اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

قياس الذكاء والقدرات العقلية ...* الدكتور: زهير شاكر

⏪⏬
على قاعدة تباين آراء العلماء في ماهية الذكاء وتعدد تحديداتهم له تم تصميم المقاييس والروائز لقياس القدرات العقلية عند الناس في المدارس والعيادات والمستشفيات والمصانع ومراكز التوجيه المهني والتربوي والمؤسسات العسكرية المختلفة وغيرها. ومنها ما
يعتمد لدى تطبيقه على اللغة الشفوية والمكتوبة، ومنها ما يعتمد على الأداء الحركي كالبناء والتركيب والرسم، ومنها ما يجري تطبيقه بصورة فردية. ومنها ما يطبق على مجموعة من الأفراد في وقت واحد.

ولعل أولى الروائز الجماعية تلك التي طبقت على أفراد القوات المسلحة الأمريكية. وكان ذلك تلبية للحاجة إلى التعرف على مستوى القدرات عند الجنود الأمريكيين إبان الحرب العالمية الأولى بغية توظيفها على النحو الأفضل عن طريق توزيعهم على الاختصاصات التي تناسبهم ولهذه الغاية تم وضع رائزين: الأول، ويدعى ألفا، لقياس ذكاء المجندين الذين يحسنون القراءة والكتابة. وهو يتألف من 8 اختبارات فرعية تقيس القدرة على الانتباه، والقدرة الحسابية، والتفكير اللغوي، والقدرة على ترتيب الكلمات، وإدراك المتشابهات، وإكمال السلاسل العددية، والعلاقات المنطقية، والمعلومات العامة. والثاني، ويدعى بيتا، لقياس ذكاء المجندين الأميين ويتألف هذا الرائز من 7 اختبارات فرعية تقيس القدرة على الخروج من المتاهة، وإكمال الصور، وتقسيم الأشكال الهندسية، وعد المكعبات، وتصحيح الأرقام، وتسلسل الرموز، وتذكر الأشكال والأرقام المتناظرة. وقد طبق الرائزان على نحو مليون و 800 ألف مجند في فترة وجيزة نسبياً.

وفي عام 1926 وضعت فلورنس غودانف F.GOODENOUGH رائز "رسم الرجل". وبعد حوالي أربعين عاماً أجرى مساعدها دايل هاريس D.HARRIS تعديلاً عليه وأصبح يعرف برائز "غودانف- هاريس". وقد قام د. مصطفى فهمي بتطبيقه على البيئة المصرية. بينما عمل د. نعيم عطية على تعديله وتكييفه حسب البيئة اللبنانية(عطية، 1982).

وفي عام 1930 صمم بالارد رائزاً لقياس مستوى الذكاء عند تلاميذ المرحلة الابتدائية. ويحتوي هذا الرائز على 64 سؤالاً في تذكر الأعداد، وإكمال سلاسل الأعداد وترتيب العبارات، ومعرفة المتضادات.

كما وضع لويس ثرستون L.THURSTONE في نفس الفترة رائزاً لقياس القدرات العقلية عند الأفراد الذين تجاوزوا سن الثالثة عشرة. وتتمثل هذه القدرات في القدرة على فهم الألفاظ، والقدرة على التفكير، والقدرة العددية، والقدرة على الإدراك المكاني. وقد قام الدكتور أحمد زكي صالح بنقل هذا الرائز إلى العربية وتكييفه مع البيئة المصرية.

وقام رافن بوضع رائز "المصفوفات المتتالية" عام 1938. وللإشارة فإن هناك رائزين يحملان نفس التسمية، أحدهما يقيس مستوى ذكاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والحادية عشرة، والآخر مخصص لقياس مستوى الذكاء لدى الراشدين حتى سن الخامسة والستين. ويعد هذا الرائز أحد الروائز المتحررة من الثقافة التي ظهرت في وقت لاحق من أجل تفادي نقائص الروائز الأخرى.وعلى غراره أعد ر. ب. كاتل مجموعة من اختبارات الذكاء وخصصها لمستويات عمرية مختلفة تبدأ بسن الرابعة وتنتهي بالراشدين المتفوقين.

أما المقاييس والروائز الفردية فبالإضافة إلى مقياس ستانفورد – بينيه وضع دافيد وكسلر D. WECHSLER مقياساً حاول من خلاله أن يغطي الحاجة إلى وجود أداة لقياس الذكاء عند الراشدين والمراهقين، ويسد الثغرة في مقياس ستانفورد- بينيه المتمثلة في حساب نسبة الذكاء بصورة مباشرة. وقد نشر هذا المقياس عام 1939 بعد تقنينه على عينة كبيرة من الأفراد(1700 فرداً من الجنسين) تتراوح أعمارهم بين 16 سنة و60 سنة(*). وهو يتألف من مجموعتين من الاختبارات، الأولى لفظية والثانية عملية. وتتضمن المجموعة الأولى اختبار المعلومات العامة، واختبار الفهم العام، واختبار المفردات، واختبار إعادة الأرقام، واختبار المتشابهات، واختبار الاستلال الحسابي. وتشمل المجموعة الثانية اختبار ترتيب الصور، واختبار تكميل الصور، واختبار تجميع الأشياء، واختبار رسوم المكعبات، واختبار رموز الأرقام. وقد نقل هذا المقياس إلى العربية الدكتوران محمد عماد الدين إسماعيل ولويس كامل مليكة وذلك عام 1956.

وبعد أن لاقى المقياس نجاحاً كبيراً قام وكسلر بوضع مقياس آخر لقياس ذكاء الأطفال في سن ما بين السادسة والسادسة عشرة، ونشره عام 1955. ويشبه هذا القياس المقياس الأول. فهو يتألف من مجموعتين من الاختبارات، الأولى لفظية والثانية عملية. وتقيس اختبارات المجموعة الأولى المعلومات العامة، والفهم العام، والقاموس اللغوي، والقدرة على الاستدلال الحسابي، والقدرة على إعادة الأرقام. وتقيس اختبارات المجموعة الثانية إتمام الصور وترتيبها، وتجميع الأشياء، ورموز الأرقام، ورسوم المكعبات، والمتاهات. وقد نقل هذا المقياس إلى العربية الدكتوران محمد عماد الدين إسماعيل لويس وكامل مليكة في عام 1961.

ثم أعد وكسلر مقياساً ثالثاً خصصه لقياس ذكاء الأطفال ما بين الرابعة والسادسة من العمر. ويحتوي هذا المقياس على 11 اختباراً. يطبق منها 10 لحساب معامل الذكاء. وهذه الاختبارات هي: اختبار المعلومات، واختبار الحصيلة اللغوية، واختبار الحساب، واختبار المتشابهات، واختبار الفهم، واختبار بيت الحيوانات، واختبار إتمام الصور، واختبار الأشكال الهندسية، واختبار بناء المكعبات، واختبار المتاهات.

وإلى جانب الأعداد الضخمة من الروائز التي تقيس الذكاء من مثل رائز د 48، ورائز الذكاء المصور، ورائز هنمون –نلسون HENMON- NELSON، ورائز 11- زائد ELEVEN – PLUS، صممت روائز لقياس القدرات العقلية والاستعدادات والتحصيل الدراسي. ففي عام 1915 شرع رودلف بنتنر R.PINTNER ودونالد باترسون D.PATTERSON وغيرهم من أساتذة جامعة مينيسونا ببناء روائز تقوم على الأداء، باستخدام المكعبات والصور والأشكال. وتمكنوا في النتيجة من وضع ثلاثة روائز هي: رائز مينيسوتا للعلاقات المكانية، ورائز مينيسوتا للتجميع الميكانيكي، ولوحة مينيسوتا الورقية للأشكال.

وظهرت في تلك الفترة روائز لقياس القدرات الخاصة، كالقدرة السمعية- البصرية، والقدرة الكتابية، والقدرة التحليلية- التركيبية وسواها. ومن أمثلتها مقياس سيشور للمواهب الموسيقية، ورائز مايير، واختبار الإدراك المكاني، واختبار أعضاء الإنسان، واختبار البطاقات المثقوبة، واختبار سلاسل الحروف، واختبار الاستدلال القياسي، واختبار التصنيف، واختبارات التحصيل الدراسي وغيرها الكثير مما يستحيل أن نورده في هذا المقام. خاصة وأن محاولة كهذه تبعد العمل عن مهامه. ولكننا نود الوقوف عند النماذج التي ذكرناها لطرح السؤال الهام التالي: ما سبب ظهور هذه الأعداد الضخمة من الروائز إلى حد يستحيل معه حصرها وتبويبها حتى ولو في عمل خاص؟

إن المشكلة المطروحة حتى الآن لا تتعلق بكمية أدوات القياس التي استعملت وتستعمل في ميدان علم النفس بقدر ما يتعلق بنوعيتها. ذلك لأن هذه النوعية هي التي حددت وتحدد حركة القياس النفسي. وهذا يعني أن محتوى تلك الأدوات التي تتصدى لقياس واقعة نفسية هو جوهر المشكلة. فهذا المحتوى يختلف قليلاً أو كثيراً من أداة إلى أخرى مع أنهما صممتا لقياس شيء واحد. الأمر الذي يعكس تعارض وجهات نظر العلماء حول موضوعات دراساتهم. وقد يمدنا عرض تعريفات البعض منهم للذكاء بالدليل على ذلك.

لقد حدد بينيه الذكاء بأنه القدرة على الفهم والإبداع والتوجه الهادف للسلوك والنقد الذاتي. وعرفه تيرمان بأنه القدرة على التفكير المجرد. ووجد سبيرمان أنه القدرة على التجريد والتعميم والاستقراء والاستنتاج. في حين نظر إليه وكسلر من زاوية وظيفته السلوكية فرأى أنه القدرة الكلية التي تمكن الفرد من الاستجابة الهادفة، والتفكير بصورة منطقية والتفاعل مع المحيط بنجاح. وربطه سلوكيون آخرون بالقدرة على التعلم. فعرفه كولفن KOLVIN بأنه القدرة على تعلم التكيف مع البيئة. وقال عنه غودارد GODDARD ودير بورن DEARBOARN بأنه القدرة على اكتساب الخبرة والإفادة منها في حل المشكلات الجديدة. وحدده إ. إدواردز E. EDWARDS بأنه القدرة على تغيير الأداء بينما ذكر بنتنر أن الذكاء هو القدرة على التكيف الناجح مع العلاقات المستجدة وعرفته غودانف بأنه القدرة على توظيف الخبرات السابقة في التوافق مع المواقف الجديدة.

ولما كان رائز الذكاء هو نموذج من النشاط الذهني الإنساني المتمثل في حل المشكلات المطروحة فقد عرف إ. بورينغ E.BORING الذكاء بأنه القدرة على الأداء الجيد في رائز الذكاء.

ومن خلال هذه التعريفات تتضح الفروق في تصورات العلماء حول موضوع الذكاء. فالذكاء بالنسبة لفريق منهم، هو وظيفة سلوكية، وبالنسبة لفريق ثان قدرة على التفكير وحل المشكلات، وبالنسبة لفريق ثالث وسيلة للتكيف مع البيئة وبالنسبة لفريق رابع استعداد للتعلم. وغني عن البيان ما تعنيه هذه الفروق على صعيد بناء الروائز وما ينجم عنها من تحديد لمعاملات الصدق. إذ من التعريف- كما قلنا سابقاً- يقترح الباحث بنود رائزه وأسئلته التي يعتقد أنها تغطي العناصر التي يتألف منها الذكاء. فإذا كانت التعاريف مختلفة فإن العناصر سوف تكون مختلفة حتماً والبنود والعبارات التي تغطي هذه العناصر ستكون هي الأخرى مختلفة بالضرورة.

ونحن بكلامنا هذا، إذ نؤكد على الأهمية النظرية والعملية والتطبيقية التي يحتلها تعريف الذكاء، نود أن نشير في الوقت ذاته إلى خلافنا مع من يقول بتشابه التعاريف السابقة وبالتالي تماثل أو تشابه مضامين روائز الذكاء. فلو وجد هذا التماثل أو التشابه في مواقف العلماء والباحثين، وكانت تعاريفهم من قبيل التنوع الذي يغني الموضوع والتكامل الذي يفيد في كماله لما ألفينا هذا الكم من الروائز المخصصة لمرحلة عمرية بعينها. إلا أن النظرة الفاحصة لتلك التعاريف عبر وضعها في السياق المنطقي العام لبناءات أصحابها النظرية تظهر تبايناً في المداخل وتعارضاً في التفسيرات.

يضاف إلى ذلك أن التعاريف المذكورة تتضمن مفاهيم غامضة وغير محددة. وهذا ما نبّه إليه ج. جيليفورد J. GUILFORD حينما تساءل عن المقصود بالقدرة والتكيف والتفكير والمشكلات التي وردت في العديد من التعاريف. فبقاء مثل هذه المفاهيم دون تحديد أو إيضاح يفسح المجال أمام الاجتهادات الفردية والتصورات الذاتية عن تركيبها الأمر الذي يقود في الغالب إلى اختلاف محتويات الروائز.

وإذا سلمنا مع البعض بأن هذه التعاريف تتفق في جوهرها على أن الذكاء هو القدرة على حل المشكلات الجديدة. فإننا نجد أنفسنا أمام سؤال حول حجم هذه القدرة وأبعادها وعناصرها وطبيعة تلك المشكلات التي تتصدى لحلها ومستواها وحدود جدتها. لقد طرح العلماء هذا السؤال منذ بداية العمل بالروائز وقادهم البحث عن إجابة عليه إلى صياغة الكثير من النظريات حول البنية العقلية للإنسان. وليس من باب المبالغة أو التهويل أن نعتبر هذه الكثرة في النظريات دليلاً على اختلاف تصورات واضعيها حول حدود القدرة العقلية وطبيعتها ومحتواها، ومن ثم حول طبيعة وماهية المشكلات التي ينبغي أن تطرح عليه لتقييمها وقياس مستواها.

ولعل نظرية العاملين هي أولى النظريات التي تناولت بنية العقل البشري بطريقة علمية. ومع ما لها من فضل في تطور القياس النفسي، فإنها لم تخل من نقائص وعيوب. وقد انتقد العديد من العلماء فكرة العامل العام وأشاروا إلى الإجراءات الخاطئة التي قادته إليها. ومن هذه الإجراءات الاعتماد على عدد قليل من الاختبارات والاقتصار على قياس القدرات الحسية البسيطة فقط وتطبيقها على عينة صغيرة من تلاميذ المدارس الابتدائية. ولهذا فالعامل العام، بالنسبة لنقاد سبيرمان، ليس سوى فرضية لم يستطع صاحبها إثباتها. ويعتبر ثورندايك وثرستون وجيلفورد وتومسون من أبرز هؤلاء النقاد.

لقد عارض ثورندايك فكرة العامل العام بشدة. ومن موقعه الارتباطي السلوكي فسر الذكاء بالارتباطات العصبية التي تتكون من المنبهات والاستجابات خلال تفاعل الفرد مع محيطه واعتقد أن مستوى الذكاء يتناسب طرداً مع عدد تلك الارتباطات. فكلما كانت كثيرة ومعقدة، كان الفرد أكثر ذكاء.

وعلى الرغم من أن ثورندايك ينظر إلى الذكاء كنتاج لنشاط الجهاز العصبي فإنه كان أميل إلى تقسيم النشاط العقلي إلى وحدات عديدة ومستقلة تقوم كل منها بعملها بمعزل عن الوحدات الأخرى. وما نلاحظه من علاقات ارتباطية بين العمليات العقلية ينسبه ثورندايك إلى عناصر مشتركة بين تلك العمليات وليس إلى وجود ما يسمى بالعامل العام.

وتوصل ثورندايك في نهاية دراسته إلى تقسيم الذكاء إلى ثلاثة أنواع: الذكاء المجرد، الذكاء الاجتماعي، والذكاء الميكانيكي. وقد أكد على ضرورة احترام هذا التصنيف وعدم الخلط بين أنواع الذكاء الثلاثة عند وضع رائز للذكاء.

وبالإضافة إلى الروائز التي وضعها ثورندايك لقياس القدرة على التحصيل الدراسي عند التلاميذ قام بتصميم رائز لقياس الذكاء المجرد عرف باسم
(CAVD). ويتألف هذا الرائز من أربعة اختبارات فرعية هي اختبار إكمال الجمل(C)، واختبار الاستدلال الحسابي(A)، واختبار المفردات(V)، واختبار تنفيذ التعليمات(D)(الخضري، 1976، 128-130).

ومن الموقع ذاته عارض جودفري تومسون G. TOMSON نظرية العاملين. وقد اقترنت نظرية العينات باسم هذا العالم وتقوم هذه النظرية على ربط الذكاء بالوصلات العصبية في الجهاز العصبي للجسم الحي. فدرجة ذكاء الكائنات الحية تتفاوت بتفاوت درجة تعقيد الجهاز العصبي الذي تملكه. ولما كان الإنسان يمتلك جهازاً عصبياً معقداً بالمقارنة مع بقية الحيوانات فإنه يتفوق عليها جميعاً بذكائه وقدراته العقلية. ووفقاً لمعيار تعقد الجهاز العصبي وإمكانيته على تكوين الارتباطات العصبية يفسر تومسون الاختلاف القائم في مستوى الذكاء عند الناس.

وتتضمن المرحلة الثانية من نظرية تومسون في محاولته تحليل الارتباطات العصبية إلى وحدات بسيطة ومستقلة دعاها "القدارت البسيطة". بيد أن ذلك لا يعني – بالنسبة له-أن كل قدرة تقوم بمهامها المحددة بمعزل عن القدرات الأخرى، بل إنها تقوم بأكثر من نشاط وتسهم مع غيرها في أداء مهمة واحدة. وعليه يمكن أن يفسر الارتباط الجزئي الموجب بين الروائز. فزيادة أو نقصان درجة هذا الارتباط أمر يتوقف على درجة تشابه أو اختلاف المهمات(المنبهات) التي تطرحها الروائز وعلى عدد القدرات المشتركة التي تستحثها تلك المهمات.

أما ثرستون صاحب نظرية القدرات العقلية الأولية فقد حرص في نشاطه على تفادي الأخطاء المنهجية التي ارتكبها سبيرمان. فقام بتصميم مجموعة من الروائز المتنوعة بلغت ستين رائزاً بحيث تكون قادرة على قياس الوظائف العقلية المختلفة، وطبقها على 240 طالباً جامعياً. ولدى تصحيح إجابات المفحوصين وحساب معاملات الارتباط بينها في جميع الروائز وتحليل تلك المعاملات باستخدام "الطريقة المركزية" توصل إلى وجود قدرات عقلية مستقلة هي:

التصور المكاني والبصري .

السرعة الإدراكية .

القدرة العددية .

الطلاقة اللفظية .

القدرة على التذكر .

القدرة على فهم معاني الكلمات .

القدرة الاستقرائية.

القدرة الاستنتاجية.

ومع أن نظرية القدرات العقلية الأولية تعتبر امتداداً لنظرية القدرات الطائفية، فإنها تختلف عنها مثلما تختلف عن النظريات السابقة من حيث تصور بنية العقل. فنظرية القدرات الطائفية تأثرت بأفكار ثورندايك، ولكنها لم تبن على أساسها. ففي حين أقام ثورندايك حدوداً بين أنواع الذكاء الثلاثة وأوصى بوضع رائز لكل منها، وجد ن. كاري N.CAREY وت. كيلي. T.KELLEY أن النشاط العقلي يتكون من عدد من القدرات الطائفية، واقترحا بناء مجموعة من الروائز لقياس كل منها.

وأمام هذا الوضع حاول بيرت التوفيق بين هذه الأفكار المتعارضة. فقد قادته بحوثه إلى نتيجة مفادها أن النشاط العقلي يتألف من قدرة عامة وقدرات طائفية وأخرى نوعية أو خاصة. ولذا فإن أي رائز للذكاء يجب أن يقيس العامل العام والعامل الطائفي والعامل النوعي وعامل الصدفة أو الخطأ(BURT, 1940).

وقد مثل ف. فرنون PH.VERNON توضع هذه القدرات في العقل البشري بهرم تحتل القدرة العامة قمته وتليها القدرات الطائفية ثم النوعية(الخضري، 1976، 162-165).

ومع ازدياد عدد البحوث والدراسات التي أجريت في هذا الميدان تم اكتشاف قدرات عقلية جديدة. ووصل عدد القدرات المكتشفة حتى عام 1960 نحو خمسين قدرة. ولقد دأب العلماء على الإفادة من هذه المعطيات في رسم تصور للبنية العقلية عند الإنسان. وكان من نتيجة ذلك أن قسموا القدرات العقلية إلى قسمين حسب محتواها والعمليات التي تؤديها. ثم جاء جيلفورد فأضاف إلى هذين البعيدن(المحتوى والعمليات) بعداً ثالثاً، هو بعد النواتج . وضمن بعد المحتوى أربعة أنواع هي الأشكال والرموز والمعاني والسلوك. وميز في بعد العمليات بين خمسة أنواع، هي: الإدراك والتذكر والتفكير التقاربي والتفكير التباعدي والتقويم. وقسم النواتج إلى ستة أنواع هي: الوحدات والفئات والعلاقات والتحويلات والمنظومات والتضمينات.

وعلى هذا الأساس وجد جيلفورد أن هناك 120 قدرة عقلية يتألف منها العقل. ويذكرنا هذا التصنيف بالتصنيف الدوري للعناصر الموجودة في الطبيعة الذي قدمه العالم الكيميائي ماندليف. واعتقد جيلفورد أن تصنيفه يغطي كافة أوجه النشاط العقلي للإنسان، وأنه بعمله هذا إنما يساعد على الكشف عن القدرات التي أوردها في تصنيفه والتي لم تكتشف بعد تماماً مثلما فعل ماندليف حينما فسح المجال أمام اكتشاف العناصر الكيميائية التي تنبأ بوجودها وحدد أوزانها الذرية ومواقعها بين العناصر الأخرى.

وللتحقق من هذه الفرضية أجرى جيلفورد ومعاونوه سلسلة من البحوث طبقوا فيها روائز واختبارات عديدة. وبفضل ذلك أمكنهم اكتشاف بعض القدرات الجديدة. وتتحدث الأدبيات المختصة عن 112 قدرة تم اكتشافها حتى الآن. وتتوزع هذه القدرات على النحو التالي: 28 قدرة إدراكية تذكرية و 15 قدرة من قدرات التفكير التقاربي و 32 قدرة من قدرات التفكير التباعدي و 18 قدرة تقويمية.

ومع أن نظرية جيلفورد تتمتع بقدر كبير من الاتساق والتنظيم مقارنة بغيرها من النظريات، إلا أن ذلك لم يجعلها في مأمن من الانتقادات التي مست الجانب المنهجي منها، كما مست الجوانب التقنية والوسائل والأدوات المستخدمة. ومن بين هذه الانتقادات ثقة جيلفورد بنتائج الاختبارات التي أجريت في مخبره في جامعة ساوث كاليفورنيا بالرغم من قلة عددها وصغر حجم العينة واعتمادها كلياً على اللغة وإغفالها الأداء الحركي وبقاء العلاقة بين القدرات المختلفة دونما توضيح أو تعيين.

لقد نجم عن هذا التباين في وجهات نظر العلماء ظهور أعداد كبيرة من المقاييس والروائز وكل مقياس أو رائز منها يعكس وجهة نظر صاحبه.

وما دمنا نتحدث عن القدرات فإنه يتوجب علينا أن نشير إلى اختلاف عددها ومكوناتها وحدودها وعلاقاتها بعضها ببعض من نظرية إلى أخرى وخاصة النظريات التي استخدمت التحليل العاملي. وللمثال فقد وجد ثرستون في بحث قام به عام 1948 أن القدرة اللغوية تتضمن ما يلي: فهم الألفاظ(V) والطلاقة في اختيار الألفاظ واستعمالها بشكل صحيح(W) والمرونة الذهنية في التعامل مع الألفاظ(F). بينما تحدث كارول CARROL عن تسعة مركبات لهذه القدرة وهي: القدرة على التذكر والقدرة على تعلم الوحدات اللغوية واسترجاعها والقدرة على التعامل مع العلاقات المنطقية والقدرة على تأليف موضوع بسهولة وبسرعة والقدرة على استدعاء الكلمات المناسبة وإنتاجها والقدرة على التعبير الشفهي والقدرة على تسمية الأشياء والقدرة على النطق السليم، والقدرة على الكتابة بسرعة ودقة. وتحصي نادية محمد عبد السلام في دراسة قامت بها عام 1974 سبعة عوامل لفظية(الخضري، 1976، 170، 171):

عامل الفهم اللفظي

طلاقة الكلمات

عامل الهجاء والقواعد

الطلاقة الارتباطية

إدراك العلاقات اللفظية

الاستدلال اللفظي

الذاكرة اللفظية

وفي دراسة كوكس COX وستنكويست STENQUIST تم استخلاص مكونين للقدرة الميكانيكية: الفهم الميكانيكي ومعرفة القواعد الميكانيكية. بينما انتهى باترسون وسيشور إلى القول. بوجود قدرات ميكانيكية متنوعة ومنفصلة تتكون بشكل أساسي من القدرات اليدوية والتناسق الحسي والحركي. أما أحمد زكي صالح فإنه يميز في القدرة الميكانيكية بين جانب إدراكي- معرفي وآخر عملي. فالجانب الأول يتضمن العلاقات بين الأشكال والرسوم الهندسية. والجانب الثاني يتكون من عدد من القدرات البسيطة التي تتمثل في القدرة على تركيب الأجهزة بسهولة والقدرة على تتبع حركتها والقدرة على معالجتها(المرجع السابق، 186-178).

وبإمكان الباحث أن يقف على أوجه الاختلاف بين العلماء حول الاستعداد والتحصيل مثلما وجدها عند مطالعة آرائهم حول القدرات العقلية. فالاستعداد، عند معظمهم، يعني الموهبة الخاصة التي تولد مع الفرد. بينما يقصدون بالتحصيل تلك المعارف والخبرات التي يكتسبها الفرد خلال حياته أو في فترة زمنية محددة. ولقد أدى هذا الفهم إلى ظهور نوعين من الروائز، يعنى الأول بقياس الاستعدادات، والثاني بقياس مستوى التحصيل.

وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في العقود الأخيرة عن هذا الفصل التعسفي بين مفهومي الاستعداد والتحصيل فإنه ما زال هناك من يفرق بينهما، ويعزو الفروق النفسية بين البشر إلى استعداداتهم الفطرية أو الموروثة، ويدعو إلى اقتفاء خطا جونسون أوكونور JOHNSON OCONNOR صاحب كتاب "هكذا ولد‍" في باب مقاييس خاصة بالاستعدادات.

إن الدراسات الحديثة تقدم الدليل تلو الدليل على أن مقاييس الاستعدادات تقيس أكثر ما تقيس مختلف مستويات القدرات والخبرات والمهارات التي تعلمها الفرد. كتبت تايلر حول هذا الموضوع تقول: "فالقدرة التي تقيسها اختبارات الاستعداد الميكانيكي، على سبيل المثال، إنما هي جزئياً نتاج الخبرة الميكانيكية. والقدرة التي يقيسها اختبار الاستعداد الكتابي، إنما هي جزئياً نتاج الخبرات التي أدّت إلى مهارة الفرد في إدراك التفاصيل الدقيقة، وكذلك القدرة التي تقيسها اختبارات الاستعداد الموسيقي، إنما هي تعكس جزئياً التدريب الموسيقي. ففي الممارسة العملية نحن لا نستطيع أن نستخلص المكونات "الطبيعية" من المكونات "المكتسبة" لأي استعداد من الاستعدادات، ولو أنه يمكن أن نفكر في كل منها على حدة إذا شئنا ذلك"(تايلر، 1985، 87).

وإذا سلمنا بوجود استعداد أو استعدادات فطرية لدى الإنسان، فإننا نعتقد أن ذلك إنما يتمثل في استعداده العام للتعلم من الآخرين واكتساب خبراتهم وتجاربهم أثناء ذلك.

ولعل النظرة الفاحصة إلى النظريات السابقة تضعنا أمام حقيقة مؤداها أن العلماء والباحثين الذين استخدموا التحليل العاملي تناولوا العقل باعتباره منظومة من العمليات العقلية التي ترتبط بنيوياً بالأفعال العملية دون أن يتتبعوا التغيرات التي تطرأ على المحتوى المادي للتفكير في مجرى النشاط الذهني. ومع أن البعض منهم تعرض لهذه المسألة، إلا أن ذلك لم يكن سوى مجرد إشارات عابرة. فالحديث عن جوانب وعلاقات جديدة تتجه نحوها العمليات العقلية تبعاً لما يقوم به الفرد من نشاط عقلي لحل المشكلات التي يطرحها المحيط يعتبر لحظة هامة على طريق دراسة الموضوع بعمق وشمولية. وهو ما قام به بالفعل عدد من هؤلاء العلماء. واللحظة التالية التي لا تقل أهمية عن الأولى تتمثل في التعرف على قوانين تغير المحتوى المادي للنشاط العقلي وكيف يتبدل إدراك الفرد لمحتوى المشكلة أو المسألة أثناء حلها. وهذا ما أغفله الجميع ولم يكلف أي منهم نفسه بتحمل هذه المهمة.

وهكذا يظل السؤال القديم عن علاقة آليات النشاط العقلي بمحتواه مطروحاً دون أن يلقى لدى أنصار منهج التحليل العاملي حلاً له.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...