⏪ .. زارني بصحبة ( عمر ) مرات متتالية ، حاول
أن يتقرب مني ، دفع عني في المقهى ، امتدح
كتاباتي ، تغزل بشكلي ، قدم لي العديد من لفافاته ،
ومع ذلك لم أزره ، رغم دعواته الحارة والمستمرة .
عانيت كثيرا حتى حفظت أسمه ، أطلعت
( عمر ) على حقيقة موقفي منه ، فعارضني وأكد
بأن ( صهيب ) إنسان طيب ، فهو رفيق طفولته ،
وصفته بثقل الدم ، خالفني ( عمر ) بشدة ، قلت في
حزم :
ـ إنه لم يرق لي .
اتهمني ( عمر ) بالتكبر ، تساءلت عن سبب
نفوري منه ، لم أعثر على جواب .. قال ( عمر ) :
ـ هل تعلم .. هناك تشابه بينكما ؟!.. وضحك .
طار صوابي ، قلت منزعجا :
ـ لو تأكدت من أنه يشبهني ، لانتحرت .
ضحك ، وعاد ليتهمني بالغرور .
لست مغرورا ، بدليل أني أصادق من هم
أدنى مستوى من ـ صهيب - .
اتهمت نفسي بالغيرة منه ، فهو يقاسمني
صداقة ( عمر ) ،لكن ( عمر ) يملك أصدقاء عديدين
غيره ، فلماذا أكره ( صهيب ) وحده ؟!.
كنت أهتاج من لطفه معي ، من إبتسامته كلما
التقت نظراتنا ، وأكثر ما كان يغيظني اعتناقه
لمبدئي ، وإعجابه بكل ما يعجبني ، وصلت إلى رأي
قاطع :
ـ ( صهيب ) ، مجامل ومتملق .
لم يوافق ( عمر ) بالطبع .
قررت أن أتحاشاه ، لذلك طلبت من ( عمر ) أن
لا يزورني برفقته ، وأن لا يصطحبه إلى المقهى .
اشتعلت حنقا حين اكتشفت أن لقاءاتي
( بعمر ) قد تباعدت ، فأدركت أنه يفضله عليّ ، وأنا
أحب ( عمر ) ولا أستغني عنه ، عزمت على
معاتبته ، لكنه عند لقائنا ، رفع إصبعه بوجهي :
ـ أنت السبب يا ( محمود ) . هتفت
مستغربا :
ـ أنا ...؟؟؟!!!
ـ ألم تطلب إبعاد ( صهيب ) عنك ؟ .
ـ لكني لم أقل إبتعد أنت معه .
رد بصوت حاسم :
ـ ( صهيب ) أيضا صديقي .
تضاعف كرهي له ، فكرت أن أضع ( عمر ) بين
خيارين ، لكني تراجعت ، خشيت من ردة فعله ،
فماذا لو أنه اختار ( صهيب ) .
قلت بتودد :
ـ عندما تعارفنا .. لم يكن ( صهيب ) بيننا .
قاطعني :
ـ أنت تعرف أنه كان مسافرا .
تجاهلت حنيني ( لعمر ) ، حاولت أن أنصرف إلى
غيره من الأصدقاء .
إسبوع مضى وأنا أرقب طلّته على المقهى ،
أنتظر قدومه إلى بيتي ، وعندما تمددت فوق
سريري ، وجدتني أفكر بزيارته .
صدمت بوجود ( صهيب ) ، الذي رحب بي
بفتور ، تأكدت أن ( عمر ) قد أطلعه على حقيقة
موقفي منه ، فأرجأت عتبي . لم أكن مرتاحا لتغير
موقف ( صهيب ) مني ، فسألته عن أحواله
وأخباره ، ولأول مرة طلبت منه أن يلاعبني
الشطرنج .
أحسست بسعادة غامرة ، حين وجدته يعود
إلى عفويته معي ، ويعاملني كما كان في السابق .
تعمدت إنهاء السهرة ، لحظة أراد ( صهيب ) وداعنا ،
خرجت برفقته ، سرنا طويلا ، تحدثنا ، وعند بيته
دعاني للدخول ، قلت :
ـ رغم تأخر الوقت ، سأدخل وأشرب القهوة
عندك .
احتفى بي لدرجة أني خجلت من نفسي ،
أحسست نحوه ببعض المودة والإحترام ، قدم لي
ابنته البكر ، قبلتها .. وداعبتها قليلا ، ثم عرفني
على زوجته ، رحبت بي ، وطلبت أن تتعرف إلى
زوجتي ، لأن زوجة ( عمر ) حدثتها عنها كثيرا .
وقبل أن أنصرف ، اتفقنا على موعد لزيارة
عائلية .
نشبت صداقة قوية ، بين زوجتي وزوجته ، نجتمع
نحن الثلاثة ، في غرفة ، بينما تجتمع زوجاتنا ، في
غرفة أخرى .
خلسة ، أخذ ( عمر ) يعلق ويطلق نكاته ،
يذكرني بمواقفي السابقة ، من ( صهيب ) ، قلت
ضاحكا :
ـ سبحان مغير الأحوال .
بعد فترة برزت أمامي مشكلة ، زوجتي
الحامل ، تحتاج إلى عملية قيصرية ، أسعفتها ،
واتّصلت ( بصهيب ) ، سعدت كثيرا إذ وجدته يهرع
لنجدتي ، قائلا :
ـ اطلب من النقود ما تشاء .
كنت مسرورا لتجاوز الأزمة ، بمعونة
( صهيب ) ، فقضيت سحابة يومي في بيتي ،
ومخيلتي ترسم لي سعادة وردية ، بقدوم طفلنا
الرضيع ، غفوت على عطرها ، بعد يوم شاق .
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ،
عندما تنبهت إلى صراخ زوجتي :
ـ ( محمود ) .. انهض ، هناك من يطرق الباب .
قمت بتثاقل ، كان ( صهيب ) واقفا ، يحدق
إليّ ، اعتقدت أنه جاء بغية الإطمئنان ، على وضع
ربة بيتي ، شعرت نحوه بالإمتنان .. واعتراني ندم
شديد على مواقفي السابقة منه ، افترت شفتايّ عن
إبتسامة ، لم تكد لتستقر ، حتى استلّتها عبارته
الصارخة :
ـ أهكذا زوجتك يا ( محمود ) ؟!.. تدخل بيتنا
لتسيء إليه .!
شدهني كلامه هذا ، جمدني ، طير النوم من عينيّ :
ـ خير إن شاء الله !!!.. مابها زوجتي ؟!؟! .
رد بانزعاج :
ـ تصف زوجتي بالبرودة ، وثقل الدم !!!.
اغتصبت إبتسامة باهتة ، عساني أعيده إلى توازنه :
ـ من قال لكم .. هذا الكلام الفارغ ؟!؟!.
أجاب .. وكله يرتعش :
ـ ( صباح ) .. زوجة ( عمر ) .
همست معاتبا :
ـ أجئتني الآن .. من أجل هذا القول التافه ؟!.
صاح كمن فقد رشده :
ـ أنا أريد نقودي ... لأنكم تتنكرون للمعروف .
دارت بي الأرض ، دلق إبريق من الماء المثلج
على ظهري ، قلت وحنجرتي تكاد تنفجر :
ـ حاضر يا ( صهيب ) .. غدا أدبر لك المبلغ .
صرخ وكأن عقربا لدغته :
ـ أنا لست مستعدا للإنتظار ، طالما زوجتك
تكلمت عن ( غادة ) .
فار الدم في عروقي ، تذكرت نفوري منه ، الآن فقط
عرفت السبب ، احتقرت نفسي ، لأني رضخت
( لعمر ) ، ووطدت علاقتي به ، حقدت على ظروفي
التي جعلتني احتاجه :
ـ هل أقرضتني النقود ، حتى تذلني ؟!.
زعق بوجهي ، وكأنه يريد أن يوقظ سكان الحارة :
ـ أنا منذ البداية ، قلت ( لعمر ) ، إنك لا تصلح
لي صديقا .
قهقهت أعماقي المتخمة بالقرف ، شعرت بازدراء
نحوه ، هتفت :
ـ الحمد لله إنها جاءت منك .. غدا أبعث لك
نقودك .
دس يده في جيب سترته ، أخرج ورقة :
ـ اذاَ ... وقع لي على هذا الإيصال .
امتدت يدي الراعشة ... وبدل أن تطال
الورقة ، طالت خده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*مصطفى الحاج حسين .
أن يتقرب مني ، دفع عني في المقهى ، امتدح
كتاباتي ، تغزل بشكلي ، قدم لي العديد من لفافاته ،
ومع ذلك لم أزره ، رغم دعواته الحارة والمستمرة .
عانيت كثيرا حتى حفظت أسمه ، أطلعت
( عمر ) على حقيقة موقفي منه ، فعارضني وأكد
بأن ( صهيب ) إنسان طيب ، فهو رفيق طفولته ،
وصفته بثقل الدم ، خالفني ( عمر ) بشدة ، قلت في
حزم :
ـ إنه لم يرق لي .
اتهمني ( عمر ) بالتكبر ، تساءلت عن سبب
نفوري منه ، لم أعثر على جواب .. قال ( عمر ) :
ـ هل تعلم .. هناك تشابه بينكما ؟!.. وضحك .
طار صوابي ، قلت منزعجا :
ـ لو تأكدت من أنه يشبهني ، لانتحرت .
ضحك ، وعاد ليتهمني بالغرور .
لست مغرورا ، بدليل أني أصادق من هم
أدنى مستوى من ـ صهيب - .
اتهمت نفسي بالغيرة منه ، فهو يقاسمني
صداقة ( عمر ) ،لكن ( عمر ) يملك أصدقاء عديدين
غيره ، فلماذا أكره ( صهيب ) وحده ؟!.
كنت أهتاج من لطفه معي ، من إبتسامته كلما
التقت نظراتنا ، وأكثر ما كان يغيظني اعتناقه
لمبدئي ، وإعجابه بكل ما يعجبني ، وصلت إلى رأي
قاطع :
ـ ( صهيب ) ، مجامل ومتملق .
لم يوافق ( عمر ) بالطبع .
قررت أن أتحاشاه ، لذلك طلبت من ( عمر ) أن
لا يزورني برفقته ، وأن لا يصطحبه إلى المقهى .
اشتعلت حنقا حين اكتشفت أن لقاءاتي
( بعمر ) قد تباعدت ، فأدركت أنه يفضله عليّ ، وأنا
أحب ( عمر ) ولا أستغني عنه ، عزمت على
معاتبته ، لكنه عند لقائنا ، رفع إصبعه بوجهي :
ـ أنت السبب يا ( محمود ) . هتفت
مستغربا :
ـ أنا ...؟؟؟!!!
ـ ألم تطلب إبعاد ( صهيب ) عنك ؟ .
ـ لكني لم أقل إبتعد أنت معه .
رد بصوت حاسم :
ـ ( صهيب ) أيضا صديقي .
تضاعف كرهي له ، فكرت أن أضع ( عمر ) بين
خيارين ، لكني تراجعت ، خشيت من ردة فعله ،
فماذا لو أنه اختار ( صهيب ) .
قلت بتودد :
ـ عندما تعارفنا .. لم يكن ( صهيب ) بيننا .
قاطعني :
ـ أنت تعرف أنه كان مسافرا .
تجاهلت حنيني ( لعمر ) ، حاولت أن أنصرف إلى
غيره من الأصدقاء .
إسبوع مضى وأنا أرقب طلّته على المقهى ،
أنتظر قدومه إلى بيتي ، وعندما تمددت فوق
سريري ، وجدتني أفكر بزيارته .
صدمت بوجود ( صهيب ) ، الذي رحب بي
بفتور ، تأكدت أن ( عمر ) قد أطلعه على حقيقة
موقفي منه ، فأرجأت عتبي . لم أكن مرتاحا لتغير
موقف ( صهيب ) مني ، فسألته عن أحواله
وأخباره ، ولأول مرة طلبت منه أن يلاعبني
الشطرنج .
أحسست بسعادة غامرة ، حين وجدته يعود
إلى عفويته معي ، ويعاملني كما كان في السابق .
تعمدت إنهاء السهرة ، لحظة أراد ( صهيب ) وداعنا ،
خرجت برفقته ، سرنا طويلا ، تحدثنا ، وعند بيته
دعاني للدخول ، قلت :
ـ رغم تأخر الوقت ، سأدخل وأشرب القهوة
عندك .
احتفى بي لدرجة أني خجلت من نفسي ،
أحسست نحوه ببعض المودة والإحترام ، قدم لي
ابنته البكر ، قبلتها .. وداعبتها قليلا ، ثم عرفني
على زوجته ، رحبت بي ، وطلبت أن تتعرف إلى
زوجتي ، لأن زوجة ( عمر ) حدثتها عنها كثيرا .
وقبل أن أنصرف ، اتفقنا على موعد لزيارة
عائلية .
نشبت صداقة قوية ، بين زوجتي وزوجته ، نجتمع
نحن الثلاثة ، في غرفة ، بينما تجتمع زوجاتنا ، في
غرفة أخرى .
خلسة ، أخذ ( عمر ) يعلق ويطلق نكاته ،
يذكرني بمواقفي السابقة ، من ( صهيب ) ، قلت
ضاحكا :
ـ سبحان مغير الأحوال .
بعد فترة برزت أمامي مشكلة ، زوجتي
الحامل ، تحتاج إلى عملية قيصرية ، أسعفتها ،
واتّصلت ( بصهيب ) ، سعدت كثيرا إذ وجدته يهرع
لنجدتي ، قائلا :
ـ اطلب من النقود ما تشاء .
كنت مسرورا لتجاوز الأزمة ، بمعونة
( صهيب ) ، فقضيت سحابة يومي في بيتي ،
ومخيلتي ترسم لي سعادة وردية ، بقدوم طفلنا
الرضيع ، غفوت على عطرها ، بعد يوم شاق .
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ،
عندما تنبهت إلى صراخ زوجتي :
ـ ( محمود ) .. انهض ، هناك من يطرق الباب .
قمت بتثاقل ، كان ( صهيب ) واقفا ، يحدق
إليّ ، اعتقدت أنه جاء بغية الإطمئنان ، على وضع
ربة بيتي ، شعرت نحوه بالإمتنان .. واعتراني ندم
شديد على مواقفي السابقة منه ، افترت شفتايّ عن
إبتسامة ، لم تكد لتستقر ، حتى استلّتها عبارته
الصارخة :
ـ أهكذا زوجتك يا ( محمود ) ؟!.. تدخل بيتنا
لتسيء إليه .!
شدهني كلامه هذا ، جمدني ، طير النوم من عينيّ :
ـ خير إن شاء الله !!!.. مابها زوجتي ؟!؟! .
رد بانزعاج :
ـ تصف زوجتي بالبرودة ، وثقل الدم !!!.
اغتصبت إبتسامة باهتة ، عساني أعيده إلى توازنه :
ـ من قال لكم .. هذا الكلام الفارغ ؟!؟!.
أجاب .. وكله يرتعش :
ـ ( صباح ) .. زوجة ( عمر ) .
همست معاتبا :
ـ أجئتني الآن .. من أجل هذا القول التافه ؟!.
صاح كمن فقد رشده :
ـ أنا أريد نقودي ... لأنكم تتنكرون للمعروف .
دارت بي الأرض ، دلق إبريق من الماء المثلج
على ظهري ، قلت وحنجرتي تكاد تنفجر :
ـ حاضر يا ( صهيب ) .. غدا أدبر لك المبلغ .
صرخ وكأن عقربا لدغته :
ـ أنا لست مستعدا للإنتظار ، طالما زوجتك
تكلمت عن ( غادة ) .
فار الدم في عروقي ، تذكرت نفوري منه ، الآن فقط
عرفت السبب ، احتقرت نفسي ، لأني رضخت
( لعمر ) ، ووطدت علاقتي به ، حقدت على ظروفي
التي جعلتني احتاجه :
ـ هل أقرضتني النقود ، حتى تذلني ؟!.
زعق بوجهي ، وكأنه يريد أن يوقظ سكان الحارة :
ـ أنا منذ البداية ، قلت ( لعمر ) ، إنك لا تصلح
لي صديقا .
قهقهت أعماقي المتخمة بالقرف ، شعرت بازدراء
نحوه ، هتفت :
ـ الحمد لله إنها جاءت منك .. غدا أبعث لك
نقودك .
دس يده في جيب سترته ، أخرج ورقة :
ـ اذاَ ... وقع لي على هذا الإيصال .
امتدت يدي الراعشة ... وبدل أن تطال
الورقة ، طالت خده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*مصطفى الحاج حسين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق