⏫⏬
الخير و الشر في صراع دائم ، و كلاهما يصدران من النفس البشرية ، لأن البشر جبلوا على الخير ، كما جبلوا على الشر، وقد يطغى أحدهما على الآخر، فإذا طغى جانب الخير ،سعد الناس ،وانتشرت بينهم المحبة
و الوئام ، و أمن بعضهم بعضا ، و إذا طغى جانب الشر ، تعس الناس وانتشرت الكراهية ، وخاف بعضهم بعضا ، وتعدى الفساد باقي الكائنات و ظهرت آثاره على الجمادات ...
لكن متى يتغلب الشر على الخير في النفس البشرية؟ يقول الفلاسفة القدامى و الباحثون في خبايا هذه النفس ، إن النفس يطهرها الألم من آثامها و أدرانها ، و تفسدها اللذة ، ويقول علماء الدين و الراسخون في العلم أن صلاح هذه النفس و استقامتها على الفضائل يكون بمخالفتها وكبح شهواتها الجامحة.أي ان الانسان إذا تغلب على شهواته ، وترفع عن متاع الدنيا و حطامها ،سمت نفسه ، وحلقت روحه في عالم الملكوت ، وإذا أطلق العنان لنفسه تذهب كل مذهب ، دون رقيب أو حسيب ، يوشك أن يهلك.
فالأنسان يعيش في هذه الحياة بين مد و جزر ، بين ارتفاع الى عالم الأرواح الزكية الطاهرة وبين هبوط إلى عالم المردة و الشياطين ، وما هذا الجسد إلا وعاء يحمل جوهرة غالية هي الروح ، وبها حياته وقوامه ، فإذا خرجت هذه الروح لم يبق لهذا الجسد قيمة ، بل يدفن في التراب ليصبح طعاما للديدان ،لأنه لم يعد يصلح للحياة الاجتماعية .
إذن فما فائدة هذا الجسد إذا كان مجرد وعاء ،و لماذا كانت هذه الروح لصيقة هذا الجسد وهي ليست من طينته ؟ ربما صورة هذا الجسد هي صورة هذه الحياة ومصيره مثل مصيرها يبليا ن ويصيران إلى فناء ، ويوم تتحرر الأرواح من تلك الأجساد ستكون نهاية هذا العالم حتما ، إذ يتحول إلى عالم فسيح لا حدود له يليق بهذه الروح ، وكأني بهذه الحياة الدونية تضيق بعالم الأرواح العلوية التي ابتليت بالأجساد الترابية لتتلاءم مع طبيعة الحياة الدنيوية ،لذا تخرج الروح يوميا في ساعات النوم ،متملصة من هذا الجسد لتجد متنفسا لها ، لا توقفها الحواجز المادية ، ولا تحكمها المواقيت الزمانية أو المكانية و تسبح في الأديم اللامتناهي و تلتقي بالأحبة وتخاطب أناسا وتعقد جلسات وترى أشياء وتضحك و تبكي وتسر وتحزن وهي في كل هذه الحركات و الانفعالات تسخر من هذا العقل البشري الذي لم يعرف لها كنها و لم يقف لها على سر .
* ابن نبي نصر الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق