⏪تجربة قصصية وداد معروف خاصة وتؤكدها بأربع مجموعات قصصية ، ومجموعتي : (لكنني أنثى) و (همس الملائكة) أنموذج عنها
⏪⏬
,,لقد لفتت انتباهي المبدعة وداد معروف ، لتجربتها القصصية الخاصة بها من خلال ما تنشره من نصوص قصصية على صفحة موقع نادي القصة السعودي بـ(الفيس بوك) ، وتوصلت لهذه التجربة الخاصة بعد أن دعتني لحفلة تدشين مجموعتها القصصية الرابعة : (همس الملائكة) ، في مركز (مؤسسة بنت الحجاز الثقافي) ، بالقاهرة أواخر عام 2018م ، وأهدتني خلالها : (ريشة من جناح العشق / كارت شحن / لكنني أنثى / همس الملائكة) ، المجموعات القصصية الأربع التي أصدرتها من عام 2014م إلى عام 2018م ، ووجدت أنها تستخدم تجربتها الكتابية الخاصة في أغلب نصوصها القصصية.,,
*أحمد إسماعيل زينلقد أخترت المجموعتان القصصية : (لكنني أنثى) عام 2017م ، و (همس الملائكة) عام 2018م ، كأنموذج لهذه القراءة الموضحة لتجربة / وداد معروف ، لكونهما المجموعتان القصصية الثالثة والرابعة الاخيريتان التي أصدرتهما وفيهما تضح نضج التجربة الخاصة.
احتوت مجموعة (لكنني أنثى) على 17 نص للقصة القصيرة وختمت بـ7 نصوص للقصة القصيرة جداً ، واحتوت مجموعة (همس الملائكة) على 22 نص للقصة القصيرة ، طغى عليهما وعلى جميع قصص / وداد ، الهمّ الأنثوي الخالص دون تكرار للأفكار المقدمة من خلال النصوص القصصية ، ولم يحضر الهمّ الذكوري غير في عدد محدود من النصوص ، وهذا ليس عيباً كون الكاتبة أنثى ، ولكنه كان سيكون ميزة للمؤلف تضاف إلى مخزونه الكتابي.
تنوعت البيئة المكانية الحاوية للأحداث المروية بين الحاضر والماضي ، وتوزعت على القرية والمدينة والحيّ والشارع والبيت والمؤسسة ومدن الاغتراب وحتى الفضاء الإلكتروني ، وأمتد الزمان عليها بظلاله من الطفولة إلى عصرنا الحالي المعاش بكل وسائله الحديثة.
أما التجربة الكتابية الخاصة لـ/ وداد ، فسوف أقدمها هنا من خلال أربعة نصوص قصصية من المجموعتين القصصية الثالثة والرابعة بواقع نصين من مجموعة (لكنني أنثى) ، ونصين من مجموعة (همس الملائكة) ، ومن خلالها أوضح هذه التجربة الكتابية الخاصة التي تستفتح بها نص :
الرسالة التاسعة بعد الألف الثانية
(1) بـ : (هذه هي رسالتي التاسعة بعد الألف الثانية التي أرسلها لك ، لكني لا أدري أهي المائة الخامسة أم السادسة التي أقسم فيها أني لن أرسل لك ، ثم أحنث في قسمي ثانية ،
أصحبت الكتابة لك نوعاً من الإدمان ، فكلما مررت بخاطري “كلما !” كيف كلما ؟ أنت بخاطري دائماً ، تحيا معي حتى في مطبخي ، فهذه الأطعمة الشهية وأنا أعدها بمهارتي العالية أتخيّلك وأنت تأكلها وأسمعك وأنت تقول لي : سلمت يداك ، وحين تعلق لي على صورها التي أرسلها لك فتكتب : يوماً ما سأكلها من يدك.. تغمرني السعادة ويضيء لها وجهي)
2 . وتستمر على هذا السياق السردي حتى تصل إلى منتصف النص القصصي تجدها تنقلك دون شعور أو إحساس بتعتعة إلى سياق سردي آخر بـ : (نامت ، وعند الفجر أيقظتها رنة رسالته ، مسحت بيدها أثر النوم عن عينيها ، لتسطيع أن تقرأ ، بدأت الكلمات على شاشة الهاتف تتضح شيئاً فشيئا : “وصلت تواً مطار القاهرة ، لم أخبر أحداً سواك”)
3 . وتواصل بهذا السياق حتى تصل إلى قفلة النص بـ : (ارتعشت يداها وارتجف قلبها وبصوت مرتعش مخنوق بالبكاء قالت : فارس أخيراً ، أين أنت ؟ متى ألقاك ؟ تعبت من الشوق لك.. وجاء صوته هادئاً رزيناً : سامحيني حبيبتي… لم يتسع وقتي لمقابلتك ، أغادر الآن مطار القاهرة ، تتعوض إن شاء الله.)
4 . وفي نص : إلا بضاعة الحاج حسين.
5. تفتتح القصة بـ : (على موعده الدائم “الخميس من كل أسبوع” تنتظره نساء قريتنا ، ضعيف البنية ، دقيق ملامح الوجه ، له صوت جهوري ، تتعجب حين تسمعه ، كيف لهذا الصوت أن يخرج من هذا البدن!).
6 ، وتسترسل في وصف شخصية (الحاج حسين) بأدق تفاصيلها الجسدية والترويجية حتى تصل إلى علاقته بأطفال القرية : (ما إن نسمع هذا النداء حتى نترك ما نحن فيه من لعبٍ لنصحب أمهاتنا في عملية المقايضة التي تتم في مثل هذا اليوم من كل أسبوع).
7 . تتوقف لتبدأ بداية سلسلة جديدة بـ : (حملت أمي البيض وأنا أمسك بجلبابها وتوجهت حيث يقف الحاج حسين على ناصية الشارع).
8 . دون توقف حتى تنهي حدث القصة بـ : (جلَسْتُ على سلم جارتنا ألتهم الحلاوة السمسمية وأنا أفكر : هل سيعطيني قرشاً في المرة القادمة أم أني أخذته مقدما ؟).
9 .أما في نص : (صاحب الصورة)
(10) تبدأ القاصة / وداد معروف ، القصة بـ : (فاجأها بطلبه الغريب ، سألت نفسها طويلاً بعدما سألته : لماذا أنا بالذات التي اخترتها لتلك المهمة الغاية في السرية والخصوصية؟ وهل يستودع أحدٌ سراً كهذا لمجرد ملامح الطيبة والبراءة ؟!. استبعدت دافع الحب تماماً بعدما أخبرها حينما سألته : لمَ لمْ تتزوج بعد وفاة زوجتك؟ فحيرتها إجابته : انتهى حظي من الدنيا بعدما انتهت صلاحيتي لهذا الأمر !).
11 . وبعدها تنتقل بالقارئ مباشرة إلى : (العلاقة بيننا مختلفة تماماً… بدأت عابرة… سلام وسؤال من جانبه ، وإجابات مقتضبة جداً من جانبي .)
12 . وتسير به ـ بالقارئ ـ بنفس الوتيرة إلى نهاية القصة بـ : (وجاء لزيارتي فجلسنا نتقاسم الحزن ونذرف الدموع وقام ليودعني وهو يقول : سأنفذ معك كل ما جاء في وصية أبي إلا الجزء الخاص بي في ماله ، سأوقفه على مرضى الكبد ، فهذا الذي يستحق أن تذهب إليه أموال هذا الرجل العظيم ، فهذا المرض هو من حرمنا من روحه الملائكية).
13 .وفي نص : حلم منتهي الصلاحية
(14) تبدأ القصة بـ : (رتبنا المقاعد في السيارة وتٌرموس الشاي وبعض الكيك . حملتُ معه حلمي في رحلتنا الدورية من خميس كل أسبوع إلى البحر ، ومع نسمات وبعد أن أخذت الشمس لونها الأرجواني وهدأ الشاطئُ بمغادرة الكثير من المصطافين ، طاب لي أن أفرج عن هذا الحلم الذي يلحَ عليَّ منذُ صباي وحتى هذه السن المتأخرة .)
15 . وتسير بالحدث بخط متوازي على هيئة حوار بين بطلة القصة الذي تقمصته بالنص وصديقتها المقربة لها ـ (يُسرا) ـ عن حلم يتكرر معها إلى أن تصل لنهاية القصة تختمها بـ : (عند هذا الحد من الحوار قامت مُنيرة ، حاملة مقعدها ومضت إلى السيارة ، وخلفها يُسرا تُسرع الخطى وهي تهتف : مُنيرة… لا تغضبي ، احلمي كما يحلو لك فليس على الأحلام ملام .)
ففي النص الأول المقدم أنموذج هنا نجد أنها بدأت القصة بصيغة الأنا وختمتها بصيغة الراوي عن الغير ، وفي النص الثاني بدأت القصة بالرواية عن الغير وختمتها بصيغة الأنا ، وكذلك فعلت بالنص الثالث والنص الرابع الأخير من النماذج المقدمة بتزاوج سلس ودون إخلال بقالب البناء الفني للقصة القصيرة.
وما دعاني للقول بأنها تجربة كتابية خاصة للقاصة / وداد معروف ، هو كما سبق وأسلفت أنها طريقة تستخدمها في أغلب نصوصها القصصية ، والتأكيد على ذلك نجده في استخدامها لهذه التجربة في عدد 12 قصة من مجموع 17 قصة قصيرة في المجموعة القصصية الثالثة ـ (مجموعة لكنني أنثى) ـ بينما استخدمت الطريقة السائدة في بقية النصوص القصصية الخمسة
(17) ، ولكنها في المجموعة الرابعة الأخيرة ـ (مجموعة همس الملائكة) ـ نجد أنها استخدمت تجربتها الخاصة في عدد 11 قصة من مجموع 21 قصة قصيرة ، وقدمت بقية نصوص المجموعة العشرة بأسلوب الأنا والرواية عن الغير المعتاد السائد في البناء الفني لقالب كتابة القصة القصيرة.
وهذا ما لفت انتباهي في تجربة القاصة / وداد معروف(18) ، وجعلني أجزم بأن لها تجربة كتابية خاصة بها في كتابة القصة القصيرة ، وتستحق التناول الموسع من ذوي الاختصاص.
* كاتب وقاص سعودي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق