اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

جازية 4 ... *نادية ابراهيم

⏪⇳ الورقة  ٤ 
لا شيء يستحق الحزن ،مشطي أهداب الغياب، فالدرب قصير والجسد تراب، ما نفع الفرح والوطن مستباح، والرؤوس فارغة والعيون عمياء.

هكذا كنت أحدث روحي الشاردة في السقف والحيطان المتآكلة بالرطوبة والمثقوبة برصاص الغدر والأعداء، ولأنني أحب بيتي وأراه جنتي وعالمي المخدر بروائح الزنبق والأقحوان ،فقد أقنعت نفسي العيش به براحة واطمئنان.
ذاك المساء الذي هربت فيه السماء والأرض والأشجار،أسندت ظهري إلى أحد الجدران أتساءل وأفكر ،إلى متى نبقى في غربة، والألم يجلد عظامنا،ويخترق شغاف القلب؟ إلى متى تظل حقول شقائق النعمان تحترق، والروح تنتحب في ليل وطني الحزين؟.
وحتى لا يأخذني النعاس وتبتلعني الأسئلة و غول النوم، فقد سليت نفسي بقراءة الرسوم المنقوشة على السقف،ورحت أتأملها بإمعان، كما لو أنها لوحات أسطورية فريدة بنقوشها،حتى توضحت أمام عيني ملامحها المطموسة بالغبار، لاأدري كيف أطل علي وجه أحببته حتى النخاع،وجه تلك الصبية الغزاوية السمراء المشبع صوتها بالعذوبةوالنقاء، أربعون عاما مضت ،وما زلت أتذكر جازية التي كانت تجاورنا في السكن ، فتاة من طل وزعتر فارعة الطول،وفي عينيها بريق غريب، وفي صدرها حنان لا يوصف، يومها كنت طفلة، كيف هبطت على بيتنا؟ ومن أي فضاء أتت.. لا أدري! كل ما أعرفه عنها هو أنها باسم الحب و الطيبة والمروءة والقداسة ارتضت لنفسها مساعدة المحتاجين من المشردين والفقراء الذين نزحوا عن الجولان واستقر بهم المقام في بقعة من أرض حوران، في تلك القرية التي تزنرها من الناحية الغربية بحيرة هادئة تزخر بالزوار والغرباء،وكنا من بين تلك العائلات الوافدة إلى المكان،كانت جازية تمر كل صباح وكنت أراها وأنا ألعب مع أبناء عمومتي ( لعبة الاختباء) تحمل بين يديها زوادة ومطرة مملوءة بالماء،أحيانا تهش أمامها حمارا أبرش اللون ،وضعت على ظهره خرجا من الكاوتشوك الأسود
تتدلى في طرفيه سلال من القصب ، تصرخ ويصل صوتها الرقيق إلى أذني فتنوح روحي مثل فراشة مذبوحة تهوم حول الضوء لتنتحر ، أتذكر الآن طفولتي الضائعة،يومها كان عالمي مثل صفصافة مطر،وغصتي صغيرة،وهمومي منصبة على اللعب،ومع الزمن كبرت غصتي وغدت هرما زجاجيا،حين علمت أن قريتي التي ولدت فيها اغتصبها الاحتلال وأغرقها بالدماء والدخان. تلك الفتاة التي جعلتها أقرب الناس إلي ،وأعز مخلوق لدي، كيف اختارتني من بين جميع الأطفال لتصحبني معها إلى مزرعتهم الواقعة شمال البلدة المسورة بأشجار التين والزيتون؟ لا أدري! كنت انتظرها قرب السياج الحجري بفارغ الصبر وشفتاي تهجسان باسمها
وتغنيان للحب والربيع والسماء.
اختيارها لطفلة متواضعة مثلي كان يطربني ويدفعني لأحلق من السعادة كما لو أنني طير بجناحين من ريش نعام، وأكثر ما كان يشعرني بالزهو والمحبة والعنفوان،أنها كانت تدللني وتناديني :_ ندوش تعالي بسرعة أنا جازية.
فأحشر قدمي بحذائي البلاستيكي على عجل، وصوتها يتسلل إلي بغتة ويفجر الحيوية في جسدي،أركض إليها أحضن زوادتي على صدري من فطائر نبات الحميضة اللذيذة التي كانت تخبزها أمي على صاجها الحديدي الأملس وأنا أناظرها عند شقشقة الفجر مثل قطة جائعة،وأساعدها في دس أعواد القنب اليابسة لتتأجج النيران ويصبح لونها أحمر كلون الشفق عند الغروب،تنتشر الرائحة المنعشة،فتدب في داخلي قوة سحرية،على أثرها أمشي بجانب جازية نسند بعضنا البعض،ونغني أغاني البلاد التي لم نرها سوى على الخارطة، نسير بضع كيلومترات على الطريق الزراعي ،وحرارة الشمس تلفح وجوهنا مثل قبلة تدفعنا للعناق،وعلى أنين الناي وأغاني الرعيان ومواويل الدمع، وأعراس الزهر والحنطة نصل إلى المزرعة العابقة بأنواع الخضار من بطيخ وكوسا وخيار وفاصولياء وغيرها
وفي كثير من الأحيان نسير إلى وادي جلين ،نقف على سفوحه نتأمل جريان الماء في قاعه،فتندلق في ذاكرتي صور ندية لوالدي الذي ذهب مع كوكبة من الفدائين الأشداء، وأختفى يومها عنا لسنوات،لا نعرف أخباره سوى أنه يقاتل الأعداء على جبهة الجولان الحبيب،مازلت أتذكره يوم عاد حزينا منكسر الخاطر ودموع الخيبة في عينيه، ينكس خوذته
الحديدية،ويحمل بيده بندقية فارغة ،صدأت من الإهمال لحظة احتفظ بها كتذكار يخلد أيام الحرب والشباب.
هناك في تلك السهول الخضراء،يأخذني منظر الطبيعةوالشمس والأرض والهواء ويسورني النهار على أعتاب الجمال طيفا من غيم وشجن،أندس بين الخضروات الغضة، أمضي الساعات أرفرف بينها كعصفور ينقر ألفه،أتلذذ برائحتها وطعمها واخضرار أوراقها،أجمع منها ما لذا وطاب، وأنتشي بعزف الراعي ( عرفان الخجول) على الناي ويأخذني الوقت ويطول اختفاء جازية الرافلة بالعشق والجمال، أتجسس عليها وأنا منبطحة فوق النباتات، فأسمع هسيس همسها يصل إلى أذني كهديل الحمام،ألمحها من بعيد تضع رأسها على ركبتيه ،تداعب أهداب شماغه الأحمر،وتنحدر بكفها إلى شعر صدره الأسود، ومع علو صوت الناي ،يعلو صوت غنائها للظريف الطول،والميجنا والحصاد،أجمع ماقطفته في السلال وأفرش فوقه العشب وأوراق النباتات كي لايذبل، ويأخذني الحماس،فأنده على جازية متوترة :
_ جازية تعالي لقد انتهيت !.
لاتأبه جازية لصراخي كثيرا أسمعها توبخني مستنفرة :
عودي ياندوش سآتي حالا
أنهض على رؤوس أصابعي ،أنهض بجسدي ثم رأسي،فأرى رأسها مازال يرتخي على ركبة عرفان،وكفها تنبض حشو كفه، معا يفترشان الطعام على العشب ( لبنة ،زيتون،وزعتر)
وأحيانا بضع حبات من البندورة المقطعة الحمراء،يأكلان ويضحكان من فرط السعادة ، وتنساني جازية في غمرة العناق والاحتضان، أداعب الماء الجاري في الساقية قربي أقضم
الفطائر الشهية،وتمضي الساعات ترفل بتكتكاتها الهاربة وتلملم الشمس الذبيحة جدائلها الذهبية خلف التلال المزدانة بالأزهار ، وجازية لاتأتي، وعندما تختفي تعود ونعود معا،نحمل سلال الخضار،ويبقى عرفان خلفنا مع فانوسه المحتضر يسوق أغنامه أمامه، أمشي وأنا بعمر البراعم مندهشة من حكاية جازية الجميلة فأتخيلهما كما لو أنهما من أبطال حكايات ألف ليلة وليلة الخيالية،يا إلهي ماذا أفعل ؟!.
يأخذني التأمل أكثر فالكبار كالصغار يحبون الملائكة بأجنحتها البيضاء وخدودها الوردية!
أقرأ اللوحات مرة أخرى قبل أن أنام،فتنحدر غيمات من الدموع على خدي،يثيرني
الامتعاض والحزن ، فلا أرى في النهار سوى الشمس تتابع حضورها المتواصل، وتتغلغل بين تنكات صداة،غابت عنها رائحة الحبق والخبيز والمحكمة والعطرة والياسمين والزنبق،ينبثق من بينها وجه جدتي فضة وحكاياتها المشوقة، التي كانت تخترق صمت الليل،يسحرني بريق عينيها اللامعتين ،وفمها الأدرد ،وهي تلهج بالدعاء للوطن وتشتم أعداءه،أين هي الآن مما يحدث،لقد طواها الردى منذ أزمان، أتلفت حولي أحرك يداي الفارغتان، وأنهض يراقصني وجه جازية،وحبارتها الخمرية المزركشة بخيطان القصب ، فأتمتم مع نفسي بضع كلمات كنت قد حفظتها من جدتي يوم كانت تردد أمامي دائما :
(ما أكثر الأصحاب حين كان كرمي دبس، وما أقلهم حين كرمي يبس)
أسمع صوت طقطقة خلف النافذة، أنهض من غفوتي المسائية،أدقق النظر ، أرى حمامتان
،اتخذتا من أحد الجدران مكانا آمنا لهما منذ بداية الحرب، لا أرى وجه جازية وعرفان العاشق،
كل ما أراه حولي بيوت صامته صمت القبور،مثقوبة من الداخل والخارج برصاص الغدر والإرهاب،بيوت جفت نباتاتها،بعضها مسكونة وبعضها فارغة من الدفء! مازالت تنتظر هطول المطر ليغسل حيطانها من الغبار والدخان،أبتسم على مضض،أصمت برهة،أتراني أسهبت في الحلم أم هي لحظة هذيان مارقة؟!
لا أدري ؟!.

*نادية ابراهيم

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...