اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رواية “أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” فتنة العشق والدين والسياسة

صبحي فحماوي
الكاتب الروائي: صبحي فحماوي
➤ بقلم:د. عبد المجيد صديقي

يجدد المبدع صبحي فحماوي في إصداره الروائي الجديد” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” صلته الفنية بأجواء التاريخ والأسطورة، لا لإدانة هذا العالم الذي تحاك فيه المكائد والدسائس خفية، كما تغتصب فيه الحقوق عنوة، وتطمس فيه الحقائق جهارا نهاراً، ولكن كي يذكرنا بأهمية الحب في تحقيق التعايش بأمن وآمان في عملية البحث عن السلام المفقود. فرغم كثرة الجروح التي أثخنت جسد هذه الرقعة الجغرافية من شرق بحر كنعان، ووسمت ماضي وحاضر شعوبها معا، ورغم أن اليوم بات شبيها بالبارحة، فهناك، أيضا، صفحات مشرقة منذ فجرهذا التاريخ بصمها عاشقان: أمنحوتب ـ أخناتون المصري الفرعوني، وإلهام نيفرتيتي الكنعانية، واللذين عادا إلينا ليقولا لنا، روائيا، ما يجب أن نستحضره في مواجهة واقعنا المعيش، وليلهمانا الجرأة الكفيلة لمواجهة جريمة/ جرائم القتل البشعة التي تتم عن سبق إصرار وترصد لكل ما هو جميل، جرائم تتجاوز الفرد إلى منظومة القيم الإنسانية الخالدة، قيم الحب والحرية والخير والحق والجمال والشعر وغيرها.
وأمام كل ذلك، فنحن بصدد رواية يحرص ساردها على أن يرافقه القارئ في متعته واستمتاعه، وفي حزنه وذهوله”على السنوات الفرعونية الكنعانية التي بصمها أخناتون ونيفرتيتي ببصمات غيرت وجه الدنيا آنذاك”([1]). وقصد عرض مشاهد سردية من هذا العالم الكنعاني الفرعوني التليد، نلاحظ أن السارد عمد إلى توزيعها على ثلاثة وعشرين فصلا مرقما، فضلا عن الفصل الأول الذي يحمل عنوان” منظار الزمن”، والفصل الأخير بعنوان: الطامة الكبرى، ينظمها سارد بضمير المتكلم، كما نلاحظه يستمد من قصة ” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” رموزها ومضامينها الحضارية والثقافية والجمالية في حياتنا الحالية، لتبدو روائيا، في اعتقادي، بصفتها” النجم العاكس ” صوتا وصورة لما ينقل إلينا من مشاهد حضارية جميلة للتاريخ الفرعوني الكنعاني المشترك، عبر منظار/ مقراب الزمن. يقول السارد:” وهكذا أفهمني منظار الزمن الذي لم أتوقع بأي حال من الأحوال أن أنتقل برمشة عين إلى ذلك العصر الكنعاني الفرعوني المجيد، وهو يمر أمامي الآن مر السحاب. وذلك حسب التاريخ المدون هنا على الزاوية السفلى اليمنى لشاشة هذا المقراب 1350 ق.م”([2]). فيوهمنا ـ أو يقنعنا ـ بأنه يستلهم التاريخ لإيهام القارئ بواقعية ما يسرد، فيعرض لنا أخناتون ، بصفته ملكا شابا يحب المناقشات الفلسفية والدينية، كما يعيش قصة عشق خالدة مع الأميرة الكنعانية الجميلة” نيفرتيتي”. ومن ثم، نتابعه وهو يركز ـ أي أخناتون ـ اهتمامه على تحقيق ثورة دينية متفردة تنادي بديانة تتجسد عنده في أتون قرص الشمس، وثورة فنية تتيح للناس التعبير عن رؤاهم وتصوراتهم للحقائق الواضحة عن أشياء الحياة، وثورة سياسية تسمح للناس بممارسة حريتهم التامة في تفعيل ما يرتؤونه لحياتهم من مظاهر التقدم وأساليب التطور، غير أنه لم ينج من معارضة مخيفة، وتربص وردّة فعل رجال الدين ومن ملوك ضعاف الإرادة عملوا على إعادة مجد ما ثار عليه.
أما نيفرتيتي، الأميرة الكنعانية الجميلة، معشوقته وشريكة حياته وقناعاته وطموحاته، فقد ساهمت في نسج السلام بين المصريين القدماء والكنعانيين، لكن حياتها صارت شقية وضلت طريقها بعد سلسلة نكسات تعرض له” دين الحب”، الذي كان يوحدهما، ففترت جذوته، وانقلب عشقهما معا إلى سأم وملل وضجر وتيه وضياع.
وحيث إن انطباعات الإحساس بالحيرة، والذهول، وعقم كل جهد إنساني، التي تولدها الرواية هي عينها المتولدة عن” صور حيواتنا الحالية”([3]). وحيث إن جروح الخيانة التي تغلغلت في جسد هذه الرقعة الجغرافية من شرق بحر كنعان، ونكلت بتاريخ شعوبها المديد، تنكيلا تعود جذوره إلى النهاية المأساوية التي آلت إليها قصة الحب الكببرة بين أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية.. فالواضح، في اعتقادي، أننا أمام أمر يوحي، بأن فتنة، أو بالأحرى فتن، العشق والدين والسياسة، وهي تنسج الكون الروائي لـ”أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية”، تشتغل كذلك، بصفتها خيوطا تحرك ما يحدث في واقع اليوم، وتعرضه بوصفه استرسالا لمآسي الأمس.
فهل يهدف السارد إلى أن يلفت ذهن القارئ إلى مسألة قيم وحدود وأواصر القرب والقرابة والتقارب والتآلف والتعايش؟. ودفعه، تبعا لذلك، أي، القارئ إلى التساؤل، مجددا، عن مدى صعوبة، أو مدى يسر تجسيد” المدينة الفاضلة”، وفق الفلسفة الأفلاطونية، على الأرض؟ أليست قصص الحب الكبيرة تلهم الأحلام الكبيرة؟، بل أليس في ظله، أي الحب، تعيش الأمم مثل الأفراد وحدة وتكامل مصالحها، فتبدع وتخلد مآثرها، بدل ما ينتجه الحقد والطمع من صراع وفرقة وشتات وضياع وهلاك.
وهكذا، تغرينا رواية” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” بقراءتها/ ملامستها، في اعتقادي، وفق عدة مستويات، ليس لأنها حكاية عشق وروابط وأواصر وقرابات عميقة وتاريخية بين الشعوب والثقافات والحضارات والأفراد بعضهم جميعهم ببعض، وفقط. أو لأنها حكاية موجودة منذ زمن بعيد ليس إلا، بل لأن السارد ـ في سياقنا هذا ـ يبتغي إعادة الكشف عنها. فالدروس والعبر، كما نعلم جميعنا، تستنبط من سياق الأحداث وكثيرا ما لا تسرد بشكل مباشر. ولتأدية هذه المهمة، عمد السارد إلى عرضها وفق بناء مشبع بالتقنيات السردية القائمة على إدراج الفعل السردي في وضع تاريخي قديم، وعلى عرض الشخصيات الروائية من خلال ملء المدى الزمني لحياتها بوضعيات متقلبة، إضافة إلى وصف الفضاء/ البيئة/ المكان السردي .لهذا، بدا لي أن هذه الرواية تتألف، بالإضافة لهذا وذاك، من عدة عناصر/ خطوط مترابطة في ما بينها، هي:
ـ عنصر الحكاية الروائية القائمة على شخصية السارد في علاقته بالقارئ،
ـ عنصر القصة الحميمية عن أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية وتأملات أخناتون الفلسفية والدينية والفنية والسياسية،
ـ عنصر حكاية مؤامرات رجال الدين الأموني في تربصهم بأخناتون:
السارد والقارئ
يقدم لنا السارد نفسه بصفته روائيا معلوماتيا عربيا منحته شركة برمجيات إلكترونية صينية فرصة استخدام منظار زمني يتيح لمستخدمه السفر في الزمن. ولأنه، أي السارد، يأمل في استعادة” فردوس مفقود”، فقد ارتأى أن ينقل إلينا أحداثه وكأنها تتم الآن، رغم أنها جرت في عهد الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، التي عاشت خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ومن خلال وبعض من أيام تاسع فراعنة هذه الأسرة ( أمنحوتب الثالث)، و مثل ذلك من أيام عاشر فراعنتها، ابنه الثاني” أخناتون”. وهكذا، تطالعنا الرواية بقول السارد:” قال لي العالم الصيني المسؤول، أنني بصفتي روائيا معلوماتيا عربيا، أستطيع بهذا المنظار أن أشاهد ما أريد من أحداث الماضي، وكأنها تتم أمامي الآن، فأكتب رواية معلوماتية، تسرد ما أبحث عنه من أحداث الزمن السحيق، مما كان يشغل فكري، فتدهش القراء متابعته.”([4]) أحداث تدور وقائعها وتتحرك شخصياتها بين مدينة طيبة/ ومدينة أخت آتون المصريتين، ومملكتي الخليل ومجدو الكنعانيتين الفلسطينيتين، حيث يجتمع عبق التاريخ بجمال الطبيعة. لذلك، نلاحظ أن حبكة المادة السردية/ الحكاية التي يعرضها سارد رواية” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” تقوم على منطق التتابع والترابط، سواء التتابع بين الأحداث في ما بينها، أو الترابط القائم بين الأحداث والشخصيات والمكان والزمان.. وهو منطق هدف، من خلاله السارد، ليس إلى إدهاش القراء وحسب، بل وإلى إمتاعهم وإقناعهم معا، ودفعهم إلى مشاركته الإحساس الذي يعيشه الفلسطيني وهو يعيش تاريخه، ويؤمن بأن الكتابة عن فلسطين تتجاوز العشق، والنضال والضرورة الملحة، إلى التماهي الذي تمليه العوامل الوجودية، والثوابت التاريخية، والاجتماعية والنفسية والفكرية والفنية، وغيرها. فكيف نحب في ظل الفرقة والفتن وتضارب المصالح؟، وكيف يتأتى للحديث عن حكايات الشعوب وأساطيرها أن يكون، كذلك، حديثا عن جواهر أفرادها؟.
لذا، فقصد إعرابه عن توقه وحنينه للعودة إلى الأصول والبدايات و”الفردوس المفقود”، يقول السارد:” طلبت منه ( أي منظار الزمن ) أن نعود إلى عصر الإمبراطور أمنحوتب الثالث وزوجته الملكة تيي، وابنه أخناتون عاشق الجميلة نيفرتيتي، وذلك للتعرف على قصة حبهما، ولمشاهدة معركة مجدو الشهيرة، والتعرف على مسبباتها، وبداياتها، ونهاياتها..”([5])
وبعدما نقل إلينا، أي السارد، مشاهد تكشف عن الذاكرة الكبرى للتاريخ الكنعاني الفرعوني القديم، مشاهد دارت أحداثها بين بلاد كنعان وأرض مصر، فرافقناه في التعرف على مسبباتها وبداياتها ونهاياتها، بدا لنا أن توقه إلى هذا الزمن الأسطوري العظيم يعزى إلى رعبه وارتعابه من سطوة الزمن المعيش. لذلك، نجده يخبرنا في نهاية سرد الرواية بالخاتمة الحزينة والمأساوية لحكاية”أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية”. فقال:” آن لقصة الحب الجميلة أن تكون لها نهاية، ولكن النهاية جاءت قاتمة وحزينة
لقد انتصر كهان آمون..
وحطموا كل شيء..
وحرر الموت أخناتون من هجمة الحقد والغل والكراهية..
رحل..
ليترك أجمل جميلات التاريخ،
نفرتيتي،
وسط ضياع لا يمكن وصفه،
وحزن لا ينتهي،
حتى لحظات سرد هذه الرواية.”([6])
القصة الحميمة بين أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية وتأملات أخناتون الفلسفية والدينية والسياسية
تجسد حكاية” أخناتون ونيفرتيتي” العاطفية نموذجا للاتصال أو التعلق الذي يحصل بين نفسي مخلوقين بشريين وبحثهما معا عن كمالها الخير والجميل. فقد كان قدر الحب بينهما، كما كان التوافق والانسجام في المعتقد والذوق والفكر والرؤية اللذان حصلا بينهما معا، لما كانا أميرين، عندما التقيا معا في بحيرة الشط المتواجدة في محمية أمنحوتب الثالث، إحدى محميات العنب الفرعونية الملكية في جنوب فلسطين. فقد كان أخناتون في السابعة عشرة من عمره ويسمى” أمنحوتب”، وكانت نيفرتيتي في الرابعة عشرة من عمرها، وتسمى إلهام. وتبعا لذلك، كانت قوة رباط الحب هي ما حال دون إشعال حرب، ما كانت تبقي أو تذر، بين جيوش بلديهما، قوة حولت مواجهة حربية إلى لقاء حب وسلام ووطدت أواصر القرابة والمصاهرة.
وبعبارة أخرى، فبعد أن أوشكت شرارة الحرب التي كان يشنها ويقودها الأمير الفرعوني أمنحوتب الرابع، وبتحريض من أمه الملكة تيي، ومساندة من قائد جيشه” حور محب”، على الممالك الفلسطينية، أن تندلع، بعدما رفضت هذه الأخيرة دفع الضرائب والإتاوات التي جعلت حياة الكنعانيين لا تطاق، وعجلت بثورتهم ومقاومتهم لتلك الابتزازات الفرعونية، انتصر الحب على الحرب. وهكذا، فقد كانت هذه المعركة تحمل اسم مملكة مجدو” عمق فلسطين الحبيبة، (و) أرض الرباط إلى يوم الدين”([7])، وكانت قيادة الجيوش قد آلت إلى ملكها” رفائيل”، كما كان هذا الأخير، قد أشرك ابنته إلهام في مهمة الإشراف على الجيوش، نظرا لقوة شخصيتها وحنكتها ولباقتها وسابق معرفتها بالأمير أمنحوتب، فقد كان لكل ذلك أثره البالغ في تجنيب بلدها نيران هذه الحرب.
قالت الأميرة إلهام، بعد أن فاجأت جل الجيوش بتسللها من بين الصفوف، للأمير أمنحوتب في اللقاء الذي حصل بين الجيشين قبيل المواجهة:” أيها الأمير الإمبراطوري أمنحوتب الذي عرفته يتغنى بالمحبة والإنسانية والسلام.. كنت قد التقيتك برفقة أبي رفائيل ملك مجدو في محمية أبيك الملك أمنحوتب الثالث، على بحيرة الشاطئ الخليلية قبل ثلاث سنوات. وكنا قد تفاهمنا على أن الحياة على الأرض تعني المحبة والسلام، واتفقنا على أننا لو كنا مسؤولين، فسنحقق السلام بين مصر وكنعان ولكننا على عكس ما توقعت، نلتقي اليوم وجها لوجه على سهول مملكة مجدو، بمعارك قد تحرق الأخضر واليابس بين بلدينا.”([8]) وبعد أن عبرت له عن شوقها إليه وإلى لقائه الذي انتظرته طويلا، أردفت بأن مبادرتها في الحديث معه تقوم على حبهما وتقديسهما معا لأتون الشمس بصفته عنوان السلام والعدل. لذا، تضيف الأميرة إلهام:” أقترح عليك أن تكون مجدو مملكة لقاء وسلام، بدل أن تكون شعلة للحروب والدمار، وأن نتقابل فيها كإخوة وجيران وأصدقاء ومحبين، بدل أن تسيل بيننا الدماء، ونبقى نحتل بلدكم هكسوسا، وتبقون تحتلون بلادنا فراعنة.”([9])
وأمام شوق الأمير أمنحوتب، بدوره، للقاء معشوقته إلهام ، وذهوله أمام خطابها وأمام مبادرتها الرامية لإرساء المحبة والسلام الدائمين بين الكنعانيين والفراعنة وجعلهما أمة واحدة، قال:” لقد قررت أمامك وأمام هذه الجيوش الجرارة قبول مبادرة السلام هذه، على أن تستبدل كل العلاقات بين الدولتين المصرية والكنعانية عامة، وليست ممالك فلسطين وحدها، من استعداء وعداء إلى سلام ووئام تام.”([10])
وتبعا لذلك، فقد صارت الأميرة إلهام زوجته الملكية العظمى، وجرت طقوس ذلك، في مدينة طيبة، في موكب مهيب، مثلما صار” حب كل منهما للآخر” حبا كبيرا. بل، إن إلهام أصبحت تحمل اسم” نيفرتيتي”، وأصبحت كذلك شريكة أمنحوتب الرابع ، الذي استبدل اسمه، بعدما أصبح ملكا، بـ” أخناتون” ـ في إنجاز دعوتهما ومشروعهما المتعلق بدين التوحيد الشمسي، وببناء مدينة جديدة سميت” أخت آتون” يُقدّس فيها” آتون” عوض عبادة” آمون” معبود الفراعنة في عاصمة ملكهم” طيبة”. والتقديس يختلف عن العبادة.زإذ أن التقديس لا ينتظر من صاحبه أن يكون عبداً لأتون الشمس..يصلي ويركع لها..بل مقدساً لها بالإيمان بكون الشمس هي مصدر الحياة على الأرض… فعاشا معا” أروع قصة حب” في التاريخ أثمرت ست فتيات، قبل أن تصير، أي قصة حبهما، شقية، نتيجة انصرافه عن نيفرتيتي وعن شؤون تدبير شؤون مملكته، إلى الاعتكاف لتقديس ربه” آتون”، وهو الانصراف الذي يعد تنازلا عن سلطاته واختصاصاته، وأحدث فراغا سمح لأخيه” سمنخ كا رع” باستغلاله، حيث تم تنصيبه ملكا، بعد تآمر كل من أمه” الملكة تيي” مع رجال وكهنة آمون، وردّة خاله “آي” مع “حور محب” قائد جيشه الذي تزوج “نجمت موت” أخت “إلهام – نيفرتيتي”، علاوة عن ثورة أفراد شعبه عليه جراء الضعف الذي آلت إليه دولتهم وأحوالهم معا. بل إن محنة هذا التنازل وهذه الردة اللذين شقي بهما معا أخناتون، امتدا بشقائهما، وبنتائجهما، وبشكل مضاعف، إلى نيفرتيتي التي رزئت، وهي في غمرة انشغالها بالفن في مدينة أخت آتون، كما فجعت في حبها لما علمت زواج أخناتون، تحت إلحاح من أمه، بأخته” الأميرة كيا” التي أنجب منها ابنه” توت عنخ آتون”، غير أن زواجه، أي أخناتون، بابنته” ميريت آتون” وجعلها الملكة العظمى قصم ظهر نيفرتيتي ، فانتهت حياتها شمطاء، مجنونة و تائهة بين الطرقات.
حكاية مؤامرات ورجال الدين في تربصهم بأخناتون
يقدم السارد” أمنحوتب الرابع”/ أخناتون بصفته شابا مفكرا يميل إلى المناقشات الفلسفية والدينية أكثر من ميله إلى الأمور السياسية والحربية. شاب يركز كل أهدافه في توحيد آلهة المصريين في إله واحد هو( أتون الشمس). فبدأ ثورة قوية ضد آمون وكهانه، وبنى مدينة جديدة هي مدينة” أخت آتون” حتى تكون مدينة”مستقلة عن مدينة” طيية” عاصمة ملكه، كما صحبتها، أيضا، ثورة أخرى في الفن، جعلت الفنانين يرون الأشياء ويصورنها على حقيقتها لا كما يرغب الكهنة. وبسبب كل هذا، ثارت حفيظتهم، فتآمروا مع أمه وأخيه وخاله وقائد جيشه، وتمردوا عليه، وجردوه من عرشه، وهدموا مدينته ومحوا اسمه من عليها. قبل أن تتفرق الأسرة الثامنة عشرة، ويتأسس حكم سياسي جديد. وقبل أن تستقل بلاد كنعان بإدارة شؤونها.
يقول السارد عن موت ومصير أخناتون وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره:” مات النبي الذي جاء ليخلص الناس من الاستعباد والابتزاز والنهب والسلب باسم آلهة لا تطعم خبزا، ولا تمنح الحماية لحيوان أو بشر. مات الملك أخناتون محطم القلب، بعد أن أدرك أنه لم يعد مقبولا لدى شعبه، وأن شعبه غير جدير به.”([11])
وحيث إننا أمام رجل مُخلِص ومُخلِّص معا، رجل يحمل” رسالة كبرى”، لا رجل حكم سياسي، ورجل دين لا رجل دولة وملك، رجل تعرض، وهو يهيم ويستهيم بالملكوت الذي يوصله إلى حبه الواحد الأكمل( أتون)، وينصرف عن سلطان الملك إلى زعامة الرسالة، رجل يثير، بما تعرض له من حرب دينية وسياسية معا، التساؤل عن حدود البعد وحدود المزج القائمة بين السياسة والدين. فجميعنا يعلم أن قيام الأمم وتمدنها وتنظيمها، مهما كان معتقدها أو عرقها، أو لسانها أو لونها، وتدبير أمورها وتنظيم شؤونها، لا يستقيم سياسيا إلا من خلال حكومة، كيفما كانت أشكالها ومهما كانت أوصافها، تباشر شؤونها، وتقوم بضبط الأمر فيها، فقد يكون المعتقد الديني مظهرا من مظاهر الدولة، لكن ” أخناتون” لم يهتم بالجمع إلى صفة الرسالة الدينية، صفة تأسيس دولة سياسية، فهل كان صاحب دعوة دينية صادقة للدين، لا تشوبها نزعة ملك؟، أو كان صاحب دعوة تروم عمارة الأرض وتدبير مصالح الحياة فيها، فأراد بناء دولة لا بناء سلطة، كما أراد أن يرتفع في إدارة شؤون بلاده إلى مستوى تكون فيه مؤسسات الدولة تابعة لها وليس إلى شخص مفرد؟.
لذا، بدا، في اعتقادي، أن سلطان الرسالة الدينية الروحية الذي ارتضاه” أخناتون” لكينونته ووظيفته معا، كان يهدف، “حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله” إلى إله واحد، إلى مخاطبة قلوب الناس وإخضاع أرواحهم، بدل إخضاع أجسامهم، لكنها رسالة استلزمت، فضلا عن ما تمتع به أخناتون من كمال حسي وجسدي وعاطفي، وما تمتع به من كمال روحي، يخوله الاتصال بالملأ الأعلى، فضلا عما خلا منه من نقص منفر، وما امتلك من حب وعطف وهيبة وإعجاب في نفوس أتباعه، وما تميز به من وضع اجتماعي وملوكي، جميعها مميزات كانت تتوجب وتقتضي، كذلك، في اعتقادي، قوى نفسية واجتماعية فاعلة من شأنها أن تجعل دعوته مستجابة وأقواله نافذة، فتنتصرعلى شرور المؤامرات والخيانات والمكائد والتكالبات التي أجهضت إنجازه وقبرت محاولته. فهل آلت قصة حب” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” إلى تلك النهاية المحزنة لأنهما تراخيا معا؟، أم أن روح التمرد وتضارب المصالح الحياتية انتصرت على روح الإخلاص والمحبة والتضحية؟.
والحالة هذه، يبدو” أن الأفكار أشبه ما تكون بالفيروسات، فهي تعيش وتنتشر عندما تجد استعدادا لتقبلها، وهي تموت وتندثر عندما تواجه مناعة ترفضها وتقطع تواصلها. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات، فالأفكار، بصرف النظر عن مضمونها، تتسرب إلى العقول وتتغلغل في النفوس عندما تطرح في مجتمع ضعيف المناعة أو فاقد لها وغير محصن ذاتيا ضد ما تحمله من قيم ومبادئ.”([12])
وفي كل ذلك، سعت رواية” أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية” إلى عرض قصة حب عظيمة بين الأميرة الجميلة” إلهام” ابنة الملك الكنعاني” رفائيل” ملك مجدو، والأمير الفرعوني” أمنحوتب الرابع” ولي عهد أبيه” امنحوتب الثالث”. هكذا، يتابع القارئ لقاءهما وتعارفهما الأول في بحيرة الشط في مملكة الخليل، ويشهد على أمارات وعلامات الحب الصادق والعارم الذي تولد بينهما. كما يتابع نضجه واستواءه عند لقائهما الثاني، الذي تم بينهما بعد ذلك بثلاث سنوات، عندما تواجها عكسريا على أعتاب اندلاع معركة مجدو، التي شكلت منعطفا حاسما في التاريخ الكنعاني الفرعوني، فتواجها معا، بصفتهما ممثلين منتدبين لقيادة جيوشهما معا. هكذا، انقلبت المواجهة الحربية بين قائدي جيشين إلى لقاء ووصال محبين وطدا عشقهما القديم، وتوجاه بخطوبة، وبعدها بزواج بعد عودة” أمنحوتب” إلى مصر التي استبدل فيها، بعدما صار ملكا” اسمه بـ”أخناتون” إله التوحيد لدى الفراعنة، كما جعل حبيبته” إلهام” الملكة العظمى عليها، وغير اسمها إلى” نيفرتيتي”، أي الجميلة أتت. فشيدا، معا، صروح حضارة ميزت حقبة هامة من تاريخ هذه الرقعة الجغرافية، رغم نهايتها التي جاءت حزينة ومؤلمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر:
ـ صبحي، فحماوي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، رواية، نسخة إلكترونية.
ـ جريس، هالسيل، النبوءة والسياسة، ترجمة، محمد السماك، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2003.
[1] ـ فحماوي، صبجي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، رواية، نسخة إلكترونية، ص، 10.
[2] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، (م.س)، ص، 9.
[3] ـ نفسه، ص،10.
[4] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، ص، 8.
[5] ـ نفسه، ص، 9.
[6] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، ص، 160.
[7] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، ص، 10.
[8] ـ نفسه، ص،، 100.
[9] ـ نفسه، ص، 100.
[10] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، ص، 100.
[11] ـ فحماوي، صبحي، أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية، ص، 160.
[12] ـ هالسيل، جريس، النبوءة والسياسة، ترجمة، السماك محمد، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2003، ص، 5.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...