رن الجرس معلنا انتهاء الدوام طار جميع التلاميذ سربا واحدا نحو بيوتهم، في هذا الوقت لا تخطر ببال أي منهم أفكار زرقاء ،لأن كل تفكيرهم يتمحور في الطعام وأخذ قيلولة من النوم .
سار أيضا الأستاذ أنس بخفة ، وبدت عليه بوضوح معالم المزاج الجيد ، هناك الكثير من الأشياء المشرقة التي تظهر بطواعية في محياه وكأنه يلعب الشيش بيش، فها هو يتحدث بولع عن كرة القدم،لدرجة استغرب أستاذ التاريخ راقي دعوته لحضور مبارة بعد نصف ساعة.
حدق راقي بعينين ضجرتين فبدتا كبياض شعره ،وكأن دعوته لا أهمية لها ،وشعر بعدم الارتياح دون أن يبتسم ،المجاملة لم تطل رفضه بدماثة،منذ طفولته هو يكره كرة القدم ،ويحب شي اللحم على الحطب،وعليه يسأل نفسه دائما وهو يقف قبالة الموقد" كيف تشوي النار اللحم الحرام ، ويصبح أكله حلالا لذيذا" أمر له بالغ الأهمية لا يمكن لرجل متدين أن يفهمها على الإطلاق.
ظل أنس يتكلم عن تخمينات نتيجة المباراة ،والظروف الغامضة التي تحيط بها،هذه الأمور موجودة دائما في كل مباراة:
_ على كل حال ليست الخسارة أمر تافه، هكذا قال لنا حميدوش؟؟
لقد وجد راقي نفسه آذان صاغية أمام حلاوة حديث أنس ،فلقد كان منذ زمن بعيد يقتنع أن الصوت الصادق ولو عن تفاهات ، يجعل التفاهة حادثة مروعة، فعندما قال له مع تنهيدة:
- سنكون محظوظين لو فزنا ،الخصم ليس خطير ،ومن الممكن أن يموت المرء من أجل الفوز...هكذا تكلم حميدوش.
تخيل راقي أنه يرى حميدوش أمامه يكلمه:
" حميدوش هل تحلم بأشياء عظيمة بدلا من كرتك التافهة"
كان عليه أن يخجل من نفسه ،وهو يبدل حذاء الحقيقة ،كان مستعدا للذهاب ، لكنه جائع.نظر حوله كمن يبحث عن أحد يفسر له الأمر،فلم يتكلم ، غير أن أنس باغته :
- الآن نأكل صحن حمص عند أبو النور ونذهب لحضور المباراة.
ما الذي يريده أكثر من ذلك ،لقد أعادت العزيمة الروح المرحة لراقي ،وبدا وجهه وكأنه صبغ حديثا بالحيوية ،وليس فيه من أثر للنفور من كرة القدم ، بل على العكس بادره بسؤال جريء:
- لقد أحببت حميدوش
أنس يريد أن يوضح له أن كرة القدم فتنة واندهاش ، بل أعمق من ذلك ، فلسفة ،وكان عليه أن يفسر له ذلك ،وهو يرد :
- مالا تستطيع أن تفسره لوحدك عليك أن تبحث عن شخصية مثل حميدوش يفسره لك.
ذات مرة قال لي حميدوش يا أنس هكذا بدأ الأمر عندما صنع الإنسان كرة من الصوف لم يستطع حملها بيديه ،فركلها بقدمه ركلة قوية،دون أن يعلم ما يريد من تلك الكبة،لقد كان من الصعب على الإنسان أن يفهم ماذا فعل،لكن ما جرى ضربه مثل الصاعقة جعتله يرى أشياء لم يرها من قبل ؟؟؟؟
لم يتمكن راقي من الاحتفاظ بسؤاله في داخله،فقد حركت القصة عالمه من مرساه ،كرة صغيرة تحولت إلى أسطورة كبيرة حركت عالمه الداخلي.
- هل هذا حدث حقا
- هكذا تكلم حميدوش من الممكن أن يكون ذلك حلم أي إنسان، أن يركل شيء بقدمه .
قصة مثيرة حقا ،تبدو أنها قصة تاريخ البشرية وليست قصة كبة الصوف، مازال راقي حائرا وعيناه تلمعان دهشة:
- يعني اكتشفت كرة القدم صدفة.
هناك ثغرة في القصة،لكن أنس كان قادرا على القفز بين ما هو تسلية وما هو عبث ،وفي بعض الأحيان يشطح بخياله متجاوزا الحدود:
- لا يوجد شيء اسمه عبث أو صدفة ،هكذا قال حميدوش ، فكرة القدم كانت فكرة كامنة في مخ الإنسان ، مثلما البطيخة كامنة في البذرة ،ستظهر عندما تطلق اسم عليها.
كانا قد وصلا إلى منتصف شارع الملعب ، تبع راقي أنس إلى داخل المطعم ،وبدت عليه البهجة أنه سيأكل ،صعدا إلى الطابق الثاني ،اختار أنس طاولة تطل على الشارع ،قال راقي بنبرة تنم عن الإعجاب :
-إنه أنيق
يبدو واضحا أن أنس محنك في ارتياد المطعم ،مزاجه مازال جيدا ،وبدا بأنه من زبن المطعم.طلب من النادل صحنين حمص مع كأسين شاي ،وود لو يحدثه عن المطعم كما حدثه عن كرة القدم ،فقال له :
- كما ترى لا تستطيع أن ترى مدينة بدون مطعم
لكن النادل قدم لهم الحمص مع أرغفة خبز التنور الشهية ، أكل راقي بنهم ، تخيل أنه يقف أمام حميدوش ويكلمه ثانية:
- معلمي حميدوش زدني من فيض علمك
فؤاد حسن محمد
سار أيضا الأستاذ أنس بخفة ، وبدت عليه بوضوح معالم المزاج الجيد ، هناك الكثير من الأشياء المشرقة التي تظهر بطواعية في محياه وكأنه يلعب الشيش بيش، فها هو يتحدث بولع عن كرة القدم،لدرجة استغرب أستاذ التاريخ راقي دعوته لحضور مبارة بعد نصف ساعة.
حدق راقي بعينين ضجرتين فبدتا كبياض شعره ،وكأن دعوته لا أهمية لها ،وشعر بعدم الارتياح دون أن يبتسم ،المجاملة لم تطل رفضه بدماثة،منذ طفولته هو يكره كرة القدم ،ويحب شي اللحم على الحطب،وعليه يسأل نفسه دائما وهو يقف قبالة الموقد" كيف تشوي النار اللحم الحرام ، ويصبح أكله حلالا لذيذا" أمر له بالغ الأهمية لا يمكن لرجل متدين أن يفهمها على الإطلاق.
ظل أنس يتكلم عن تخمينات نتيجة المباراة ،والظروف الغامضة التي تحيط بها،هذه الأمور موجودة دائما في كل مباراة:
_ على كل حال ليست الخسارة أمر تافه، هكذا قال لنا حميدوش؟؟
لقد وجد راقي نفسه آذان صاغية أمام حلاوة حديث أنس ،فلقد كان منذ زمن بعيد يقتنع أن الصوت الصادق ولو عن تفاهات ، يجعل التفاهة حادثة مروعة، فعندما قال له مع تنهيدة:
- سنكون محظوظين لو فزنا ،الخصم ليس خطير ،ومن الممكن أن يموت المرء من أجل الفوز...هكذا تكلم حميدوش.
تخيل راقي أنه يرى حميدوش أمامه يكلمه:
" حميدوش هل تحلم بأشياء عظيمة بدلا من كرتك التافهة"
كان عليه أن يخجل من نفسه ،وهو يبدل حذاء الحقيقة ،كان مستعدا للذهاب ، لكنه جائع.نظر حوله كمن يبحث عن أحد يفسر له الأمر،فلم يتكلم ، غير أن أنس باغته :
- الآن نأكل صحن حمص عند أبو النور ونذهب لحضور المباراة.
ما الذي يريده أكثر من ذلك ،لقد أعادت العزيمة الروح المرحة لراقي ،وبدا وجهه وكأنه صبغ حديثا بالحيوية ،وليس فيه من أثر للنفور من كرة القدم ، بل على العكس بادره بسؤال جريء:
- لقد أحببت حميدوش
أنس يريد أن يوضح له أن كرة القدم فتنة واندهاش ، بل أعمق من ذلك ، فلسفة ،وكان عليه أن يفسر له ذلك ،وهو يرد :
- مالا تستطيع أن تفسره لوحدك عليك أن تبحث عن شخصية مثل حميدوش يفسره لك.
ذات مرة قال لي حميدوش يا أنس هكذا بدأ الأمر عندما صنع الإنسان كرة من الصوف لم يستطع حملها بيديه ،فركلها بقدمه ركلة قوية،دون أن يعلم ما يريد من تلك الكبة،لقد كان من الصعب على الإنسان أن يفهم ماذا فعل،لكن ما جرى ضربه مثل الصاعقة جعتله يرى أشياء لم يرها من قبل ؟؟؟؟
لم يتمكن راقي من الاحتفاظ بسؤاله في داخله،فقد حركت القصة عالمه من مرساه ،كرة صغيرة تحولت إلى أسطورة كبيرة حركت عالمه الداخلي.
- هل هذا حدث حقا
- هكذا تكلم حميدوش من الممكن أن يكون ذلك حلم أي إنسان، أن يركل شيء بقدمه .
قصة مثيرة حقا ،تبدو أنها قصة تاريخ البشرية وليست قصة كبة الصوف، مازال راقي حائرا وعيناه تلمعان دهشة:
- يعني اكتشفت كرة القدم صدفة.
هناك ثغرة في القصة،لكن أنس كان قادرا على القفز بين ما هو تسلية وما هو عبث ،وفي بعض الأحيان يشطح بخياله متجاوزا الحدود:
- لا يوجد شيء اسمه عبث أو صدفة ،هكذا قال حميدوش ، فكرة القدم كانت فكرة كامنة في مخ الإنسان ، مثلما البطيخة كامنة في البذرة ،ستظهر عندما تطلق اسم عليها.
كانا قد وصلا إلى منتصف شارع الملعب ، تبع راقي أنس إلى داخل المطعم ،وبدت عليه البهجة أنه سيأكل ،صعدا إلى الطابق الثاني ،اختار أنس طاولة تطل على الشارع ،قال راقي بنبرة تنم عن الإعجاب :
-إنه أنيق
يبدو واضحا أن أنس محنك في ارتياد المطعم ،مزاجه مازال جيدا ،وبدا بأنه من زبن المطعم.طلب من النادل صحنين حمص مع كأسين شاي ،وود لو يحدثه عن المطعم كما حدثه عن كرة القدم ،فقال له :
- كما ترى لا تستطيع أن ترى مدينة بدون مطعم
لكن النادل قدم لهم الحمص مع أرغفة خبز التنور الشهية ، أكل راقي بنهم ، تخيل أنه يقف أمام حميدوش ويكلمه ثانية:
- معلمي حميدوش زدني من فيض علمك
فؤاد حسن محمد
جبلة سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق