تبدو رواية (كفر نعمة)، باسمها الافتراضي للروائي والإعلامي والأديب والمسرحي السوري داود أبو شقرة في الراهن الإبداعي، ذروةً جديدةً في سياق مشروع تتواتر حلقاته ليس على مستوى موقفها من التاريخ فحسب، بل على مستوى إعادة إنتاج لحظة فارقة في حلقاته المثيرة وموضوعاته وإحداثيات خطوطه وبقدر ما يعني انفتاحه درامياً ورؤيوياً.
تبدو (كفر نعمة) في هذا السياق بوصفها -قريةً مصريةً- كبؤرة سردية ومكانية في قلب دلتا النيل المصري تحاكي تاريخاً بعينه، لكنها تتطير منه إلى ما هو أكثر من مدونة وذلك عبر حقل دلالي ستتضح لنا فيه الأحداث
والشخوص في إطار محكيات سردية تتعالق بشغف البحث والمغامرة والاكتشاف، وما بين الفكرة التي يحصل -المؤلف الضمني- عليها من (مكتبة مدبولي) ليجترح منها ما يمكنه مزج الواقع بالمتخيل الروائي، إذ إن سلطة التخييل ستفارق الواقع وعلى غير مستوى، أي في مستويات إضافية تقوم على تقانات الرواية الحديثة واستثمارها استثماراً خلاقاً لا يفرط بميراث الواقعية واللغة الإحيائية، بل إنه يذهب وعبر ستة وأربعين فصلاً إلى استبطان ما يمكن تسميته بالمسكوت عنه تاريخياً، وبالوقت ذاته إلى تلك المعادلات اللغوية على مستوى إيقاع شخصياته وخطوطها السردية والدرامية المتواشجة في نسيج القص، فما هو مفتاح السر الذي يكمن لدى مدبولي؟ حيث يضعنا الراوي أمام حقيقة أنه وضع يده على ذلك المفتاح، وما حكاية الشرقاوي والربابة النيلية ومروياتها وأشعارها ومواويلها؟ كل ذلك سيدفعنا إلى الانطلاق في مناخات رواية تقف في الراهن الواقعي زمن (الرئيس حسني مبارك) إلى الزمن المستمر وأسئلته التي يتعالق بها مرة أخرى التاريخ الماضي بالتاريخ المستمر، وما دلالة حضور مخيم الغجر بالمعنى المديني المنافس لمدينة المنصورة أو المحلة؟ وأكثر من ذلك كيف يصبح الواقع واقعاً جديداً، ومن قلب واقع معروف، ولعل ذلك ما يُسقط على تلك الشخصيات من أمثال (الحربي والشرقاوي وعفت وعزيزة)، حيث إن (كفر نعمة) شهدت أحداثاً مختلفة ستبدو في أفق تغيير ستتبعه أسئلة إضافية، ليس بتواتر الأحداث الخمسة بل بماهية ما انطوت عليه تلك الأحداث، ومدى ما تركته من تأثير محتمل في ذوات شخصياتها (عفت- عزيزة) على سبيل المثال، لكننا مع شخصية (الحربي) سنقف وعبر غير دالة روائية/ سردية على ما استبطنه سياق الرواية من الغوص في قلب الوثيقة التاريخية ليحاكيها بمدونة روائية يتلّون محكيها بالشفاهي وطبقاته ومدى ما يعنيه في الوجدان الجمعي لا سيما الشعبي، وبخصوصية لهجة بعينها (المصرية) ستبدو في الدلالة المنتظرة متناً روائياً يحاكي السلوك والتفكير و(سيرنة) الشخصيات وجدل الأفكار المختلفة، وعبوراً من الماضي إلى الحاضر بلغة عارفة تتضافر مستويات كي تشي بالعلامة اللغوية الفارقة المحمولة على السخرية الناقدة، والتي سنجد معها ذلك (الحربي) ما بين المتخيّل والواقع وتدوير زوايا السرد، كما أن الغوص في دواخل الشخصيات سيشكل غير أفق للحكاية يخصّب تأويلها، وليربط الروائي داود أبو شقرة محكيها بالراهن الذي يحملنا إلى حقيقة الحربي-المدبولي، الحربي بن المطاوع بن أبي المجد المصري بن نعمة، فهل كل مظلوم سيتحول إلى حربي، ويتوحد (الحربيون) جميعاً، ويقول كل حربي منهم: هذه حربي، عندئذ ينهار الظلم بأكمله وبسرعة؟! تلك ثيمة رواية مفتوحة على الواقع بقدر ما تستثمر تخييلاً فاعلاً وخلاقاً يغاير في الأنماط السردية، ويشي بقدرة الروائي المبدع داود أبو شقرة، ليس على المحاكاة والاستشراف فحسب، بل على الإضافة والتجاوز في المنجز السردي وبالمعنى الحداثي.
الكتاب: كفر نعمة
المؤلف: داود أبو شقرة
الطبعة الأولى- 2017
دار كيوان – سورية- دمشق
تبدو (كفر نعمة) في هذا السياق بوصفها -قريةً مصريةً- كبؤرة سردية ومكانية في قلب دلتا النيل المصري تحاكي تاريخاً بعينه، لكنها تتطير منه إلى ما هو أكثر من مدونة وذلك عبر حقل دلالي ستتضح لنا فيه الأحداث
والشخوص في إطار محكيات سردية تتعالق بشغف البحث والمغامرة والاكتشاف، وما بين الفكرة التي يحصل -المؤلف الضمني- عليها من (مكتبة مدبولي) ليجترح منها ما يمكنه مزج الواقع بالمتخيل الروائي، إذ إن سلطة التخييل ستفارق الواقع وعلى غير مستوى، أي في مستويات إضافية تقوم على تقانات الرواية الحديثة واستثمارها استثماراً خلاقاً لا يفرط بميراث الواقعية واللغة الإحيائية، بل إنه يذهب وعبر ستة وأربعين فصلاً إلى استبطان ما يمكن تسميته بالمسكوت عنه تاريخياً، وبالوقت ذاته إلى تلك المعادلات اللغوية على مستوى إيقاع شخصياته وخطوطها السردية والدرامية المتواشجة في نسيج القص، فما هو مفتاح السر الذي يكمن لدى مدبولي؟ حيث يضعنا الراوي أمام حقيقة أنه وضع يده على ذلك المفتاح، وما حكاية الشرقاوي والربابة النيلية ومروياتها وأشعارها ومواويلها؟ كل ذلك سيدفعنا إلى الانطلاق في مناخات رواية تقف في الراهن الواقعي زمن (الرئيس حسني مبارك) إلى الزمن المستمر وأسئلته التي يتعالق بها مرة أخرى التاريخ الماضي بالتاريخ المستمر، وما دلالة حضور مخيم الغجر بالمعنى المديني المنافس لمدينة المنصورة أو المحلة؟ وأكثر من ذلك كيف يصبح الواقع واقعاً جديداً، ومن قلب واقع معروف، ولعل ذلك ما يُسقط على تلك الشخصيات من أمثال (الحربي والشرقاوي وعفت وعزيزة)، حيث إن (كفر نعمة) شهدت أحداثاً مختلفة ستبدو في أفق تغيير ستتبعه أسئلة إضافية، ليس بتواتر الأحداث الخمسة بل بماهية ما انطوت عليه تلك الأحداث، ومدى ما تركته من تأثير محتمل في ذوات شخصياتها (عفت- عزيزة) على سبيل المثال، لكننا مع شخصية (الحربي) سنقف وعبر غير دالة روائية/ سردية على ما استبطنه سياق الرواية من الغوص في قلب الوثيقة التاريخية ليحاكيها بمدونة روائية يتلّون محكيها بالشفاهي وطبقاته ومدى ما يعنيه في الوجدان الجمعي لا سيما الشعبي، وبخصوصية لهجة بعينها (المصرية) ستبدو في الدلالة المنتظرة متناً روائياً يحاكي السلوك والتفكير و(سيرنة) الشخصيات وجدل الأفكار المختلفة، وعبوراً من الماضي إلى الحاضر بلغة عارفة تتضافر مستويات كي تشي بالعلامة اللغوية الفارقة المحمولة على السخرية الناقدة، والتي سنجد معها ذلك (الحربي) ما بين المتخيّل والواقع وتدوير زوايا السرد، كما أن الغوص في دواخل الشخصيات سيشكل غير أفق للحكاية يخصّب تأويلها، وليربط الروائي داود أبو شقرة محكيها بالراهن الذي يحملنا إلى حقيقة الحربي-المدبولي، الحربي بن المطاوع بن أبي المجد المصري بن نعمة، فهل كل مظلوم سيتحول إلى حربي، ويتوحد (الحربيون) جميعاً، ويقول كل حربي منهم: هذه حربي، عندئذ ينهار الظلم بأكمله وبسرعة؟! تلك ثيمة رواية مفتوحة على الواقع بقدر ما تستثمر تخييلاً فاعلاً وخلاقاً يغاير في الأنماط السردية، ويشي بقدرة الروائي المبدع داود أبو شقرة، ليس على المحاكاة والاستشراف فحسب، بل على الإضافة والتجاوز في المنجز السردي وبالمعنى الحداثي.
الكتاب: كفر نعمة
المؤلف: داود أبو شقرة
الطبعة الأولى- 2017
دار كيوان – سورية- دمشق
هناك تعليق واحد:
الشكر للأستاذ حسين خلف موسى على هذه القراءة النقدية الواعية والعميقة لرواية (كفر نعمة) والشكر أيضا للمجلة المهتمة بالإبداع، وكلي عرفان لكم مع جزيل الشكر وأطيب الأمنيات .
إرسال تعليق