إذ سمعتُ جلبة, وشجب, اختلطت أصواتُ بعضهم بعويل أخرين..
كلهم ناقمون على ما آل إليهم حالهم من غربةٍ قضَّت مضاجعهم, و حرمتهم من تلك النسمات الناعمة هناك.. بعيدًا عن الأهل, والأحباب..
ما أقسى أن تبتعد دون مقدمات!!!
تغادر على حين غِرة !!!
تُفارق دون أسباب !!!
صاح أحدهم:
ــ مايحدث لنا ليس عدلًا.. فهل سُئلنا حول رغبتنا في الاغتراب عن موطننا ؟!
تبِعه آخر:
ــ ألن يخبرونا إلى أين هى وِجهتنا ؟ و ماذا سيفعلون بنا ؟!
بكى أصغرنا, وقال من بين دموعه:
ــ ساقي.. بِتُّ بلا ساق تحملني.. لذا لن تراقصني لفحات الهواء, ولن تقف فوق رأسي أطيار السماء!!!
ثم استطرد الصغير.. غض القدِّ.. ناصع البياض, قائلًا بينما يشرئب ناظرًا إلى أعلى كمن يبحث عن مفقود:
ــ عصافيري الملونة.. سأشتاق إليكم كثيرًا..
توقفت الشاحنة الضخمة فجأة.. ومن ثمَّ رُفع صندوقها بسحبة ذراع بيدِ قائدها, فسقطنا جميعًا, متكومين فوق بعضنا البعض..
تألمنا.. و ضاقت أنفاسنا..
ثم حملقنا حولنا فزعين.. فإذ بنا داخل سوقٍ كبيرة, و أحدهم يجلس منتفخ الصدر.. ينفث دخان أرجيلته في وجوه الوقوف أمامه.. ويقول في غلظة:
ــ العشرة بِجنيه.. و من لايروق له السعر.. فلينصرف..
بعد تفاوضٍ دام بضع دقائق, حمل كل من هؤلاء عشرات منا داخل قُفف و مقاطف, و جولات تتسع للمزيد.. بعد أن أعطوا صاحب الأرجيلة بعض النقود التي دسها بجيبه دون أن يقوم بِعدها, فقد اكتفى بنظرةٍ عابرة نحوها ليدرك قدرِها بطرفة عين..
رائحة الشواء تُزكم الأنوف..
كدنا أن نختنق!!!
قلَّبتني امرأة كالحة الوجه.. رثة الثياب؛ فوق قطع فحمٍ متوهجة..
حتى اسودَّت حبَّاتي, و صارت أخرى ذهبية اللون..
كم تألمت.. و كم تأوهت وصرخت مستغيثًا متوسلًا.. عساها تحملني بعيدًا عن ذلك العذاب الأليم..
ولكنها لم تفعل!!!
آآآخر ما التقطته مسامعي, كان صوت المرأة, عندما تهللت أسايريرها لما رأت أحد الزبائن مُقبلًا نحوها, عندما صاحت بصوتٍ يغشاه الفرح:
ــ الذُّرة المشوي !!!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي؛
أسماء الصياد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق