اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

عندما يثور قلم الشاعر خلدون جاويد || نوميديا جرّوفي

الشاعر القدير خلدون جاويد شاعر عراقي مغترب يعيش حاليا بالدنمارك،ولد في 25 نيسان 1948 وقيل في 1947 في سدة الهندية التي تتنقل إداريا ما بين كربلاء وبابل، والدته من بابل – ربة بيت - ووالده من بغداد، موظف تنقل بين محافظات الجنوب حتّى استقرّ في بغداد.
أنهى مراحل الدراسة وأكمل الجامعة عام 1973، فرع اللغة الإنجليزية في كلية الآداب " كلية اللغات الملغاة ".
بدأ كتابة الشعر منذ عام 1964 وفي 1966 بدأ ينشر في صحف بغداد باسم خلدون الموالي، الصحف هي: المنار و الجمهورية و ملحقها الأدبي و الشعب ومجلات مثل الإذاعة والتلفزيون والأجيال لإتحاد المعلمين والمتفرج .


ترك فكرة النشر في الصحافة بعد 1968 لكنّه كتب ونشر باسم خلدون جاويد في طريق الشعب وحاول جهده أن لا يظهر كإسم في مجال الشعر أو سواه في تلك الفترة .
في 1978 غادر العراق على أمل أن يعود له لكن العام القادم سيكون قد مرّ 36 عاما على غيابه القسري منه لتوالي التراجيديات عليه .
بدأ التطواف المضطر عليه من أول محطة هي بلغاريا لقرابة عام ومن ثمّ الجزائر لتسعة أعوام. ودمشق لفترة ما، وموسكو لثمان أشهر، والدانمارك منذ 1991. زار العراق لشهر في نوفمبر عام 2003 .
كتب في كل هذه المراحل شعرا وقصة ونقدا ورواية وخواطر.. إلخ.
لديه الآن بحدود 15 – 20 مخطوطة تنتظر الطبع.
حصل على شهادة الماجستير من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن قبل عامين من الآن. لم يستفد منها في التعيين الذي تأمله في بغداد مدينة أحلامه ! . الآن هو متقاعد و متفرّغ للكتابة.

مؤلفاته المطبوعة:
  • كتابة على صليب وطن شعر .
  • شكرا من الكامب شعر .
  • البقايا . شعر .
  • لماذا هجوت الجواهري ورثيته . مذكرات .
  • قم ياعراق . شعر.
  • " هذي العمائم لاتطاق ُ ... جرب ٌ اُصيبَ به العراق ُ". شعر .
  • " قم ياعراق فقد تناهبك الوبا ". شعر .
  • " قسما بنهدك والقميص الأحمر ِ " . شعر .
  • نصبوا المشانق للمطر . شعر .

و أنا أتجوّل بين كتابات الشاعر خلدون جاويد ، اخترتُ باقة جميلة من بستان كلماته أقدّمها للقارئ في مزهريات يفوح منها العبق الخلدوني العراقي الأصيل، بها أكاليل الورود الحمراء رمز الحبّ و الشيوعية و النضال و اليسار .
يشيبُ الرأس، و القلب شابٌّ لا يشيبُ هذا ما حاول أن يشرحه لنا الشاعر خلدون جاويد في قصيدة (يوم لا أعشق أموت):

أنا مُريدكِ
الجوع سؤلي
و الظمأ وجهتي
و السهاد ديدني
و صلاة الروح مرادي
ماذا أريد من دنياي سوى تراب يتكلم
بغيتي إنسان و لو من حجر ناطق
و له قلب يخشع معي
و عين تناجيني
سوى عشق لا أريد.
أنا سكير عشق
أين خمرتي؟
أنا خمار هوى
أين من تلوّعني التياعا؟
أنا مدمن حبّ
يوم لا أعشق أموت

الشاعر خلدون جاويد لا يكتب عن الثورة و الشيوعية فقط، إنما يكتب عن الحبّ أيضا، كيف لا و هو شيوعي يحترم المرأة و يدافع عنها ضد العنف و الظلم الشرقي.

الشاعر هنا يصف نفسه بالمريد في العشق الروحي و الهوى كما قال السهروردي:
و ضلوعي لها هواك ضلوعا
بل و قلبي له المحبّة قلب
شاعرنا خلدون جاويد يقول:
أنا سكير عشق
أين خمرتي؟
أنا خمار هوى

الحبّ هو تحليق الإدراك إلى أعلى مدى، إلى ما وراء المادة و ما وراء الجسد في اللحظة التي تفهم فيها الحب كشيء فائق، أو كشيء يتجاوز الحدود الطبيعية، حين ذلك لن يعود الحب سؤالا أساسيا.

إنّ السؤال الأساسي، هو كيف تتجاوز الجسد؟ كيف تعرف شيئا يعيش فيك و هو يتجاوز كلّ شيء.. يتجاوز كل المقاييس ( أوشو)

يقول ميخائيل نعيمة:
لولا الحب ما تذوّق الإنسان سعادة الوجود، و لا انتشى بخمرة الحياة.
القلب العاشق لا يعرف المستحيل، و للقلب العاشق كل الأشياء ممكنة، مثلما قال جلال الدين الرومي: نحن أبناء العشق.. لا ننتمي إلاّ إليه.
و في قول الشاعر خلدون:
أنا مدمن حبّ
و كأنه يقول: و لا مطلب لي.. إلاّ الذي يرضى به الحبّ.
و في قوله:
يوم لا أعشق أموت
ذكّرني بقول أبو يزيد البسطامي:
شربتُ الحبّ كأسا بعد كأس.. فما نفذ الشراب و ما رويتُ.
و هنا الشاعر خلدون جاويد يؤكّد لنا أنّ العشق هو ماء الحياة.

يقول الشاعر خلدون في قصيدة (يا حزبي الرائع يا حمامة السلام) التي كتبها في 2013:
يا حزبي الرائع يا حمامة السلام
في زمن الصقور
جميعهم مدجّجون بالكواتمْ
و أنت لا تملك إلاّ الحبّ
و الطيبة و الكلام.

الشاعر خلدون جاويد يتحدّث عن الحزب الشيوعي العراقي، و يخاطبه:

" يا حزبي الرائع يا حمامة السلام" لأنه نشر و ما يزال ينشر المحبة بعيدا عن الكراهية و الحقد و البغض و الطائفية.
كما كتبت أنا يوما :

" الشيوعية ليست دينا، لذا هي لا تُقدّم بديلا للدين.
الشيوعية هي آلية لتحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية.
الشيوعية ليست إلحادا كما قال الكثيرون.
الشيوعية ترفض كلّ سلطة تُهيمن على الناس و تسلبهم كرامتهم و لقمتهم باسم الدين".

و يقول أحدهم:
لا تخش صوت الرصاص، فالرصاصة التي ستقتلك لن تسمع صوتها.
وحدهم الغدّارين من يملكون كاتم الصوت في مسدساتهم لينهوا حياة الشيوعيين الذين يُهدّدون راحتهم و أمنهم، لا لسبب معيّن أكثر من كونه شيوعي مثقّفا واعيًا ، يعمل على إيقاظ العقول النائمة من سباتها.
الحزب الشيوعي العراقي قدّم الكثير للوطن و ضحّى بخيرة شبابه و أبنائه الذين ذاقوا ويلات العذاب و الألم في السّجون زمن البعث.
هو الحزب الذي لم يخش شيئا رغم التّهديدات التي حصل عليها المنتمون إليه من أبناء العراق، لقد كان الشّبح المرعب للوحوش الآدمية و كذلك للصنم في ذلك الزّمن الكابوسي الذي لا يُنسى أبدا.

و من نفس القصيدة يقول:
يا حزبي
يا سومريّ الصبر
إنّ شعبنا
منذ ثمانين عامْ
قد ظلّ في فراش سجنه مستلقيا
و بالشعارات مخدرا
يقرأ عن ماركس
و لينين
و جيفارا العظيم
حتّى نامْ

هنا عاد بنا الشّاعر للوراء بعجلة الزّمن متحدّثا عن صبر مؤسّسي الحزب الشيوعي العراقي الذين عاشوا تحت وطأة التّهديد و التّرهيب و التّخويف بعد اغتيال الزّعيم عبد الكريم قاسم و سلام عادل، و ذكّرنا بمؤسّسي الحزب الشّيوعي العظماء (ماركس و لينين دون نسيان الثائر و المناضل الخالد جيفارا).

و الشّاعر خلدون جاويد قدّم لنا شرحا وافيا من خلال قوله:

قد ظلّ في فراش سجنه مستلقيا
و بالشعارات مخدرا

تحمل في ثناياها عذابا و ألما و ذكريات سيّئة جدّا لا تُنسى.

لكن الصّبر كان يأتي بشعارات ماركس و لينين و جيفارا التي كانت تُعتبر بلسما شافيا و معالجا للشّيوعيّين و هُمْ في سجون البعث بين أيدي الوحوش الآدمية.. تلك الشّعارات كانت تجعل الشّيوعيين الأبطال و المناضلين ينامون رغم ألم العذاب بتهويدة تلك الأقوال العظيمة التي ستظلّ محفورةً في أعماقنا نتغنّى بها وننقلها للأجيال القادمة.

و يقول الشاعر خلدون أيضا:

و هل يكفّ لصّ يرتدي التقى
قوق رأسه عمامة
و يدّعي الإسلامْ
رؤوسنا يا سيدي تساقطتْ
تدحرجت مثل كرات
تحت أقذر الأقدام

نحن نعرف حقّ المعرفة أنّ رجال الدّين و الأثرياء لا يُخاطبوننا باسم الدّين إلاّ ليستغلّونا (لينين).
هذا ما اعتدنا رؤيته في عصرنا الحالي من لصوص المنطقة الخضراء وتلك العمائم الزائفة، بفتاوى مختلفة ، حتّى اختلط الحابل بالنّابل بسببهم، و نشأت طائفية تسبّبت في إطاحة رؤوس بريئة لا علاقة لها بالدّين سوى انتمائها الشّيوعي.
حيث صدرت فتاوى تُحلّل قتل الشيوعي بصفته ملحدا أو كافرا بالدّين.
على أيدي قذرة ملوثة بعار القتل و إراقة دماء بريئة لا حول لها و لا قوّة.

يقول ابن سينا:
" بُلينا بقوم يظنّون أنّ الله لم يهْدِ سواهم".
و من الصّعب هزيمة شخص لم يهزمه اليأس من داخله.

من قصيدة ( لا بدّ من قتل الشيوعيين) يقول:
أليس من يدافع عن حقّ الإنسان يالخبز يُقتل؟
هذا قانون
و الشيوعيون هم منذرون لهذا الدفاع
فهم قرابين قتل
معادلة رياضية.. أين الغرابة؟
و كذلك الدفاع عن حقوق المرأة و نور العلم

يقول أحدهم:
علّموا أولادكم الصّدق و الصّدق يُعلّمهم كلّ شيء.

قال نزار قباني:
يا وطني الحزين، حوّلتني بلحظة من شاعر يكتبُ شعر الحبّ و الحنين لشاعر يكتب بالسكّين.

لكثرة الوعي الذي ينشره الشيوعي المثقّف في الوطن، و نشر المعرفة بين أبناء الشّعب مُناديا بالمساواة و العدل، مدافعا عن حقوق المرأة التي أُهينت في المجتمعات الشرقية، هي المرأة و الموءودة و المسلوبة الحقوق و المحرومة حتّى من إبداء رأيها أو المدافعة عن نفسها، هي من قال عنها الثائر جيفارا:
علّموا أولادكم أنّ الأنثى هي الرفيقة، هي الوطن، هي الحياة.

الشيوعي لأنّه ينادي بالمساواة و التّخلص من الرأسمالية و الطبقية أصبح دمه حلالا و لا بُدّ من قتله لأنّ أفكاره خطيرة على السراق و اللصوص،يقول جيفارا:
منحاز أنا للفقراء.. إلى ذلك الحدّ الذي جعلني أتعامل مع الأغنياء على أنّهم مذنبون.

و يقول في نفس القصيدة:
الشيوعيون أجدر بالقتل من سواهم
هم المحرضون على الكهرباء
أي على "العقرباء"
و القصد الدفع إلى الفتنة
يريدون إعادة النور لمصابيح البيوت و المدينة
هذا وحده حرب أهلية

الشيوعيون دوما معارضون لكلّ ما يمسّ الشّعب و يقلق راحته، وحدهم من يرفعون الرايات الحمراء في ساحات التّحرير، رافعين أصواتهم عاليا جدّا، وحدهم من يزعزعون راحة اللص المتخفّي و وحدهم أصحاب الكلمة العادلة.

يتّهمونهم بإشعال الفتن و التّحريض على الفوضى حتّى ينفضّ الشّعب عنهم، لكن العكس، يقول بلال فوراني:
في أوطاننا
نسينا الكهرباء و صرنا نعيش على الشّموع
نسينا الماء و صرنا نشرب من أيّ نهر أو ينبوع
نسينا المستقبل فقد صار أسخف و أتفه موضوع
في أوطاننا
لم يعد هناك جائع لا يأكل
فقد صارت النّاس تأكل بعضها البعض من الجوع.

من يحرض على الفوضى إذن؟ هل هو الشّيوعي أم ناهب حقّ المواطن؟
صدق لي كوان بو حين قال:
عندما يسير اللّصوص في الطرقات آمنين، فهناك سببان: إمّا النّظام لصّ كبير أو الشّعب غبيّ أكبر.
و لهذا صوتُ الشيوعي في ساحة التّحرير يُعتبر فتنة، كيف لا و هو يُحرّض على الاستيقاظ من سبات عميق؟
و في قصيدة ( ذا فاسد يمضي و يأتي أفسدُ) يقول الشاعر خلدون:

ذا فاسدٌ يمضي و يأتي أفسدُ
و الفأر في جنباتها يستأسدُ
يا للعراق – القلبُ أبيض طيبٌ
في عمقه – لكن حظّه أسودُ
فيه المفكّر مقعدٌ و مهمّشٌ
و الفيلسوف به غريب مبعدُ

الحرّ فيه مصفّد و مكبّل
قال نيلسون مانديلا:
عندما يسكت الحكماء، يتكاثر الحمقى.
فمن عثر على حجر و عاد إليه، كان اللّوم و العتب عليه.

كثرة الأحزاب الفاسدة صارت داء لا دواء له سوى بالتّخلص منها نهائيا و للأبد برفع شعار (المجرّب لا يجرّب) مثلما صار في آخر الانتخابات بالعراق التي كانت في الشّهر الخامس.

يتكاثر الفاسدون مثل بكتيريا أو فيروس ليُصيب النّاس بمرضه، لكن في يومنا هذا هناك المثقّفون و من يملكون الوعي. ليس كالسّابق في الأعوام الماضية، حيث كان المتظاهر يُسجن أو يعذّب أو يُقتل ليُطمس ويكون عبرة لغيره، فيخاف الكثيرون و ينتهجون مبدأ (صمٌّ، بُكمٌ، عُميٌ).

يقول المثل:
لا تحزن أيّها الأسد.. فهذا زمن أصحاب القرون..

لكن اليوم انقلبت الموازين، حيث انقشعتْ سلبيات تلك الأحزاب و أهدافها المدمّرة للشّعب فانفضّوا عنها و تركوها لمهب الرّيح.
في العراق اليوم زاد وعي الشعب فمعظم شباب اليوم يبحثون عن العلمانية و فصل الدّين عن السياسة، عراق اليوم أبعدَ الأحزاب الدينية و لم يعطها صوته.
في العراق، المُفكّر يعتبر مثيرا للفتن ،و الفيلسوف كافرا و ملحدا، و من ينادي بحرية الفكر يُكبّل بالأصفاد و يُغيّب في السّجون.
و اليوم الشّعب لم يعد يخاف، فساحة التحرير أصبحت تجمع صوت الشّعب باللافتات المندّدة ضدّ الفساد دون خوف و لا ترهيب و لا تخويف.

لافتاتٌ تُطالب بحقوق الشّعب و المواطن البسيط و المتقاعد و أبناء الشّهداء و السّجناء السياسيين الذين ذاقوا الويلات، و منهم من حمل آلاما كابدها بسبب التّعذيب حتّى وافته المنية، و منهم من مازال يحمل آثار التعذيب ليومنا هذا في جسده.

و يقول أيضا:
يا موطن الشّهداء بل أيتامه
مهلا فمعظمنا، غدا يستشهد
الشّهيد نجمةٌ في السّماء و اسمٌ مجهول في الأرض.

العراق أكبر موطن للشّهداء، إنّها الأرض المرتوية بدماء أبنائها الطاهرة.

الأرض الأمّ التي احتضنتْ تربتها خيرة أبنائها بعمر الزّهور، ناهيك عن الأطفال الصّغار.
لا ننس أنّ أغلب أراضي العراق عبارة عن مقابر جماعية مازالت مجهولة ليومنا هذا من أيّام البعث.
الشّاعر خلدون جاويد يخاطب أرض العراق بــ: " يا موطن الشهداء بل أيتامه"

و صدق الشّاعر في نهاية الجملة، لأنّ العراق ملئ بالأيتام الذين فقدوا آباءهم بسبب الحروب و التّفجيرات المفاجئة التي جعلتهم يتيمي الأب و الأمّ معا.

صغار ذاقوا ألم اليتم ، الحزن ، ظلم المجتمع ، تشريد، فقدان ذلك السّقف الذي كان يأويهم.
أغلب أطفال العراق ولدوا كبارا لأنّهم يحملون هموما كبيرة تفوق سنّهم بأضعافٍ مضاعفة، ففي داخل كلّ إنسان نعرفه، إنسان لا نعرفه.
و في آخر القصيدة يقول:
آمنتُ بالشعب الذبيح بدمعه
أنْ سوف ينعدم الطغاة و نوحد
قسما بنخيلك يا عراق سننتمي
لهلال نصرك بالفدا نعيّد
درب التحرّر بالنجوم مرصّع
و مشيّدٌ بجماجمٍ و مُعبّدُ

يقول الماغوط:
الشّهداء يتساقطون على جانبي الطريق، لأنّ الطّغاة يسيرون وسطها.
من أخلاق الجاهل: الإجابة قبل أن يسمع، و المعارضة قبل أن يفهم، و الحكم بما لا يعلم، و هذا من جعل السياسيين قططا في الخضراء بعد أن كانوا فئرانا، هذا ما قاله يوما علي عزت بيجو فيتش:

يكون الحيوان خطيرا عندما يكون جائعا، أمّا الإنسان فيكون خطيرا عندما يشبع.
هذا ما يحدث في الحكومات، فكلّ سياسي يدخل البرلمان يكون جائعا قبل جلوسه على الكرسي فيقدّم وعودا كاذبة، لكن أوّل ما يستلم زمام الأمور و تمتلئ جيوبه بالأموال من النّهب و السرقة تصيبه التخمة و ينسى الشّعب و كأنّه لا ينتمي إليه و لا علاقة له به.

هنا الشاعر خلدون يقول:
آمنتُ بالشعب الذبيح بدمعه
أنْ سوف ينعدم الطغاة و نوحد

كأنّه يقول: إذا أردت معرفة حقيقة إنسان، أنظر كيف يعامل من هم أضعف منه.
يوما ما سيقوم الشّعب و يمسح دموعه و يرمي كلّ الفاسدين في مزابل التّأريخ.
ثمّ يُقسِمُ الشّاعر بنخيل العراق بأنّ كلّ شريف سيدافع عن أرض الوطن بالنّفس و النّفيس ليعود الوطن لسابق عهده، كيف لا و طريقه معبّد بأرواح الشّهداء و أرضه مرتوية بدماء طاهرة ستظلّ خالدة.

و في قصيدة ( الجثث الباسمة) يقول الشاعر خلدون:
المدينة نهر
يتدفق بالجثث الباسمة
و الناس راتعة بنعيم المجاعة
فالجراح في الرافدين ياسمين
و الدماء ياقوت
و الدموع لآلىء
شهداؤنا تبكي علينا
على بلوائنا و بأسائنا
و الموت شحاذ معمّم على كل باب
على كل رحمٍ




القصيدة هنا تتحدّث عن مجزرة سبايكر بــ 1700 شهيد، و كيف تدفّق نهر دجلة بالجثث الكثيرة و احتضنها في جوفه فاتحا ذراعيه لها مُرحّبا بها و حانيًا عليها بعد أن قتلتها الطائفية على يد وحوش آدمية بأبشع الطرق التي تشمئزّ منها النّفس.

جعل الشّاعر لرائحة الدماء عبق الياسمين، لأنّها دماء الشّهداء و هي طاهرة زكيّة، و شبّهها بالياقوت الذي زيّن النّهر ، لأنّه تحوّل للّون الأحمر في ذلك اليوم المشؤوم.

الشّاعر عكسَ هنا المشهد فبدل أن يقول : و نحن نبكي شهداءنا،

قال: شهداؤنا تبكي علينا، لكن لماذا؟ لأنّنا بائسين حطّمتنا الطائفية و شتّتنا و أبعدت الأحبّة عن بعضهم البعض، لأنّ القلوب باتت مليئة بالضغينة و الحقد لبعضنا البعض فأصبح دمنا حلالا في عين غيرنا و هو ينظر إلينا.




يقول الشاعر خلدون في قصيدة ( الكسكسة):




يتكسكسون و خنجر العجمي يغدر

و الناس نهب الموت و الدفان يحفر

غام الطريق و نحن نحمده و نشكر

نفنى ! نكاد بخالق الحكّام نكفر




أغرب شيء نعيشه و نتعايش معه هو تدخّل الأجانب في حياة شعب، كما حدث في العراق، تدخّلت أمريكا بهدف الاستعمار متخفّية بغطاء المساعدة و الإنسانية، و منذ 2003 و سقوط الصّنم و هي موجودة في العراق، و مازالت تستولي على خيراته و نفطه ، و تسيّر الشّعب حسب أهوائها. فرح الشّعب يومها لأنّه تخلص من البعث و الديكتاتور و لم يعرف أنّه في فم الأفعى و هي تبثّ سمومها عليه بالتّدريج.

العجيب أنّ العراق موطن له حكومته، لكن أمريكا هي من يقوم بذلك الواجب في الخفاء، و اليوم انقشعت تلك الغيمة التي كانت تحجب كلّ شيء. كلّ هذا قدّمه لنا الشّاعر بصيغة أدبية مُنفّسًا عن غضبه بقصيدة الكسكسة، فكان العنوان وافيا للمضمون.

هكذا عوّدنا الشاعر خلدون جاويد، عندما يكتب هو يُعرّي الواقع ليُقدّم لنا حقائقا تكون ملفوفة بألف قناع و قناع.

يا لخيبتنا.. القاتل عربي، المقتول عربي، المموّل عربي و المخطّط أجنبي.

في قصيدة (تفٍ على إسلامكم) يقول:
إسلامكم مذابحٌ محارقٌ مسالخٌ
مساجدٌ تصدر السيوف
إسلامنا جنائنٌ مؤتلقة
إسلامكم "جنائز معلقة"
إسلامنا "أشودة المطر"
إسلامكم سياسي
إسلام تمييز و تفريق و تكفير
إسلامنا عباد شمس و قمر
إسلامكم خناجري
إسلامنا الوردة الإنسان
إسلامنا حنان

قصيدة حلّلت معنى الطائفية بأبعد الحدود، قصيدة تنشر رسالة عظيمة جدّا، و هي تدعو لتوحيد القلوب فيما بينها كما تنادي لأن نجعل اليد في اليد لنكون جسدا واحدا مثل سور عظيم ضدّ من ينوي زعزعة أمننا و تشتيت صفوفنا و المسّ بكرامتنا.

الشّاعر هنا لا يسبّ الدّين، بل يسبّ أفكار الطائفية.

في قوله:
إسلامكم مذابحٌ محارقٌ مسالخٌ

يقول جبران خليل جبران: ويلٌ لأمّة كلّ قبيلة فيها أمّة.

هنا فقط لو نقوم بتحليل كتابة الشّاعر خلدون، فهي تحكي عن سبايكر،و الانفجارات المفاجئة كما حدث قبل سنتين في الكرادة، و كما حدث في الطريق إلى السماوة السنة الماضية، و ما نعيشه من أفكار رهيبة جعلت العائلة الواحدة متفكّكة فيما بينها من حقد الأخ على أخيه و الابن على أبيه و الأب على أبنائه و هكذا، و كلّ هذا من سموم رُسخت في العقل من خلال عقول يسودها الظلام.
لو نعود للدّين و نتعمّق فيه أكثر: فهو دين رحمة، لا دين قتل و همج.
الدّين أن تبتسم في وجه غيرك، لا أن تكفهر وجهك، الدّين مسامحة لا إدانة و تجريم، الدّين أن تفرح لسماع موسيقى، لا أن تلطم و تصرخ و تبكي لفقدان الأحبّة بالموت، الدّين لا علاقة له بالسياسة، الدّين إنسانية لا عنصرية و لا طائفية.

هي ذي رسالة الشّاعر خلدون جاويد التي أرادنا أن نفهمها من خلال القصيدة التي شرح لنا فيها الفرق بين هذا الإسلام و ذاك الذي نراه، بين الحقيقي و المزوّر المزيّف.

و من نفس القصيدة يقول الشاعر خلدون:
ضاع الزمان الجميل
بغدادنا تغصّ بالخراب
في ربعها الخالي

حين تحتضر الذكريات، تأخذنا إلى طريق الوجع.

قالت أهداف سويف:
نحن نتمسّك بالحزن، خوفا من أنّنا باقتلاعه سنرتكب خيانة كبرى.
و غنّت أم كلثوم يوما:
و عايزنا نرجع زي زمان
قول للزمان ارجع يا زمان
و هات لي قلب لا داب و لا حب و لا انجرح و لا شاف حرمان.

شتّان بين بغداد الأمس و اليوم، بين حضارة الأمس و تخلّف اليوم، بين ضحكة الأمس و دمعة اليوم، بين تفتّح الأمس و خراب اليوم.
عن الزّمان و الزّمن الجميل يتحدّث شاعرنا و عن حزن ما آلت إليه بغداد اليوم عكس الماضي الرائع.

صديقان رائعان ليس لديهما أيّ مصلحة: القهوة و القلم، و هنا كانت لنا وقفة مع قلم الشاعر خلدون جاويد من قصيدة ( كلامي طلقةٌ...):
كلامي طلقتي و فمي عتادي
و أصبعي رابضٌ
و على زنادي
و إنّي حتفُ من حابوا عروشا
و دجّلوا في المحافل
و النّوادي
أطالوا اللحية النكراء عمدا
و زُلفى قد توشّحوا
بالسواد

يقول الثائر جيفارا:
لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرصاص الغادر قد يقتل فردا، بينما القلم الخائن قد يقتل أمما.
هو القلم يكتب ما يريد، يُعبّر عن الرّأي، أحيانا نضع له خطوطا حمراء لا يتجاوزها، ليس لأيّ كان سلطة عليه، ليس المهمّ أن يرضي النّاس و الأهمّ أن يرضي ضمائرنا.
قلم الشّاعر أو الأديب، عبارة عن سلاح في وصف الشّاعر خلدون جاويد بقوله:
كلامي طلقتي و فمي عتادي
و أصبعي رابضٌ
و على زنادي

الكلمة رصاصة، الفم عتاد السّلاح، القلم كمسدس، و الأصبع الذي يكتب كمن يضغط على زناد لتخرج تلك الرّصاصة (الكلمة) القوية الصّارخة و المدويّة أكثر من صاروخ ، وحدها الكلمة الشّجاعة و البليغة تكون أقوى و فتاكة، لأنّها تصل العقول فتنيّرها و القلوب لتفتحها و العالم لتُجمّله، و الشّعب لتوعّيه و الفاسد لتخيفه و المنافق لتهدّده بفضح أمره.

يقول كامي لورانس:
بماذا يفيد الأدب إن لم يُعلّمنا كيف نُحبّ؟.

لانقلاب الموازين في الوطن قال أحمد مطر:
في بلادي تنبح القافلة و الكلب يسير، فلنقرأ ماذا قال الشاعر خلدون.

في قصيدة (كلٌّ له حصّته و حصّتي جوعي) يقول الشاعر خلدون:
كلٌّ له حصّته و حصّتي جوعي
و النفي و الإبعاد و الاندحار
زرعتُ آمالي فلا
سنبلتي اخضلّت
في حقلي الأجرد
و طائري الغرّيد ما غرّد

يقول محمود درويش:


سنصير شعبا حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدّس كلّما وجد الفقير عشاءه.
أنا بخير لأنّني توقّفت عن منح الفرص لمن لا يستحقّ، لأنّني كبرتُ على فكرة العيش على محاولة إرضاء الجميع و لم أعد أهتمّ لما يقوله الكثير عنّي ( آل باتشينو).
علينا أحيانا أن نكون مستعدّين لتلقّي الصّدمات، فالحياة مفاجآت، قد تأتينا من البعيد، و قد تأتينا من أقرب النّاس إلينا، ففي كلّ صباح نقرّر أن لا نغضب، و نقضي يوما هادئا جميلا، ثمّ نلتقي ببعض الأغبياء الذين يجعلون ذلك مستحيلا، و عن ذلك المنفى و البعد عن الألم 
يقول المثل الفرنسي:
لتعش سعيدا، عش بعيدا.
قرحة المعدة لا تأتي ممّا نأكله، بل تأتي ممّا يأكلنا، إنّه القلق و الهمّ و الحزن، هم من يأكلنا.

يقول الشاعر خلدون في قصيدة ( جُلّ الطغاة الفاسدين ذئاب):

جُلّ الطغاة الفاسدين ذئاب
أمّا الغزاة فكلّهم أذناب
و الشعب في الإعصار طوح جثّة
بالدمع تطفو بالدما تنساب
حربٌ على الأزهار تُزهق روحها
هامٌ يدقّ و تستباح رقاب
ما أضيع الوطن الكسير، بأرضه
حلّ الدخيلُ، فأهله أغرابُ

تجارب الحياة، ليست للنّدم، بل للتّعلّم، منها أصبح الشّعب واعيا، منها تعلّم أنّ المجرّب لا يُجرّب، كما قال نجيب محفوظ:
ما لا يرتاح له قلبك لا تثق به أبدا فالقلب أبصر من العين.
الأخلاق كالأرزاق، النّاس فيها بين غنيّ و فقير، و الشّهادة ورقة تُثبت أنّك متعلّم، لكنّها لا تُثبت أنّك تفهم، و المتسلّط الحاكم الفاسد يستطيع الحصول على كلّ شيء بالقوة، إلاّ الحبّ و الاحترام من طرف شعبه.

قيل:
الحظّ لا يأت عندما تُعلّق حدوة الحصان على جدارك، بل عندما تنزع عقل الحمار من رأسك.

يقول الشاعر خلدون:

ما أضيع الوطن الكسير، بأرضه
حلّ الدخيلُ، فأهله أغرابُ

صدق باختصاره الأدبي و العمق في المعنى، و كأنّه يريد أن يقول لنا:
تقضي الأغنام حياتها خائفة من الذئب في حين يأكلها الراعي.

في الأخير:
قول الحقيقة و إزعاج النّاس أفضل من الكذب لإرضاء النّاس (باولو كويلو).
الشّاعر خلدون جاويد يساريا و غزليا و هو من الشّعراء العظماء الذين صنعوا بصمة خاصّة في تأريخ الشّعر و الأدب العراقي و العربي، له نصوص بديعة و ساحرة مهما توغّلت فيها تشعر بإيقاعها الخاصّ الخلدوني الرائع.
يملك قلما نابضا، قويّا، مناضلا، ثائرا و غزليا.
قلمه صارخ في وجه الفساد و النّفاق، غزلي في وجه الموسيقى و الجمال و الحبّ.
القلم الخلدوني له هيبة في السّاحة الأدبية و العالميّة، يعرّي المنافقين و ينزع الأقنعة، و يعطينا البهجة حين يكتب عن الحبّ.
كُنْ شيوعيا بالفكرة و الفكرة، و لا تكن شيوعيا بالمظهر (يوسف خندقجي).
عندما يكتب الشاعر خلدون جاويد عن الحبّ و المرأة نتذكّر قول الثائر جيفارا:
علّموا أولادكم أنّ الأنثى هي الرفيقة، هي الوطن، هي الحياة.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...