رداَ على تعقيب الصديقة شهربان معدي عن نص "يا دارة دوري فينا"
شهربان تلتقط بسرعة الرادار الإشارة إلى المحراث ونغمة البيَّات.. وعلامة الأوجاع
كانوا زْغارْ وْعُمْرْهُنْ بَعْدو طَري
ولا مِنْ عِرِفِ بْهَمُنْ ولا مِنْ دِري
يْقُلا ّبْجِيْبِ الرِّيْحْ تَا تِلْعَبْ مَعِكْ
وْبُكْتُبْ عيونِكْ عَالشِّتي تا تِكْبَري
وْكانْ.. ياما كانْ فِي بِنْتِ وْصَبي
يْقُلاّ بْعَمِّرْلِكْ قَصْرْ تا تِلْعَبي
وْطارِ الزَّمانِ وْبعَدْ فِي كَوْمِةِ حْجارْ
تْصَرِّخْ يا إيام الزَّغْرْ لا تُهْرْبي
وْطَلَّيْتْ عَا حَيُّنْ بَعْدْ غَيْبِة سِني
وْلْقِيْتِ الدِّني مِتْغَيَّرَة بْهَاكِ الدِّني
مِتْلِ الغَرِيبي مْرَقَتْ قُدّامِ الْبْوابْ
وما حَدا مِنْهُنْ سألني شو بِنِي؟
الأخوان رحباني
أنا هش وضعيف وشديد الانكسار، ولا أمسك عواطفي ودموعي وخجلي، حينما أسمع أهلي وأحبتي، يتحدثون معي بقلوب صافية ووجدان عميق، وأنت يا صديقتي جوريّة أصلها من كوكب آخر. أزهرت ووصلني همسُ أريجها من قلب فلسطين.
حينما تَكَوَّنَتْ بذور وردتكِ على الكوكب السابق، وطفقتْ تفاوض تربة حبلى بالحياة، وتتأهبُ لولادة زهرتها الأولى؟ كان مالكُها "الأمير الصغير" يراقب ولادتها من عالم طفولته الحالمة، وهو يقف مذهولا على ربوة معشوشبة في كوكبه، يشهد تكوين برعمها الأول، ويتوقّعُ أن تتمخضَ هذه الرؤيا عن معجزة حب لا تتكرر. لكن علة الكبار أنهم يقبلون على الحياة، وهم يجهلون كيف تكون الوردة توأم المحبة..؟ وكيف تكون المحبة غاية الدنيا وغلَّتها النهائية ؟!
والوردة لم تكن قد استفاقت من رقادها بعد. كانت تتمهّلُ وتطيلُ التثاؤب وكفّها على فمها لم تكتف من النوم. كان يؤلمها أن تبرزَ أدنى جمالا من عروس تختار زينتها من طيف الحقول، وتتأنّى في ارتداءِ أثوابها وهي ترتِّبُ أوراقها، خشية أن تظهر للنور بثوبٍ داكنِ اللون أو رخيصِ النسيج. ما الحيلةُ وهي مدلّلة تحب العطور وأحمر الشفاه.. وأثوابَ الحرير..؟
وحينما أبصرها الأميرُ الصغير؟ أذهله منظرها ورائحتها الزكية، وقرَّرَ أن يحملها في رحلته إلى الأرض، فلا يكون أنانياً يستأثر بها على كوكبه دون الآخرين. قال في نفسه: ستلطِّف من نَتَنِ الأرض ويتعلم أهلها سر الرحمة في الورود!
هكذا لقَّحتِ البذورُ نفسَها بنفسِها في عملية تطوّر نباتيٍّ حديث، لتتكيّف مع التُّربة والمحيطِ الأرضيِّ الجديد، وشهربان صاحبة "هايكو الغجر"، كانت محظوظة حينما حصلتْ على بذرةٍ من البذور المؤصلة، التي وزّعها الأميرُ الصغير.
غرستْها في حديقتها واعتنتْ بها، وداومتْ على ريِّها من سواقي الجليل، وانتظرت ما تسفرُ عنه هيأة الوردة بعد عملية التهجين. حتى أقبل فصل الربيع يتهادى منتشياً، فَعَلا وجيب القلوب ورقّت لمقدمه الشمس والريح، حينما تفتّحتْ عن وردة زكيّة الرائحة بديعةِ اللون، يترددُ سحرُها وتتألق في "سهرة حب" بلا قرين. "انْضِحْكُوْا بْهَالّليْلْ عْيُوْنَا..؟ بِيْصِيْرِ الّليْلِ نْهَارْ". لكنها لكي تتكيَّف مع محيطها الجديد وتدافع عن نفسها، وقد قَدِمَتْ لتستوطن على كوكبٍ مليء بأصنافِ المظالمِ والترويع، فقد تسلَّحَتْ بأشواكٍ حادة وقاسية كالمسامير. وهكذا للمرِّة الأولى..؟ برزتِ الأشواكُ على سيقانِ الورود.
والنجوم مرايا الكون يا شهربان، خبا نورها على منعطفات القلب العميق، فلم تعد كما كانت تضيء عتمة الدروب، بعدما غادرها إلى بلغراد حنّا يعقوب والفلاحون المباركون، من أهل الحياء وأولي العزم والتصميم الشديد، ممن تعمقت جذورهم في باطن الأرض، فأوحش غيابهم فؤاد سليمان على "درب القمر"، "بعد ما كانت الأرض سخيَّة في أيامهم، وقلوبهم سخية في محبة الأرض، وأيديهم لا تعرف غير العطاء، هم يعطون والله يملأ بطن الأرض بالخيرات. هؤلاء راحوا جميعا فلم يبق منهم، غير السكة المهجورة والمعول المكسور".. وبعض ماشية هزيلة، وحقول يابسة عمَّها القحط والبور.
"كانت إيديهن ممدودي وعيونن عم تتطلع
صوب الإيام المشهودي يمشوا والرايي تلمع
كانت عاوجوهن مكتوبي أسامي أهلن مكتوبي
أعمارن ضحكات زغارن والريح تروح وترجع
كانت أصواتن مسموعة متل الشلال الهادر
وإيديهن سمرا مرفوعة تحصد قمح البيادر"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق