نجيب محفوظ
ولد نجيب محفوظ عام 1911م في القاهرة، روائي مصري وأديب عربي، حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م. بدأ مسيرته الأدبية في كتابة المقالات منذ الأربعينيات وحتى عام 2004م، إذ خصص موضوعات أدبه ليروي الأحداث السياسية والاجتماعية التي تدور في مصر، فنجد بعض العناصر التي تتكرر في كل الروايات لتشكل إيقونة جذرية أساسية تتشابك جميع أعماله الأدبية معا، ومن أشهر هذه الإيقونات الحارة التي تعادل في صورتها العالم بأسره. أشهر أعماله
الأدبية هي الثلاثية، وأولاد حارتنا، حيث تم منع الأخيرة من النشر منذ صدورها لأول مرة حتى وقت غير بعيد. تحولت العديد من روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينيمائية لواقعيتها، وقربها من معاناة المجتمع المصري، وأحداثها التي وصفت حياة المواطن المصري عن قرب في أدق تفاصيلها. توفي نجيب محفوظ بعد عمر أمدنا فيه بكنز للأدب العربي عام 2006 بعد معاناته مع القرحة النازفة ما يقارب العشرين عاما، والتي أثرت سلبا عل الرئة والكليتين، إلا أن سبب الوفاة كان ضربة أصابته في رأسه بعمق بعد سقوطه في الشارع.
رواية زقاق المدق
تدور أحداث رواية زقاق المدق في بيتين في حي زقاق المدق وتحكي عن عدة دكاكين وسكان الحي الطيبون البسطاء ، وبعض شخصيات زقاق المدق:
– شخصية رضوان الحسيني وهو رجل ذو طلة بهية ذو لحية حمراء ويشع النور من جبينه ويشع وجهه بالنور و الايمان .
– شخصية سنية الععفيفي وهي صاحبة البيت الثاني ،نحيفة الجسم ومتزوجة من صاحب محل عطور ومات منذ عشرة سنين .
– أما بطلة الرواية فهى حميدة فتاة جميلة متمردة على الواقع ويعجب بها رجال الزقاق .
-عباس الحلو وهو شاب يعمل في محل حلاقة و يقع في حب جميدة .
-فرج إبراهيم تاجر الرقيق الأبيض يظهر فجاة في لزقاق ويغري حميدة بالمال .
-أم حميدة وكانت تعمل خاطبة ، بالاضافة إلى العديد من الشخصيات الثانوية .
تلخيص رواية زقاق المدق
زقاق المدق هو جزء من مكان موجود في إحدى محافظات مصر، استهل به نجيب بحفوظ روايته وصفا ونقلا للصورة كما هي؛ فنجده قد وصف الزقاق ببيتوته، وطبيعة الناس الذين يعيشون فيه، ومحلاته كافة، إضافة إلى شعور الملل ورتابة الحياة هناك، كعادة حياة المصريين في المناطق المشابهة. بطلة قصتنا هذه هي حميدة، شابة في ريعان شبابها، وهي العمود الرئيسي للرواية، ترعرعت وكبرت على يد صاحبة أمها التي تكفلت بها، أيقنت هذه الشابة أنها وقعت في الدائرة المظلمة من الحياة، فهذا الزقاق الذي تعيش فيه، وهذه الدناءة والقذارة التي تملأ المكان، هذا الأمر أشعل في داخلها نقما على الزقاق وعلى حياتها؛ لأنها ترى أن فتاة مثلها مكانها في السرايا وبيوت الهوانم، والفساتين الراقية ذات الرونق، والحلي ذات البريق، هي بالتأكيد تستحق الحياة بهذه الرفاهية. وجدت حميدة مخرجها من هذه الحياة التي كرهت من خلال عباس الحلو، وشباب من خيرة شباب الزقاق، أغرته بجمالها، وسكنت هواه، استغلت عذوبتها ورقتها لتنشل قلبه، فقد رأت في هذا الشاب البسيط ملاذا لها، ومسكنا تلجأ إليه بقية عمرها. أما عباس، فنراه يعمل صاحبا لصالون حلاقة للرجال، يستخرج منه قوت يومه وما يعنيه على العيش ومصائب الدهر. يقع هذا الصالون بجانب محل شخصية أخرى في هذه الرواية وهي شخصية "العم كامل" الكبير بالسن، وهو عجوز قد سئم الحياة، فيغمض أعينيه أحيانا ليستغرف في نومه في وضح النهار أثناء فترة عمله. لم ير عباس الحلو في صالون الحلاقة سبيلا يكفيه ويعيله هو وحميدة، فيقرر - بعد قراءة فاتحتهما مع والدة حميدة وصاحب محل البسبوسة العم كامل - أن يلتحق بمعسكر الإنجليز محاولا الالبحث عن فرصة للعمل احسن وأفضل من سابقتها، يكسب منها المال الوفير فيقدر على إدخال السعادة إلى قلب زوجته حميدة. ضحى عباس بالزقاق وصالونه من أجل هذه الشابة الجميلة، لكن حميدة لم تقتنع بمحاولة الشاب، ولم يكفها ارتحاله وتحمله للمشقة لأجلها، فاستمرت بالبحث عمن هو جاهز مسبقا لكي يدخلها العالم الذي كانت تحلم به، دون أن تضطر إلى الانتظار أكثر. وبعد محاولاتها المتعددة كان لها ما أرادت؛ اقتنصت غريبا عن الزقاق ينظر إليها من القهوة المقابلة لنافذتها، أسر هذا الغريب بما رأى، فحثه ذلك على الجلوس في نفس المقعد أمام تلك النافذة يوميا كي يرى تلك الفتاة الجميلة. تتوالى أحداث الرواية ويستمر سعي حميدة وراء النقود والملابس الفاخرة والحياة الفارهة المليئة بالرفاهية. يؤول بها الأمر إلى شخصية القواد المدعو "فرج" ليلقي بها ما بين أقدام عساكر العدو، نالت ما اشتهت من مال بعد أن باعت شرفها وغيرت اسمها إلى تيتي. هجرت حياة كريمة قذرة مقابل هذه الحياة التي ندمت عليها لكن بعد فوات الأوان.
*** رواية «زقاق المدق» من أهم الروايات التي عالجت صراع الحداثة والقدامة، علماً أنه كان كتب قبلها رواية «خان الخليلي» وهي قريبة إلى حدّ كبير من أجواء روايتنا، إلاّ أنهما ستفترقان من حيث الرؤية والمقصديّة، وبخاصّة رؤيته الثاقبة لمجتمع الزقاق والحال التي سيؤول إليها نتيجة زحف المدينة باتجاه الأحياء الشعبية والتاريخية، وسعي هذه المدينة إلى تفكيك بنية الوعي المجتمعي الساكن، بل إلى العبث بحياته إلى درجة التدمير..
وفي هذا الخضم لا ينتصر محفوظ للزقاق وأهله، فهم على بساطتهم وطيبتهم إلاّ أن الزمن عبر بهم فباتوا أشبه ببضاعة قديمة وكاسدة: عالم التحشيش والبطالة المقنّعة وتشويه الأجساد للحصول على دريهمات قليلة من التسوّل، يصنعها لهم زيطة صانع العاهات المشهور والشخصية الفريدة من نوعها ليس في أدب نجيب محفوظ، فحسب وإنما ربّما في الأدب الروائي العربي.
«حميدة»
أما الشخصية المحورية «حميدة» نموذج الأنوثة المتفجّرة، فنجدها على الدوام تتطلّع للخروج من الزقاق إلى عالم المال الذي سيجلب السعادة، وبتعبير محفوظ: تركّزت عبادتها للقوة في حبّ المال على اعتبار أنه المفتاح السحريّ للدنيا، المسخّر لجميع قواها المدخورة، المال الذي يأتي بالثياب وبكلّ ما تشتهيه الأنفس.
حميدة بدورها شخصية فريدة من نوعها، وليس ثمّة من ينافسها من بنات جنسها بما امتلكته من جرأة تصل إلى حدّ الوقاحة، وتوق للخروج من الزقاق نحو العالم الجديد ولو على حساب القيم والكرامة.
مصير
وإلى ذلك، فقد كان من الممكن أن يكون الشخص الأمثل للزواج منها حسين كرشة ابن المعلّم كرشة صاحب المقهى، الشاب المتمرّد على والده وعلى حياة الزقاق، وهو بدوره تملأه الرغبة في أن يعيش حياته مرفّهاً في القاهرة ويتطلّع في الوقت نفسه للسفر والتجنّس بأوروبا، لولا أن نجيب محفوظ وضع في طريقهما مسألة الأخوة في الرضاعة، فباتا مثل أخّين يفهم كلّ منهما الآخر، باعتبارهما شخصيتين لا تريان في الزقاق سوى التخلّف والعجز، بينما وقف على النقيض منهما الحلاّق عباس الحلو.
بصمة
وبلا شكّ، يترك الفيلم السينمائي( زقاق المدق ) أو "حميدة" لحسن الإمام وسيناريو سعد الدين وهبة، بصمته العاطفية في ذات المشاهد، تماماً كما ترك محفوظ بصمته في ذات قارئه بما اجترحه من تقنيات روائية أسست الفضاء الروائي لعالم قديم شبه مغلق ومحكوم بعاداته وتقاليده وبالرضا عن الذات. وتمكّن الفيلم من التعبير عن هذا الفضاء عبر جملة من المشهديات البصرية..
وما رافقها من أداء حركي وموسيقى ورقص وغناء بصوت الفنانة شادية أو حميدة التي أحرقت مراكبها مع الزقاق وأهله، بمن فيهم عباس الحلو (صلاح قابيل)، خطيبها الذي اضطر أن يعمل في المعسكر الانجليزي كي يوفّر لها ثمن الشبكة..
غير أن الشيطان سيجلب لحميدة الشاب فرج إبراهيم، وقام بدوره الفنان (يوسف شعبان) الذي اكتشف للتوّ مقدار توقها للخروج من الزقاق فأغواها بمزيد من الوعود، وتمكّن أخيراً من جلبها إلى عالمه، عالم الكباريه وما يستتبعه من سلوك تجاه زبائن في غالبيتهم من جنود الاحتلال الإنجليزي ومن بعض الأثرياء الفاسدين.
و(فرج) هو نموذج لأبناء الأزقة الذين أصابوا حظاً في الانتقال إلى مجتمع المدينة، ولكن عن طريق (القوادة).
المعلم «كرشة»
وقدّم نجيب محفوظ شخصيات إضافية لا تقل أدوارها عن زيطة (توفيق الدقن) أو حميدة (شادية)، وفي مقدّمتهم المعلّم كرشة صاحب المقهى. ومثّل دوره الفنان (محمد رضا). وإلى جانبه الشيخ درويش (حسين رياض) الذي أدّى دوراً خطيراً عن المعلّم المصروف من الخدمة. وكذلك شخصية العم كامل صانع البسبوسة (عبد الوارث عسر) و صبي القهوة سنقر (عبد المنعم ابراهيم).
خاتمة بتصرف
يبقى أن نشير في الختام إلى أنّ المخرج، أو ربّما كاتب السيناريو قد تصرّف في خاتمة الرواية، فبدلاً من أن يُقتل عباس الحلو على يد الإنجليز، تُقتل حميدة بطلقة طائشة لينقلها الشابان حسين كرشة وعباس الحلو إلى الزقاق في مشهد بالغ التأثير، وربّما انسجاماً مع النظرة الأخلاقية حول فلسفة الخطيئة والعقاب، أو للتأثير في المشاهد الذي أعجب بنموذج عباس الحلو السلوكي والأخلاقي، لكنّ الإشارة تستوجب القول إنّ اختلاف النهاية على هذا النحو يخالف وجهة نظر محفوظ الفكرية ورؤيته لصراع القدامة والحداثة، وفي انتصار للحداثة حتّى ولو كان الثمن غالياً.
ولد نجيب محفوظ عام 1911م في القاهرة، روائي مصري وأديب عربي، حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م. بدأ مسيرته الأدبية في كتابة المقالات منذ الأربعينيات وحتى عام 2004م، إذ خصص موضوعات أدبه ليروي الأحداث السياسية والاجتماعية التي تدور في مصر، فنجد بعض العناصر التي تتكرر في كل الروايات لتشكل إيقونة جذرية أساسية تتشابك جميع أعماله الأدبية معا، ومن أشهر هذه الإيقونات الحارة التي تعادل في صورتها العالم بأسره. أشهر أعماله
الأدبية هي الثلاثية، وأولاد حارتنا، حيث تم منع الأخيرة من النشر منذ صدورها لأول مرة حتى وقت غير بعيد. تحولت العديد من روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينيمائية لواقعيتها، وقربها من معاناة المجتمع المصري، وأحداثها التي وصفت حياة المواطن المصري عن قرب في أدق تفاصيلها. توفي نجيب محفوظ بعد عمر أمدنا فيه بكنز للأدب العربي عام 2006 بعد معاناته مع القرحة النازفة ما يقارب العشرين عاما، والتي أثرت سلبا عل الرئة والكليتين، إلا أن سبب الوفاة كان ضربة أصابته في رأسه بعمق بعد سقوطه في الشارع.
رواية زقاق المدق
تدور أحداث رواية زقاق المدق في بيتين في حي زقاق المدق وتحكي عن عدة دكاكين وسكان الحي الطيبون البسطاء ، وبعض شخصيات زقاق المدق:
– شخصية رضوان الحسيني وهو رجل ذو طلة بهية ذو لحية حمراء ويشع النور من جبينه ويشع وجهه بالنور و الايمان .
– شخصية سنية الععفيفي وهي صاحبة البيت الثاني ،نحيفة الجسم ومتزوجة من صاحب محل عطور ومات منذ عشرة سنين .
– أما بطلة الرواية فهى حميدة فتاة جميلة متمردة على الواقع ويعجب بها رجال الزقاق .
-عباس الحلو وهو شاب يعمل في محل حلاقة و يقع في حب جميدة .
-فرج إبراهيم تاجر الرقيق الأبيض يظهر فجاة في لزقاق ويغري حميدة بالمال .
-أم حميدة وكانت تعمل خاطبة ، بالاضافة إلى العديد من الشخصيات الثانوية .
تلخيص رواية زقاق المدق
زقاق المدق هو جزء من مكان موجود في إحدى محافظات مصر، استهل به نجيب بحفوظ روايته وصفا ونقلا للصورة كما هي؛ فنجده قد وصف الزقاق ببيتوته، وطبيعة الناس الذين يعيشون فيه، ومحلاته كافة، إضافة إلى شعور الملل ورتابة الحياة هناك، كعادة حياة المصريين في المناطق المشابهة. بطلة قصتنا هذه هي حميدة، شابة في ريعان شبابها، وهي العمود الرئيسي للرواية، ترعرعت وكبرت على يد صاحبة أمها التي تكفلت بها، أيقنت هذه الشابة أنها وقعت في الدائرة المظلمة من الحياة، فهذا الزقاق الذي تعيش فيه، وهذه الدناءة والقذارة التي تملأ المكان، هذا الأمر أشعل في داخلها نقما على الزقاق وعلى حياتها؛ لأنها ترى أن فتاة مثلها مكانها في السرايا وبيوت الهوانم، والفساتين الراقية ذات الرونق، والحلي ذات البريق، هي بالتأكيد تستحق الحياة بهذه الرفاهية. وجدت حميدة مخرجها من هذه الحياة التي كرهت من خلال عباس الحلو، وشباب من خيرة شباب الزقاق، أغرته بجمالها، وسكنت هواه، استغلت عذوبتها ورقتها لتنشل قلبه، فقد رأت في هذا الشاب البسيط ملاذا لها، ومسكنا تلجأ إليه بقية عمرها. أما عباس، فنراه يعمل صاحبا لصالون حلاقة للرجال، يستخرج منه قوت يومه وما يعنيه على العيش ومصائب الدهر. يقع هذا الصالون بجانب محل شخصية أخرى في هذه الرواية وهي شخصية "العم كامل" الكبير بالسن، وهو عجوز قد سئم الحياة، فيغمض أعينيه أحيانا ليستغرف في نومه في وضح النهار أثناء فترة عمله. لم ير عباس الحلو في صالون الحلاقة سبيلا يكفيه ويعيله هو وحميدة، فيقرر - بعد قراءة فاتحتهما مع والدة حميدة وصاحب محل البسبوسة العم كامل - أن يلتحق بمعسكر الإنجليز محاولا الالبحث عن فرصة للعمل احسن وأفضل من سابقتها، يكسب منها المال الوفير فيقدر على إدخال السعادة إلى قلب زوجته حميدة. ضحى عباس بالزقاق وصالونه من أجل هذه الشابة الجميلة، لكن حميدة لم تقتنع بمحاولة الشاب، ولم يكفها ارتحاله وتحمله للمشقة لأجلها، فاستمرت بالبحث عمن هو جاهز مسبقا لكي يدخلها العالم الذي كانت تحلم به، دون أن تضطر إلى الانتظار أكثر. وبعد محاولاتها المتعددة كان لها ما أرادت؛ اقتنصت غريبا عن الزقاق ينظر إليها من القهوة المقابلة لنافذتها، أسر هذا الغريب بما رأى، فحثه ذلك على الجلوس في نفس المقعد أمام تلك النافذة يوميا كي يرى تلك الفتاة الجميلة. تتوالى أحداث الرواية ويستمر سعي حميدة وراء النقود والملابس الفاخرة والحياة الفارهة المليئة بالرفاهية. يؤول بها الأمر إلى شخصية القواد المدعو "فرج" ليلقي بها ما بين أقدام عساكر العدو، نالت ما اشتهت من مال بعد أن باعت شرفها وغيرت اسمها إلى تيتي. هجرت حياة كريمة قذرة مقابل هذه الحياة التي ندمت عليها لكن بعد فوات الأوان.
*** رواية «زقاق المدق» من أهم الروايات التي عالجت صراع الحداثة والقدامة، علماً أنه كان كتب قبلها رواية «خان الخليلي» وهي قريبة إلى حدّ كبير من أجواء روايتنا، إلاّ أنهما ستفترقان من حيث الرؤية والمقصديّة، وبخاصّة رؤيته الثاقبة لمجتمع الزقاق والحال التي سيؤول إليها نتيجة زحف المدينة باتجاه الأحياء الشعبية والتاريخية، وسعي هذه المدينة إلى تفكيك بنية الوعي المجتمعي الساكن، بل إلى العبث بحياته إلى درجة التدمير..
وفي هذا الخضم لا ينتصر محفوظ للزقاق وأهله، فهم على بساطتهم وطيبتهم إلاّ أن الزمن عبر بهم فباتوا أشبه ببضاعة قديمة وكاسدة: عالم التحشيش والبطالة المقنّعة وتشويه الأجساد للحصول على دريهمات قليلة من التسوّل، يصنعها لهم زيطة صانع العاهات المشهور والشخصية الفريدة من نوعها ليس في أدب نجيب محفوظ، فحسب وإنما ربّما في الأدب الروائي العربي.
«حميدة»
أما الشخصية المحورية «حميدة» نموذج الأنوثة المتفجّرة، فنجدها على الدوام تتطلّع للخروج من الزقاق إلى عالم المال الذي سيجلب السعادة، وبتعبير محفوظ: تركّزت عبادتها للقوة في حبّ المال على اعتبار أنه المفتاح السحريّ للدنيا، المسخّر لجميع قواها المدخورة، المال الذي يأتي بالثياب وبكلّ ما تشتهيه الأنفس.
حميدة بدورها شخصية فريدة من نوعها، وليس ثمّة من ينافسها من بنات جنسها بما امتلكته من جرأة تصل إلى حدّ الوقاحة، وتوق للخروج من الزقاق نحو العالم الجديد ولو على حساب القيم والكرامة.
مصير
وإلى ذلك، فقد كان من الممكن أن يكون الشخص الأمثل للزواج منها حسين كرشة ابن المعلّم كرشة صاحب المقهى، الشاب المتمرّد على والده وعلى حياة الزقاق، وهو بدوره تملأه الرغبة في أن يعيش حياته مرفّهاً في القاهرة ويتطلّع في الوقت نفسه للسفر والتجنّس بأوروبا، لولا أن نجيب محفوظ وضع في طريقهما مسألة الأخوة في الرضاعة، فباتا مثل أخّين يفهم كلّ منهما الآخر، باعتبارهما شخصيتين لا تريان في الزقاق سوى التخلّف والعجز، بينما وقف على النقيض منهما الحلاّق عباس الحلو.
بصمة
وبلا شكّ، يترك الفيلم السينمائي( زقاق المدق ) أو "حميدة" لحسن الإمام وسيناريو سعد الدين وهبة، بصمته العاطفية في ذات المشاهد، تماماً كما ترك محفوظ بصمته في ذات قارئه بما اجترحه من تقنيات روائية أسست الفضاء الروائي لعالم قديم شبه مغلق ومحكوم بعاداته وتقاليده وبالرضا عن الذات. وتمكّن الفيلم من التعبير عن هذا الفضاء عبر جملة من المشهديات البصرية..
وما رافقها من أداء حركي وموسيقى ورقص وغناء بصوت الفنانة شادية أو حميدة التي أحرقت مراكبها مع الزقاق وأهله، بمن فيهم عباس الحلو (صلاح قابيل)، خطيبها الذي اضطر أن يعمل في المعسكر الانجليزي كي يوفّر لها ثمن الشبكة..
غير أن الشيطان سيجلب لحميدة الشاب فرج إبراهيم، وقام بدوره الفنان (يوسف شعبان) الذي اكتشف للتوّ مقدار توقها للخروج من الزقاق فأغواها بمزيد من الوعود، وتمكّن أخيراً من جلبها إلى عالمه، عالم الكباريه وما يستتبعه من سلوك تجاه زبائن في غالبيتهم من جنود الاحتلال الإنجليزي ومن بعض الأثرياء الفاسدين.
و(فرج) هو نموذج لأبناء الأزقة الذين أصابوا حظاً في الانتقال إلى مجتمع المدينة، ولكن عن طريق (القوادة).
المعلم «كرشة»
وقدّم نجيب محفوظ شخصيات إضافية لا تقل أدوارها عن زيطة (توفيق الدقن) أو حميدة (شادية)، وفي مقدّمتهم المعلّم كرشة صاحب المقهى. ومثّل دوره الفنان (محمد رضا). وإلى جانبه الشيخ درويش (حسين رياض) الذي أدّى دوراً خطيراً عن المعلّم المصروف من الخدمة. وكذلك شخصية العم كامل صانع البسبوسة (عبد الوارث عسر) و صبي القهوة سنقر (عبد المنعم ابراهيم).
خاتمة بتصرف
يبقى أن نشير في الختام إلى أنّ المخرج، أو ربّما كاتب السيناريو قد تصرّف في خاتمة الرواية، فبدلاً من أن يُقتل عباس الحلو على يد الإنجليز، تُقتل حميدة بطلقة طائشة لينقلها الشابان حسين كرشة وعباس الحلو إلى الزقاق في مشهد بالغ التأثير، وربّما انسجاماً مع النظرة الأخلاقية حول فلسفة الخطيئة والعقاب، أو للتأثير في المشاهد الذي أعجب بنموذج عباس الحلو السلوكي والأخلاقي، لكنّ الإشارة تستوجب القول إنّ اختلاف النهاية على هذا النحو يخالف وجهة نظر محفوظ الفكرية ورؤيته لصراع القدامة والحداثة، وفي انتصار للحداثة حتّى ولو كان الثمن غالياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق