بعد اليوم ، لن تتجراء الصدف أن تفاجئ النفوس ، فانا خالق الصدف ومحرك القدر ، حين تعصي البشرية والظروف و تعاند بعض الأشياء .
...
لا يبدو علية اضطراب او شائكة ، تقول انه بغير موت الفجأة ، بدي الأمر بسكتة قلبية لحظية .
هذا ماقالة الطبيب الشرعي ، عندما كانت الجثة ملقاة في بساط طريق المارة لعمال يعملون في حانوت لابتياع برادة الحديد وادوات الطلاء وفرش التغطية .
تمعن الطبيب في عيون القتيل وتبين مالا يدل علي غموض يلفت الأنظار ، قائلا : أعتقد ان الجريمة هنا ليس لها مكان .
قال المحقق: لا توافيني الا بعد التشريح.
...
أنطلقت المراة في عزاء نفسها الصاخب ، حيث انتفخت مهدلة الاجفان ، وتناثرت شعيرات من الرموش تسبح في مأقيها تتنفس في تصاعد الأنفسة جمرة تلهب باحة الصدر محرقة تقول بهديل الأسي : سقطت أحلامي وسقطت حياتي ، بل سقط الوجود كلة ، وزفرت : ما كان لي غير سوء الأقدار .
واستغفرت بارئها في دراما رابحة .
نظرها المحقق وهو يربت علي احزانها قائلا : التحقيق لا يضعك محل الشك .
دهشت الزوجة الشقية قائلة : الشك...الشك...كلمة غريبة علي هذا الموقف ، لك سيدي ان تعرف عن الماضي الكثير ؟
فطن المحقق بمقل حائرة دلت علي الاقتناع يطرد ظلال التخمين ، وهو يتعاطف : نعم ست أحسان ، الكل يتحدث بنزاهتك لأمر الراحل والأهتمام به .
احسان يأخذها الماضي في لمحة : عزيز هو السحاب ، لا غني عن السحب هي بجوف النبات غذاء من المطر ، هو الشمس في الصيف ، والاقمار في الوحدة ، وظلا في الطريق .
نفض المحقق عاطفة كانت متلبدة بين ضلوعة ، قائلا وهو يعاند الرثاء الذي كان يلاحقة بظن : التواجد هنا ليس للادانة ، بل هو لشهادة وبعض الأقوال .
................
جلس الحج رفعت الملواني بهيئته الضخمة ، وحصونه المتهدجة من حمل الشحوم والدهون فوق عظامة ، وهو يمسح شاربة المنفوش بتأثر ، قائلا : حقا بطلوا ده واسمعوا ده ، هذا الرجل الطيب الأصيل ، يجريَ له ما جري ، ويضرب كفية متعابا بالازمان ، وله ملكش أمان .
تمثل المحقق في حالة من الأنصات حتي برح الظن منه قائلا : عليك ان تسرد الامر ياحج رفعت ، خصتا وان الواقعة كانت في عقر عملك .
خرج الحج رفعت عن هاجس كان يراقصة توا ، قائلا في تعمق : هي عادتة ، يأتي ، يجلس ، يشرب كوب الشاي ، لا غير ذلك ، وحدث ما حدث .
المحقق : سبب الوفاة ياحج رفعت ، برادة الحديد التي تناولها بكوب الشاي .
يهيج ويثور الحج رفعت : بيني وبين الباطل عداء وحاشا لله.
.................
يجلس سرور مهزوز الأضلاع ، نحيف الهيكل ، مرتعش مشرئب المقل بأجفان ينطلق منها الغباء ، يحاصره المحقق بسؤال مفاجئ : مالدافع وراء الجريمة ؟!
يهتز سرور في ملابسة الرثة معكوف عليها الفقر والحوجة ، قائلا بجحظ فارغ عيناه : انا انا لا ادري يابيه .
المحقق يفيض به الظن ولهجة من الطهق تعتلية : فاض الأنفاس بالرجل في باحة الحانوت ، لا غيرك انت وصاحب العمل اثناء الواقعة ، بمسرح الجريمة .
سرور يسرد ما تم عملة: قمت باعداد كوب من الشاي بأمر من المعلم ولا غير ذلك .
المحقق في استغراب يداعب : كيف لبرادة الحديد ان تدخل كوب الشاي ، هل هي قفزت لحالها ؟!
سرور يجيب متعقلا : بالطبع لا يابية .
المحقق : اذا كيف تم الأمر ؟!
سرور : لا ادري ، لكن عندما خرجت ، سمعت ارتطام بعض الاشياء ، عندما عودت رايت بعض العلب وقعت بجانب عم عزيز .
المحقق يأخذه اللفظ و يتسأل : عم عزيز ؟
يتلفظ سرور وهو يهتز : طبعا يابيه ، عم عزيز هذا بمثابة أبي ومعلمي ، أنما القدر ، القدر يابيه .
المحقق : تريد ان تقول ان برادة الحديد التي وقعت القيت في كوب الشاي بدون علم الجميع .
سرور ؛ من الجائز يابيه .
المحقق : ألم تري ذلك بأم عينيك ؟!
سرور في نبرة تعاطف : والله لم اشاهد ابدا .
.......................
جلست ذكية بعيون تمتلئ بالذكاء ، ملفوفة في عود فارغ من الملامح وجمجمة راسها المجوف تحاول ان تراود المواقف بالتكامل : وهي تنتظر ان تجيب بعد التعمق علي سؤال .
حيث القي المحقق حجرا اثار رجفة في قاع البحيرة ، حين سألها : اسردي لي اللحظات قبل الأخيرة .
تحمست ذكية قائلة : قبل الخروج بلحظة قامت سيدتي أحسان بتحضير كوب الليمون ل سي عزيز قبل الخروج هذا كان احدي طقوسها .
المحقق يستعلم : الكوب الذي به الليمونادة اين ذهب يا ذكية ؟!
قالت ذكية : قامت بتنظيفة ست احسان .
...................
جلس المحقق يتنصل بالظن لزوجة المجني علية ، قائلا بنبرة من الأتهام : ما حكاية كأس اليمونادا؟!
تجيب أحسان بلا مبالاة: طقس تعود هو علية قبل الخروج .
المحقق : ولما قامت بغسل الكوب .
احسان تشعر بالسخرية : وماذا يفعلون النساء غير عسل الأغراض .
المحقق يعد لها مواجهة ثقيلة : ذكية تقول ...
تنهر احسان المحقق في ولهه قائلة : هذه البنت غير محبوبة ، كان يعتز بها عزيز ، انما الان هي ليست خادمتي .
المحقق يتعجب : لماذا ، ما السبب ؟!
زوجة المجني علية : كانت غامضة السلوك ، كم مرة اراها مع الولد سرور يتهامسون في الظلام ، انها اهل السوء والظن .
......................
جلس سرور ينتظر في حالة مزرية ، علي كرسي مصدي وفوق راسة اضاءة تذهب لب العين تحرق المقل ، علي هذا الحال ساعات .
حتي ناورة المحقق الذي كان يجلس في الظلام ، بسؤال : سرور انك مدان ، لقد اعترفت ذكية ، والأن انت القاتل الوحيد .
اهتز سرور مخاطبا لظلمة: انا برئ برئ يابيه ، انا منفذ الاوامر ، قامت بالتخطيط وانا نفذت .
المحقق: عليك الأن ان تقترب من شيطانك لمحاسبته .
.....................
الطبيب الشرعي في تعجب : من لا يري بعينية لن يصدق ابدا .
المحقق يسرد اصول الواقعة : ضغط وحقد بين الخادمة والاسياد ، صاحبة المنزل تود رحيلها ، والخادمة تود الانتقام ، فما كان لها الا التواطؤ مع سرور يجرف العلب فوف المكان المعتاد الذي يعلو راس مقعد الراحل ، تناثرت برادة الحديد فوق كوب الشاي مقصودة .
الطبيب : انتقام أعمي ، يحذف العشرة ويمحي العيش والملح .
المحقق : مستجد الاقدار دائما تفاجئ البشرية برياح مستبعدة.
الطبيب يمازح : اذا تمسك جيدا بالدفة .
تمت
*عبير صفوت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق