لمّا توفيّ والدي عرفت لأوّل مرّة قسوة الألم ومعنى الحزن...وشعرت بأنّ الدّنيا انتهت ..و أنّني أعيش كابوسا مخيفا
خلته لا ينتهي أبدا ...وانتابتني مشاعر كلّها تفضي للعذاب والتّعاسة ... ولكنّي هربت من هذا العالم القاتم الّذي وجدتّ فيه نفسي بدون إرادتي لأرتمي في حضن حبّ أمّي ...وشعرت بحبّي نحو أمّي صار أكبر ... وصرت أخاف كثيرا عليها .... فأنا بعد أمّي سأكون وحيدة بكلّ مقاييس
الوحدة الموحشة ..... فكنت أتوسّل لله أن تبق أمّي معي .. لكنّ أمّي الّتي وعدت والدي بأن تلتحق به وبأقصى سرعة كانت منشغلة بذكرى والدي..
توقّفت أمّي عن الضّحك والمزاح ...وقليلا ما كانت تتناول النّزر القليل من الطّعام ..ولزمت البيت ولم تعد تزور أحدا من الأقارب ...وحتّى لمّا تستقبلهم أراها معهم وسط الغياب فهي نادرا ما تتكلّم وقليلا ما تتفاعل مع من حولها ... وصارت تحبّذ العزلة ..وما عادت تلبس من الثّياب إلّا ما كان لونه قاتما وأهملت ملابسها الجميلة ذات الألوان الزّاهية.... لقد زهدت أمّي في الحياة بكلّ ما فيها ...
كنت أجد نفسي مجبرة على الصّمت في محراب حزنها المقدّس ... كنت أعذرها فوالدي جدير بهذا الحبّ الّذي تحمله له أمّي ... لقد كان الرّجل الّلطيف الوسيم وقد غمرها بعطفه وحبّه وكرمه.. كان رحمه الله يتقن فنّ الحياة ..كان يعرف كيف يرسم الابتسامة على وجه أمّي وهي في أشدّ حالات غضبها أو حزنها ...كان يصنع لها جنّة وسط الحياة ...كان يعرف كيف يسعدنا جميعا .. وكم كنت أسمعها تقول له :" أنا يتيمة الأبوين لكنّك أنت حبيبي وزوجي وأبي وأمّي وأخي وكلّ الناس " ....كنت أسمع أمّي تكرّر هذا القول وكنت صغيرة لا أفهم معناه.... لكنّي كنت أحسّ أنّها تقول هذا لأنّ أبي عظيم ولأنّه أحسن رجل ....و لمّا كبرت أدركت جيّدا معنى كلام أمّي وعرفت أنّه الحبّ ومن لا يعرف حبّ أمّي لأبي وحبّه لها ؟ وكم تمنّيت أن أتزوّج رجلا مثل أبي ولم تكن هذه الأمنية بأقلّ من أمنيتي بأن أتزوّج نبيّا
ولأنّ أبي على هذه الصّورة البشريّة الجميلة فأمّي لم تستطع أن تتقبّل موته.. وكانت رغبتها صادقة في الّلحاق به .....كم كنت أرجوها أن تتوقّف عن هذا الحزن .. وأذكر لها أنّ الحزن قاتل .. فتخرج عن صمتها لتقول : "وإنّي أريد الّلحاق به " .. فأقول لها محاولة تخويفها من نتيجة الحزن : " إنّ الحزن سيجعل عزيزا آخر يتوفّى" .. فتقول لي في يقين شديد : " بل أنا الّتي سأموت " .......
أصيبت أمّي بالكآبة وانهار جسدها تحت وطأة الأمراض المختلفة والخطيرة .. وكلّما فحصها طبيب يقول إنّها رافضة للدّواء والشّفاء بسبب الحزن ..كنت مدركة لما تعانيه أمّي من فراق والدي ومتأكّدة من أنّ الأمر يخرج عن إرادتها فهي قد جعلت منه كلّ حياتها فلمّا رحل لم تجد أمّي ما تعيش من أجله ورفضت روحها حياة ليس فيها توأم روحها ............وبعد رحلة عذاب شديد مع الأمراض وبعد عامين وتسعة أشهر
رحلت أمّي إلى والدي.. إنّها رحلة الحبّ والإخلاص
لقد حقّقت أمّي أجمل الأمنياتِ حين التحقت بحبيب عمرها لمّا أيقنت أنّه أجمل من الحياةِ
وبقيت أنا ما بين الذّكرياتِ
أخترع وجودها بالكلماتِ
أشتاق إليها أدعوها في الأحلام
أسالها ... وأمّي لا تردّ الكلام
لأنّ ما بيني وبين أمّي أكبر من الكلام
صفاقس
تونس
خلته لا ينتهي أبدا ...وانتابتني مشاعر كلّها تفضي للعذاب والتّعاسة ... ولكنّي هربت من هذا العالم القاتم الّذي وجدتّ فيه نفسي بدون إرادتي لأرتمي في حضن حبّ أمّي ...وشعرت بحبّي نحو أمّي صار أكبر ... وصرت أخاف كثيرا عليها .... فأنا بعد أمّي سأكون وحيدة بكلّ مقاييس
الوحدة الموحشة ..... فكنت أتوسّل لله أن تبق أمّي معي .. لكنّ أمّي الّتي وعدت والدي بأن تلتحق به وبأقصى سرعة كانت منشغلة بذكرى والدي..
توقّفت أمّي عن الضّحك والمزاح ...وقليلا ما كانت تتناول النّزر القليل من الطّعام ..ولزمت البيت ولم تعد تزور أحدا من الأقارب ...وحتّى لمّا تستقبلهم أراها معهم وسط الغياب فهي نادرا ما تتكلّم وقليلا ما تتفاعل مع من حولها ... وصارت تحبّذ العزلة ..وما عادت تلبس من الثّياب إلّا ما كان لونه قاتما وأهملت ملابسها الجميلة ذات الألوان الزّاهية.... لقد زهدت أمّي في الحياة بكلّ ما فيها ...
كنت أجد نفسي مجبرة على الصّمت في محراب حزنها المقدّس ... كنت أعذرها فوالدي جدير بهذا الحبّ الّذي تحمله له أمّي ... لقد كان الرّجل الّلطيف الوسيم وقد غمرها بعطفه وحبّه وكرمه.. كان رحمه الله يتقن فنّ الحياة ..كان يعرف كيف يرسم الابتسامة على وجه أمّي وهي في أشدّ حالات غضبها أو حزنها ...كان يصنع لها جنّة وسط الحياة ...كان يعرف كيف يسعدنا جميعا .. وكم كنت أسمعها تقول له :" أنا يتيمة الأبوين لكنّك أنت حبيبي وزوجي وأبي وأمّي وأخي وكلّ الناس " ....كنت أسمع أمّي تكرّر هذا القول وكنت صغيرة لا أفهم معناه.... لكنّي كنت أحسّ أنّها تقول هذا لأنّ أبي عظيم ولأنّه أحسن رجل ....و لمّا كبرت أدركت جيّدا معنى كلام أمّي وعرفت أنّه الحبّ ومن لا يعرف حبّ أمّي لأبي وحبّه لها ؟ وكم تمنّيت أن أتزوّج رجلا مثل أبي ولم تكن هذه الأمنية بأقلّ من أمنيتي بأن أتزوّج نبيّا
ولأنّ أبي على هذه الصّورة البشريّة الجميلة فأمّي لم تستطع أن تتقبّل موته.. وكانت رغبتها صادقة في الّلحاق به .....كم كنت أرجوها أن تتوقّف عن هذا الحزن .. وأذكر لها أنّ الحزن قاتل .. فتخرج عن صمتها لتقول : "وإنّي أريد الّلحاق به " .. فأقول لها محاولة تخويفها من نتيجة الحزن : " إنّ الحزن سيجعل عزيزا آخر يتوفّى" .. فتقول لي في يقين شديد : " بل أنا الّتي سأموت " .......
أصيبت أمّي بالكآبة وانهار جسدها تحت وطأة الأمراض المختلفة والخطيرة .. وكلّما فحصها طبيب يقول إنّها رافضة للدّواء والشّفاء بسبب الحزن ..كنت مدركة لما تعانيه أمّي من فراق والدي ومتأكّدة من أنّ الأمر يخرج عن إرادتها فهي قد جعلت منه كلّ حياتها فلمّا رحل لم تجد أمّي ما تعيش من أجله ورفضت روحها حياة ليس فيها توأم روحها ............وبعد رحلة عذاب شديد مع الأمراض وبعد عامين وتسعة أشهر
رحلت أمّي إلى والدي.. إنّها رحلة الحبّ والإخلاص
لقد حقّقت أمّي أجمل الأمنياتِ حين التحقت بحبيب عمرها لمّا أيقنت أنّه أجمل من الحياةِ
وبقيت أنا ما بين الذّكرياتِ
أخترع وجودها بالكلماتِ
أشتاق إليها أدعوها في الأحلام
أسالها ... وأمّي لا تردّ الكلام
لأنّ ما بيني وبين أمّي أكبر من الكلام
صفاقس
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق