⏪⏬
في باحة جامعة اليرموك الربداوية في شمال الاردن ، قبل أيام ، تقدم مني حفيدي الدارس لعلوم السياسة فيها. وقال بفرح مقدما لي باقة من زميلاته وزملائه الطلبة ، كانوا برفقته : هذه زميلتنا دلال سورية من فلسطين ، والعباس هذا أخ عراقي من سورية ، أما
الياس هذا فهو من جبل العرب في سورية ، أما خديجتنا هذه ، فهي لبنانية من سورية هي الاخرى ، وأنا كما علمتني اردني من بلاد الشام مثلهم . كلنا كما ترى يا جدي ، نعتز وبحب ، أننا عرب من هنا ، من سوريا الكبرى .
قلت وروحي تضمهم باعتزاز : ( بلاد الشام حتى في زمن الانحدار العربي العام ، ليست دولة او حيزا جغرافيا فقط ، بل قصة تعاش ولا تقال أو تروى ، تتناقلها الاجيال لا من خلال أعلام أو اناشيد ، بل بصمات حضارية منقوشة على وجه الزمان وقلب المكان .
قالت خديجة : ولكن يا شيخنا ، أوليس من الشذوذ ان تعشق مكانا محددا أو تاريخا ما ، فقط لانه جزء من ذكرى جميلة تغزو روحك ؟
قلت : ليس عبيا إن كانت بلاد الشام هي اصل الحكاية . لبلاد الشام كيمياء لا تسمح لأي عاق سياسي ، الامعان في العنصرة ، او التشظي والتحوصل في قطرية ضيقة مقيتة . سورية الكبرى قصة سرمدية ، مليئة بالرموز والسحر والغموض . لا تبوح بكل مكنوناتها مرة واحدة . وكل من حاول مقاربتها ، ادرك ان لا بداية لسورية ، ولا نهاية لها .
سال علي : اتشكو مواطن الهلال الخصيب تقصيرا في حبنا لها ؟ أسوريانا في ظل ما نعيش من انحدار ، بحاجة لمن يحبها اكثر ؟
قلت وأنا أرخي ذراعي الايسر على كتفه لادنيه مني ، ومتواصلا مع عيونهم : لا يا ولدي ، فبلاد الشام قد بلغت من الحظوة درجة ، ان كل محب لها انى توجه ، سيجدها باقية في قلب الزمان ، وفي الواقع ماثلة ، وفي الامل حاضرة . لا اعلم بلدا ، قد بلغت بالحضارة ، ما بلغت بلاد الشام ، أوصلتها الى مراقي المجد وذروة الشرف في الارض .
حتى قيل : أن كل محب للطبيعة ، سيستوطنه جمالها الصارخ , وهو يطل على جدران المدينة الوردية في البترا ، التي نقشت في الصخر قبل 3000 سنة ، او في شموخ سور عكا ، حيث هزم نابليون ، او في بقايا تدمر او بابل او بعلبك وغيرها الكثير .
ومن كان من عشاق الحضارات ، سيجد بعض اجزاء هذه القصة في كل حضارة عاشت فيها وعبرتها . وسيعلم ساعتها انها كانت المهد لاول ابجدية وجدت في التاريخ . وفي ثناياها سيجد باقات من العلماء كابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية في عام 1242 .
والفرح يتراقص على قسمات وجهي ، وفي نبرات صوتي أكملت : ومن عنده شغف بالايمان ، سيعلم مما ترويه له أجراس الكنائس في بيت لحم ، وتكبيرات قباب بيت المقدس ، اننا في بلاد الشام ، مسلمون منذ اكثر من 1440 سنة ، ومسيحيون منذ 2020 سنة ، ولكن الاهم اننا سوريون منذ حوالي 7000 سنة . قصة سوريا وان لم تبدأ بولادة العديد من الأنبياء الذين عاشوا فيها او عبروها ، الا انها في نبوؤة كل نبي ، وفي كل صلاة ، وكل لحظة قرب من الله سبحانه .
أما الياس ، فقد استأذنهم ليسألني باسمهم جميعا : كيف نخرج من سجن قطرياتنا الضيقة والسلبية ، الى رحاب هويتنا الوطنية .
قلت : بالخروج الايجابي ، مما اقترفه بحقكم سايكس بيكو وبعض تابعيه من المتصهينين ، الى غيطان عروبة بلاد الشام ،. محوطين بنسائم مشبعة برذاذ أنهر دجلة والفرات ، والعاصي والاردن واليرموك ، ونهرالعوجا في فلسطين والليطاني في لبنان . اطلقوا العنان لارواحكم ، وارقصوا عشقا مع مطر الخير ، تحت ضوء القمر، وعلى سحرانغام اول نوتة موسيقية خالدة في التاريخ ، وجدت محفورة على لوح طيني في اوغاريت ، ابدعها قبل 3400 سنة روح ذاك السوري العظيم ، قبل الكثير من عباقرة الموسيقى في العالم ).
من اين نبدأ يا جدي ؟
أفقلت ونحن نتوجه الى المقصف : وانتم تعملون من اجل مستقبل افضل ، لتكن لكم يا شباب ، الجرأة على استخدام عقولكم ، للتعرف على ما في ارواحكم من الحان لم تؤلف بعد ، والكثير من القصائد التي لم تنظم بعد . بلادكم تعج بالكثير من الامنيات التي لم تتحقق ، والكثير من الدعوات التي لم تستجب بعد ، ولن تستجب الا بتحرير عقولكم من غيبياتها وسلبياتها .
سوريانا العظيمة بوابة العروبة الانسانية ، تستحق الحياة وتليق بها . فهي هوية ثانية لكل مثقف إنسان ، بالاضافة الى هوية امته الاصلية .
الاردن – 7/1/2020
في باحة جامعة اليرموك الربداوية في شمال الاردن ، قبل أيام ، تقدم مني حفيدي الدارس لعلوم السياسة فيها. وقال بفرح مقدما لي باقة من زميلاته وزملائه الطلبة ، كانوا برفقته : هذه زميلتنا دلال سورية من فلسطين ، والعباس هذا أخ عراقي من سورية ، أما
الياس هذا فهو من جبل العرب في سورية ، أما خديجتنا هذه ، فهي لبنانية من سورية هي الاخرى ، وأنا كما علمتني اردني من بلاد الشام مثلهم . كلنا كما ترى يا جدي ، نعتز وبحب ، أننا عرب من هنا ، من سوريا الكبرى .
قلت وروحي تضمهم باعتزاز : ( بلاد الشام حتى في زمن الانحدار العربي العام ، ليست دولة او حيزا جغرافيا فقط ، بل قصة تعاش ولا تقال أو تروى ، تتناقلها الاجيال لا من خلال أعلام أو اناشيد ، بل بصمات حضارية منقوشة على وجه الزمان وقلب المكان .
قالت خديجة : ولكن يا شيخنا ، أوليس من الشذوذ ان تعشق مكانا محددا أو تاريخا ما ، فقط لانه جزء من ذكرى جميلة تغزو روحك ؟
قلت : ليس عبيا إن كانت بلاد الشام هي اصل الحكاية . لبلاد الشام كيمياء لا تسمح لأي عاق سياسي ، الامعان في العنصرة ، او التشظي والتحوصل في قطرية ضيقة مقيتة . سورية الكبرى قصة سرمدية ، مليئة بالرموز والسحر والغموض . لا تبوح بكل مكنوناتها مرة واحدة . وكل من حاول مقاربتها ، ادرك ان لا بداية لسورية ، ولا نهاية لها .
سال علي : اتشكو مواطن الهلال الخصيب تقصيرا في حبنا لها ؟ أسوريانا في ظل ما نعيش من انحدار ، بحاجة لمن يحبها اكثر ؟
قلت وأنا أرخي ذراعي الايسر على كتفه لادنيه مني ، ومتواصلا مع عيونهم : لا يا ولدي ، فبلاد الشام قد بلغت من الحظوة درجة ، ان كل محب لها انى توجه ، سيجدها باقية في قلب الزمان ، وفي الواقع ماثلة ، وفي الامل حاضرة . لا اعلم بلدا ، قد بلغت بالحضارة ، ما بلغت بلاد الشام ، أوصلتها الى مراقي المجد وذروة الشرف في الارض .
حتى قيل : أن كل محب للطبيعة ، سيستوطنه جمالها الصارخ , وهو يطل على جدران المدينة الوردية في البترا ، التي نقشت في الصخر قبل 3000 سنة ، او في شموخ سور عكا ، حيث هزم نابليون ، او في بقايا تدمر او بابل او بعلبك وغيرها الكثير .
ومن كان من عشاق الحضارات ، سيجد بعض اجزاء هذه القصة في كل حضارة عاشت فيها وعبرتها . وسيعلم ساعتها انها كانت المهد لاول ابجدية وجدت في التاريخ . وفي ثناياها سيجد باقات من العلماء كابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية في عام 1242 .
والفرح يتراقص على قسمات وجهي ، وفي نبرات صوتي أكملت : ومن عنده شغف بالايمان ، سيعلم مما ترويه له أجراس الكنائس في بيت لحم ، وتكبيرات قباب بيت المقدس ، اننا في بلاد الشام ، مسلمون منذ اكثر من 1440 سنة ، ومسيحيون منذ 2020 سنة ، ولكن الاهم اننا سوريون منذ حوالي 7000 سنة . قصة سوريا وان لم تبدأ بولادة العديد من الأنبياء الذين عاشوا فيها او عبروها ، الا انها في نبوؤة كل نبي ، وفي كل صلاة ، وكل لحظة قرب من الله سبحانه .
أما الياس ، فقد استأذنهم ليسألني باسمهم جميعا : كيف نخرج من سجن قطرياتنا الضيقة والسلبية ، الى رحاب هويتنا الوطنية .
قلت : بالخروج الايجابي ، مما اقترفه بحقكم سايكس بيكو وبعض تابعيه من المتصهينين ، الى غيطان عروبة بلاد الشام ،. محوطين بنسائم مشبعة برذاذ أنهر دجلة والفرات ، والعاصي والاردن واليرموك ، ونهرالعوجا في فلسطين والليطاني في لبنان . اطلقوا العنان لارواحكم ، وارقصوا عشقا مع مطر الخير ، تحت ضوء القمر، وعلى سحرانغام اول نوتة موسيقية خالدة في التاريخ ، وجدت محفورة على لوح طيني في اوغاريت ، ابدعها قبل 3400 سنة روح ذاك السوري العظيم ، قبل الكثير من عباقرة الموسيقى في العالم ).
من اين نبدأ يا جدي ؟
أفقلت ونحن نتوجه الى المقصف : وانتم تعملون من اجل مستقبل افضل ، لتكن لكم يا شباب ، الجرأة على استخدام عقولكم ، للتعرف على ما في ارواحكم من الحان لم تؤلف بعد ، والكثير من القصائد التي لم تنظم بعد . بلادكم تعج بالكثير من الامنيات التي لم تتحقق ، والكثير من الدعوات التي لم تستجب بعد ، ولن تستجب الا بتحرير عقولكم من غيبياتها وسلبياتها .
سوريانا العظيمة بوابة العروبة الانسانية ، تستحق الحياة وتليق بها . فهي هوية ثانية لكل مثقف إنسان ، بالاضافة الى هوية امته الاصلية .
الاردن – 7/1/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق