منذ استشهد في الحرب، وهي تعتزل الناس،لا تريد مقابلة أحد،بل لاتغادر غرفتها مطلقا ، تنكفىء
في عزلتها طوال النهار،ذلك الجرح العميق جعلها مسكونة بالوحشة والأحزان، حاولت نسيانه وبترشريط الذكريات،لكن صورة ذلك الفتى الأسمر ظلت ماثلة أمام عينيها، محفورة في سويداء القلب.
كيف لها أن تنسى من أحبته وعشقت حديثه المطرز بعطر الكلمات؟. تناولت ورقة من الروزنامة المعلقة
على جدار الأمس ،اليوم ذكرى وفاته ،فتاقت روحها المتعطشة لزيارته في المقبرة ،استشاطت والدتها
غضبا وهي التي حاولت مرارا أن تخرجها من عزلتها التي زنرت بها نفسها لكنها أبت ،وهي تراها
تضبط هندامها وتضع شالها الأسود على رأسها وتهيء نفسها لتخرج، قالت لها محذرة :
_ أرجوك يا ابنتي لا تذهبي وحدك، الطريق غير آمنة ،
لكن السواد الذي تخثر في قلبها دفعها لترفع صوتها في وجه أمها غاضبة :
_ما ذنبي إذا كان نداء القلب أعلى من صوتك ؟!.
حملت عنادها وخرجت تتكئ على عزيمتها،وتبسمل لتطرد عنها تلك الارواح الشريرة التي يمكن
أن تعترض طريقها ،كانت شمس الظهيرة تنهض من نومها الضارب في القدم، ثمة ذئب منفلت
من غضب سادته ،تخطى جدار المقبرة ،وتخفى لها وراء شاهدة أحد القبور، وراح يعد خطواتها
ويحلم بجمالها مع كأس نبيذ في لحظة فراغ،حين أحكم خطته ليصل إليها غافلته تلك الرقطاء ،
فوصل صراخه عنان السماء ، حارس المقبرة الذي كان يجلس على الكرسي ويداعب قطته الصهباء سارع إلى المكان ،حاول أن يستنطق الفتاة عما حدث لكنها لم تنطق ولو بكلمة واحدة ، كانت ترتجف من الخوف الذي أرعش أعصابها ، امتد نظره نحو حفرة تشبه النفق محاذية لقبر يطويه النسيان ، فأسدل الستار على المشهد وحل اللغز .
ناديا ابراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق