اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

:قراءة في قصّة " الغولة" للكاتبة خيرة الساكت


⏫⏬
تحيلنا الكاتبة خيرة في هذه القصّة القصيرة إلى سرّ من أسرار حيرة أبي هريرة في رواية الأديب التّونسيّ محمود المسعدي، وهي حيرة عصفت بكلّ قناعاته التي تراكمت في ذهنه. لقد كانت له اختٌ " لم تعش إلّا ثلاثا" وكانت إلى ذلك صمّاء بكماء/عاجزة حتّى
عن مطلق البكاء" وكان يحبّها كحبّ أب الغولة للغولة " الغالية". حين سأل أبو هريرة عن خِلقة أخته - سقط المتاع- قيل له إنّه الشّيطان، ثمّ لمّا استمرّ في السّؤال قالوا له إنّه اللّٰه. عندها عاش أبو هريرة الحيرة إى حدّ الإحساس بالعبث فصاح في أصحابه "دعوني. نُصلّي أو لا نصلّي، شرّ ما في الدّنيا أنّ الحياة عبث، بل لا أدري لعلّه خير ما فيها."
إنّ " فطّومة" من هذه النّاحية هي سؤال في طبيعة القدر وفي معنى الله وفي معنى العدل والظّلم... وهي مواقف عُرضتْ في القصّة برؤى مختلفة فيها العاطفي ( الأب والأم)، وفيها الفكري الفلسفي وفيها الفنّي.
قصّة الغولة - وهو ما لم يُقل- هي سؤال في الدّين. وظلم القدر وتباين تفسيرات المؤمنين من هكذا وضعية لمجموعة من البشر خُلقوا متشوّهين إن في مستوى الذّهن أو في مستوى الجسم.
طبيعة المواقف المتردّدة بين الإنكار ( الجدّة/الأطفال) وبين التّعاطف ( الوالدان/زوجة عمّ فطّومة) مرايا تنعكس في أضوائها اختلاف الرّؤى الاجتماعية والثقافيّة، وهو ما يجعلها تستدعي قضايا في هذا المجال أو ذاك... تثيرها الكاتبة في شكل أسئلة غير صريحة، لأنّها أسئلة محرجة خاصّة في المجال الإيماني إذ كان وسط المتلقّين وسطا مشدودا إلى مستلزمات إيديولوجية تتّسم بالثّبات.
# الواجهة الاجتماعيّة:
إنّ ما عرضناه سابقا من إثارة الكاتبة بطريقة عفويّة أو قصديّة مبيّتة فيما يتعلّق بالموقف من القدر وثنائية العدل والظّلم المرتبطة به إنّما وقع التّكتّم عليه من خلال التّصريح بقضايا أخرى لم تجد القاصّة حرجا في عرضها وتحليلها من خلال العرض القصصي. من ذلك:
1- معاناة فطّومة وأهلها: معاناة الشّخصيّة المريضة وما تلقاه من قسوة المعاملة والتّجريح والإنكار والاستهزاء، ومعاناة جماعية تتجلّى في مكابدة الأسرة المبتلاة في الصّبر على سلوك فطّومة الشّاذّ من ناحية، وعلى موقف المجتمع المستهزئ من ناحية ثانية.
وهي وضعيّة تعيشها العديد من الأسر في المجتمع وفيها معاناة نفسيّة ومادّيّة واجتماعيّة تعكّر حياة الأسرة.
2- التّدجيل والشّعوذة: وهي القضيّة التي يجسّمها سلوك الأمّ وزوجة العمّ من جهة والشيخ مبروك من جهة ثانية. إنّ ثقافة تفسير الحالات المرضية بموجبات عالم غير المرئيّ جعل المرأتيْن يلتجآن إلى حلول من جنس تلك الثقافة. فمرض فطّومة الذهني بالنّسبة إليهما إنّما هو نتاج الجنّ والقوى غير المنظورة ولذلك لا شفاء إلّا بأشخاص لهم صلة بتلك القوى... ولكن تلك القوى لا تُسعف أتباعهم بالحلول - لأنّ ذلك خرافة-. وفي المحصّلة يُثرى الدّجّال بمال بُسطاء التّفكير والسُّذّج، ولا يتوقف الأمر عند هذه الخسارة، فقد يذهب المريض ضحيّة المتطبّب الدّجال. ففي قصة الغولة دفعتْ القطّة الثّمن حين شربت من خليط الشيخ مبروك الذي أعدّه لفطّومة.
# التّراب والحديقة:
كثيرا ما كانت فطّومة تتلهّى ب" التّراب"; تعجنه أو تخلطه أو تُبلّلهُ. فَعَمَّ كانت تبحثُ في التّراب؟ التّراب هو العنصر الذي نشأ منه آدم ومنه تكاثرت البشريّة. التّراب هو " أصل الخلق" و" العلامة" التي نستدلّ بها على الكائن الانساني.
إذن كانت فطومة تبحث عن "أصلها"، عن " علامتها" عن حقيقة " جنسها". كأنّها تبحث عمّا تفنّد به ما يقال عنها من أنّها " درويشة". كانت بحاجة لدليل يثبت أنّها من فصيلة الانسان لتثبتَ أنّها من جلدتهم. إذن هي قضيّة انتماء أو هويّة في الزّمن اللّاانساني.
أمّا " الحديقة" فهي ظلّ " الجنّة" التي سكنها آدم بِتُرابهِ ثمّ خرج منها، لعلّ في الحديقة آثار " تراب" تبحث عنه فطومة لإثبات الانتماء.
هناك تلازم إذن بين التّراب/الأصل والحديقة/الجنّة في قصّة الغولة. ولم يكن تواجد فطومة في أغلب وقتها في هذا المكان بين التّراب إلّا عودة إلى المكان الأوّل/الجنة بمكوّانته البدائيّة/التّراب.
# الحفر/القبر:
ظلّت فطومة في الحديقة/الجنّة تحفر ما يشبه القبر كأنّها كانت تتخيّل حياتها في موتها. موتها الذي سيُعيدها إلى الزّمان والمكان الأوّليْن.
كان الخليط الذي أعدّه الشيخ مبروك هو القارب الذي سيحملها إلى بلدها مقابل ورقة من فئة خمسين دينارا. لذلك ظلّت الغولة تستعدّ للحياة التي تمثّل الجنة الموعودة أين يعود الجميع إلى الله ولن يعود وقتَها فرقٌ بين الأجناس فلا غيلان ولا بشر ولا كائنات أخرى، كلّها ذائبة في ملكوت الذات الكبرى.
هل تحقق الحلم؟
حُفِرَ القبرُ إلّا قليلا كان لا بدّ من ملعقة ليتبدّد الحلم ويتغيّر المسافر. ركبتْ القطّة القارب، وظلّت فطومة محرومة حتّى من حلم الموت.
تمنياتي لك بمزيد النجاح والتألق في عوالم السرد صديقتي القاصة خيرة الساكت .

القصة :

~ الغولة ~

فطومة بنت لا تشبه البنات في شيء .هيئتها أقرب إلى الكائنات الخرافية من هيئة البشر .
شعر غير مسرح أشعث خشن تنفخ فيه الريح فتزيد من ارتفاعه إلى أعلى و انتشاره في كل الاتجاهات .يختلط مع الصوف و الأتربة و كل أشكال الحشرات .
أسنانها كبيرة و غير منتظمة كما تراكمت عليها بقايا الطعام فاصفر لونها. ثيابها بالية متسخة ترفض تغييرها . ترتدي فوقها دائما معطفا بلاستيكيا سواء أن كان الطقس حارا أو باردا.
تخرج لأطفال الحي فيضحكون من هيئتها
و يرددون " غولة! غولة ! قدمت الغولة"

عمدت أمها في كثير من المناسبات إلى إجبارها على تسريح شعرها و تغيير ملابسها .
تمسكها بقوة و تضربها فتقع فطومة أرضا تحرك يديها و رجليها بسرعة كخروف يقاوم الذبح .تنقلب عيناها و يغمى عليها فتتركها الأم حزينة ملتاعة .صارت الأم على قناعة تامة بأن فطومة درويشة و ما إغماؤها المتكرر إلا علامة على اتصالها بأهل بسم الله و العالم الآخر..

تأتي الجدة في زيارة لمنزل ابنها فترمق فطومة شزرا قائلة:

- متى تسرح هذه الغولة شعرها و تحسن من هندامها ؟

- لا تقولي عنها غولة ! إنها محظية برعاية الله!

- ابنتك بلهاء ! محظية بالعفن و الوسخ ليس إلا ..يالحظ ابني السيء ! لا يكفي أنها بنت بل و مجنونة أيضا ..

لا تملك الأم سوى أن تطلق العنان لدموعها أمام تقريع حماتها ..

انقضى اليوم الأغبر كما تسميه كنائن الجدة دلالة على زيارتها لبيوت أبنائها..

عاد الأب من عمله منهكا و مإن جلس على الأريكة حتى سأل زوجته :
- أين الغالية ؟
- تقصد الغولة ، أكيد تلعب بالتراب في الحديقة ..لقد نعتتها أمك بالغولة و الوسخة و سمعت منها اليوم ما يندى له الجبين.
ابتسم الزوج و قال هادئا :
- ابنتي ليست غولة أما عن كلام أمي فهي امرأة مسنة و لا تفكر مثلنا و مهما حدث تظل جدتها..
ارتاحت الأم لكلامه ووضعت العشاء على المائدة أمامه.

تقف فطومة بالباب و قد غطى التراب كل ثيابها .تحك شعرها.
تهدأ عند وجود أبيها و تكف عن البصق و مضغ كل ما يعترضها من أجسام..

كلمها والدها متوددا :
- فطومة الغالية ستتناول العشاء مع أبيها !
جلست إلى المائدة و أكلت دون أن تحدث أي مشكلة..

توالت الأيام و السنون . كبرت فطومة و تضخم جسدها .برزت ملامح الأنوثة لديها لكنها لا تزال على حالها من الإهمال و القذارة . تلهو بين أطفال الحي فيرشقونها بالحجارة هاتفين غولة غولة !
أحد الأولاد جرح يد فطومة بقطعة زجاج .سال الدم .فزعت الفتاة و جعلت ترفس الأرض برجليها حتى أغمي عليها.

جاءت زوجة عمها للإطمئنان على حالتها .
قالت بنبرة حاسمة :
- يجب أن نحل هذه المشكلة .آن الأوان لتزويج فطومة ..

- و من سيرضى بزوجة قذرة و مجنونة يغمى عليها بين الفينة و الأخرى ؟

- الشيخ المبروك قادم إلى الحي ، سنستشيره في حالة فطومة ..إذا تمكن من فك ارتباطها بأهل بسم الله و عاد إليها عقلها ستتزوج خاصة و أن جسدها سليم و لا تحمل إعاقة عضوية.

- وفقنا الله في هذا الأمر .ربما يكون الشيخ مبروكا فعلا..

كان الشيخ حليق الشارب طويل اللحية .تحيط به الأعشاب التي لا يعرف اسمها و مجالات استعمالها .
يستقبل المريدين و الساعين للشفاء و الباحثين عن حياة أفضل .الجميع متفائلون و يتشبثون بأذناب الشيخ المبارك كأنه إله تكرم و نزل عن عرشه السماوي ليمد يد العون لعباده.

هز الشيخ رأسه قائلا :
- معافاة بإذن الله ! ستبلغون المقصود .

غمس عودا صغيرا في إناء به محلول أصفر فاقع و راح يرسم فوق ورقة سميكة رموزا غريبة و يكتب كلمات مبهمة .
قال بعد أن طوى الورقة عدة مرات :
- تشرب ماءها على الريق لمدة ثلاثة أيام .

دست الأم في يده ورقة مالية من فئة خمسين دينار . تناولها دون أن ينظر إليها.

عادت المرأتان و على وجهيهما علامات الحبور. تمشي زوجة العم واثقة من نفسها كالمكلف بمهمة ديبلوماسية .
و تبتسم الأم راضية عن الوضع آملة بزواج ابنتها ..

دخلت الأم منزلها .فطومة تعجن التراب و الحشائش في الحديقة و توسخ ثيابها كما جرت العادة لديها.
وضعت الأم الماء في إناء و نقعت ورقة الشيخ المبروك .تركتها و التهت بترتيب قاعة الجلوس .
القطة تموء في البيت و قد استبد بها الجوع.
لم تطعمها أم فطومة التي قضت وقتا طويلا خارج منزلها .
شاهدت القطة الإناء .اقتربت منه و جعلت تلعق ذلك المنقوع الأصفر. و ماهي إلا دقائق حتى استلقت القطة على الأرض .
فطومة تبلل التراب و تحاول أن تحفر أرض الحديقة .أرادت الاستعانة بملعقة .
توجهت نحو المطبخ .وجدت القطة نائمة على الأرض .حملتها . حركتها كثيرا و لكنها كانت جثة باردة ..صرخت فطومة بأعلى صوتها فزعا
و ظلت تركل الأرض متخبطة حتى أغمي عليها ..

*الأستاذ Fathi Hamzaoui

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...