اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الدراجة | قصة قصيرة ...* محمود مسعود

⏪⏬
لم أكن أملك دراجة وكنت أعمل ليل نهار ليس من أجل الدراجة فقط و لكن لبناء ذاتي التي كبرت دون تحديد هدف معين ودون أي مال يسندها في مواجهة متطلبات الحياة ، شاب تعثرت به الحياة دون أن يبدأها بعد ، جاهدت في دراستي الجامعية علي أمل الارتقاء
نحو حياة أفضل ، الحياة لا ترحم جملة كنت كثيرا ما أسمعها ولكني أبدا لم أتخيل أن أقع تحت عجلاتها لتفرمني وأنا في مستهلها ،حملت المؤهل تحت إبطي وأخذت أدور وأبحث دون جدوى ، سنوات وسنوات وفي كل مرة أخفق فيها أقول لنفسي لا تيأس متخذا من مقولة عمر بن عبد العزيز " لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس " كانت هذه العبارة الوقود الذي يغذي روحي ويصبرني علي مشقة البحث عن عمل بهذا المؤهل ، ولكن عبثا ذهبت محاولاتي ، لم يكن الاستسلام من طبعي فجيناتي بحكم الموروث " صعيدية " تأبي الاستسلام ، كان لدي الاستعداد للعمل في أي مهنة بعيدا عن ذلك المؤهل الذي بدا أن مكانه سيصير معلقا فوق حائط حجرتي وفوق السرير الذي آوي إليه كل ليلة ، عملت في مهن كثيرة ( حمال أخشاب في مخازن الأخشاب الضخمة علي حدود مدينتي بأطراف الصحراء ، أحمل الغلال في شركة تصنيع الأعلاف داخل المدينة ، مع أحد المقاولين من الباطن في شركة الحديد والصلب التي كانوا يبنونها مؤخرا ، وأخيرا وليس بآخر أخذت بنصيحة صديق عمري والذي لم يكمل تعليمه وآثر الانخراط في سوق العمل مبكرا وأصبح أسطى له سمعته في مجال سباكة المعادن بأن أعمل معه في مهنة دائمة وبأجر ثابت أفضل من التنطيط بين مختلف المهن والتي كلها بلا استثناء أعمال بدنية شاقة ولن تعود علي بأي منفعة علي المدى البعيد سوي الإرهاق وحرق أعضاء الجسد الذي سيأتي عليه وقت لن يستطيع الصمود ، بالفعل التحقت معه في الورشة التي يعمل بها أو قل يديرها ، مرت ست سنوات لم تكن عجاف بل شاقة تمكن جسدي من التعود عليها وصار يدمن شقاؤها بالمعني الحرفي لكلمة شقاء ، وكنت كلما أجلس مع نفسي في حجرتي تقع عيناي علي الشهادة المعلقة علي الحائط فوق السرير فتنساب من عيناي دموع لا أدري ماذا أسميها ، أهي دموع الندم علي ما فات من عمري من أجل هذه الورقة المزركشة والمختومة بخاتم الجامعة أم دموع الحسرة علي ما آلت إليه أحوالي ( صبي بدرجة الليسانس في ورشة الحاج هندي ) لم يكن لدي أي خيار آخر لم يكن لي غير الصبر والصبر وبذل المحاولات في سبيل تغيير هذا الوضع الذي وجدت نفسي فيه مرغما ودون إرادتي ، لم أترك أي فرصة إلا وطرقت أبوابها مستعينا بالأمل والرجاء في الله أن أعبر تلك المرحلة التي طالت كثيرا دون أي بادرة لعبورها بسلام ، كان سلاحي في هذا التوقيت الإيمان بالله واعتبارها مرحلة اختبار علي مدي قوة إيماني هكذا كنت أحدث نفسي دائما ،كانت رحلتي الأسبوعية إلي مكتب العمل بالمنشية لا تنقطع لدرجة أن موظفي المكتب قد عرفوني وصارت بيننا معزة ، سنوات من ضمن الست سنوات الماضية قد يكونوا اثنتين أو ثلاث أو أربع سنوات لست متذكرا تحديد وكان الرد وقتها للأسف لم تنزل وظائف جديدة وبالرغم من أني كنت واثقا من هذه الجملة كل مرة أتوجه فيها لهذا المكتب إلا أني كنت مصرا إصرارا غريبا علي التوجه أسبوعيا له ولست أدري لماذا لم أيأس ولم أستسلم كل مرة أواجه بتلك العبارة التي حفظتها عن ظهر قلب إلا أني أعاود التردد كما قلت علي هذا المكتب أسبوعيا وصار من ضمن مخططات الأجازة الخاصة بي من الورشة ،كنا في نهاية العام 1994تحديد شهر مارس علي ما أتذكر ، قرأت خبرا في جريدة الأهرام والتي كنت مولعا بها ودائما ما أشتريها ( كانوا يطلقون علي الصبي المثقف ) بسبب هذا الفعل وكنت مواظبا علي شراء العدد الأسبوعي لثرائه بكتابات عمالقة الصحافة والأدب مثل أنيس منصور ، عبد الوهاب مطاوع ، نجيب محفوظ رحمه الله هذا بخلاف صفحتان منه لإعلانات الوظائف ، وقعت عيناي علي إعلان لا يكاد يري بالعين كما يقولون ويقول نصه ( إحدى الجهات الحكومية تعلن عن وظائف لحملة المؤهلات العليا لكليات ( الحقوق ، التجارة ، الألسن ،اللغات والترجمة ، الآداب ) علي أن ترسل صور المستندات إلي الرمز البريدي ....... في موعد أقصاه أسبوع من تاريخ الإعلان . كنت معتادا علي تصوير المستندات الخاصة بي ومحتفظا بها لمثل تلك الظروف عاملا بالمثل القائل " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " وعليه فقد جمعت الصور المطلوبة وأرسلتها بالبريد المسجل إلي الرمز البريدي المصاحب للإعلان ونسيت الموضوع بحكم التعود ..! كان هناك أحد الباعة الجائلين للروبابكيا ( الأشياء القديمة من ملابس ، أجهزة ، معادن ....الخ ) يتعامل مع الورشة لبيع النحاس الخردة أو الألمونيوم الذي نستخدمه في جعل النحاس لينا وتفتيح لونه ليصير برونزيا موجودا كالعادة ليبيع عدة كيلوات من النحاس ، شاهدت دراجة محمولة علي عربته التي يجرها بنفسه سألته إن كانت الدراجة للبيع فرد بالإيجاب سألته عن ثمنها فقال لي : خذها وجربها إن أعجبتك لن نختلف علي السعر وقد كان ،كم كانت سعادتي التي لا توصف لشعوري لأول مرة بامتلاك مثل هذه الدراجة وكم كانت تمثل بالنسبة لي وبالرغم من علو الصدأ لأجزاء كثيرة منها إلا إني كنت سعيدا جدا ، لم يكن لي سابق عهد بالدرجات ولم أكن ماهرا في قيادتها ولكني تحديت نفسي والجميع بأن أعود بها قيادة إلي منزلي الذي يبعد عن مكان الورشة بحوالي سبعة كيلو مترات ، كنت أريد للوقت أن يمر سريعا وينتهي يوم العمل الشاق حتى أستقل الدراجة عائدا للمنزل لأول مرة منذ تلك الست سنوات ،فلأول مرة لن أستقل المواصلات العامة ولأول مرة سأدخر ثمن تلك المواصلات وأخذت أحلام اليقظة تداعبني فيما سأفعله بسبب هذه الدراجة ، يكفي أنني سأجول وأصول بتلك الدراجة التي هبطت علي من السماء ، انتهي وقت العمل في الورشة بعد صب آخر منجلة ( هيكل حديدي يربط به عدد من صناديق الصب التي بها فورم النحاس المختومة في الرمال ) بعد الانتهاء من فك المناجل وتنظيف الفورم وتنظيف الورشة من آثار الصب أسرعت بغسل الرأس والأيدي والأرجل إيذانا بارتداء ملابس الخروج والرحيل ، أمسكت بالدراجة وكلي ثقة بالانطلاق ركبتها وسط تهليل الجميع والتشجيع وأحيانا بالسخرية من البعض لم أكن أعيرهم أي أهمية وانطلقت بالدراجة واتخذت مسارا غير مسار المواصلات العامة في الطرق الجانبية وظللت أكافح ثقل الدراجة الذي بدا واضحا من الألم الذي شعرت به في ساقاي ولكني كما قلت في موقف تحدي مع الجميع بما فيهم نفسي ، وصلت إلي منزلي ولا أكاد أستطيع المشي أو الوقوف علي قدمي هكذا كان حالي بعدما هبطت من فوق الدراجة التي يبدو أنها قد حسدت هكذا خيل إلي فلم تكن تسير بسهولة لاعتبارات كثيرة لم آخذها في الحسبان أولا الدراجة مركونة منذ زمن وتروسها صدئة وكان لابد لي قبل ركوبها من تزيتيها وهذا ما لم يحدث وكانت النتيجة ما سبق وتم شرحه وانقلبت فرحتي بالدراجة لآلام مبرحة في ساقاي ظللت طوال الليل أعاني منها ولكن الكبر منعني من البوح بذلك ، في اليوم التالي استيقظت مبكرا كعادتي ارتديت ملابسي وحملت الدراجة للنزول بها إلي الشارع لركوبها والانطلاق إلي حيث مقر العمل ، قابلت بعض الجيران ومعارف المنطقة التي أسكن فيها وكان الكل بلا استثناء يباركون لي هذه الدراجة وكنت في الحقيقة منتشيا أيما انتشاء ولما لا فقد صرت من أصحاب المواصلات الخاصة ،كنت أسير بين السيارات كقائد دراجة محنك ، منطلقا بسرعة متواضعة هذا أقصي ما يمكن للدراجة أن تسير بها ، في الطريق الذي أسير عليه هناك قضيب للترام حاولت تخطيه وفجأة لم أشعر إلا أني طرت من فوق الدراجة وقد انقلبت وحمدا لله لم يكن هناك سيارات من خلفي وإلا كان سيحدث مالا يحمد عقباه ، أسرعت بالنهوض من وقعتي وأنا أنفض ملابسي من الغبار الذي علق بها وفي نفس الوقت أرقب عيون المارة ووجوههم لأري آثار وقعتي عليها فلم أجد أحدا فحمدت الله ، أمسكت الدراجة بعد أن تخطيت قضيب الترام الذي تسبب في سقوطي وركبتها وأكملت سيري في أقصي اليمين من الطريق بمحاذاة الرصيف حرفيا ،وظللت أسير وكلي تركيز ألا أصطدم بأي عقبة تحول دون وصولي إلي مقر العمل ، بعد مجاهدة عظيمة وصلت ولكن قدماي أصابهما التعب والإرهاق ولكني لم أفصح عن ذلك وبدوت أمام أصحابي في الورشة كعنتر الذي فاز في كل معاركه أمثل الصمود الزائف وأنا من داخلي أريد الصراخ ولكن شعور الانكسار أصعب من الهزيمة وهذا ما لم أكن أريده ، انهمكت في العمل محاولا التغلب علي آلامي النفسية والجسدية ، سويعات وظهر صاحب الدراجة وهو يبتسم في سعادة لا أدري مصدرها ووقف يسألني عن رأيي فيها كنت أريد في الحقيقة الانقضاض عليه وتسديد اللكمات إلي وجهه انتقاما لما أحدثته لي دراجته الملعونة ولكني في قرارة نفسي كنت أعذره لأنه ليس له ذنب فيما حدث لي ، تبسمت له قائلا : في الحقيقة الدراجة ممتازة فوق الوصف حاول الحديث عن الثمن فبادرته بالقول قبل أن يفتح فمه : ولكن في الحقيقة هذه الدراجة لا تناسبني لأنها منخفضة الطول وأنا كما تري قدماي طويلتان وعندما اركبها اضطر لثني قدماي وهذا ما يسبب لي الألم فعذرا كنت لأتمنى أن تكون دراجة عالية ولكنها للأسف ليست كذلك ، لم يتكلم الرجل كثيرا وأخذ الدراجة ورحل ، تنفست الصعداء بالرغم من تألمي لفقد الدراجة ولكن خسارة قريبة أفضل من مكسب بعيد هكذا منطق رجال الأعمال خصوصا وأنا لم أخسر شيئا مجرد ألم بسيط وسرعان ما سيزول ، اليوم يوم الأحد موعد الأجازة الأسبوعية من الورشة وكذلك موعدي مع مكتب العمل التابع لوزارة القوي العاملة ، كانت الساعة الثامنة والنصف صباحا حينما ولجت إلي داخله كانت هناك موظفة اعتدت علي التحدث معها كلما أتيت إلي هذا المكتب وكانت تدعي كريمة علي ما أعتقد ، عندما وقعت عيناها علي أشارت إلي من خلف زجاج مكتبها بالحضور عندها ، دخلت عليها وأنا أبتسم كعادتي فقالت لي وهي تبتسم : كم ستدفع لمن يقول لك بشري سعيدة بتلقائية قلت لها ما ستأمرين به سيكون طوع أمرك فقالت : اليوم جاءت تعليمات بقبول طلبات لوظيفة أخصائي مكتبات تبع وزارة التربية والتعليم وهذه الوظيفة تنطبق علي مؤهلك فما هو رأيك ، انتابتني مشاعر لم أمر بها من قبل فرحة ممزوجة بالدموع ، تلعثم لم أعد معه قادرا علي التعبير ، للحظات غبت عن الوعي بالرغم أني مدرك لكل ماهو حولي كانت الموظفة تبتسم وتتحدث وأنا غائب في عالم آخر لم أنتبه إلا وهي تصرخ في ( يا أخينا هاي أنت روحت فين ) هه قلتها وأنا غير مصدق لما سمعت أذناي ثماني سنوات عجاف مررت بها ، ثماني سنوات وأنا في شقاء دائم ، ثماني سنوات من العذاب الذي جعلني كثور مربوط في ساقية أخيرا سأسترد جزءا من حقي المسلوب علي مدار تلك الثماني سنوات المهدرة في مجتمع لا يعترف بالكفاءات بقدر اهتمامه بحامل الشهادة وصاحب الوظيفة الميري عملا بالمثل القائل " إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه " لا أعرف تحديدا من مطلق هذا المثل الذي بسببه ضاعت قيم كثيرة من أجل الوصول إلي تلك الوظيفة وإن كانت فراش في أي مصلحة فبالتأكيد من أطلقه لا يريد خيرا مطلقا لهذه الأمة ، وأكيد هو من أعدائها لما ترتب عليه من مصائب مازلنا نجني ثمارها أقلها تكدس الجهاز الإداري للدولة بالموظفين العالة عليه أو كما يقولون ( العاطلون بمسمي رسمي ) ولا تستفيد الدولة منهم بشيء ، المهم أعطيتها صور المستندات المطلوبة وأخذت منها إيصالا بتسليم تلك الصور ضممته مع إيصالات كثيرة في المظروف الخاص بتقديم الوظائف التي سبقت هذه الوظيفة وانصرفت ، في شهر ديسمبر من عام 1995وعند عودتي من العمل متأخرا حوالي الساعة الثانية عشرة لاحظت أن أخي مستيقظ علي غير عادته ، سألته عن سبب سهره إلي هذا الوقت المتأخر ؟فقال لي : إنني منتظرك منذ التاسعة وخشيت النوم قبل أن تأتي فقلت له وأنا مضطرب : خيرا أفي شيء مهم لهذه الدرجة فقال وهو يبتسم : ساعي البريد أحضر لك هذا الجواب بعد أن وقعت له بالاستلام وأكد لي أنني يجب أن أسلمه لك لأنه مهم بالفعل ، أخذت الجواب وقرأت بياناته الخارجية فعلمت أنه من مصلحة الجمارك ، أخذت الأسئلة تتناوب علي رأسي تري ماذا تريد مني مصلحة الجمارك ؟ ولماذا ترسل لي ؟ ولماذا ولماذا ... أسئلة كثيرة أخذت تتزاحم في رأسي فقطعت الشك باليقين وفتحت الجواب وأخذت أقرأ السطور وأنفاسي تتلاحق وشعرت في لحظة أن ريقي قد جف فطلبت كوب من الماء لقد كان الجواب جواب تعين في مصلحة الجمارك وأنني مطالب بالتوجه لاستلام العمل يوم .... من الشهر وعند التخلف سيتم إتباع الإجراءات القانونية والعمل علي فصلي نهائيا إذا لم أحضر في التاريخ المحدد مصطحبا أوراق التعيين من شهادة التخرج الأصلية وعدد من الصور ونموذج فيش وتشبيه موجه لمصلحة الجمارك وعدد واحد نموذج ذمة مالية بالإضافة لشهادة إنهاء الخدمة العسكرية الأصلية ، كان أمامي من الزمن أسبوعان كفيلان بأن أنهي ما هو مطلوب من المستندات الناقصة كالفيش والتشبيه ، سألني أخي ما الأمر فتبسمت له قائلا : يبدو أن الحظ قد ابتسم لأخيك الأصغر أخيرا فقال لي : مش فاهم ..!! فقلت له وأنا أشير بالجواب : هذا هو الحظ لقد تعينت في مصلحة الجمارك فقال وهو يحتضنني ويبكي مبروك يا أخي أخيرا ربنا استجاب لدعواتك أنت ابن حلال وتستاهل كل خير ربنا عوض صبرك خير ألف ألف مبروك ، لم أنم ليليتي بالرغم من الإرهاق ولكن الفرحة أنستني كل شيء وعزمت علي البدء في إنهاء ماهو مطلوب بالضبط ،تذكرت وأنا في قمة انغماسي في إخراج الفيش والتشبيه ذلك الإعلان الذي قرأته منذ مدة بعيدة في جريدة الأهرام والذي بالكاد يلاحظ وكان مبهما غير محدد الجهة الطالبة للتعيين ، إذن كانت مصلحة الجمارك الطالبة هذا ما تيقنت منه أخيرا ، كان كل شيء جاهز تماما ، وفي الميعاد المحدد توجهت إلي باب عشرة في منطقة الجمرك ببحري وعلي البوابة استوقفني أحد الضباط متسائلا عن وجهتي فأخبرته وأنا أظهر له جواب المصلحة فقال لابد من استخراج تصريح لدخول المنطقة الجمركية فأعلنته موافقتي فطلب مني صورة شخصية ولحسن الحظ كانت معي صور كثيرة تحسبا لأي طارئ فأعطيته واحدة وكذلك مبلغ خمسة جنيهات ثم طلب مني الانتظار لمدة ساعة لحين صدور التصاريح فالتزمت بالطلب وتوجهت إلي احدي المقاهي القريبة وطلبت كوب من الشاي ،كان الوقت يمر بطيء كالسلحفاة ولحسن الحظ أن اليوم يوم أحد يعني أجازة من الورشة فلم يشعر أحد بما أقدم عليه غير أخي فقط ، نظرت في الساعة الوحيدة التي جاءتني من أمي رحمها الله كهدية نجاحي في الإعدادية أشارت عقاربها إلي التاسعة وخمسة وخمسون من صباح ذلك اليوم الذي كنت مبتهجا فيه ابتهاجا لم أمر به من قبل ،وقفت أمام شباك البوابة فسألني الضابط ماذا أريد ؟؟ فقلت له لي تصريح لدخول المنطقة الجمركية وقبل أن أكمل قاطعني وقد تذكرني ومد يده لي بالتصريح قائلا هاهو خذ فأخذته ودلفت إلي داخل المنطقة الجمركية حائرا أي الطرق أسلك ؟ قابلني أحد الأشخاص مترجلا فاستوقفته بأدب سائلا عن مكان مصلحة الجمارك فابتسم سائلا : أتريد التوجه إلي مبني مصلحة الجمارك ؟؟ فقلت له : نعم فقال تعال معي فأني متوجه إليها لحسن حظك فابتسمت وشكرته وسرت معه ، دقائق لم تتعد الخمس ووجدت نفسي أمام مبني ضخم تعلو واجهته يافطة كبيرة مكتوب عليها مبني مصلحة الجمارك المصرية كان الاسم وحده مبعث للسرور والافتخار هكذا كان شعوري منذ اللحظات التي وقعت عيني عليه ، سألت وأنا علي بوابة المصلحة أحد الجالسين عليها أين مكتب شئون الموظفين فقال متسائلا : خيرا إن شاء الله فأخرجت له الجواب وبعد أن أطلع عليه سريعا أرشدني إلي أحد المكاتب في الدور الثاني من المبني عند شخص يقولون له أمجد باشا بالفعل صعدت السلالم المؤدية للدور الثاني حيث صالة كبيرة تتوسط عدد من المكاتب الفخمة علي جانبيها واستطعت بمهارة أحسد عليها من العثور علي المكتب المطلوب في ثوان معدودة ومن ثم توجهت إليه مباشرة ، كان المكتب شبه موصد طرقت علي بابه برفق فجاءني صوت من الداخل يأمرني بالدخول وبالفعل دخلت ، كنا في الصيف والحر خانق بالخارج وما أن دخلت المكتب شعرت بأنني في إحدي دول أوروبا حيث التكييف المركزي لا يعطي الشعور بالحر مطلقا ، استقبلني أحد الموظفين وكان ممسكا بكوب من الشاي يحتسيه فوضع الكوب أمامه واعتدل ناظرا إلي وهو مبتسم قائلا في أسلوب يشوبه الود : أهلا وسهلا أي خدمة ؟؟ فقلت له وأنا أعطيه الجواب : موظف جديد ! فقال وهو يأخذ الجواب مشددا علي الترحيب أهلا أهلا أهلا أتفضل حضرتك اجلس فجلست سألني عن نوع الشاي الذي أشربه فشكرته قائلا أنني توا شارب الشاي قبل المجيء ولكنه أصر علي احتسائي الشاي لأن الموضوع سيطول قليلا وبالفعل أحضر العامل الشاي واستأذن مني لإنهاء إجراءات التعيين بعد أخذ جميع المستندات التي معي وبالفعل انصرف وجلست أشرب الشاي وأنا أمني نفسي بهذه الوظيفة التي طال انتظارها كنت قلقا في الحقيقة وكان قلقي مشروع ولكني أفتقد لأسبابه لا أعلم يقينا ما السبب في هذا القلق الغير مبرر ، كنت أقول لنفسي سويعات لن تضير لإزالة هم سنوات كبتت من طموحاتي وجعلتني في حالة لا تسر عدو أو حبيب لابد وأن رمانة الميزان تعتدل وها قد جاء وقتها فلماذا أقلق ! مرت ساعة علي غياب الأستاذ أمجد هكذا اسمه كما أخبرني موظف الاستعلامات علي مدخل البناية ، كان زجاج المكتب يكشف الصالة وما حولها من مكاتب التي علي نفس شاكلته ، كنت أري حركة غير عادية أو هكذا خيل إلي ، موظفون يدخلون مكاتب وآخرين يخرجون منها ويتوجهون إلي مكتب معين ثم يخرجون وهكذا وبعد مدة تعدت الساعة والنصف ظهر الأستاذ أمجد وهو ممسك بدوسيه لمحت اسمي مكتوب عليه باللون الأسود العريض ، دخل أمجد وأغلق باب المكتب خلفه بهدوء ولكن ابتسامته المعهودة أظنها اختفت ولا أدري السبب ، وبعد دقائق قليلة وجدته يعتدل في جلسته ويوجه سؤالا لي لا أعلم الهدف منه تحديدا : يا أستاذ طاهر أمتأكد من أن مؤهلك كان مطلوبا ضمن المؤهلات في إعلان المصلحة ؟ أجبته دون تردد نعم فأخذ يطرق بقبضة يده علي المكتب طرقات سريعة ، ثم توقف وأعاد السؤال مرة أخري وكانت إجابتي نفس الإجابة ، أخذ يحوقل ويستغفر قائلا : مش معقول أبدا فعاجلته بسؤال : ما الأمر أستاذ ي ؟فقال وهو متأثر جدا : أستاذ طاهر للأسف هناك خطأ جسيم تم في موضوع توظيفك ، فقلت له متسائلا : ماهو هذا الخطأ ؟؟ فقال وهو يدعوني للنظر من زجاج المكتب : أتري تلك الجموع من الموظفين وحالة الارتباك البادية عليهم قلت : نعم وقد جذب انتباهي هذا الأمر في البداية فقال كل هؤلاء الموظفين سيحالون للتحقيق بسبب موضوعك هذا ولكي أبسط الأمر عليك فالموظف المسئول عن استلام طلبات التعيين استلم أوراقك وأنشأ لك ملفا (وأشار بالملف لي ) دون أن ينظر في نوع مؤهلك ولذلك حينما سألتك أن مؤهلك كان مطلوبا ضمن المؤهلات في الإعلان أجبت بنعم وللأسف الشديد لوائح المصلحة لا تطلب مؤهلك مطلقا وتحت أي مسمي المطلوب ( حقوق ، تجارة ، ألسن ، آداب لغات ، دبلوم تجارة أو الإعدادية فقط لا غير ) ويكون في معلومك أن هذه اللوائح لا يستطيع أحد مهما كان من تغيرها حتي لو كان رئيس الجمهورية ولعلمك أيضا تستطيع أن تشتكي لمن تراه وكل ما في الأمر ستقوم المصلحة ممثلة في الشئون القانونية بإيقاع الجزاء المناسب للمتسبب في هذا الخطأ وإرسال صورة منه إليك وفي جميع الأحوال لن تتغير لوائح المصلحة ها أنظر ماذا تري ؟؟ شعرت للحظات أن الأرض تميد بي وأني علي شفا الغوص فيها ولكني تماسكت ونظرت للرجل قائلا : ما ذنبي أنا في غلطة هذا الموظف الذي فتح لي آفاقا من الحلم الجميل وفي لحظات سحب مني هذا الحلم لمجرد شدة قلم كانت عيناي تترغرغان بالدموع وقد علا صوتي الابحاح أخذ الرجل يهدئ من روعي وهو يطبطب علي كتفي قائلا : وعدي لك إن طلبت المصلحة مؤهلك والله والله لأكون أول واحد ينهي إجراءات تعيينك فنظرت له مبتسما ابتسامة المنكسر وأنا أقول لله الأمر من قبل ومن بعد ثم انصرفت بعد تشيع الحلم الذي عشته ساعات قبل أن أصل لذروته .
-
*محمود مسعود

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...