قصصهم | فاطمة الفهرية التونسية مؤسسة أول جامعة في العالم

⏪⏬ .إنجازات النساء في التاريخ ربما لم تحظى بالكثير من الشهرة التي حظى بها الرجال، ولكن هذا لا يمنع أن التاريخ العربي تحديدا مليء بإنجازات عديدة قامت بها المرأة في الكثير من المجالات. وبطلة حكايتنا اليوم هى واحد من أهم نساء العالم العربي
والإسلامي وكانت جزءا هاما من التاريخ الثقافي للعالم العربي وخاصةً للمغرب العربي، فعائلتها تمتد لمؤسسي الدولة التونسية. بطلتنا اليوم هى فاطمة الفهرية، تلك المرأة التي يشهد لها التاريخ بالكثير من الإنجازات والقرارات الذكية. واليوم سنتعرف عن قرب عن فاطمة الفهرية...

- فاطمة الفهرية السيرة الذاتية 
هى فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهري، ويمتد نسبها إلى أن يصل لعقبة بن نافع والذي يُلقب بفاتح أفريقيا وبلاد المغرب ومؤسس مدينة القيروان التي كانت عاصمة أفريقيا في وهذا الوقت، وهى دولة تونس حاليا. لم ينجب والد فاطمة سوى هى وأختها مريم بنت محمد بن عبدالله الفهري. ولُقبت فاطمة بأم البنين. وقد أثرت فاطمة في التاريخ التونسي والتاريخ المغربي أيضا، فقد هاجرت من موطنها الأصلي في القيروان مع أبيها وأختها لمدينة فاس في المغرب والتي كانت عاصمة بلاد المغرب آنذاك. تزوجت فاطمة في بلاد المغرب، التي هاجرت إليها في عهد الدولة الإدريسية، وبعد استقرارها بفترة تُوفى والدها ثُم زوجها. وورثت الكثير من الأموال الطائلة عن والدها بمشاركة أختها مريم. وأرادت الأختان أن يُخلدا ذكرى أبيهما فيقوما بعمل عظيم، ولم يجدا أعظم من بناء مسجد كبير وضخم.

-  نشأة مسجد القرويين
 بالفعل قامت فاطمة الفهرية باستغلال ميراثها من أبيها في إعادة بناء مسجد القرويين، حيث قامت بشراء الأراضي المُحيطة به، وعهدت فاطمة ألا يتم استخدام تراب أو مواد بناء إلا المستخرجة من نفس الأرض التي يُبنى عليها المسجد، فقد أرادت اتقاء مواطن الشبهات وألا يكون هناك فضل لأحد في بناء المسجد. وبالرغم من أن هذا الجامع مبني في مدينة فاس المغربية، فهو يُسمى جامع القرويين نسبةً لمدينة قيروان في تونس. وهذا يدل على مدى الترابط بين الثقافة التونسية والمغربية وتأثير أم البنين فاطمة الفهرية في كل منهما. وقد وهبت فاطمة الفهرية كل وقتها وميراثها من أبيها تطوعا لبناء هذا المسجد ويُقال أنها ظلت تصوم إلى أنتهوا من بناء المسجد، حيث ساعد الحكام وأهل المدينة بتوسيع المسجد وترميمه والاهتمام به. حرصت فاطمة الفهرية على أن يتم بناء المسجد بدون مساعدات خارجية، فقد أمرت فاطمة بالحفر واستخراج الرمل والصخور الذي يُستخدم في بناء المسجد من باطن الأرض التي اشترتها لتوسعة المسجد. كما حرصت على حفر بير ماء في نفس الأرض لاستخراج الماء وسقاية عمال البناء، بحيث يكون المسجد مُكتفي بذاته ولا يحتاج لمواد بناء من الخارج. وبالرغم من أن البساطة قد تبدو السمة الأساسية في مسجد القرويين، إلا أن فاطمة لم تبخل عليه بشىء، وعهدت بميراثها كله لبناء هذا المشروع كصدقة جارية لوالدها ولها فيما بعد. ويغلب على المسجد الطابع الأندلسي الذي كان موجود وقت بناءه. وانتهى بناء المسجد في رمضان عام 245 هـ والموافق 859 ميلاديا. وبعد توسعة فاطمة الفهرية له بلغت مساحته 1600 متر مربع، لكن بعد ذلك اهتم الحكام بتوسيع المسجد أكثر. ا

- جامعة القرويين فاطمة الفهرية 
بعد بناء المسجد وقبل وفاة فاطمة الفهرية بعام تقريبا، كانت محاضرات العلم تُلقى في ساحة المسجد، فلم يكن موجود وقتها ما يُعرف بالمدارس أو الجامعات، وكان المسجد هو مكان الدراسة وتلقي العلم. وبسبب اهتمام فاطمة الفهرية واهتمام الحكام بعد وفاتها بمسجد القرويين، تحول مدينة فاس المغربية لعاصمة الثقافة والعلم، مُنافسةً في ذلك بغداد وقرطبة في الأندلس. وبدأ مسجد القرويين في التحول لجامعة حقيقية بدايةً من القرن الخامس الهجري الذي يوافق القرن الحادي عشر الميلادي، في أثناء فترة حكم دولة المرابطين. حيث بدأ المشايخ يتخذون المسجد مقر أساسي لإلقاء الدروس والمحاضرات. وبدايةً من القرن الرابع عشر الهجري أثناء فترة حكم الدولة المرينية، أصبح يوجد ما يُعرف بجامعة القرويين، حيث توسع نشاط المسجد التعليمي، وسبقت هذه الجامعة الكثير من جامعات العالم العربي وأوروبا أيضا. فقد كانت تُدرس علوم الفلك والرياضيات والأدب والفقه، وتخرج منها الكثير من جهابزة وعلماء العالم العربي والإسلامي.

- مكتبة مسجد القرويين
 لم تكتفِ فاطمة الفهرية بإنشاء وتوسيع جامع القرويين، ولكنها عهدت أيضا ببناء مكتبة ضخمة تابعة للمسجد وتقع في حرمه. وقد أُعيد ترميم هذه المكتبة وافتتاحها للجمهور عام 2016، وهى الآن تضم حوالي 4000 مخطوطة أصلية من بينها مخطوطات للقرآن الكريم ومخطوطات للأحاديث الشريفة.

- وفاة فاطمة الفهرية
 تُوفيت فاطمة الفهرية بعدما انتهت من بناء مسجد القرويين بحوالي 19 عاما، في عام 265 هجريا/ 878 ميلاديا، بعد أن تركت لنا إرث ثقافي وحضاري لا يُقدر بثمن، وكانت أول جامعة يعرفها العالم العربي والغربي من تأسيس امرأة عربية قوية، كرّست حياتها لبناء واحدا من أعظم المباني الإسلامية والعربية، ويُعتبر منارة للعلم والثقافة حتى يومنا هذا.