اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

المفارقة الساخرة، تسهم في بعث الدلالات الشائكة، بأسلوب استخفافي وصادم في رواية 'صديقتي اليهودية' لــ صبحي فحماوي | د. وفاء مناصري

في روايته "صديقتي اليهودية" تخرج الحافلة السياحية بمحاذاة القطار الإنجليزي المنطلق على سكته كالصاروخ، وذلك بعد خروجهم من لندن باتجاه بحر الشمال الإنجليزي، فيتذكر السارد جمال قاسم القطار الحجازي الذي كان يمر بعمان أيام الدولة العثمانية، ويكلم نفسه ساخراً:
«الناس سعيدة بإنجازاتها الحضارية، وأنا حزين في هذا الصدد، إذ يعزُّ عليّ ذلك المغدور، رحمةُ اللهِ عليه، (قطار الحجاز) الذي
تم تدشينه في عصر الدولة العثمانية، والذي كان أفخم تقنية من الخط الإنجليزي آنذاك، وأكثر أبّهة. الإنجليزي، فيقول: ولكن الحسود الحقود، لورنس العرب قام بإصدار أوامره السامية بتقطيع أوصال قطارنا الحجازي اليتيم، وبيدينا الكريمتين صفَعَ وجه القطار بفلنكات السكة الحديد. وما لبث أن أصدر أوامره الإمبراطورية بإيداع ما تبقى منه في متحف التاريخ، كي لا يكون معززاً، ولا مُكرّماً. ومنذ ذلك اليوم لم يعد القطار يمر من أفق ديارنا، فبقينا نمارس السفر، وذلك بالركوب على بعضنا بعضاً إلى يوم الدين.

ولهذا جئنا نحن الأعراب إلى بلاد الإنجليز.. إلى بلاد القائد الفذّ، لورنس العرب، لنشم رائحة قطارنا الذي راح (خطيفة) .. هكذا كانوا يقولون عن الفتاة التي تختفي من الحي، إذ يخطفها الغريب، فتروح معه (خطيفة). نزوره اليوم فنبكي على أعتابه، ونتمسح بجسده الجميل، فيسخر أهل الغرب من سلوكنا هذا، بصفتنا عرباً متخلفين، ويقولون لنا كما كان ذلك الجندي الإنجليزي يقول لأبي؛ السجين مع الأشغال الشاقة في ميناء حيفا، (فـَكِنْ أرَبْ، فَـرِي فُول) لست أعرف معناها، ولكن هكذا كان "الإنجليز المؤدبون الأذكياء" يتفوهون.

نتناسى كل الذي مضى وانقضى، ونركب قطارنا.. أقصد قطارهم، مزهوين بكونه (شـبِـيـن) قطارنا، الذي سوف نلتقي به في الجنة إن شاء الله.»

يبلور الكاتب على لسان السارد مفارقته المأسوية بقوله: "الناس سعيدة بإنجازاتها الحضارية، وأنا حزين.." وهنا يلقي السارد بطعم التشويق للتتبع الأحداث وما أن يصل إلى قوله: "إذ يعزُّ عليّ ذلك المغدور، رحمةُ اللهِ عليه، (خط حديد الحجاز)..." تبدأ الفكرة تتبلور لدى القارئ، ويتزايد شوقه للتتبع الآتي من الأحداث، ليلفي نفسه أمام هذا التوصيف، الذي يدمغ الوضع المأسوي لدى السارد: "كان أفخم تقنية من الخط الإنجليزي....".

وتتعقد المأساة بعد حادثة الاجتثاث اللامبرر، لهذا الخط الحديدي من طرف الحسود الحقود، الإنجليزي لورنس العرب قام بإصدار أوامره السامية بتقطيع أوصال قطارنا الحجازي اليتيم.

وتتراءى المفارقة الساخرة المبكية من شدة مأسويتها في جمعه بين دالين متناقضين: الحقود، أوامره السامية، ويضيف قوله: "أصدر أوامره الإمبراطورية بإيداع ما تبقى منه في متحف التاريخ، كي لا يكون معززاً، ولا مُكرّماً ...". وهنا القارئ حينما ينساق في القراءة يترقب بعد قوله: أوامره الامبراطورية، والمتحف أن يكون ذلك القرار صائنا لكرامة هذا الخط، من أيدي التمويه التاريخي والسرقة الأثارية، فإذ به يصدم بـ "كي لا يكون معززاً، ولا مُكرّماً .." والنفي هنا يجعل المتلقي في حيرة تتفجر بقوله: "جئنا نحن الأعراب إلى بلاد الإنجليز ..." وبعد التسليم بـ "المتحف" تنقلب اللهجة إلى التجريح، فنصير بدل العرب "الأعراب".

ويواصل السارد سخريته باللهجة العامية: "قطارنا الذي راح (خطيفة)" ... وبعد هذا التوصيف يرد قوله: "نزوره اليوم فنبكي.... فيسخر أهل الغرب من سلوكنا هذا، بصفتنا عرباً متخلفين ."... بهدف كسر المتوقع المنطقي الذي يحتم على الغرب احترام تاريخنا الإنجازي، باللامتوقع اللامنطقي الذي ينتهي بنا إلى سمعة لا تليق بإنسانية الإنسان، ولا بحقوقه حينما ننعت بالمتخلفين ثم يستمر السارد كالثمل من شدة الحزن، الذي تفاقم عن حده، فانقلب إلى سخرية مبالغة في قوله: "هكذا كان "الإنجليز المؤدبون الأذكياء يتفوهون".

وتتراءى المفارقة المأسوية، في نهاية القصة المروية في جمعه بين أفعال شائنة لمستدمر غاصب، والاعتراف في مقابل ذلك بكونه مؤدبا، وذكيا مما يتسبب في تفجير لغم المفارقة المأسوية دون شرح يقتل صدامية الموقف بين شعب معتدي؛ يدعي المحافظة على حقوق الانسان، والأدب، والأخلاق، وبين آخر معتدى عليه، لا حول له ولا وقوة، أمام غطرسة المتطرف الغربي، وينهي السارد فارق الموقفين المأساويين بقوله: "قطارنا، الذي سوف نلتقي به في الجنة إن شاء الله" بلغم مفارق آخر يدخل تحت ما يصطلح عليه "مفارقة القدر"، بوصفها سخرية مغالية في الألم والإيلام من شعب يؤمن أن الاستدمار قضاء وقدر.

ومن المفارقات المأسوية الساخرة ما يبطنه المجتزأ الآتي:

«في صباح هذا اليوم، ذهبت - حسب الموعد - إلى المطبخ الذي لا تزيد مساحته على المترين، حيث يكون الإفطار، وذلك في الساعة الثامنة إلا ثلاث دقائق، فالتقيت السيدة، التي فوجئت بقدومي، فرفضت جلوسي في المطبخ، وذلك بلهجة حاسمة، بحجة أنها كانت قد اتفقت معي على موعد محدد. "ها هي الساعة حوالي الثامنة! " قلت لها.. فأجابت بكل حزم:

"ولكنها الثامنة إلا ثلاث دقائق! عد في الثامنة تماماً حسب الموعد المحدد، يكون إفطارك جاهزاً!" وبالفعل يا خال، رضخت لاتفاقي المبرم شفهياً مع السيدة، وعدت إلى غرفة جلوس البيت الصغيرة مندهشاً، أعدُّ الثانية بالثانية، والدقيقة بالدقيقة.. بقيت هكذا أعد الثواني وكأنني سجين مؤبّد، يعُدّ دقات قلبه في انتظار الإفراج الذي وعدوه به.. لم يكن شعوري بالجوع هو السبب، بل هو فضولي للتعرف على مفاهيم الإنجليز وأنظمتهم.. مسألة الدقائق الثلاث هذه، التي تحتاج إلى مجلس آمن، يكون قاضيه إنجليزي، ليقول لك:

"الانسحاب من أراض تحتلها إسرائيل عام 1967." بدل قوله:

"الانسحاب من الأراضي التي تحتلها إسرائيل." وبين مفهوميّ (أراضٍ، والأراضي) فرق كبير.. قلت لنفسي: "إن الفرق بين (أراض، والأراضي) خلق مفهوماً غير مفهوم، جعلنا نتفاوض عليه مع إسرائيل من يومها، وحتى يوم الدين".

بقيت هكذا أُقلِّب الوقت حتى دقت ساعة الحائط معلنة الثامنة، فذهبت مسرعاً إلى المطبخ، حيث وجدت طبق الإفطار مجهزاً، قطعة زبدة، وقطعة مربى، وبيضة، وخمس شرائح خبز صغيرة إسفنجية الشكل. لا شك أن تلك الحادثة قد علمتني قيمة الوقت.»

ويضرم الكاتب فتيل المفارقة المأسوية وهو مغمور بسخرية طافحة عن مسألة الدقائق الثلاث من قوله: مسألة الدقائق الثلاث هذه، التي تحتاج إلى مجلس أمن، يكون قاضيه إنجليزي.... جعلنا نتفاوض عليه مع إسرائيل من يومها، وحتى يوم الدين". لتتمركز المفارقة في ذلك التنكير الخبيث لكلمة أراض، وربطها بمسألة الدقائق الثلاث الفارقة بالنسبة للعجوز الانجليزية.

وفي المجتزأ الآتي يصعد من كثافة المأساة إلى حد الصدمة على النحو الآتي:

«ومما قالته السيدة روز: "كان من نتائج الحرب العالمية أن بريطانيا أهدت فلسطين إلى يهود أوروبا، ليقيموا فيها دولة، يسمونها دولة إسرائيل.." فقلت لها:

" كيف تهدي بريطانيا ما لا تملك، لمن لا يستحق؟" فقالت العجوز: لقد حزن زوجي على ذلك التسليم. كان يود أن يبقى الإنجليز هم الذين يتمتعون باستعمار فلسطين الدافئة الخضراء الجميلة..»

وتتراءى صدمة المفارقة المأسوية في قول العجوز: "لقد حزن زوجي على ذلك التسليم." الذي يعطي الآخر المحاور حدسا بأن زوج هذه العجوز يستنكر الاستدمار خاصة بعد صمتها المطمئن ممثلا في علامة الوقف "النقطة"، و لكن سرعان ما تسترد الحديث مفضلة الاستدمار البريطاني على الصهيوني الاسرائيلي لكي تعود تلك الخيرات على بلدها بدل الصهاينة اليهود المنبوذين من قبل العالم بأسره، وهنا يصدم المتلقي بهذه الإضافة اللامنطقية واللاواقعية واللانسانية، وتبعا لذلك يشتد بأس المفارقة ويقوى تحت هذا الصوغ البارع لأحداثها.

* مفارقة علمية :

ويمكن لهذا المجتزأ أن يأخذ له مكانا تحت ما يسمى بالمفارقة العلمية مع أنه يمكن أن يتأتى ضمن المفارقة اللفظية، أو المأسوية:

«نظرت في عينيها، وقلت لها: "حتى أن اسمك يائيل، هو اسم كنعاني، وهو يعني (يا إل)، إذ كان (إل) هو إله الكون كله عند الكنعانيين، ونحن عندما نقصد الخروج، أو الدخول، نقول (يا ألله)! وكان أجدادنا الكنعانيون يقولون: (يا إل) أو(يائل) أو (يائيل) وذلك حسب لهجاتهم، بينما إله اليهود هو (يهوة). فكيف تستنسخوننا وتحاولون أن تكونوننا؟"»

وبعد استفاضة شارحة لجذور اسم "يائيل"، نلفي "جمال قاسم"، ينهي شرحه العلمي بسؤال مستفز ساخر: "فكيف تستنسخوننا وتحاولون أن تكونوننا؟"، طامسا به بقايا ما سهر الصهاينة على ترسيخه، وتجذيره في عمق الوعي اليهودي، كحجاج ديني، مؤسس على وهم معرفي يقضي بمقدمة خاطئة تفضي إلى خاتمة على منوالها، وهنا يتراءى أثر المفارقة العلمية في فيضان سخريتها.

وفي الأخير نخلص إلى أن المفارقة الساخرة، تسهم في بعث الدلالات الشائكة، بأسلوب استخفافي وصادم في الآن نفسه، مما يستوجب قارئا أنموذجيا يجيد قراءة الدلالات الخفية المنفلتة بين مكامن التمدلل المتناقض.

د. وفاء مناصري - جامعة عبدالحفيظ بوالصوف – ميلة (الجزائر)

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...