وتجبرنا على هجر موقف الحياد واللامبالاة، والنزول إلى ساحة التفاعل الفكري.
إنه هذا التفاعل الذي يمنح نوال السعداوي، إحدى ميزاتها، قد نتفق، أو نختلف معها، لكن يبقى إنجازها المتفرد، إنها تثير الجدل، والشك، تستنفرنا لمواجهة أنفسنا من الداخل، دون أقنعة.
لا تطمح نوال السعداوي — كعادتها — إلى حلول، أو تصحيح، أو شن حملات. هي تريد أن تخلق منهجًا جديدًا في التفكير، وأن تشكِّل رؤًى مغايرة، لتذوق الحياة، وتغيير العالم، وهذا يبرر تنوع القضايا التي يتضمنها هذا الكتاب، لكنها جميعًا تنويعات على لحنٍ أساسي، يغني للحرية، والعدل بين البشر.
يدهشنا الحماس، والتوهج، والطزاجة، المطلة من بين السطور، والسبب لا يرجع إلى أنه كتاب يمسُّ قضايا شائكة، لها حساسيتها في واقعنا العربي، ولكن لأن نوال السعداوي، كاتبة، تعيش ما تكتبه، وتكتب ما تعيشه.
إن الْتحام الفكر بالحياة المعيشة، هو ما يعطي كتابات نوال السعداوي، نكهتها الفريدة، المفعمة بحرارة العقل والقلب، والجسد، دونما انفصال.
هي «متورطة» فيما تكتبه تورطًا حياتيًّا، عضويًّا.
ولذلك حين تدافع عن آرائها، لا تحمي «فكرها»، وإنما كل حياتها في وحدةٍ غير قابلة للتجزئة.
وهذا هو شرط أن تؤثر الكتابة في القراء، وأن يكون لها صدًى في المستقبل. فالكتابة التي عجزت عن تغيير كاتبها، والتأثير في حياته، تعجز عن تغيير الآخرين، والتأثير في حياتهم.
الأفكار عند نوال السعداوي، حيوات تُعاش.
الفكرة كائنٌ حيٌّ صعب المراس، لا يمنح أسراره الثرية، إلا بعناقٍ دائمٍ، متجدد.
نوال السعداوي، كامرأة، كإنسانة، وكأديبةٍ مبدعة، رفضت القهر على المستوى الشخصي، والعام، وما تاريخها إلا صراعٍ لا يهدأ، ضد القيود في جميع أشكالها.
لكنها تقول دومًا كلمتها، وتكتب؛ لأنها تؤمن أنه من الصعب أن يتحرر الإنسان، في عالمٍ لا تزدهر فيه من حوله حريات الآخرين.
تاريخ إصدارات هذا الكتاب
صدر هذا الكتاب عام ١٩٩٧
صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠٢٠
محتوى الكتاب
مقدمة
عن أزمة الهوية
الهوية الاستهلاكية
أليست هي جريمةً ثقافية؟!
الثقة بالنفس والصراع الحضاري
مظاهرات في واشنطن
المرأة وأزمة الفكر العربي
ثقافة الصابون
المرأة والإحساس بالغربة
كيف ولماذا يحدث ذلك؟
الكونية والمرأة والفساد
المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة
حول ختان الذكور والإناث
انتصار العقل على النقل
عن كرامة المرأة والختان
إنه عاهة وليس هويَّة
عن المؤلف
نوال السعداوي: هي إحدى الشخصيات الأكثر إثارةً للجدل؛ حيث يصعب على القارئ أن يقف منها موقفًا وسطًا، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها. وهي أشهرُ مَن نادى بتحرير المرأة من قيودها، ومَن جهَرَ بالعصيان لِمَا سمَّتْه «المجتمع الذكوري».
وُلِدت نوال السيد السعداوي في «كفر طلحة» بمحافظة الدقهلية عام ١٩٣١م، لأسرة متوسطة الحال؛ فكان أبوها موظفًا بوزارة المعارف، وقد لعب دورًا كبيرًا في حياتها، فمنه تعلَّمَتِ التمردَ على قيود المجتمع، وأن الثوابت التي لا تؤمن بها هي أصنامٌ يسهل تحطيمها. أما أمها فهي سيدة ريفية بسيطة ورثَتْ عنها ابنتُها الجَلَدَ وتحمُّلَ المسئولية. أتمَّتْ نوال السعداوي دراستَها الجامعية وتخرَّجَتْ في كلية الطب عام ١٩٥٥م. وعلى الرغم من الصراع الدائم داخلَها بين الأدب والطب، فإن أحدهما لم يحسم المعركة؛ فقد كانت مؤلِّفتُنا طبيبةً مشاكسة وأديبةً مثيرة للأسئلة. تزوَّجَتْ ثلاثَ مرات وأثمَرَ زواجُها ولدًا وبنتًا، وكان زواجها الأخير من «شريف حتاتة» هو الذي دفَعَ بأعمالها إلى العالَمية بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.
كتبَتْ نوال السعداوي أكثرَ من خمسين عملًا متنوِّعًا بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية، وعزفت بقلمها على الثالوث المقدس (الدين والجنس والسياسة) لتقوِّضه؛ فهي تدعو لأن تتحرَّر المرأة من قَيْدِ عبوديةِ الرجل محلِّقةً في أُفُق أرحب من المساواة ذاتها؛ فالمرأةُ حين ارتدَتِ الحجابَ تديُّنًا استتر عقلُها قبل شعرها، واعتلاها الرجلُ باسم الجنس. وعلى أعتاب السياسة فَقَدَت كلَّ شيء وقضَتْ حياتَها مدافِعةً عن المرأة؛ فسُلِبت حريتها، وعُزِلت من وظيفتها، وأُدرِج اسمُها في قائمة الاغتيالات، ولم يكن أمامَها إلا أن تبحث عن الحرية والأمان في مكانٍ آخَر، ولكنْ أينما ذهبَتْ فقضيةُ المرأة هي شاغلها الأكبر، فظلَّتْ تكتب عنها وإليها.
وعلى الرغم من جهدها في الدفاع عن قضايا المرأة المصرية والعربية، فإن الاحتفاء بها جاء من عدة دول غير عربية، كما أنها رُشِّحت لجائزة نوبل. ويظل اسم نوال السعداوي من أهم الأسماء المحفورة في مخيِّلة الأدب النِّسوي.
*المصدر/ مؤسسة هنداوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق