"أدب هادف من التراث اليمني "
هذه الرواية منسوجة بلغة عامية وبها الكثير من الكلمات الدارجة قمت بكتابتها على هذا الشكل حفاظاً على الموروث اللغوي اليمني ومن أجل إحياء معظم ما طمرته السنين من الألفاظ اللغوية التي لها معانِِ عربية أصيلة وتداولتها الألسن منذ زمان بلسان اللهجات الشعبية وجاءت لهجات جديدة اليوم طمست الماضي ولم تحيِ الفائت من لهجاتها لذلك كتبتها بألفاظ دارجة وعامية ووضحت معانيها اللغوية في الهوامش ..إليكم فحواها ومغزاها
أحمد الله وأشكره أن مدني بالتوفيق فنقلت لكم هذه الحكاية وهي مقتطف بسيط من روايتي بطولات أدبية وأوهام خرافية رقم البطولة الخامسة وهي بطولة وهمية من بنات أفكاري وخيالية وليست
حقيقية بل لها فحوى عظيمة ومطابقة للواقع المعيشي اليمني وهي حكاية الهتر أبو العجزة تحكي عن بطولة طبازة وتسمى هذه البطولة بطبازة وهي من بطولات مسعد طبازة والتي يرويها الهتر أبو العجزة ويثبت في حكايته هذه بطولته على طبازة وماهذه إلا حكاية واحدة فقط وهناك الكثير من بطولات طبازة سأنقلها لكم ريثما يسمح لي الوقت.
معنى طبازة من الفعل طبز ويعني الوخز ونقل طبز ويطبز ومطابز ومطابزة وطباز وطبز الإبرة وغيرها الهتر من الهتور ونقول مهتور ومهاتر ومهاترة والجمع مهاترات ..أخي القارئ الكريم قبل أن تبحر بين حروف هذا الفكر أتعظ بقول الله تعالى: !وَأمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنهَر وَأمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث"، ولا تستخف بأي شخص يمر بك فربما هو أحسن منك ولا تحتقر الضعفاء لضعفهم فلربما هم أقوى منك لولا تضاريس الحياة وتقلباتها ماكانوا هكذا وعليك أن تَرحَم وإلا فإنك لن تُرحَم ولا ترجم أي شخص يمر بك بسوء الظنون وإن كان مجنوناً فقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من الناس ولا ترجم الناس إلا بحسن ظنك فإنك أن فعلت ذلك رُجِمتَ بسوء ظنِّك وعلِّم صغارك وأولادك أن يحترموا من هو أكبر منهم وإن كانوا لا يعرفونه وربِّ أطفالك على ذلك ..وأينما كنت ليس من العقل أن تقحم نفسك في شأن لا دخل لك به فتكون كالشوكة تطبز كل من يمر فوقها فكن كالوردة الطيبة تفوح بعبيرها لكل مشتم ولا تهتم بشئون الناس بل أهتم بشؤونك ولا تحاول إصلاح الناس قبل أن تصلح نفسك فإنك أنت الخاسر وليس هم الخاسرون فالخسران المبين يومئذ أن تخسر نفسك لا أن تخسر أحداً من حولك، كن انت أنت ولا تكن غيرك فعليك نفسك هذِّبها على الأخلاق وعوِّدها على العمل الصالح لتنجو دنيا وآخرة ودع الخلق للخالق وحسبنا الله وكفى .......
..إليكم ((بطولة طبازة))وحكاية الهتر أبي العجزة ...
حكى لنا الهتر أبو العجزة يقول بلغت سن العجزة وتجاوزت عمر البهززة ونافرت سن النرفزة وشخت عن زمن القنفزة وقعدت ولا أكاد أقوم إلا بزبزة وأمشي مشي عنكزة ولا أبصر إلا بعمششة وكزكزة ولا أتكلم إلا بهزهزة شاخت بي الحياة المعجزة وأعيش في قرية تسمى الوهن يحيط بها جبل المشيخ من جهة العجز في وادي الكهول في وطن الذبول المسمى بأرذل العمر فخرجت ذات يوم ولا أملك سوى طمر أبحث عن ذي غمر لعلي أجد لقمة من العصيد مجدية أو بطانية مدفئة لجسدي من برد الليالي فخرجت من بيتي أمشي مشي العنكزة أتدبدب في طريقي إلى قرية طبازة وهي باسم شيخها طبازة فوصلتها ومعدتي محززة وأقدامي عاجزة من وجع المسير فعبرت من سورها الكبير وخلفه ميدان صغير وفيه صبيان يلعبون وأطفال يسرحون ويمرحون فجزعت منه على تلك البقاع وصحت بأعلى صوتي يا أولادي أنا جائع من يعطيني طعام ولو بعضاً من اللقم أعندكم لقيمات عصيد اذهبوا فتحسسوا من الفدر واستجلبوا لي عصيد المدر وهل عندكم فدرة مخدمة أو كبانة مكدمة وياحبذا خميرة مهندمة فإني جائع منهك البدن أحتاج فديرات دخن أو غرب أو ذرة وكان الأطفال يلعبون الكرة وينظرون إليه وقد سال لعابه مع كلامه وجف فمه من ظمأ الطريق فهو على مجاعة الريق ويصيح من منكم يعطيني حسنة أريد عصيدة مهموشة على نار مضرومة أو فدرة ملطوشة بحبيبات الحبة السوداء فهي لي دواء أنا عطشان أحتاج إلى شرب لبن بطري ومحلب يمري ويا حبذا فطير خبز مقلب من صاعة أم العجين من منكم يلبي طلبي هذا الحين لله يا محسنين عند الله ما يضيع يامحسنين ..
يقول الراوي بهذه الحكاية وهو الذائق لطعم هذه النكاية فتوافد الأطفال نحوي أحدهم ينفشني بالتراب والآخر يجرني بالثياب وبعضهم ينتع كشيدتي ويضحكون من ميشتي ومشيتي ويجرون خلفي ويقولون مجنون حنون مجنون حنون ويتدافعون أمامي وكنت أمشي بهنتلة وملابسي مبهذلة وأطماري مدلدلة من الأكمام وفوطتي مشددة من الأمام وقلنسوتي محتشية فوق رأسي لكن اضحكتهم هيئتي وأغربتهم بلدتي فطفقوا يجرون بعدي ويمشون خلفي ويقولون وووطقطقه وحمادي وطقطقة وحمادي فلم تكن نفسي طائقة ولست بطقطقة ولا بحمادي وأقول لهم مالكم يا أولادي من تقصدون بهذا الاسم وهم يبترعون بعدي إلى أن تعبت من أذاهم وغلبني هواهم بعد أن رموني بالحجارة فهربت وأختبأت خلف أحد الجدران وهم لازالوا بعدي يرمونني بالحجارة فزعقت بأعلى صوتي يا أهل هذه القرية يا أهل هذه الحارة ربوا أولادكم فخرج شخص من منزله وأنقذني من هذه المهزلة وكان قوامي هزيلاً من كثر المتابعة ولم أتحمل أذى الأطفال فرأيت أحد الرجال فسألته أين مجالس القرية التي بها المخزنين فباشرني بسؤال رزين: ليش تسأل عليها؟ فقلت: له لأقصدها فقال: لماذا تقصدها؟ فقلت: أبحث عن حسنة أنا جائع منذ أن أكلت قبل سنة فهل في هذه القرية من يمد يده لفعل الخيرات والحسنات المبرات؟ ومن يطعمني عصيدة محسىأة أوعصيدة موثجة في صحفة مدرة حامية وفدرة مخدمة أو سبئية مسندمة أو فتة مخمرة بسمن بقري؟ أنا بحاجة إلى عصيدة لأوكشها وفديرات أخشها في فمي فقال لي هذا الشخص: أترى ذلك المنزل الطيني خلف المبنى الكبير عنده يجلس رجال القرية الصغير والكبير فذهبت مسرعاً في المسير إلى حيث وجهني هذا المشير فدخلت إلى وسط المجلس وقعدت وقلت لأولئك الناس لله يامحسننين لله يا محسنين من عنده صدقة يتصدق بها علي أنا جائع منذ سنين أحتاج عصيدة معصودة وأكواب مرق منضوجة وفدر مكوبة وصلع مشبوبة وأباريق لبن محلوبة أو فطائر كبانة مقلوبة في نار الصاعات من يلبي طلبي لعلي به أسد رمقي من هذه المجاعات التي تنتابني منذ زمن من يقدم لي ذلك وله الثواب الحسن عند الله فتنحنح وتحنحن هؤلاء القوم فيما بينهم وقعدوا يتغامزون من وهج الإحراج ما لهذا الحاج يقعد بيننا فقام أحدهم يعطيني شغثات قات فقلت لا أريد قاتاً أحتاج طعاماً أسد به ما بي من الفاقات ومعدتي من الجوع تلهب لهيب وفمي يذوب ولساني يابسة ولعابي باتت ناشفة فقال أحدهم لابنه اذهب إلى عند أمك وقل لها تعطيه طعام فخرج هذا الغلام فانتظرته حتى حان الظلام ومن شظف المجاعة تخايلت بمائدة قادمة وإذا بي أرعبل اللقمة تلو اللقمة وأهمشها بين سحاوق المرق الممروقة وكدت أشتم رائحة النشاحة المنشوقة بحلاتيت الزوم والمراقة وكنت مترنحا للطخ الحلبة وذهني سارح عند صحفة العصيد وفمي متذوق طعم اللبن وأسناني مشتاقة لخشف الفدرة ومعدتي ملتهبة من شدة الجوع فانتظرت لعل الطفل يحين للرجوع فجلست في مؤخرة الجمع باب المجلس عند أحذية الناس ونكست رأسي ودفسته بين فخوذي فشعروا بعدم وجودي بينهم فسمعتهم يتبادلون أطراف الكلام ويحللون أخبار الإعلام ويناقشون هموم الأقوام ولم يلبِّ أحدهم همي الوحيد فاستمعت لكلامهم من بعيد وكان كلامهم كلاماً فاضياً لا جدوى منه بل هو هراء ووباء سياسي وداء تحزبي ومرض مناطقي وكل واحد منهم يبرز رأيه أنه الأقوى وأن كيانه هو الأبقى وأنا على ذلك المكان أرى بين أولئك القوم شخصاً كثير اللوم يجلس في وسط مجلس القوم ويبدو من هيئته شخصاً كيِّساً وبينما هم يبثون الكلام وجدته يسوم كل متكلم ويشمخ فوق كبار القوم ويدخل نفسه في كل شأن ويعمل نفسه مثقفاً ويشعل فتيل النجوى بهذا المجلس ولا يدع متحدثاً إلا ونخشه ولا يترك مخزناً إلا وأنكشه بحنكته المشمئزة وألفاظه المقززة لكل صغير وكبير ومن تكلم قاطعه ومنعه ويدخله معه في صلب الحديث وبينما هم يتنافثون ويتفتفون القات ويتفلونه من أفواهمم ويقلبونه على صوابرهم اشتدت بينهم المماكاة وبرزت ألفاط المناكاه بين أحدهم يسمونه مسعد طبازة وهو شيخ المجلس وعاقل قرية طبازة والآخر يسمى بهززة بن بهزرة وتناقلت بينهم الكلمات المهزئة فقام مجموعة من المخزنين يسكتونهم عن هذا النقاش الجدلي فخرج أحدهم مولياً ويقول إني لمخذول لو رجعت أخزن هنا فكلكم ضدي كل حاجة عملها بهزرة ولا تعلمون أن مسعد طبازة هو من أشعل هذه الهدرة ويقول بثأثأة اسمه على مسمى مهما طرحنا لا يفهمنا وإن تكلمنا قاطعنا كاد المسمي أن يخلق فاسمعوا يا بلا ذوق لا تصدقوا كلامه إليكم معنى اسمه يدعى طبازة وكله مطابزة ولقفه كالشوكة تطبز كل من مر فوقها فلا تروقوا لبوقه و كلامه طبز يطبز طبيزاً ألم يوجع القلب؟ فارتفعت أصوات المساببة ونطقوا ألفاظ المؤاربة ورمى أحدهم الآخر بدبه ماء فسقطت على رأسي لأني كنت في الزوة فهرب بهزرة ووقعت الدبة على رأسي عند البوابة فنهضت لبلبة وشددت أرجلي بأهبة من وجع اللهبة وصحت بصوت شيوبة ما لكم يا قوم لم أسلم من أذى أطفالكم فما بال عقالكم يرجموني بالدباب وأنا جالس عند هذا الباب فقام إليَّ شخص مهاب فاقعدني وقال سقطت عن غير قصد ولم يقصد برميك فقلت وما قصد أطفالكم يرجموني بالحجارة من حارة إلى حارة ويجرون خلفي وأصواتهم مطربقة وطقطقة وحمادي ولست بطقطقة ولا بحمادي أنا من ديار الكهول واسمي الهتر أبو العجزة فمالكم أيها الناس هل ذهب عنكم الحس أعقولكم مطششة أم أذهانكم متسطلة وألفاظكم متفضولة وأفعالكم غير مقبولة ما أراكم إلا مجانيين ومخزنين في غب الختاته عقالكم كصغاركم وأفعالكم كحماقة أشبالكم فعلى ماذا ترجموني؟ فقام أحد المخزنين ورمى لي الشال وقال هذا حكمك وهذه الفلوس لك فقلت لا حاجة لي بالفلوس ولا أرضى بهذا الحكم أنا أريد طعام عندها وصل الغلام وفي يده قرص خبز قافح وقده منتفر وكأنه من أيام التتار وبيده كوب شاهي فقلت له يا إلهي كادت روحي أن تزهق وأنا منتظر بلهفة للعصيد والمرق فلن آكل هذا ما دمت حياً فقال الغلام: قالت أمي ما معنا إلا هذا فأقسمت بعدم أكله حتى يعطوني ما أتمناه وما أطلبه هو حكمي وأريده بسرعة فقالوا ما تريد فقلت: احكموا لي بقرص فدرة دخن وكوب لبن فقالوا: من أين سنعطيك الآن وكنا نعملها منذ زمان فقلت: لن أغادر هذا المكان حتى تعطوني كسرة من فدرة الدخن وكوب من اللبن. فقالوا: طلبت أكله نادرة اطلب حاجة ثانية نعطيك مرقاً وعصيداً حسبما كنت تريد. فقلت: لا بل غير الفدرة لا أريد فتقدم شخص من بعيد وقال لهم: سأذهب إلى جدتي أظن أني رأيت معها عدة صلع فذهب مسرعاً ورجع بخفي حنين وقال: لا شيء من أين نعطيك الآن؟ فقلت: إن لم تلبوا منيتي سأجلس هنا حتى تحين منيتي وسأخلد ببخلكم طول الزمان وسأقول فيكم شعراً الآن سيظل عاراً عليكم يحمله الزمان على ما أذقتمونيه أنتم والصبيان حقكم. فقالوا: لا. خلاص رحنا نعطيك طلبك ولا تذمنا بأدبك وقال شخص من بينهم: أنا باروح الآن باخليهم يعملون فدرة من شأنك انتظرني في مكانك هذا فذهب وقال لزوجته: افعلي صلع فدرة دخن ضروري وإلا سيكون وضعنا مخزياً إن لم نعطِ العجوز ما طلب أسرعي. فقالت: من أين لنا بالدخن وما عندنا سوى دقيق وبر فقال لزوجته: خير البر عاجله ابحثي عند الجيران فخرجت عجله وتمشي خجلة تبحث عن دخن فلم تجد إلا في بيت واحد عند أطراف القرية وعادت مباشرة لطهي الفدرة وأنا لازلت منتظراً واضعا أقدامي على القاع متأملاً في تلك البقاع متذوقاً طعم الجوع، فطفقت أتخيل متى ساشبع وكادت بطني تختزق من الجوع بعدها أقبل الشخص مسرعاً ويحمل في يده كسراً من الفدر فشممتها من بعيد وطفقت أتنشق الأنفاس المفدرة وما فتئت أشعر بنكهة ملذة فقلت إني لأجد ريح الفدرة لولا أنكم تكذبون وشمتها تفوح بأنفي كما شممتها زمان فوصل الشخص بعد ثوان وقدم لي كوب من لبن وست صلع من الفدرة فطفقت أخشفها خشفات الخاور وألتقمها لقم الضاور ولا أدع أي سأور ولم أسقط منها أثاور من الفتات بل ألحف فتاتها من شدة الجوع وأقرط اقراصها الخشنة وأطرافها الخشمة وأنشف معها اللبن نشف مفجوع على نفاده نشفات مخننة لفمي بقطراته اللذعة بالحمضة الطفيفة ولم يكن إلا نصف الإناء وعلى تلك الإناء اللذيذة بعد قليل أكملت الأكل من هذه الوجبة القديمة التي لم أجد مثلها من ذي قبل ذا قيمة لجسمي ولذيذة في طعمي وقد أكلت حتى تشدشدت أعضائي وذهب عضائي من الوجع وتبغرت فمي من الشبع وانتفخت بطني من الصلع وقلت الحمد لله الذي رزقني هذا الشبع وأكلت أكلة زماني آخر زماني فقمت من مكاني بعد أن أكلت ما هواني وفرضت على أولئك القوم شهوتي وأنا في أضعف قوتي بعد أن باشروني برجمهم فاحتلت لعجنهم وعجينهم لما رأيت أخلاقهم سخرية نشبت لهم مكيدة مفترية بعد أن رأيت أخلاقهم مطابزة كاسم قريتهم طبازة فأبرزت لهم شوكة مطابزة في حلاقيمهم مثلما طبزوني طبزتهم وليس من المجدي الرد بمثل ما رجموني به وليس من خلقي أن أكيل الصاع بمثله بل أحببت أن أبعدهم عن أخلاقهم هذه وبينت لهم أن عقلي أذكى من عقولهم بعدما اتهموني بالجنون واستهزأوا بي وضحكوا على بدني وسخروا مني واستحقروني واستخفوا بذهني فضحكت على أذهانهم وسخفت من عقولهم ألا إنهم هم المجانين.
*كتبه الأديب د.عبدالمجيد محمد باعباد
هذه الرواية منسوجة بلغة عامية وبها الكثير من الكلمات الدارجة قمت بكتابتها على هذا الشكل حفاظاً على الموروث اللغوي اليمني ومن أجل إحياء معظم ما طمرته السنين من الألفاظ اللغوية التي لها معانِِ عربية أصيلة وتداولتها الألسن منذ زمان بلسان اللهجات الشعبية وجاءت لهجات جديدة اليوم طمست الماضي ولم تحيِ الفائت من لهجاتها لذلك كتبتها بألفاظ دارجة وعامية ووضحت معانيها اللغوية في الهوامش ..إليكم فحواها ومغزاها
أحمد الله وأشكره أن مدني بالتوفيق فنقلت لكم هذه الحكاية وهي مقتطف بسيط من روايتي بطولات أدبية وأوهام خرافية رقم البطولة الخامسة وهي بطولة وهمية من بنات أفكاري وخيالية وليست
حقيقية بل لها فحوى عظيمة ومطابقة للواقع المعيشي اليمني وهي حكاية الهتر أبو العجزة تحكي عن بطولة طبازة وتسمى هذه البطولة بطبازة وهي من بطولات مسعد طبازة والتي يرويها الهتر أبو العجزة ويثبت في حكايته هذه بطولته على طبازة وماهذه إلا حكاية واحدة فقط وهناك الكثير من بطولات طبازة سأنقلها لكم ريثما يسمح لي الوقت.
معنى طبازة من الفعل طبز ويعني الوخز ونقل طبز ويطبز ومطابز ومطابزة وطباز وطبز الإبرة وغيرها الهتر من الهتور ونقول مهتور ومهاتر ومهاترة والجمع مهاترات ..أخي القارئ الكريم قبل أن تبحر بين حروف هذا الفكر أتعظ بقول الله تعالى: !وَأمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنهَر وَأمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث"، ولا تستخف بأي شخص يمر بك فربما هو أحسن منك ولا تحتقر الضعفاء لضعفهم فلربما هم أقوى منك لولا تضاريس الحياة وتقلباتها ماكانوا هكذا وعليك أن تَرحَم وإلا فإنك لن تُرحَم ولا ترجم أي شخص يمر بك بسوء الظنون وإن كان مجنوناً فقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من الناس ولا ترجم الناس إلا بحسن ظنك فإنك أن فعلت ذلك رُجِمتَ بسوء ظنِّك وعلِّم صغارك وأولادك أن يحترموا من هو أكبر منهم وإن كانوا لا يعرفونه وربِّ أطفالك على ذلك ..وأينما كنت ليس من العقل أن تقحم نفسك في شأن لا دخل لك به فتكون كالشوكة تطبز كل من يمر فوقها فكن كالوردة الطيبة تفوح بعبيرها لكل مشتم ولا تهتم بشئون الناس بل أهتم بشؤونك ولا تحاول إصلاح الناس قبل أن تصلح نفسك فإنك أنت الخاسر وليس هم الخاسرون فالخسران المبين يومئذ أن تخسر نفسك لا أن تخسر أحداً من حولك، كن انت أنت ولا تكن غيرك فعليك نفسك هذِّبها على الأخلاق وعوِّدها على العمل الصالح لتنجو دنيا وآخرة ودع الخلق للخالق وحسبنا الله وكفى .......
..إليكم ((بطولة طبازة))وحكاية الهتر أبي العجزة ...
حكى لنا الهتر أبو العجزة يقول بلغت سن العجزة وتجاوزت عمر البهززة ونافرت سن النرفزة وشخت عن زمن القنفزة وقعدت ولا أكاد أقوم إلا بزبزة وأمشي مشي عنكزة ولا أبصر إلا بعمششة وكزكزة ولا أتكلم إلا بهزهزة شاخت بي الحياة المعجزة وأعيش في قرية تسمى الوهن يحيط بها جبل المشيخ من جهة العجز في وادي الكهول في وطن الذبول المسمى بأرذل العمر فخرجت ذات يوم ولا أملك سوى طمر أبحث عن ذي غمر لعلي أجد لقمة من العصيد مجدية أو بطانية مدفئة لجسدي من برد الليالي فخرجت من بيتي أمشي مشي العنكزة أتدبدب في طريقي إلى قرية طبازة وهي باسم شيخها طبازة فوصلتها ومعدتي محززة وأقدامي عاجزة من وجع المسير فعبرت من سورها الكبير وخلفه ميدان صغير وفيه صبيان يلعبون وأطفال يسرحون ويمرحون فجزعت منه على تلك البقاع وصحت بأعلى صوتي يا أولادي أنا جائع من يعطيني طعام ولو بعضاً من اللقم أعندكم لقيمات عصيد اذهبوا فتحسسوا من الفدر واستجلبوا لي عصيد المدر وهل عندكم فدرة مخدمة أو كبانة مكدمة وياحبذا خميرة مهندمة فإني جائع منهك البدن أحتاج فديرات دخن أو غرب أو ذرة وكان الأطفال يلعبون الكرة وينظرون إليه وقد سال لعابه مع كلامه وجف فمه من ظمأ الطريق فهو على مجاعة الريق ويصيح من منكم يعطيني حسنة أريد عصيدة مهموشة على نار مضرومة أو فدرة ملطوشة بحبيبات الحبة السوداء فهي لي دواء أنا عطشان أحتاج إلى شرب لبن بطري ومحلب يمري ويا حبذا فطير خبز مقلب من صاعة أم العجين من منكم يلبي طلبي هذا الحين لله يا محسنين عند الله ما يضيع يامحسنين ..
يقول الراوي بهذه الحكاية وهو الذائق لطعم هذه النكاية فتوافد الأطفال نحوي أحدهم ينفشني بالتراب والآخر يجرني بالثياب وبعضهم ينتع كشيدتي ويضحكون من ميشتي ومشيتي ويجرون خلفي ويقولون مجنون حنون مجنون حنون ويتدافعون أمامي وكنت أمشي بهنتلة وملابسي مبهذلة وأطماري مدلدلة من الأكمام وفوطتي مشددة من الأمام وقلنسوتي محتشية فوق رأسي لكن اضحكتهم هيئتي وأغربتهم بلدتي فطفقوا يجرون بعدي ويمشون خلفي ويقولون وووطقطقه وحمادي وطقطقة وحمادي فلم تكن نفسي طائقة ولست بطقطقة ولا بحمادي وأقول لهم مالكم يا أولادي من تقصدون بهذا الاسم وهم يبترعون بعدي إلى أن تعبت من أذاهم وغلبني هواهم بعد أن رموني بالحجارة فهربت وأختبأت خلف أحد الجدران وهم لازالوا بعدي يرمونني بالحجارة فزعقت بأعلى صوتي يا أهل هذه القرية يا أهل هذه الحارة ربوا أولادكم فخرج شخص من منزله وأنقذني من هذه المهزلة وكان قوامي هزيلاً من كثر المتابعة ولم أتحمل أذى الأطفال فرأيت أحد الرجال فسألته أين مجالس القرية التي بها المخزنين فباشرني بسؤال رزين: ليش تسأل عليها؟ فقلت: له لأقصدها فقال: لماذا تقصدها؟ فقلت: أبحث عن حسنة أنا جائع منذ أن أكلت قبل سنة فهل في هذه القرية من يمد يده لفعل الخيرات والحسنات المبرات؟ ومن يطعمني عصيدة محسىأة أوعصيدة موثجة في صحفة مدرة حامية وفدرة مخدمة أو سبئية مسندمة أو فتة مخمرة بسمن بقري؟ أنا بحاجة إلى عصيدة لأوكشها وفديرات أخشها في فمي فقال لي هذا الشخص: أترى ذلك المنزل الطيني خلف المبنى الكبير عنده يجلس رجال القرية الصغير والكبير فذهبت مسرعاً في المسير إلى حيث وجهني هذا المشير فدخلت إلى وسط المجلس وقعدت وقلت لأولئك الناس لله يامحسننين لله يا محسنين من عنده صدقة يتصدق بها علي أنا جائع منذ سنين أحتاج عصيدة معصودة وأكواب مرق منضوجة وفدر مكوبة وصلع مشبوبة وأباريق لبن محلوبة أو فطائر كبانة مقلوبة في نار الصاعات من يلبي طلبي لعلي به أسد رمقي من هذه المجاعات التي تنتابني منذ زمن من يقدم لي ذلك وله الثواب الحسن عند الله فتنحنح وتحنحن هؤلاء القوم فيما بينهم وقعدوا يتغامزون من وهج الإحراج ما لهذا الحاج يقعد بيننا فقام أحدهم يعطيني شغثات قات فقلت لا أريد قاتاً أحتاج طعاماً أسد به ما بي من الفاقات ومعدتي من الجوع تلهب لهيب وفمي يذوب ولساني يابسة ولعابي باتت ناشفة فقال أحدهم لابنه اذهب إلى عند أمك وقل لها تعطيه طعام فخرج هذا الغلام فانتظرته حتى حان الظلام ومن شظف المجاعة تخايلت بمائدة قادمة وإذا بي أرعبل اللقمة تلو اللقمة وأهمشها بين سحاوق المرق الممروقة وكدت أشتم رائحة النشاحة المنشوقة بحلاتيت الزوم والمراقة وكنت مترنحا للطخ الحلبة وذهني سارح عند صحفة العصيد وفمي متذوق طعم اللبن وأسناني مشتاقة لخشف الفدرة ومعدتي ملتهبة من شدة الجوع فانتظرت لعل الطفل يحين للرجوع فجلست في مؤخرة الجمع باب المجلس عند أحذية الناس ونكست رأسي ودفسته بين فخوذي فشعروا بعدم وجودي بينهم فسمعتهم يتبادلون أطراف الكلام ويحللون أخبار الإعلام ويناقشون هموم الأقوام ولم يلبِّ أحدهم همي الوحيد فاستمعت لكلامهم من بعيد وكان كلامهم كلاماً فاضياً لا جدوى منه بل هو هراء ووباء سياسي وداء تحزبي ومرض مناطقي وكل واحد منهم يبرز رأيه أنه الأقوى وأن كيانه هو الأبقى وأنا على ذلك المكان أرى بين أولئك القوم شخصاً كثير اللوم يجلس في وسط مجلس القوم ويبدو من هيئته شخصاً كيِّساً وبينما هم يبثون الكلام وجدته يسوم كل متكلم ويشمخ فوق كبار القوم ويدخل نفسه في كل شأن ويعمل نفسه مثقفاً ويشعل فتيل النجوى بهذا المجلس ولا يدع متحدثاً إلا ونخشه ولا يترك مخزناً إلا وأنكشه بحنكته المشمئزة وألفاظه المقززة لكل صغير وكبير ومن تكلم قاطعه ومنعه ويدخله معه في صلب الحديث وبينما هم يتنافثون ويتفتفون القات ويتفلونه من أفواهمم ويقلبونه على صوابرهم اشتدت بينهم المماكاة وبرزت ألفاط المناكاه بين أحدهم يسمونه مسعد طبازة وهو شيخ المجلس وعاقل قرية طبازة والآخر يسمى بهززة بن بهزرة وتناقلت بينهم الكلمات المهزئة فقام مجموعة من المخزنين يسكتونهم عن هذا النقاش الجدلي فخرج أحدهم مولياً ويقول إني لمخذول لو رجعت أخزن هنا فكلكم ضدي كل حاجة عملها بهزرة ولا تعلمون أن مسعد طبازة هو من أشعل هذه الهدرة ويقول بثأثأة اسمه على مسمى مهما طرحنا لا يفهمنا وإن تكلمنا قاطعنا كاد المسمي أن يخلق فاسمعوا يا بلا ذوق لا تصدقوا كلامه إليكم معنى اسمه يدعى طبازة وكله مطابزة ولقفه كالشوكة تطبز كل من مر فوقها فلا تروقوا لبوقه و كلامه طبز يطبز طبيزاً ألم يوجع القلب؟ فارتفعت أصوات المساببة ونطقوا ألفاظ المؤاربة ورمى أحدهم الآخر بدبه ماء فسقطت على رأسي لأني كنت في الزوة فهرب بهزرة ووقعت الدبة على رأسي عند البوابة فنهضت لبلبة وشددت أرجلي بأهبة من وجع اللهبة وصحت بصوت شيوبة ما لكم يا قوم لم أسلم من أذى أطفالكم فما بال عقالكم يرجموني بالدباب وأنا جالس عند هذا الباب فقام إليَّ شخص مهاب فاقعدني وقال سقطت عن غير قصد ولم يقصد برميك فقلت وما قصد أطفالكم يرجموني بالحجارة من حارة إلى حارة ويجرون خلفي وأصواتهم مطربقة وطقطقة وحمادي ولست بطقطقة ولا بحمادي أنا من ديار الكهول واسمي الهتر أبو العجزة فمالكم أيها الناس هل ذهب عنكم الحس أعقولكم مطششة أم أذهانكم متسطلة وألفاظكم متفضولة وأفعالكم غير مقبولة ما أراكم إلا مجانيين ومخزنين في غب الختاته عقالكم كصغاركم وأفعالكم كحماقة أشبالكم فعلى ماذا ترجموني؟ فقام أحد المخزنين ورمى لي الشال وقال هذا حكمك وهذه الفلوس لك فقلت لا حاجة لي بالفلوس ولا أرضى بهذا الحكم أنا أريد طعام عندها وصل الغلام وفي يده قرص خبز قافح وقده منتفر وكأنه من أيام التتار وبيده كوب شاهي فقلت له يا إلهي كادت روحي أن تزهق وأنا منتظر بلهفة للعصيد والمرق فلن آكل هذا ما دمت حياً فقال الغلام: قالت أمي ما معنا إلا هذا فأقسمت بعدم أكله حتى يعطوني ما أتمناه وما أطلبه هو حكمي وأريده بسرعة فقالوا ما تريد فقلت: احكموا لي بقرص فدرة دخن وكوب لبن فقالوا: من أين سنعطيك الآن وكنا نعملها منذ زمان فقلت: لن أغادر هذا المكان حتى تعطوني كسرة من فدرة الدخن وكوب من اللبن. فقالوا: طلبت أكله نادرة اطلب حاجة ثانية نعطيك مرقاً وعصيداً حسبما كنت تريد. فقلت: لا بل غير الفدرة لا أريد فتقدم شخص من بعيد وقال لهم: سأذهب إلى جدتي أظن أني رأيت معها عدة صلع فذهب مسرعاً ورجع بخفي حنين وقال: لا شيء من أين نعطيك الآن؟ فقلت: إن لم تلبوا منيتي سأجلس هنا حتى تحين منيتي وسأخلد ببخلكم طول الزمان وسأقول فيكم شعراً الآن سيظل عاراً عليكم يحمله الزمان على ما أذقتمونيه أنتم والصبيان حقكم. فقالوا: لا. خلاص رحنا نعطيك طلبك ولا تذمنا بأدبك وقال شخص من بينهم: أنا باروح الآن باخليهم يعملون فدرة من شأنك انتظرني في مكانك هذا فذهب وقال لزوجته: افعلي صلع فدرة دخن ضروري وإلا سيكون وضعنا مخزياً إن لم نعطِ العجوز ما طلب أسرعي. فقالت: من أين لنا بالدخن وما عندنا سوى دقيق وبر فقال لزوجته: خير البر عاجله ابحثي عند الجيران فخرجت عجله وتمشي خجلة تبحث عن دخن فلم تجد إلا في بيت واحد عند أطراف القرية وعادت مباشرة لطهي الفدرة وأنا لازلت منتظراً واضعا أقدامي على القاع متأملاً في تلك البقاع متذوقاً طعم الجوع، فطفقت أتخيل متى ساشبع وكادت بطني تختزق من الجوع بعدها أقبل الشخص مسرعاً ويحمل في يده كسراً من الفدر فشممتها من بعيد وطفقت أتنشق الأنفاس المفدرة وما فتئت أشعر بنكهة ملذة فقلت إني لأجد ريح الفدرة لولا أنكم تكذبون وشمتها تفوح بأنفي كما شممتها زمان فوصل الشخص بعد ثوان وقدم لي كوب من لبن وست صلع من الفدرة فطفقت أخشفها خشفات الخاور وألتقمها لقم الضاور ولا أدع أي سأور ولم أسقط منها أثاور من الفتات بل ألحف فتاتها من شدة الجوع وأقرط اقراصها الخشنة وأطرافها الخشمة وأنشف معها اللبن نشف مفجوع على نفاده نشفات مخننة لفمي بقطراته اللذعة بالحمضة الطفيفة ولم يكن إلا نصف الإناء وعلى تلك الإناء اللذيذة بعد قليل أكملت الأكل من هذه الوجبة القديمة التي لم أجد مثلها من ذي قبل ذا قيمة لجسمي ولذيذة في طعمي وقد أكلت حتى تشدشدت أعضائي وذهب عضائي من الوجع وتبغرت فمي من الشبع وانتفخت بطني من الصلع وقلت الحمد لله الذي رزقني هذا الشبع وأكلت أكلة زماني آخر زماني فقمت من مكاني بعد أن أكلت ما هواني وفرضت على أولئك القوم شهوتي وأنا في أضعف قوتي بعد أن باشروني برجمهم فاحتلت لعجنهم وعجينهم لما رأيت أخلاقهم سخرية نشبت لهم مكيدة مفترية بعد أن رأيت أخلاقهم مطابزة كاسم قريتهم طبازة فأبرزت لهم شوكة مطابزة في حلاقيمهم مثلما طبزوني طبزتهم وليس من المجدي الرد بمثل ما رجموني به وليس من خلقي أن أكيل الصاع بمثله بل أحببت أن أبعدهم عن أخلاقهم هذه وبينت لهم أن عقلي أذكى من عقولهم بعدما اتهموني بالجنون واستهزأوا بي وضحكوا على بدني وسخروا مني واستحقروني واستخفوا بذهني فضحكت على أذهانهم وسخفت من عقولهم ألا إنهم هم المجانين.
*كتبه الأديب د.عبدالمجيد محمد باعباد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق