" صفحة من صفحات رواية موجعة "
الساعة الآن تشير إلينا غريبين ...اتخيلك منهكا صامتا غائبا عن الكون.....تحاول أن تحافظ على وقفتك في طابور الصامدين حتى لا ينتبه أحد إلى شكل عينيك وقد تورمتا من شدة البكاء وأنظر إلى وجهي المتعب ولا أكترث بلون بشرتي وقد غمرها الشحوب...كنت أخبرتك وأنا أتسلق المزاح أن طائر الموت يحوم حولي كل مساء ولكنك لم تفهم أني كنت أستعد فعلا إلى الرحيل...لم يكن همي الأكبر موتي بل كيف سأترك الحب يشعر باليتم من بعدي فيك ...يجب أن تكرهني على الأرض قبل أن يبتلعني جوفها ....الحب العظيم يلزمه
ذنب أعظم لينتهي...شيء أقسى من الموت ليموت ....اوجع من الوحدة لنتوسد الانكسار بكبرياء ....العن من الحرب الذي مزق هذا الوطن ....يجب أن أطعن قلبك كي يتمكن من استيعاب المأساة ويتجاوزها ....أنت تعلم أني كنت طوال هذه الحياة لا أنسى وجع الأمس إلا باليوم الذي يليه...لذلك قررت أن أجبرك على طي صفحتي والزمن سيتكفل بتضميد جرحك، ....فورقتي آيلة للسقوط .....ولا طريق أمامي سوى التنكر لروحي العاشقة.....
أنت الوحيد الذي يعرف أني لم أكن يوما قادرة على الغدر ولكن حبك لي بكل هذا الصدق أوجعني جدا ونال من صبري وشجاعتي أمام رياح الخريف العاتية وقد جاءها الأمر بأن تقتلعني منك ......
لن أنسى صقيع ذاك المساء الأسود و الطبيب من وراء مكتبه يقول لي:
آسف جدا سيدتي ولكن حالتك متقدمة والمرض الخبيث قد انشب مخالبه بكل جزء في جسمك ....
لم أبك ، لم أفاجأ ولم تهتز فرائصي رغم هول الخبر ....لم انبس بحرف بل .....اختزلت الموقف كله ببعض الصمت ثم نظرت إلى وجهه المتعب بضرورة المكاشفة وابتسمت حتى أهون عليه وشكرته بشدة وانصرفت ....وصدقا تمنيت لو كانت لي القدرة على السفر إلى مكان بعيد ...بعيد أدفن فيه الخبر وأعود....
كم شعرت حينها ان الأطباء مساكين فعلا لانهم يقفون وجها لوجه مع عجزهم أمام الموت ويجبرون على تبريره بلغة العلم .....يظلون يدافعون عن الحياة ولكنهم مستعدون لإعلان نبأ الموت في كل حين .....أظن أنهم فئة مؤمنة أكثر من الجميع بالقضاء والقدر كحتمية ترحمهم من إحساسهم بالفشل أمام داء يستعصي عليهم ، هم في حاجة الى من ينقذ نفسيتهم الهشة من شعورهم الدائم بالإحباط.....ولا ملاذ لهم إلا السماء....
لم أبك إلا بعد أن جئت لزيارتي متلهفا لرؤيتي.....كدت أسقط أمامك خوفا من أن تضمني كعادتك....الحب الصادق ضعيف جدا أمام المرض.، يوغل في الوجع ...لا يقدر على مكابدة ألام الحبيب .....وأنت أصعب أنواع الضعف .....فكيف لي بتحملك وأنا قاب قوسين أو أدنى من الانطفاء....
ما رأيك أن نقتسم مسافرة الوجع .....تدير ظهرك لي دون عتاب لأنك تعاملت معي كأجمل امرأة في هذا الكون وزرعت لي في ثنايا روحك ورودا لكل الفصول وشيدت للحب قصورا ولم تر سواي جديرة بالخلود في محراب عينيك.....واخطو صوبك بجرأة لا تحتمل ، اخاصمك دون سبب وأشعرك بالذنب لأنك تخليت عني وتركتني في المفترق....أمتحن صبرك على الأذى ....وأرحل حين أطمئن عليك...... ما رأيك أن نقتسم مسافة الغياب ...خطوتك نحو النسيان هي نفس خطوتي نحو التذكر وحين نلتقي في محطة الاغتراب لا تبحث عن شامة بوجهي تركتها فقد قتلتها آخر كلماتك...زهرة الملح.....
*نجلاء عطية
تونس
الساعة الآن تشير إلينا غريبين ...اتخيلك منهكا صامتا غائبا عن الكون.....تحاول أن تحافظ على وقفتك في طابور الصامدين حتى لا ينتبه أحد إلى شكل عينيك وقد تورمتا من شدة البكاء وأنظر إلى وجهي المتعب ولا أكترث بلون بشرتي وقد غمرها الشحوب...كنت أخبرتك وأنا أتسلق المزاح أن طائر الموت يحوم حولي كل مساء ولكنك لم تفهم أني كنت أستعد فعلا إلى الرحيل...لم يكن همي الأكبر موتي بل كيف سأترك الحب يشعر باليتم من بعدي فيك ...يجب أن تكرهني على الأرض قبل أن يبتلعني جوفها ....الحب العظيم يلزمه
ذنب أعظم لينتهي...شيء أقسى من الموت ليموت ....اوجع من الوحدة لنتوسد الانكسار بكبرياء ....العن من الحرب الذي مزق هذا الوطن ....يجب أن أطعن قلبك كي يتمكن من استيعاب المأساة ويتجاوزها ....أنت تعلم أني كنت طوال هذه الحياة لا أنسى وجع الأمس إلا باليوم الذي يليه...لذلك قررت أن أجبرك على طي صفحتي والزمن سيتكفل بتضميد جرحك، ....فورقتي آيلة للسقوط .....ولا طريق أمامي سوى التنكر لروحي العاشقة.....
أنت الوحيد الذي يعرف أني لم أكن يوما قادرة على الغدر ولكن حبك لي بكل هذا الصدق أوجعني جدا ونال من صبري وشجاعتي أمام رياح الخريف العاتية وقد جاءها الأمر بأن تقتلعني منك ......
لن أنسى صقيع ذاك المساء الأسود و الطبيب من وراء مكتبه يقول لي:
آسف جدا سيدتي ولكن حالتك متقدمة والمرض الخبيث قد انشب مخالبه بكل جزء في جسمك ....
لم أبك ، لم أفاجأ ولم تهتز فرائصي رغم هول الخبر ....لم انبس بحرف بل .....اختزلت الموقف كله ببعض الصمت ثم نظرت إلى وجهه المتعب بضرورة المكاشفة وابتسمت حتى أهون عليه وشكرته بشدة وانصرفت ....وصدقا تمنيت لو كانت لي القدرة على السفر إلى مكان بعيد ...بعيد أدفن فيه الخبر وأعود....
كم شعرت حينها ان الأطباء مساكين فعلا لانهم يقفون وجها لوجه مع عجزهم أمام الموت ويجبرون على تبريره بلغة العلم .....يظلون يدافعون عن الحياة ولكنهم مستعدون لإعلان نبأ الموت في كل حين .....أظن أنهم فئة مؤمنة أكثر من الجميع بالقضاء والقدر كحتمية ترحمهم من إحساسهم بالفشل أمام داء يستعصي عليهم ، هم في حاجة الى من ينقذ نفسيتهم الهشة من شعورهم الدائم بالإحباط.....ولا ملاذ لهم إلا السماء....
لم أبك إلا بعد أن جئت لزيارتي متلهفا لرؤيتي.....كدت أسقط أمامك خوفا من أن تضمني كعادتك....الحب الصادق ضعيف جدا أمام المرض.، يوغل في الوجع ...لا يقدر على مكابدة ألام الحبيب .....وأنت أصعب أنواع الضعف .....فكيف لي بتحملك وأنا قاب قوسين أو أدنى من الانطفاء....
ما رأيك أن نقتسم مسافرة الوجع .....تدير ظهرك لي دون عتاب لأنك تعاملت معي كأجمل امرأة في هذا الكون وزرعت لي في ثنايا روحك ورودا لكل الفصول وشيدت للحب قصورا ولم تر سواي جديرة بالخلود في محراب عينيك.....واخطو صوبك بجرأة لا تحتمل ، اخاصمك دون سبب وأشعرك بالذنب لأنك تخليت عني وتركتني في المفترق....أمتحن صبرك على الأذى ....وأرحل حين أطمئن عليك...... ما رأيك أن نقتسم مسافة الغياب ...خطوتك نحو النسيان هي نفس خطوتي نحو التذكر وحين نلتقي في محطة الاغتراب لا تبحث عن شامة بوجهي تركتها فقد قتلتها آخر كلماتك...زهرة الملح.....
*نجلاء عطية
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق