عرفت الحياة الأدبية في منتصف القرن الماضي الناقد الكبير أنور المعداوي، الذي التف شباب الأدباء حول كتاباته في مجلة «الرسالة»، وفي مجالسه بمقهى عبد الله بالجيزة، لكنه رحل دون أن يترك معلومات دقيقة عنه وعن حياته، فقد كان مريضاً بداء الكلى وارتفاع ضغط الدم، وقد داهمته إحدى نوبات الكلى فمات بعيداً ووحيداً في قريته بمحافظة كفر الشيخ، حيث ولد فيها في 19 مايو/أيار سنة 1920 وقد التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة فؤاد (جامعة القاهرة حالياً) وفيها تتلمذ على يدي الشيخ أمين الخولي.
بعد أن تخرج في الجامعة كما يقول علي شلش في كتابه عنه كانت بداية رحلة جديدة في حياته الأدبية هي مرحلة الازدهار، حيث تألق نجمه، ولمع لمعاناً كبيراً، وعرفته صحف ومجلات عربية أهمها «الرسالة» كما راسله وخطب وده العديد من أدباء الوطن العربي، لاسيما الشباب، وأنتج بغزارة كأنما ليعوض ما أشار إليه في يومياته من الحرمان من كل شيء.
في نهاية هذه المرحلة عرف المعداوي الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، وراح يكتب لها الرسائل، وتكتب له، حتى صنعا قصة حب عذري، وفي إحدى رسائله إليها يكتب لها: «حسبك أن أقول لك في صراحة تذهلك إنني إنسان يعيش دون أن يكون له في الحياة أمل في غد أخضر، ومع ذلك يقول عنه كل الناس: ما أسعده لأنهم يرونه دائما وعلى شفتيه بسمة عريضة، بسمة لو أدركوا سرها لانتهى إليهم السر في هذه الكلمات: كم تساوي الحياة؟».
يخلص علي شلش إلى أنه: «من اللافت للنظر عند قراءة رسائله هذه أنها كانت نوعاً من العلاج النفسي الذاتي، حاول فيها أن يداوي نفسه من يأسه وعدميته الكامنة وراء كل كلمات التفاؤل والحب التي نثرها هنا وهناك، فكأن مرحلة الازدهار هذه لم تشفه من أدوائه العاطفية والنفسية الخطرة، على الرغم من أنها جعلته ملء سمع الحياة الأدبية العربية وبصرها».
كان رجاء النقاش قد نشر هذه الرسائل في كتاب بعنوان «بين المعداوي وفدوى طوقان صفحات مجهولة في الأدب العربي» وانزعج البعض مما جاء في الكتاب، وانتقد البعض أنه لم يتضمن رسائل فدوى إلى المعداوي، وتفسير ذلك أن المعداوي كان شديد المسؤولية تجاه فدوى طوقان، كان يخشى من أن ينتهي به المرض الذي يعانيه إلى الموت الفجائي، وهو ما حدث بالفعل، ومن أجل ذلك قام بإتلاف رسائلها إليه، قبل وفاته، فلم يبق منها شيء في أوراقه، التي تركها بعد موته.
يقول لها في إحدى رسائله، وكان قد مرض وسافر إلى قريته: «كانت لي أمنية واحدة هي أن أصل يوماً إلى القاهرة.. لماذا؟ حتى أستطيع أن أمزق كل رسائلك التي بعثت بها إليّ، خشية أن يطلع عليها إنسان بعدي، وعندما قدر لي أن أعود تنفست الصعداء، لأن الأيدي التي ستعبث بأوراقي، ستجد فيها وبينها رسائل كثيرة مماثلة، لكنها لن تجد رسائل فدوى، فدوى التي لا أريد أن يعلم أسرارها المودعة لدي إنسان».
كان من أهم النتائج التي خرج بها «النقاش» من دراسته عن المعداوي، والرسائل التي نشرها، أنه كان بينهما حب عاطفي، وليس حباً قائماً على الإعجاب والصداقة الأدبية فقط. وأن هذا الحب كان عنيفاً مؤثراً في الطرفين، كان من النوع المأساوي، لأنه كان حباً رومانسياً، عذرياً أو أفلاطونيا، فالناقد المصري والشاعرة الفلسطينية لم يلتقيا في أي يوم أكثر من اللقاء الروحي الخيالي عن طريق الرسائل، ومع ذلك كان بينهما حب عنيف.
يرى النقاش أن هذه العاطفة قتلها إصرار الطرفين على الالتزام بالموقف الرومانسي الحساس، المحتمي بالخيالات والأوهام، دون أن يحاولا معا، أو يحاول أحدهما أن ينقل هذه العاطفة المتمكنة منهما إلى علاقة واقعية، فالمسافة بين «نابلس» حيث تقيم فدوى، و«القاهرة» حيث يقيم المعداوي، لم تكن بعيدة، ولم يكن من الصعب اجتيازها، لكن الحبيبين الرومانسيين، ظلت أفراحهما وأحزانهما، تجد تعبيرها الوحيد على صفحات الورق، حتى تحطمت العلاقة وتهشمت، وانتهى الأمر كله بموت المعداوي سنة 1965 في سن الخامسة والأربعين، وفي نفسه جرح عاطفي عميق، وألم دفين لفقدان هذا الحب، أما فدوى فاعتصمت بعالمها الداخلي ومشاعرها الخاصة، وأقامت بينها وبين الحياة الخارجية نوعاً من العزلة الشفافة، التي كانت مع ذلك قوية وغير قابلة للكسر، وتوالت عليها المحن المختلفة.
كان الناقد الدكتور عيسى الناعوري قد استنكر وجود علاقة عاطفية بين المعداوي وطوقان، واتهم «النقاش» بالمبالغة وخطأ الاستنتاج، ونسب إلى فدوى أنها قالت له إنها لا توافق على ما ذهب إليه النقاش، وكان الناعوري قد نشر ذلك في إحدى المجلات، ثم في كتاب «مع الكتب والناس والحياة» ، وقامت فدوي طوقان بالرد عليه بتاريخ 26 يناير 1985: «نعم كان هناك حب حقيقي، وعبرت عنه بأكثر من قصيدة» ثم تقول: «أما بشأن مصير رسائلي لأنور فحقيقة الأمر هي أنني كنت حدثت أنور في بعض تلك الرسائل عن إصابتي بمرض بغض الأهل لشدة ما كنت أعاني من اضطهاد وظلم وفظاظة من قبل بعض أفراد أسرتي، وقد رجوته أن يبقي هذه المعلومة سراً مكتوماً، إذ كنت أرى فيها مهانة لي، فأكد لي أنور أن رسائلي لن تقع يوما في يدي إنسان، وهذا يؤكد أن أنور قد قام بإتلاف تلك الرسائل، وفاء بعهد قطعه على نفسه، ومن عرف أنور فقد عرف مدى ما كانت تتحلى به شخصيته من مروءة وشهامة».
انتهت القصة بين الناقد والشاعرة، ورحل الناقد لأن طموحه كان أكبر مما تتيحه له الحياة من فرص وإمكانات، في مستوى الحب والوظيفة والكتابة.
بعد أن تخرج في الجامعة كما يقول علي شلش في كتابه عنه كانت بداية رحلة جديدة في حياته الأدبية هي مرحلة الازدهار، حيث تألق نجمه، ولمع لمعاناً كبيراً، وعرفته صحف ومجلات عربية أهمها «الرسالة» كما راسله وخطب وده العديد من أدباء الوطن العربي، لاسيما الشباب، وأنتج بغزارة كأنما ليعوض ما أشار إليه في يومياته من الحرمان من كل شيء.
في نهاية هذه المرحلة عرف المعداوي الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، وراح يكتب لها الرسائل، وتكتب له، حتى صنعا قصة حب عذري، وفي إحدى رسائله إليها يكتب لها: «حسبك أن أقول لك في صراحة تذهلك إنني إنسان يعيش دون أن يكون له في الحياة أمل في غد أخضر، ومع ذلك يقول عنه كل الناس: ما أسعده لأنهم يرونه دائما وعلى شفتيه بسمة عريضة، بسمة لو أدركوا سرها لانتهى إليهم السر في هذه الكلمات: كم تساوي الحياة؟».
يخلص علي شلش إلى أنه: «من اللافت للنظر عند قراءة رسائله هذه أنها كانت نوعاً من العلاج النفسي الذاتي، حاول فيها أن يداوي نفسه من يأسه وعدميته الكامنة وراء كل كلمات التفاؤل والحب التي نثرها هنا وهناك، فكأن مرحلة الازدهار هذه لم تشفه من أدوائه العاطفية والنفسية الخطرة، على الرغم من أنها جعلته ملء سمع الحياة الأدبية العربية وبصرها».
كان رجاء النقاش قد نشر هذه الرسائل في كتاب بعنوان «بين المعداوي وفدوى طوقان صفحات مجهولة في الأدب العربي» وانزعج البعض مما جاء في الكتاب، وانتقد البعض أنه لم يتضمن رسائل فدوى إلى المعداوي، وتفسير ذلك أن المعداوي كان شديد المسؤولية تجاه فدوى طوقان، كان يخشى من أن ينتهي به المرض الذي يعانيه إلى الموت الفجائي، وهو ما حدث بالفعل، ومن أجل ذلك قام بإتلاف رسائلها إليه، قبل وفاته، فلم يبق منها شيء في أوراقه، التي تركها بعد موته.
يقول لها في إحدى رسائله، وكان قد مرض وسافر إلى قريته: «كانت لي أمنية واحدة هي أن أصل يوماً إلى القاهرة.. لماذا؟ حتى أستطيع أن أمزق كل رسائلك التي بعثت بها إليّ، خشية أن يطلع عليها إنسان بعدي، وعندما قدر لي أن أعود تنفست الصعداء، لأن الأيدي التي ستعبث بأوراقي، ستجد فيها وبينها رسائل كثيرة مماثلة، لكنها لن تجد رسائل فدوى، فدوى التي لا أريد أن يعلم أسرارها المودعة لدي إنسان».
كان من أهم النتائج التي خرج بها «النقاش» من دراسته عن المعداوي، والرسائل التي نشرها، أنه كان بينهما حب عاطفي، وليس حباً قائماً على الإعجاب والصداقة الأدبية فقط. وأن هذا الحب كان عنيفاً مؤثراً في الطرفين، كان من النوع المأساوي، لأنه كان حباً رومانسياً، عذرياً أو أفلاطونيا، فالناقد المصري والشاعرة الفلسطينية لم يلتقيا في أي يوم أكثر من اللقاء الروحي الخيالي عن طريق الرسائل، ومع ذلك كان بينهما حب عنيف.
يرى النقاش أن هذه العاطفة قتلها إصرار الطرفين على الالتزام بالموقف الرومانسي الحساس، المحتمي بالخيالات والأوهام، دون أن يحاولا معا، أو يحاول أحدهما أن ينقل هذه العاطفة المتمكنة منهما إلى علاقة واقعية، فالمسافة بين «نابلس» حيث تقيم فدوى، و«القاهرة» حيث يقيم المعداوي، لم تكن بعيدة، ولم يكن من الصعب اجتيازها، لكن الحبيبين الرومانسيين، ظلت أفراحهما وأحزانهما، تجد تعبيرها الوحيد على صفحات الورق، حتى تحطمت العلاقة وتهشمت، وانتهى الأمر كله بموت المعداوي سنة 1965 في سن الخامسة والأربعين، وفي نفسه جرح عاطفي عميق، وألم دفين لفقدان هذا الحب، أما فدوى فاعتصمت بعالمها الداخلي ومشاعرها الخاصة، وأقامت بينها وبين الحياة الخارجية نوعاً من العزلة الشفافة، التي كانت مع ذلك قوية وغير قابلة للكسر، وتوالت عليها المحن المختلفة.
كان الناقد الدكتور عيسى الناعوري قد استنكر وجود علاقة عاطفية بين المعداوي وطوقان، واتهم «النقاش» بالمبالغة وخطأ الاستنتاج، ونسب إلى فدوى أنها قالت له إنها لا توافق على ما ذهب إليه النقاش، وكان الناعوري قد نشر ذلك في إحدى المجلات، ثم في كتاب «مع الكتب والناس والحياة» ، وقامت فدوي طوقان بالرد عليه بتاريخ 26 يناير 1985: «نعم كان هناك حب حقيقي، وعبرت عنه بأكثر من قصيدة» ثم تقول: «أما بشأن مصير رسائلي لأنور فحقيقة الأمر هي أنني كنت حدثت أنور في بعض تلك الرسائل عن إصابتي بمرض بغض الأهل لشدة ما كنت أعاني من اضطهاد وظلم وفظاظة من قبل بعض أفراد أسرتي، وقد رجوته أن يبقي هذه المعلومة سراً مكتوماً، إذ كنت أرى فيها مهانة لي، فأكد لي أنور أن رسائلي لن تقع يوما في يدي إنسان، وهذا يؤكد أن أنور قد قام بإتلاف تلك الرسائل، وفاء بعهد قطعه على نفسه، ومن عرف أنور فقد عرف مدى ما كانت تتحلى به شخصيته من مروءة وشهامة».
انتهت القصة بين الناقد والشاعرة، ورحل الناقد لأن طموحه كان أكبر مما تتيحه له الحياة من فرص وإمكانات، في مستوى الحب والوظيفة والكتابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق