اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الشّيرة اللي نبغيها قطعت البحر ..** نُسيبة عطا الله

في يوم من أيّام 2013 الشّتوية، حين كان البرد يقرص الذين أحبّهم، كانت رطوبة جدّة تنخر رئتيّ، ولم أعلم هل نحفتُ جدّا بسبب أوّل شتاء حارّ في حياتي، أو بسبب قصص باردة داخلي.. كنتُ وقتها أمشي مع زوجي شوارع جدّة متّجهين إلى إحدى مطاعم "البيك" حين سمعتُ صوت الشّاب حسني يقول: "الشّيرة اللي نبغيها ديما يبانلي خيالها ويا، حسنو عوني أنا قطعت البحر وياي"... توقّفت وقلت لزوجي: "الشّاب حسني، والله غيل الشّاب حسني" واستدرتُ نحو الرّجل الذي كان يضع وطني في أذنيه، شعرتُ أنّني أنتمي إليه في تلك اللحظة، كنتُ أريد أن ألحق به وأطلب منه أن ينزع السّماعات، لكنّ
زوجي جرني من يدي وقال لي: اسكتي فضحتينا، نسيتي انّك برّا؟، قالها لي بلهجة قاسية وعيون جاحظة، تلك الجملة كانت من أكبر الأسباب التي فرّقت بيننا وقتها، فالشّارع كان خاليا وصمتُ اللّيل أقوى ضجيجا من ذلك الصّوت الخافت الذي سمعتُهُ أنا فقط!.. في تلك اللحظة شعرتُ أني أكرهه، جلستُ في المطعم على مضض أكبت دموعي وآهاتي وسافرتُ نحو النّافذة إلى أعراس الأسطح.. حين تأتي نغمات هذه الأغنية تخترق أعماقنا من "الدّيجي": لا تقوليش المكتوب ولّلا الميمون والزّيهر آي، وهذا حدّ العشرة وهذا ربّي ما كتب وياي، الشّيرة اللي نبغيها ديما يبانلي خيالها، آ حسنو عوني، أنا قطعت البحر وياي"، ونتحلّق جميعا من كلّ الأعمار رافعين أيادينا في رقصة إلهها العشق والخيبة: "خلوني لا نبكي أنا عندي بروبلام، من فوق جهدي نبغيك سيرتو اللي بيناتنا"، وتكبر الآهات في تكبير ربّه الهوى وأيّام العشق الخوالي، أيّام الكاسيت والسّتيلو ذو التّعاريج، حين كان القلم والمسّجلة جسدا واحدا، حين كان حسني والوسادة إسما واحدا، حين كانت الأغنية والمنديل قصيدة واحدة..
رنّ هاتفي فجأة، صوتٌ أليف قال لي: نُسيبة أنا الآن في البحر، قد تنقطع التّغطية في أيّ لحظة، "باغي نقولك نبغيك، ما ننساكش"، كان رجلا من عائلتي، قطع البحر قبل أن أقطعه أنا، كان أوّل من يتوسّط مساحة الرّقص فنلحقه جميعا، وكلّ منا يبكي جرحه في رقصة جماعية، رقصة حميمة مجنّحة بأذرع عائلية خالية من الحيلة والحظّ، ونواسي بعضنا حين يخفت صاحب الدّيجي الصوت ليترك لنا الغناء تحت أضواء ملوّنة نقول معا: "مكتوب ربّي فرّق بيني وبينها ويا، مكتوب ربي لاقى بيني وبينها ويا"، ويقول صاحب الديجي: من فوق جهدي نبغيك سيرتو اللي بيناتنا، فنقول بصوت واحد: وووووو وهناك من يقول آآآآه، وندور كأولياء الصّوفية، سواسية تحت حضن اللّه، حولنا النّسيم وفينا الحرائق، "بجاه ربي أنا ردولي العزيز"، فتقوم الأمّهات من مقاعهدن لنجد أنفسنا مرتمين بأحضان بعضنا، فيعيد صاحب الدّيجي الأغنية.. نحن العائلة المعطوبة المترامية في كلّ صوب، الحنونة حدّ النّزف، أعراس السّطح وجنائز القيطون ما يجمعنا ويأتي بنا من الأصقاع في حجر أغنية واحدة،.. أنا كنت دوما من يحمل الكاميرا، بيد ألوّح وبيد أصوّر وبيعينيّ ألتقط صور العيون السّابحة في الحكايات، وكّل قد غادر إلى شجرته أو زاويته أو مقعده أو غرفته حيث خلوة اثنين لا ثالث لهما سوى الحياة التي تتربّص. قبل ذلك الهاتف جاء إلى بيتنا ليودّعنا، ذاك الرّجل الذي عشقني بحسني ونصرو، أنا كنتُ متكبّرة جدا عليه لكنّه حين رمقني بتلك النّظرة عند الباب، تهاديتُ خلفه. لم أكن أريد إطلاقا أن أعشق شخصا من العائلة لأنّني وقتها لن أكتب الحكايات وسأكتفي بالعيش داخلها، عائلتي المعطوبة بالعشق وسوء الحظّ والعاطفة المفرطة أدخلها بلغتها لأكتب عنها حين أخرج منها بلغتي.
أعادني منشور صديقي علي مغازي إلى روايات تمشي على الأقدام وتتنفّس، وإلى قصائد تهدّمت وقصائد لا تزال قائمة، وإلى الأسطح التي غدت فارغة، في انتظار أن تحيا من جديد من جيل لن يعرف كيف يحلّق باكيا في سمّو حسني، لن يعرف كيف تغدو الأعراس جحيم عشق لذيذ، فرصة للنّحيب الجماعي الرّاقص.
بعد ذلك الموقف حزمتُ حقائبي، فعالم لا يعرف حسني ومحنة اسمها الرّاي لا أستطيع تحملّه. كنتُ أمشي وأغنّي داخلي: "بجاه ربّي وطريق Oran وين جات وياي"
وصلتُ إلى حيّ الفيصلية، إلى بيتي في الطّابق الخامس، وضعتُ الأغنية في أذني واستسلمت لعذاب رائع. حتّى صرتُ وسط السّطح أرفرف كالحمامة أطير وأحطّ في سربي عليه السّلام. كانت بلادي تبدو بعيدة، لكن صور الأعراس داخل جهازي منحتني قرآنا أرتّل منه دمي كلّ ليلة، في تلك الأرض التي لياليها ليست للنّوم ولا للحبّ، كنت أشعر أنّني لا أستطيع العبادة إلّا تحت سماء قريبة من بيتي حيث كلّ شرفة تصدح بأغنية، وكلّ عاشق يكسر قارورة روج على جدران البناية، حيث كلّ أمّ تصنع بصفحة الهجرة على الجريدة طائرة وتقذفها في ساحة الحيّ، حيثُ الشّعب الذي لا يفرّق بين قدسيّة الأذان وقدسيّة الأغاني، شعب يشعل المفرقعات في النّهار، وينظر للسّماء ضاحكا مستحضرا الليل. ولا أعراس مثل أعراس الغرب الجزائري، المليئة بالشّجن والحلقات المضيئة، والقلوب التي تتعرّى لساعات العري الشّرعي الذي لا يُحاسب عليه أحد ولا تحرسه العيون فالكلّ عشّاق وكلّ يفتح غرفته المظلمة، وتعود العجائز إلى الصّفحات الأولى، فيمسحن كلّ عرس الصّدأ الذي غلّف الزّمن الجميل، يبحن بذلك في التّصفيقات المحنّاة ورقصات الدوّارة التي هي من اختصاصهنّ وحدهنّ.
بعد أغنية الشيرة اللي نبغيها، كانت دوما ترد أغنية "سكنت مارساي المريولة" ثم "طريق الليسي هاي دلالي" ثم "ولاد حرمة" نحفظها ونردّدها دون تعب مثل المعوّذتين والفاتحة، فسلام على هؤلاء الذين تذوّقوا طعم الملح تحت أصوات الزّغاريد، وسلام على حسني وجيلنا والذين قطعوا البحر ولم يعودوا وعلى الذين غادروا السّطح ولن يصعدوا إليه مجدّدا وعلى الأيّام السّلام، والحنين، والأنين...

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...