عزيزي الذئب:
وصلت إلى ها هنا بعد أن عبرت بحر الغابة الواسع،
البحر النباتي الذي تسكنه،
ذاك البحر الواسع من الحنق بالليل و النهار، الذي تعبره
خلسة،
في ليله البهيم و القفر الطافح بالعواء،
الممتد حتى في النهار أو في السكون،
بحر من رزمات من أوراق الشجر
التي تتساقط و تتساقط، تنمو و تبرعم، كل شيء في ذات الآن،
بحر من الأعشاب المتشابكة،
بحر بمد و جزر من الطيور
بحر بأمواج من الحيوانات الخفية.
لقد وصلت إلى ها هنا قاطعة الجسر الذي يربط العالم المخيف
ببيتك،
هذا المكان الموحش،
الموحش لأنه يسكن البحر،
مسكون كما البحر.
***
في كل تحضر الخيانة ما دام كل شيء على قيد الحياة...
مثلا، ذاك الذي إن كان يبدو من ها هنا كالظل،
إلى أين سيتوجه بعد استيقاظه؟
سينقض كالوحش إذ أمر بمحاذاته،
عندما سيجيب هائجا وقع خطاي.
على هذا المنوال أرى كل شيء.
***
الخيانة منبثة في كل سواء بسواء
...كانت الطريق، يا ذئب،
السبيل الذي حملني إليك...
***
أنصت إلى صوتي الرقيق، القريب جدا،
لقد وصلت إلى ها هنا.
اختر من بين ما جلبت
ما يمكن أن يحلو لك.
لا تستطيع رؤيته،
على ابتذاله
ما دمت تائها في الدغل الذي تسكنه.
***
أنا ها هنا لأهديك جيدي،
جيد العذراء الرقيق،
قطعة لحم شاحبة ورقيقة، رقيقة جدا،
خذها، خذها.
***
! عجل بهجومك
ستتلذذ بالوليمة؟
(لا أستطيع، و حتى أني لا أعرف أين المفر،
و لست أعلم إن كنت ستنظر إلى عيني
عندما تنشب في أنيابك).
***
إذ أعتبر نفسي فريسة
و أنا مقتنعة بأن لا عظمة أجل من عظمة
جيد عذراء تستسلم لك،
و لا طيبوبة أسمى من تلك المنبثة في
هجومك العاطفي المؤلم، البطيء،
المتطاول و العنيف،
أغلق هذه الرسالة.
المخلصة لك،
كارمن.
*القصيدة في الأصل الإسباني:
Carta al Lobo
Querido Lobo:
Llego aquí después de cruzar el mar abierto del bosque,
el mar vegetal que habitas,
el abierto de ira en la oscuridad y en la luz que lo cruza a
hurtadillas,
en su densa, inhabitable noche de aullidos que impera
incluso de día o en el silencio,
mar de resmas de hojas
que caen y caen y crecen y brotan, todo al mismo tiempo,
de yerbas entrelazadas,
de mareas de pájaros,
de oleadas de animales ocultos.
Llegué aquí cruzando el puente que une al mundo temeroso
con tu casa,
este lugar inhóspito,
inhóspito porque está la mar de habitado,
habitado como el mar.
En todo hay traición porque todo está vivo...
Por ejemplo, aquello, si desde aquí parece una sombra,
¿hacia dónde caminará cuando despierte?
Como fiera atacará cuando pase junto a él,
cuando furioso conteste al sonido de mis pasos.
Así todo lo que veo.
En todo hay traición
...era el camino, lobo,
la ruta que me lleva a ti...
Escucha mi delgada voz, tan cerca.
Ya estoy aquí.
Escoge de lo que traje
lo que te plazca.
Casi no puedes mirarlo,
insignificante como es,
perdido en la espesura que habitas.
Estoy aquí para ofrecerte mi cuello,
mi frágil cuello de virgen,
un trozo pálido de carne con poco, muy poco que roerle,
tenlo, tenlo.
¡Apresura tu ataque!
¿Te deleitarás con el banquete?
(No puedo, no tengo hacia dónde escapar
y no sé si al clavarme los dientes
me mirarás a los ojos).
Reconociéndome presa
y convencida de que no hay mayor grandeza que la del
cuello de virgen entregándose a ti,
ni mayor bondad que aquella inscrita en tu doloroso,
lento,
interminable
y cruel
amoroso ataque,
cierro esta carta.
Sinceramente tuya,
Carmen.
*كاتبة و روائية و شاعرة مكسيكية معروفة مزدادة سنة 1954. هي كذلك أستاذة جامعية زائرة بالعديد من الجامعات العالمية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقدت أمها في سن الرابعة عشر مما أثر في حياتها كثيرا و عبرت عنه في بعض من أشعارها. تنتمي إلى جيل بدون اسم تجمع حول "ورشة مارتين بيسكادور" إلى جانب كل من روبيرتو بولانيو و بيرونيكا بولكو و غيرهما. لها العديد من الأعمال الروائية و الشعرية. و قد كانت الصديقة المكسيكية العزيزة مونيكا لوخامبيو السبب في اكتشافنا لهذه الشاعرة المكسيكية المتميزة و ذلك إثر دردشة حول الشعر النسائي المكسيكي المعاصر؛ فألف شكر لهذه الأستاذة الذواقة و المتواضعة. أخيرا، هذه قصيدة غزلية رغم أن الغزل في شعرنا العربي معهود من الرجل إلى المرأة، و هو هنا غزل رفيع و مكتنز بالرموز التي اتكأت عليها هذه الذات الشاعرة الأنثوية النقية و التقية والأنيقة و الرقيقة التي تمنح الحب و الإحساس و السعادة دون انتظار مقابل في عالم بات أنه أناني حد الإفراط. في الحقيقة، المرأة صانعة الحضارة، و المرأة حياة تمشي على رجلين. إن فعل المرأة مع الذئب في هذه القصيدة شبيه بفعل "شمسة" المرأة المغناج مروضة بربرية أنكيدو و مؤنسنة دفقاته الغريزية في ملحمة "جلجامش" السومرية. ما أروع المرأة الحبيبة و الأم و الأخت و الصديقة!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
رسالة إلى الذئب
نظم: كارمن بويوصا*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء – المغرب.
وصلت إلى ها هنا بعد أن عبرت بحر الغابة الواسع،
البحر النباتي الذي تسكنه،
ذاك البحر الواسع من الحنق بالليل و النهار، الذي تعبره
خلسة،
في ليله البهيم و القفر الطافح بالعواء،
الممتد حتى في النهار أو في السكون،
بحر من رزمات من أوراق الشجر
التي تتساقط و تتساقط، تنمو و تبرعم، كل شيء في ذات الآن،
بحر من الأعشاب المتشابكة،
بحر بمد و جزر من الطيور
بحر بأمواج من الحيوانات الخفية.
لقد وصلت إلى ها هنا قاطعة الجسر الذي يربط العالم المخيف
ببيتك،
هذا المكان الموحش،
الموحش لأنه يسكن البحر،
مسكون كما البحر.
***
في كل تحضر الخيانة ما دام كل شيء على قيد الحياة...
مثلا، ذاك الذي إن كان يبدو من ها هنا كالظل،
إلى أين سيتوجه بعد استيقاظه؟
سينقض كالوحش إذ أمر بمحاذاته،
عندما سيجيب هائجا وقع خطاي.
على هذا المنوال أرى كل شيء.
***
الخيانة منبثة في كل سواء بسواء
...كانت الطريق، يا ذئب،
السبيل الذي حملني إليك...
***
أنصت إلى صوتي الرقيق، القريب جدا،
لقد وصلت إلى ها هنا.
اختر من بين ما جلبت
ما يمكن أن يحلو لك.
لا تستطيع رؤيته،
على ابتذاله
ما دمت تائها في الدغل الذي تسكنه.
***
أنا ها هنا لأهديك جيدي،
جيد العذراء الرقيق،
قطعة لحم شاحبة ورقيقة، رقيقة جدا،
خذها، خذها.
***
! عجل بهجومك
ستتلذذ بالوليمة؟
(لا أستطيع، و حتى أني لا أعرف أين المفر،
و لست أعلم إن كنت ستنظر إلى عيني
عندما تنشب في أنيابك).
***
إذ أعتبر نفسي فريسة
و أنا مقتنعة بأن لا عظمة أجل من عظمة
جيد عذراء تستسلم لك،
و لا طيبوبة أسمى من تلك المنبثة في
هجومك العاطفي المؤلم، البطيء،
المتطاول و العنيف،
أغلق هذه الرسالة.
المخلصة لك،
كارمن.
*القصيدة في الأصل الإسباني:
Carta al Lobo
Querido Lobo:
Llego aquí después de cruzar el mar abierto del bosque,
el mar vegetal que habitas,
el abierto de ira en la oscuridad y en la luz que lo cruza a
hurtadillas,
en su densa, inhabitable noche de aullidos que impera
incluso de día o en el silencio,
mar de resmas de hojas
que caen y caen y crecen y brotan, todo al mismo tiempo,
de yerbas entrelazadas,
de mareas de pájaros,
de oleadas de animales ocultos.
Llegué aquí cruzando el puente que une al mundo temeroso
con tu casa,
este lugar inhóspito,
inhóspito porque está la mar de habitado,
habitado como el mar.
En todo hay traición porque todo está vivo...
Por ejemplo, aquello, si desde aquí parece una sombra,
¿hacia dónde caminará cuando despierte?
Como fiera atacará cuando pase junto a él,
cuando furioso conteste al sonido de mis pasos.
Así todo lo que veo.
En todo hay traición
...era el camino, lobo,
la ruta que me lleva a ti...
Escucha mi delgada voz, tan cerca.
Ya estoy aquí.
Escoge de lo que traje
lo que te plazca.
Casi no puedes mirarlo,
insignificante como es,
perdido en la espesura que habitas.
Estoy aquí para ofrecerte mi cuello,
mi frágil cuello de virgen,
un trozo pálido de carne con poco, muy poco que roerle,
tenlo, tenlo.
¡Apresura tu ataque!
¿Te deleitarás con el banquete?
(No puedo, no tengo hacia dónde escapar
y no sé si al clavarme los dientes
me mirarás a los ojos).
Reconociéndome presa
y convencida de que no hay mayor grandeza que la del
cuello de virgen entregándose a ti,
ni mayor bondad que aquella inscrita en tu doloroso,
lento,
interminable
y cruel
amoroso ataque,
cierro esta carta.
Sinceramente tuya,
Carmen.
*كاتبة و روائية و شاعرة مكسيكية معروفة مزدادة سنة 1954. هي كذلك أستاذة جامعية زائرة بالعديد من الجامعات العالمية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقدت أمها في سن الرابعة عشر مما أثر في حياتها كثيرا و عبرت عنه في بعض من أشعارها. تنتمي إلى جيل بدون اسم تجمع حول "ورشة مارتين بيسكادور" إلى جانب كل من روبيرتو بولانيو و بيرونيكا بولكو و غيرهما. لها العديد من الأعمال الروائية و الشعرية. و قد كانت الصديقة المكسيكية العزيزة مونيكا لوخامبيو السبب في اكتشافنا لهذه الشاعرة المكسيكية المتميزة و ذلك إثر دردشة حول الشعر النسائي المكسيكي المعاصر؛ فألف شكر لهذه الأستاذة الذواقة و المتواضعة. أخيرا، هذه قصيدة غزلية رغم أن الغزل في شعرنا العربي معهود من الرجل إلى المرأة، و هو هنا غزل رفيع و مكتنز بالرموز التي اتكأت عليها هذه الذات الشاعرة الأنثوية النقية و التقية والأنيقة و الرقيقة التي تمنح الحب و الإحساس و السعادة دون انتظار مقابل في عالم بات أنه أناني حد الإفراط. في الحقيقة، المرأة صانعة الحضارة، و المرأة حياة تمشي على رجلين. إن فعل المرأة مع الذئب في هذه القصيدة شبيه بفعل "شمسة" المرأة المغناج مروضة بربرية أنكيدو و مؤنسنة دفقاته الغريزية في ملحمة "جلجامش" السومرية. ما أروع المرأة الحبيبة و الأم و الأخت و الصديقة!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
رسالة إلى الذئب
نظم: كارمن بويوصا*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء – المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق