⏪⏬
الشُّخُوص
يَقِف فَتًى ثلاثينى عَلَى خَشَبَةٍ الْمَسْرَح ، مَعَهُ بَعْضَ الزُّهُور الْبَيْضَاء .
جُثَّة لِرَجُل كَبِيرٌ مُلْتَفَّة بِكَفَن أَبْيَض ، عَلَى سَرِيرٍ المشفى .
يَقِف الْفَتَى العشرينى يُحْمَل بَعْض الزُّهُور الْبَيْضَاء بَيْن زرعاه ، يَقْتَرِب مِن جُثَّة أَبِيه ، مُلْقَاةً عَلَى مُرْقِدًا بالمشفى .
يَنْظُر الِابْنِ لِأَبِيهِ مطولاً ، ثُمّ يَبْتَعِد خُطُوَات ، كَأَنَّه يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بسخرية :
كُنْتُ أَرَى مُنْذ بَاعَ تِلْكَ النَّظْرَة بِالرَّاحَة وَثِيرَة ، طَالَمَا قَالَت نَفْسِك :
أننى الْمُهَاجِم وَالْعَدُوّ لَك دوماً .
كَيْف لِنَفْسِي أَنْ تَكُونَ عَدُوًّا لَك ؟ ! وَأَنْتَ يَا أَبِى الْعَزِيز ، عَزِيزٌ .
كَيْفَ يَكُونُ الْأَبُ فِى عَيْن ابْنِه الْوَحِيد ؟ ! طَرِيق هَلَاك .
يَقْتَرِب بِعُيون الحَنِيَّة يُتَمْتِم :
السِّتّ أَنْت أَدِيم الْمُسْتَقْبَل ؟ ! أَم أَرَانِى وَاهَمّ .
يَبْتَعِد مُنْدَفِعا :
يَقُولُونَ إنّ الْأَبَ هُوَ مرسخ بِنَاء الأَجْيَال ، أَنَا لَسْت مِنْ أَجْيَالٌ هَذَا الوَطَنِ ، جَرَّاء الترحيل لِبِلَاد أُخْرَى ، فُقِدَت مَعْنَى الوَطَن ، بَحَثْت عَنْك ، دَبّ الْخَوْف بِأَقْوَالِهِم والرثاء ، قَال الْجَمِيع :
مَات أَبِيك .
الْآنَ بَعْدَ عِشْرُون ثَقُل وضنى ، قَالُوا :
يَمُوت أَبِيك .
اعْلَمْ أَنَّك لَمْ تَمُتْ وَقَدْ أتَيْتَ لأسئلك .
يَقْتَرِب الْفَتَى مِنْ جُثَّة أَبِيه المسجية ، يُخَاطَب بهمس :
لِمَاذَا تَخَلَّصْت مِنًى ؟ ! هَل أَصْبَحْت حَيَاتِك أَكْثَر حُرِّيَّة وَرَاحَة ، تَخَلَّصْت مِن قيودك فِى شَخْصٌ ابْنَك الْوَحِيد ، تَرَى مِنْ هَذَا الِابْنِ الْوَحِيد الْجَبَّار ؟ ! لتتخلص مِنْه .
فركت عيناى مُنْذ عِشْرُون عَام ، قَالَ لِى صَاحِبُ الْعَمَلِ ساخراً :
مَاذَا أَتَى بِك إلَى هُنَا ؟ ! يَا ابْنَ الْعَشَرَة أَعْوَام .
بَكَيْت وَنَظَرْت حَوْلِ ، صَرَخَت بَحَثْت عَنْك فِى كُلِّ جِوَار ، أجهرت :
أَبِى أَبِى ، أَيْنَ أَنْتَ يَا أَبِى ؟ !
قَال الْغَرِيب يُصَوِّب أُصْبُعَه :
أَنْتَ غُلَامٌ فَقَدْ أَبِيه .
كَيْف فُقِدَت أَبِى ؟ ! أَبِى حَىّ .
قَال الْغَرِيب :
أَبِيك حَىّ وَأَنْت أَصْبَحْت مَيِّت .
مَات ابْنَك الْوَحِيد يَا أَبِى ، مِن عِشْرُون عَام ، كُنْتُ فِى عِدَاد الْأَمْوَات .
أَنْت هُنَا أَلْحَى ، وَأَنَا هُنَاك مَيِّت .
لَمْ تَغْرُبْ عَنْ عيونى يوماً ، لَم اتناسي ملامحك وَأَدَقّ الْأَشْيَاء ، كُرْسِيَّك الهزاز ، وغليونك مُتَكَاثِف الأدخنة الزَّرْقَاء ، عَبِق مِن الْأَمَان وَالسَّكِينَة بروحى برغم جحودك والاسي مِنْك ، كُنْت دَائِمًا مُكْفَهِرَّا ، زاعق متذمرا ، تَرَى يَا أَبِى لِمَاذَا كُنْت متذمرا ؟ !
راودتنى الْكَثِيرِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ ، كُنْت أَوَدّ أَن احاصرك بِهَا ، لَكِنِّى تفاجأت بِهَذَا الْيَوْمِ بفقدانك ، قَالُوا الْبَعْض :
بَاعَك أَبِيك لرجلا بِالْخَارِج يَحْتَاج عُمَّالِه .
وَقَالَ الْبَعْضُ :
مِسْكِين أَيُّهَا الْغُلَامُ ، مَات أَبِيك .
تحسست مقعدى رَأَيْته بَارِد ، واحتضنت نَفْسِي أَطْيَب خاطرى ، كُنْت عِنْدَمَا أَتَذْكُر رحيلك بِالسَّمَاء ادَّعَوْا لَك ، وَعِنْدَمَا أَرَاك هجرتنى لتتخلص مِنًى ، كُنْت أَتَسْأَل :
مَاذَا أَنَا فَعَلْت ؟ ! وَمَا السَّبَبُ وَرَاءَ ذَلِكَ .
كَانَت تَطْغَى بِى الْأَجْوِبَة السَّخِيفَة :
رُبَّمَا ، لِأَنَّك كُنْت تُكْرَه أمى ، رُبَّمَا لِأَنَّك تَعَشَّق الْحُرِّيَّة ، رُبَّمَا لِأَنَّك انانى ، رُبَّمَا لِأَنَّكَ لَا تَتَمَسَّك بِالِاعْتِرَاف ، رُبَّمَا لِأَنَّك تكرهنى .
هَل تَسْمَعُنِي ؟ ! وَأَنْت الرَّاقِد بالمشفى هَذَا ،
جُثَّة هَامِدَة .
مَا الَّذِى دفعك لترحل أبنك ؟ ! لِبِلَاد أُخْرَى ، وَإِنَّا لَمْ اِكْتَمَل مِن النضوج بَعْد .
مَنْ قَالَ لَك ؟ ! أَن تَتَخَلَّص مِنًى .
نَفْسِكَ أَمْ هُم ، مَنْ يَسْتَطِيعُ فِى الْعَالِم ؟ ! أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ابْنِهِ ، ويلقية بأبشع الطَّرِيق يَرْحَل .
أَجِب وَقُل الْحَقِيقَة ، يَبْتَعِد الِابْن كَأَنَّه تَفاجَأ :
كَيْف ستتحدث وَأَنْت مَيِّت ؟ ! وَإِنْ كُنْت حَيّ هَل ستتحدث ، لَا أَظُنُّ .
إذَا أَنْتَ مَيِّت فِى كُلِّ الْأَحْوَالِ .
يَقْتَرِب الِابْن وَيَكْشِف غِطَاء الْجُثَّة مصدوما متروعا ، يَجْهَر مصعوقا :
يالا بَشَاعَةٌ وَجْهَك ، أَفْصَح لِى عَنْ مَنْ أَرَاه ؟ !
وبدى لَغَط الْأَسْمَاع وَضَوَى خَبَث السِّيرَة مُوجِبَةٌ ، مَاذَا فَعَلْت بدنياك يَا رَجُلُ ؟ !
قَالُوا الْبَعْض إِنَّك قَاتَل ، قَتَلْت آلَاف الأبرياء ، وَأُخِذَت عُمُوم الْحُقُوق ، وَأُلْحِقَت الفُرَص لِنَفْسِك بِالانْتِهازِيَّة ، هَلْ أَرَى نَفْسِى كَذَبْت بِالْإِفْصَاح عَنْك ، كُنْت أَدْرَك سُوء ضَالَّتَك واتنكر ، أَيُّهَا الْبَارّ بالرزيلة .
أَرَاك تتساءل ، لِمَاذَا أَتَيْت وَأَنَا كَارِهٌ .
إنْ كُنْت تُدْرَك الْحَقِيقَة وَتَرَى بفطنك ، لَكُنْت زُرِعَت بَذْرِه ضَالَّة فِى أَرْضٍ بُورٌ ، إنَّمَا اعماك اللَّه وزرعت بذرتك بِأَرْض الصَّالِحِين ، وَهَذَا مَا جلبنى لأودعك بمثواك الْأَخِير .
تَعَلَّمْت يَا أَبَى أَنْ الْأُبُوَّة لَن تَعَوَّض ، رُبَّمَا تركتنى أَوْ قُمْت بِبَيْع ابْنَك فِى سُوق الرَّقِيق ، إنَّمَا يَا أَبِى أَبَدًا لَن تَبِيعٌ حَقِّ الْوَالِدِ عَلِيًّا ، وحقك الَّذِى سافدية بعمرى .
يَقِف الِابْن متوجهاً بِظَهْرِه نَحْو جُثَّة الْأَب :
الْآن عَلَيْك الرَّحِيل ، أَنَا اسامحك ، وَإِنْ قَالَتْ نَفْسِي :
أَيْن الْمَاضِي وَسُوء الْمَصِير ؟ !
سَأَقُول لَهَا :
مَا بِالْيَد إِلَّا الْخَيْرَ وَلَن يُخْلِف الْمَكْتُوب مِمَّا هُيِّئَت لَنَا الْأَقْدَار إلَّا الصَّلَاح وَالثَّوَاب بِشَأْنِه ، وَالْأَرْوَاح يَا أَبِى تَحْيَا عِنْد مُقْتَضَى نُصَيْر .
تَمَّت
*عَبِير صَفْوَت
الشُّخُوص
يَقِف فَتًى ثلاثينى عَلَى خَشَبَةٍ الْمَسْرَح ، مَعَهُ بَعْضَ الزُّهُور الْبَيْضَاء .
جُثَّة لِرَجُل كَبِيرٌ مُلْتَفَّة بِكَفَن أَبْيَض ، عَلَى سَرِيرٍ المشفى .
يَقِف الْفَتَى العشرينى يُحْمَل بَعْض الزُّهُور الْبَيْضَاء بَيْن زرعاه ، يَقْتَرِب مِن جُثَّة أَبِيه ، مُلْقَاةً عَلَى مُرْقِدًا بالمشفى .
يَنْظُر الِابْنِ لِأَبِيهِ مطولاً ، ثُمّ يَبْتَعِد خُطُوَات ، كَأَنَّه يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بسخرية :
كُنْتُ أَرَى مُنْذ بَاعَ تِلْكَ النَّظْرَة بِالرَّاحَة وَثِيرَة ، طَالَمَا قَالَت نَفْسِك :
أننى الْمُهَاجِم وَالْعَدُوّ لَك دوماً .
كَيْف لِنَفْسِي أَنْ تَكُونَ عَدُوًّا لَك ؟ ! وَأَنْتَ يَا أَبِى الْعَزِيز ، عَزِيزٌ .
كَيْفَ يَكُونُ الْأَبُ فِى عَيْن ابْنِه الْوَحِيد ؟ ! طَرِيق هَلَاك .
يَقْتَرِب بِعُيون الحَنِيَّة يُتَمْتِم :
السِّتّ أَنْت أَدِيم الْمُسْتَقْبَل ؟ ! أَم أَرَانِى وَاهَمّ .
يَبْتَعِد مُنْدَفِعا :
يَقُولُونَ إنّ الْأَبَ هُوَ مرسخ بِنَاء الأَجْيَال ، أَنَا لَسْت مِنْ أَجْيَالٌ هَذَا الوَطَنِ ، جَرَّاء الترحيل لِبِلَاد أُخْرَى ، فُقِدَت مَعْنَى الوَطَن ، بَحَثْت عَنْك ، دَبّ الْخَوْف بِأَقْوَالِهِم والرثاء ، قَال الْجَمِيع :
مَات أَبِيك .
الْآنَ بَعْدَ عِشْرُون ثَقُل وضنى ، قَالُوا :
يَمُوت أَبِيك .
اعْلَمْ أَنَّك لَمْ تَمُتْ وَقَدْ أتَيْتَ لأسئلك .
يَقْتَرِب الْفَتَى مِنْ جُثَّة أَبِيه المسجية ، يُخَاطَب بهمس :
لِمَاذَا تَخَلَّصْت مِنًى ؟ ! هَل أَصْبَحْت حَيَاتِك أَكْثَر حُرِّيَّة وَرَاحَة ، تَخَلَّصْت مِن قيودك فِى شَخْصٌ ابْنَك الْوَحِيد ، تَرَى مِنْ هَذَا الِابْنِ الْوَحِيد الْجَبَّار ؟ ! لتتخلص مِنْه .
فركت عيناى مُنْذ عِشْرُون عَام ، قَالَ لِى صَاحِبُ الْعَمَلِ ساخراً :
مَاذَا أَتَى بِك إلَى هُنَا ؟ ! يَا ابْنَ الْعَشَرَة أَعْوَام .
بَكَيْت وَنَظَرْت حَوْلِ ، صَرَخَت بَحَثْت عَنْك فِى كُلِّ جِوَار ، أجهرت :
أَبِى أَبِى ، أَيْنَ أَنْتَ يَا أَبِى ؟ !
قَال الْغَرِيب يُصَوِّب أُصْبُعَه :
أَنْتَ غُلَامٌ فَقَدْ أَبِيه .
كَيْف فُقِدَت أَبِى ؟ ! أَبِى حَىّ .
قَال الْغَرِيب :
أَبِيك حَىّ وَأَنْت أَصْبَحْت مَيِّت .
مَات ابْنَك الْوَحِيد يَا أَبِى ، مِن عِشْرُون عَام ، كُنْتُ فِى عِدَاد الْأَمْوَات .
أَنْت هُنَا أَلْحَى ، وَأَنَا هُنَاك مَيِّت .
لَمْ تَغْرُبْ عَنْ عيونى يوماً ، لَم اتناسي ملامحك وَأَدَقّ الْأَشْيَاء ، كُرْسِيَّك الهزاز ، وغليونك مُتَكَاثِف الأدخنة الزَّرْقَاء ، عَبِق مِن الْأَمَان وَالسَّكِينَة بروحى برغم جحودك والاسي مِنْك ، كُنْت دَائِمًا مُكْفَهِرَّا ، زاعق متذمرا ، تَرَى يَا أَبِى لِمَاذَا كُنْت متذمرا ؟ !
راودتنى الْكَثِيرِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ ، كُنْت أَوَدّ أَن احاصرك بِهَا ، لَكِنِّى تفاجأت بِهَذَا الْيَوْمِ بفقدانك ، قَالُوا الْبَعْض :
بَاعَك أَبِيك لرجلا بِالْخَارِج يَحْتَاج عُمَّالِه .
وَقَالَ الْبَعْضُ :
مِسْكِين أَيُّهَا الْغُلَامُ ، مَات أَبِيك .
تحسست مقعدى رَأَيْته بَارِد ، واحتضنت نَفْسِي أَطْيَب خاطرى ، كُنْت عِنْدَمَا أَتَذْكُر رحيلك بِالسَّمَاء ادَّعَوْا لَك ، وَعِنْدَمَا أَرَاك هجرتنى لتتخلص مِنًى ، كُنْت أَتَسْأَل :
مَاذَا أَنَا فَعَلْت ؟ ! وَمَا السَّبَبُ وَرَاءَ ذَلِكَ .
كَانَت تَطْغَى بِى الْأَجْوِبَة السَّخِيفَة :
رُبَّمَا ، لِأَنَّك كُنْت تُكْرَه أمى ، رُبَّمَا لِأَنَّك تَعَشَّق الْحُرِّيَّة ، رُبَّمَا لِأَنَّك انانى ، رُبَّمَا لِأَنَّكَ لَا تَتَمَسَّك بِالِاعْتِرَاف ، رُبَّمَا لِأَنَّك تكرهنى .
هَل تَسْمَعُنِي ؟ ! وَأَنْت الرَّاقِد بالمشفى هَذَا ،
جُثَّة هَامِدَة .
مَا الَّذِى دفعك لترحل أبنك ؟ ! لِبِلَاد أُخْرَى ، وَإِنَّا لَمْ اِكْتَمَل مِن النضوج بَعْد .
مَنْ قَالَ لَك ؟ ! أَن تَتَخَلَّص مِنًى .
نَفْسِكَ أَمْ هُم ، مَنْ يَسْتَطِيعُ فِى الْعَالِم ؟ ! أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ابْنِهِ ، ويلقية بأبشع الطَّرِيق يَرْحَل .
أَجِب وَقُل الْحَقِيقَة ، يَبْتَعِد الِابْن كَأَنَّه تَفاجَأ :
كَيْف ستتحدث وَأَنْت مَيِّت ؟ ! وَإِنْ كُنْت حَيّ هَل ستتحدث ، لَا أَظُنُّ .
إذَا أَنْتَ مَيِّت فِى كُلِّ الْأَحْوَالِ .
يَقْتَرِب الِابْن وَيَكْشِف غِطَاء الْجُثَّة مصدوما متروعا ، يَجْهَر مصعوقا :
يالا بَشَاعَةٌ وَجْهَك ، أَفْصَح لِى عَنْ مَنْ أَرَاه ؟ !
وبدى لَغَط الْأَسْمَاع وَضَوَى خَبَث السِّيرَة مُوجِبَةٌ ، مَاذَا فَعَلْت بدنياك يَا رَجُلُ ؟ !
قَالُوا الْبَعْض إِنَّك قَاتَل ، قَتَلْت آلَاف الأبرياء ، وَأُخِذَت عُمُوم الْحُقُوق ، وَأُلْحِقَت الفُرَص لِنَفْسِك بِالانْتِهازِيَّة ، هَلْ أَرَى نَفْسِى كَذَبْت بِالْإِفْصَاح عَنْك ، كُنْت أَدْرَك سُوء ضَالَّتَك واتنكر ، أَيُّهَا الْبَارّ بالرزيلة .
أَرَاك تتساءل ، لِمَاذَا أَتَيْت وَأَنَا كَارِهٌ .
إنْ كُنْت تُدْرَك الْحَقِيقَة وَتَرَى بفطنك ، لَكُنْت زُرِعَت بَذْرِه ضَالَّة فِى أَرْضٍ بُورٌ ، إنَّمَا اعماك اللَّه وزرعت بذرتك بِأَرْض الصَّالِحِين ، وَهَذَا مَا جلبنى لأودعك بمثواك الْأَخِير .
تَعَلَّمْت يَا أَبَى أَنْ الْأُبُوَّة لَن تَعَوَّض ، رُبَّمَا تركتنى أَوْ قُمْت بِبَيْع ابْنَك فِى سُوق الرَّقِيق ، إنَّمَا يَا أَبِى أَبَدًا لَن تَبِيعٌ حَقِّ الْوَالِدِ عَلِيًّا ، وحقك الَّذِى سافدية بعمرى .
يَقِف الِابْن متوجهاً بِظَهْرِه نَحْو جُثَّة الْأَب :
الْآن عَلَيْك الرَّحِيل ، أَنَا اسامحك ، وَإِنْ قَالَتْ نَفْسِي :
أَيْن الْمَاضِي وَسُوء الْمَصِير ؟ !
سَأَقُول لَهَا :
مَا بِالْيَد إِلَّا الْخَيْرَ وَلَن يُخْلِف الْمَكْتُوب مِمَّا هُيِّئَت لَنَا الْأَقْدَار إلَّا الصَّلَاح وَالثَّوَاب بِشَأْنِه ، وَالْأَرْوَاح يَا أَبِى تَحْيَا عِنْد مُقْتَضَى نُصَيْر .
تَمَّت
*عَبِير صَفْوَت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق