داخل عيادة الطبيب ، لاتستطيع مواجهة نظرات الناس الوقحة والصريحة المحدقة إلى صغيرها (المنغولى )، الذي يثير بملامحه الفريدة ، المميزة الدهشة السخرية التعليقات الهامسة وأحياناً المسموعة. تتحول النظرات لطعنة عميقة في قلبها المتضخم بحب هذا الصغير البريء من علته واختلافه عن بقية الأطفال.
تدحرج صغيرها من حجرها ومن بين ذراعيها المتصلبين أمام صدره، زحف على ساقيها ، حتى وصل للآراض .. أخذ يحبو وكانه يسبح داخل البحر..
ما أروعه هذا الصبى وما أروع ذكاؤه قالت في نفسها وهو ينظر اليها ببسمة المنتصر، بادلته البسمة بضحكة عريضة ونظرة تشجيع ... لقد أكمل الثالثة من عمره ولازال يحبو مثل الرضع ، يحاول المشى ، عظامه الضعيفة تخونه.. اتجه بخطوات متعثرة، لكأن مفاصله متخلعة صوب طفل صغير يماثله في العمر، وقف أمامه وهمهم بصوتٍ اجتهد أن يجعله كلمات لكنه كان أشبه "بالجعير".. فزع الطفل منه ، التجأ إلى حضن أمه صارخاً بجزع: ماما، ماما أبعدي هذا الولد الوحش عني.
طمأنت أم الطفل صغيرها قائلة وهي تربت على شعره: لاتخف، لاتخف، لن يؤذيك.وكأنها تتحدث عن حيوان أليف
قامت الأم ذات القلب المطعون بحربة منذ أربعة سنوات، تعيد صغيرها إلى أسر ذراعيها، تبتلع دموعاً تعوّدت طعمها المر وتتساءل في سرها : لماذا يرى الآخرون طفلها الجميل بكل ذلك القبح ؟؟ ما ابنها إلا ضحية أعينهم القبيحة، هذا ماتؤمن به. ولدته طبيعياً، سمعت صراخه الأليم وهم يفصلونه عنها، ضمته بحنان إلى صدرها وشعرت كيف تفجر الحب من صدرها كانفجار خزان كبير..
حذرها الطبيب من الحمل وهى في هذا العمر المتقدم.. لماذا ؟ لأننى ربما ألد طفل منغولى ؟؟ ماذا تعنى هذه الكلمة ؟ أعطاني الطبيب كتاب يشرح أخطار الحمل بسن متقدم ومن أهم أخطارها الطفل المنغولى..هل الطفل المنغولى خطر على المجتمع؟؟ أوقدنا أنا وزوجى بصفحات الكتاب نار الأصرار على الأنجاب...تزوجت وانا في الخامسة والأربعين ، كنت كما يقولون عانسا...لم يهبنى الله جمالا جسديا ، كنت بنظر كل عريس يراني ، قبيحة المنظر.. قضيت عمرى أعمل مدرسة بمدرسة ابتدائية.. رأيت تلاميذى ، اصبحوا رجال وسيدات وأنجبوا ..وانا كما أنا... وجهى للسبورة وظهرى للزمان...قابلت زوجى البالغ من العمر ستين عام ، أرمل وحيد ، تركه أولاده بعد زواجهم وهاجروا للخارج...كان وحيدا ، حزينا مثلى ، جمعنا القدر فأحسن لقاءنا.. أحب كل منا الآخر وقررنا أن يكون هناك ثمرة لهذا الحب بأى ثمن... لم يخطر لها يوماً أن تكون أماً لطفل مشوه، متخلف كما شخص له الأطباء. اللعنة على الأطباء. كم تكرههم...بل هم المتخلفون ، نحن لانشترى الأطفال كما الدمى نحن ننجب الأطفال بحب... تضم وليدها بحنان شديد إلى صدرها، كأنها تتمنى لو تعيده إلى رحمها، وتسكب على يديه دموعاً غزيرة وهي تبوح له وحده بأنها تحبه بجنون.. أجهدت نفسها هي وزوجها في تعليمه الكلام، رغم أن كل الأطباء نصحوهما أن لافائدة في جعله ينطق، لكنهما توصلا مع الأيام إلى جعله يهمهم، وكانا وحدها قادران على ترجمة تلك الهمهمة.. بل انهما يفرقان بين همهمة غضبة وفرحه ، دلعه واعيائه ، جوعه وشبعه..هذا الطفل ليس بالمتخلف ، المعتوه أو المجنون.. انه يعبر عن حبه لهما بكل وضوح وثقة ، ينادى على كل منهما بطريقة مختلفة ، أنه ذكى ، جميل وعطوفا جدا... نادت عليها الممرضة لتدخل الى الطبيب.. استقبلها بوجه بارد وهو يهم بأخذ الطفل من يديها ليفحصه ، أطلق الطفل صراخا يشبه الفحيح ، انخلع قلبها له ، تأفف الطبيب ، همم بكلمات ، صمت أذنيها ولم تسمعها... لم يسمح الصغير للطبيب بفحصه، إلا وهو في أحضان أمه، أخذ وجه الطبيب يزداد قتامة وهو يمعن في رأس الصغير، قال للأم بعد أن انتهى من فحصه: التشوه يزداد ، الحالة صعبة جداً، الجراحة مكلفة للغاية أرى أنه من الجنون التفكير بأجراء عملية في المخ لسحب الماء الذى عليه.. من أجل طفل لن يعيش طويلا...تصم اذنيها ، تفتح قلبها وتقول ..الأعمار بيد الله ، سوف أفعل كل شيء ، حتى اساعده...تخرج من عيادة الطبيب.. يبكي الصغير ويهمهم بأصوات مخنوقة مبهمة أشبه بالخوار، واللعاب يسيل بغزارة من فمه، ضمته إلى صدرها، رشفت دموعه بشفتيها، مسحت لعابه بكم فستانها، هدهدته حتى كاد أن ينام ، يرنو إليها بعينين تفيضان حبا. ما أجمل عينيه قبل أن يغفو، ماكان ينام إلا وهو يطيل التحديق إلى وجهها، فتحس بالتحوّل البطيء والتدريجي لملامح وجهه، تحس وكأنه ملاك يرفرف حولها كفراشة بيضاء من نور.. رجعت البيت ، فتح زوجها الباب ، حمل الصغير النائم عنها ، قبل وجنتها وخد الصغير المندى بلعابه، أحس أنه يرشف عسلاً. دمعت عيناها ، وهي تقول له ..لابد أن نذهب هذا المساء لشراء ملابس ثقيلة ومعطفين.. الشتاء قد يأتي مبكرا...
تدحرج صغيرها من حجرها ومن بين ذراعيها المتصلبين أمام صدره، زحف على ساقيها ، حتى وصل للآراض .. أخذ يحبو وكانه يسبح داخل البحر..
ما أروعه هذا الصبى وما أروع ذكاؤه قالت في نفسها وهو ينظر اليها ببسمة المنتصر، بادلته البسمة بضحكة عريضة ونظرة تشجيع ... لقد أكمل الثالثة من عمره ولازال يحبو مثل الرضع ، يحاول المشى ، عظامه الضعيفة تخونه.. اتجه بخطوات متعثرة، لكأن مفاصله متخلعة صوب طفل صغير يماثله في العمر، وقف أمامه وهمهم بصوتٍ اجتهد أن يجعله كلمات لكنه كان أشبه "بالجعير".. فزع الطفل منه ، التجأ إلى حضن أمه صارخاً بجزع: ماما، ماما أبعدي هذا الولد الوحش عني.
طمأنت أم الطفل صغيرها قائلة وهي تربت على شعره: لاتخف، لاتخف، لن يؤذيك.وكأنها تتحدث عن حيوان أليف
قامت الأم ذات القلب المطعون بحربة منذ أربعة سنوات، تعيد صغيرها إلى أسر ذراعيها، تبتلع دموعاً تعوّدت طعمها المر وتتساءل في سرها : لماذا يرى الآخرون طفلها الجميل بكل ذلك القبح ؟؟ ما ابنها إلا ضحية أعينهم القبيحة، هذا ماتؤمن به. ولدته طبيعياً، سمعت صراخه الأليم وهم يفصلونه عنها، ضمته بحنان إلى صدرها وشعرت كيف تفجر الحب من صدرها كانفجار خزان كبير..
حذرها الطبيب من الحمل وهى في هذا العمر المتقدم.. لماذا ؟ لأننى ربما ألد طفل منغولى ؟؟ ماذا تعنى هذه الكلمة ؟ أعطاني الطبيب كتاب يشرح أخطار الحمل بسن متقدم ومن أهم أخطارها الطفل المنغولى..هل الطفل المنغولى خطر على المجتمع؟؟ أوقدنا أنا وزوجى بصفحات الكتاب نار الأصرار على الأنجاب...تزوجت وانا في الخامسة والأربعين ، كنت كما يقولون عانسا...لم يهبنى الله جمالا جسديا ، كنت بنظر كل عريس يراني ، قبيحة المنظر.. قضيت عمرى أعمل مدرسة بمدرسة ابتدائية.. رأيت تلاميذى ، اصبحوا رجال وسيدات وأنجبوا ..وانا كما أنا... وجهى للسبورة وظهرى للزمان...قابلت زوجى البالغ من العمر ستين عام ، أرمل وحيد ، تركه أولاده بعد زواجهم وهاجروا للخارج...كان وحيدا ، حزينا مثلى ، جمعنا القدر فأحسن لقاءنا.. أحب كل منا الآخر وقررنا أن يكون هناك ثمرة لهذا الحب بأى ثمن... لم يخطر لها يوماً أن تكون أماً لطفل مشوه، متخلف كما شخص له الأطباء. اللعنة على الأطباء. كم تكرههم...بل هم المتخلفون ، نحن لانشترى الأطفال كما الدمى نحن ننجب الأطفال بحب... تضم وليدها بحنان شديد إلى صدرها، كأنها تتمنى لو تعيده إلى رحمها، وتسكب على يديه دموعاً غزيرة وهي تبوح له وحده بأنها تحبه بجنون.. أجهدت نفسها هي وزوجها في تعليمه الكلام، رغم أن كل الأطباء نصحوهما أن لافائدة في جعله ينطق، لكنهما توصلا مع الأيام إلى جعله يهمهم، وكانا وحدها قادران على ترجمة تلك الهمهمة.. بل انهما يفرقان بين همهمة غضبة وفرحه ، دلعه واعيائه ، جوعه وشبعه..هذا الطفل ليس بالمتخلف ، المعتوه أو المجنون.. انه يعبر عن حبه لهما بكل وضوح وثقة ، ينادى على كل منهما بطريقة مختلفة ، أنه ذكى ، جميل وعطوفا جدا... نادت عليها الممرضة لتدخل الى الطبيب.. استقبلها بوجه بارد وهو يهم بأخذ الطفل من يديها ليفحصه ، أطلق الطفل صراخا يشبه الفحيح ، انخلع قلبها له ، تأفف الطبيب ، همم بكلمات ، صمت أذنيها ولم تسمعها... لم يسمح الصغير للطبيب بفحصه، إلا وهو في أحضان أمه، أخذ وجه الطبيب يزداد قتامة وهو يمعن في رأس الصغير، قال للأم بعد أن انتهى من فحصه: التشوه يزداد ، الحالة صعبة جداً، الجراحة مكلفة للغاية أرى أنه من الجنون التفكير بأجراء عملية في المخ لسحب الماء الذى عليه.. من أجل طفل لن يعيش طويلا...تصم اذنيها ، تفتح قلبها وتقول ..الأعمار بيد الله ، سوف أفعل كل شيء ، حتى اساعده...تخرج من عيادة الطبيب.. يبكي الصغير ويهمهم بأصوات مخنوقة مبهمة أشبه بالخوار، واللعاب يسيل بغزارة من فمه، ضمته إلى صدرها، رشفت دموعه بشفتيها، مسحت لعابه بكم فستانها، هدهدته حتى كاد أن ينام ، يرنو إليها بعينين تفيضان حبا. ما أجمل عينيه قبل أن يغفو، ماكان ينام إلا وهو يطيل التحديق إلى وجهها، فتحس بالتحوّل البطيء والتدريجي لملامح وجهه، تحس وكأنه ملاك يرفرف حولها كفراشة بيضاء من نور.. رجعت البيت ، فتح زوجها الباب ، حمل الصغير النائم عنها ، قبل وجنتها وخد الصغير المندى بلعابه، أحس أنه يرشف عسلاً. دمعت عيناها ، وهي تقول له ..لابد أن نذهب هذا المساء لشراء ملابس ثقيلة ومعطفين.. الشتاء قد يأتي مبكرا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق