تتكون الثلاثية من القصص الآتية بالترتيب:
بين القصرين
قصر الشوق
السكرية
الشخصية الرئيسية بالروايات الثلاث هي شخصية السيد أحمد عبدالجواد. والقصص الثلاث تتبع قصة حياة كمال ابن السيد أحمد عبد الجواد من الطفولة إلى المراهقة والشباب ثم الرشد حقيقية بالقاهرة التي شهدت نشأة نجيب محفوظ . الثلاثية تعتبر أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي حسب تصنيف جريدة أخبار الأدب (العدد 426 الأحد 9 سبتمبر 2001). التصنيف يضم مئة رواية.
==
ثلاثية نجيب محفوظ
1
بين القصرين
بين القصرين هو الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة ، و التي تشكل القاهرة و منطقة الحسين خصيصا المسرح الأساسي و الوحيد لأحداثها .
و تحكي الرواية قصة أسرة من الطبقة الوسطى ، تعيش في حي شعبي من أحياء القاهرة في فترة ما قبل و اثناء ثورة 1919 . يحكمها أب متزمت ذو شخصية قوية هو السيد احمد عبد الجواد . و يعيش في كنف الاب كل من : زوجته أمينة و إبنه البكر ياسين أنجبه من طليقته هنية و إبنه فهمي و كمال اضافة إلى ابنتيه خديجة و عائشة.
وهذا الفيلم هو الفيلم الذي كرس لنظرية (سي سيد) التي أصبحت واسعة الإنتشار في العالم العربي .
2
قصر الشوق
الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ تعرض حياة اسرة السيد احمد عبد الجواد في منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمي في احداث ثورة 1919 و ينمو الابن الاصغر كمال و يرفض ان يدخل كلية الحقوق مفضلا المعلمين لشغفه بالاداب و العلوم و الفلسفة و حبه و اصدقاءئه و كذلك يتعرض لحياة نجلتي السيد احمد و ازواجهم و علاقتهم ببعض و زواج ياسين و انتقاله إلى بيته الذي ورثه من امه في قصر الشوق و تنتهي احداث القصة بوفاة سعد زغلول.
3
السكرية
الجزء الثالث من الراوية وتحكي عن جيل ما بعد الثورة وعن حارة تدعي بالسكرية والأوضاع وتقلبات الأحوال .
==
ثلاثية نجيب محفوظ الروائية:بين القصرين قصر الشوق ، السُكرية .. إعادة قراءة من خلال شخصية زنوبة:
رغم ان هذه الثلاثية الروائية لنجيب محفوظ، والتي حازت على جائزة نوبل، قد نالت الكثير من حقها النقدي الا ان هذه السطور تحاول ان تلقي بعض الضوء على بعض جنباتها، كون الثلاثية لما تحمل من سمة فنية روائية عظيمة وجليلة ستظل محطة وقفة وتأمل لكل كاتب يجد فيها الكثير مما يستأهل اهتمام الاقلام للكتابة عنها، لذا سنتخذ من شخصية زنوبة أنموذجاً لإعادة قراءة هذا المعين الخصب في الحقل الروائي العربي.
إن ثمة مفارقة على ان يستقطبها بوعي يكاد ينقطع نظيره مع روائيي هذا العصر في الوطن العربي الممتد من الماء الى الماء. منذ المستهل، وبعد ان اقتحم الكاتب عتبات الرواية بما يربو على الستين صفحة في (بين القصرين)، وتحديداً عندما توجه ياسين الى قهوة سي علي بالصنادقية لشرب الشاي (1) تطالعنا شخصية زنوبة وقد استأثرت باهتمام ياسين، ابن بطل الثلاثية السيد احمد عبدالجواد، وذلك لما تمتع به من حسن هوسه، حيث غدا يراقبها من مكان القهوة علها تطل من نافذة بيت العالمة التي تعمل فيه زنوبة، والذي يقترب من القهوة ، حيث جلس ياسين ينتظر متى تطل زنوبة من نافذة بيت العالمة، إذ خرجت من البيت متجهة الى عربة تجرها ونسوة الى مكان آخر، في حارة المتولي لحضور عرس «بدت زنوبة وقد انحسر طرف ملأتها عند أعلى الرأس عن منديل قرمزي ذي اهداب منمنمة ، لمعت تحته عينان سوداوان ضاحكتان تنفث نظرتهما لعباً وشيطنة، اقتربت من العربة.. ثم رفعت قدماً الى أعلى العربة، فاشرأب ياسين بعنقه وهو يزدرد ريقه فلمح ثنية الجورب معقودة فوق الركبة على أديم بدا منه صفاء عذب خلال فستان برتقالي.. »(2). من خلال هذا المشهد ندرك الكاتب وهو يصف بعض التفاصيل والحركات التي انتظمتها شخصية زنوبة، حيث اتخذتها زنوبة كي تلفت الانظار اليها، وهذا مايجعلنا نعذر ياسين فيما اتخذه من قرار - كما سنرى لاحقاً - يشي بالزواج منها، وبعد ان فشل في زواجين سابقين..
من منطلق الكاتب ذاك تتحدد وظيفة شخصية زنوبة، إذ هي تعيش في دار العالمة، تلك الدار التي يأتي اليها الكثيرون ليلاً للسمر والطرب واحتساء الخمر على إيقاع العود، وكانت تقوم بخدمة كل من يرد هذه الدار التي كانت زنوبة تتنكر لها في نفسها تمتمة دونما افصاح منها، وقد سأمت الدار والعالمة معاً، ترجو في قرارة نفسها ان يهبها الله رجلاً تعيش معه حياة مقدسة، لكن أنى لها ذلك وهي تعيش في هذه الدار التي يترامى الشر بين اركانها، ثم حين يطالعنا الكاتب، وهو المراقب او الشاهد هنا، بملامح الشخصية الجسدية (عينان سوداوان ضاحكتان تنفث لعباً وشيطنة)، يأتي هذا من كون الملامح الجسدية ذات أهمية في دراسة الشخصية، إذ يأتي بها الروائي ليعكس سلوكها داخل النص وحركتها فضلاً عن علاقتها ببقية الشخصيات(3)، العالمة، السيد، ياسين،.. الخ.، وكذا وظيفتها ، على ان في ملامح هذه الشخصية الجسدية ما يبرر موقف ياسين من اختياره زنوبة زوجاً له بعد ان فشل في تجربتين سابقتين من هذا النوع، وقبله توق البعض، ليس على اساس الشرعية، وإنما خارج جغرافية هذا الممكن، كما هو الحال مع بطل الرواية، وفي فترة غياب العالمة عن البيت على وجه الدقة، حيث تبوء المحاولة بالفشل باعتبار ان زنوبة ليس لها اصدقاء، وترى نفسها بعيدة تماماً عن العالمة وعالمها، مما يبدي الروائي حبه واعجابه بها من خلال إعجاب ياسين بها «تنقضي السنون ولا يفتر حبه لهذا الطريق، جمال مريم لا يقاس بجمالك.. إني أرغب فيك.. بينه وبين صاحبته رسائل متبادلة تفصح عن المكنون في جو مشحون بالاضواء المنظورة وغير المنظورة يبهر الفؤاد يزغلل العين» (4) و سينقلب هذا الاعجاب الى حب حقيقي يفعله او يتوجه اقترانهما.
وهكذا تتبدى شخصية زنوبة في بين القصرين - و قد أبرز الكاتب وظيفتها - وهي خادم للعالمة في دارها ، راغمة غير راضية بوضعها، تتوق في كل لحظة الى ان تمارس حياتها كسائر النساء، وكأي امرأة تحب ان تبني بيتاً ، وان تُكوِّن أسرة.
أما في قصر الشوق، الجزء الثاني من الرواية ، فإن شخصية زنوبة كان لها حظاً وفيراً، ولاسيما وانها في هذا الجزء زفت الى ياسين، وودعت كابوس الحيرة وشبح الوحدة الذي طالما هددها كثيراً. يقوم بطل الرواية السيد احمد عبدالجواد بزيادرة بيت العالمة، خالة زنوبة بعد انقطاع دام فترة الخمس سنوات، تلك الفترة التي هجر فيها السيد كل ملذاته ونزواته نتيجة استشهاد ابنه فهمي طالب الحقوق، الذي كان ضحية رصاصة في مظاهرة سلمية نظمها الطلاب المصريون احتجاجاً على بقاء الانجليز بمصر، وخلال هذه الفترة وانسياماً مع مجريات احداث الرواية نلاحظ ان الكاتب قد استخدم اسلوب الحذف، إذ نجد انه لا يذكر احداثاً يفترض وجودها في تلك الفترة تدور حول شخصية زنوبة وعلاقاتها بآخرين (5)، وقد عمد الروائي الى حذفها دونما اشارة اليها، كون ثمة الكثير من الاحداث السياسية الكبرى هي ما تشغله ويريد ابرازها قصد معالجتها عبر الأدب، باعتباره ثورة على الواقع وليس تصويراً له (6)، ولما قصد سي سيد دار العالمة، وكان متشوقاً لمسامرتها ومجالستها كعادته القديمة التي كانت جميلة في نظره حد الافراط من رجل شرقي متحفظ، يدخل دار السلطانة، والكاتب ينعتها بهذا لكي يبرز التناقض الحاد بين وظيفة هذه الشخصية - أي العالمة التي لم يفصح عن اسمها - الرذيلة،و بين اسمها المنعوت بالسلطانة، هذا الاسم الذي يعد المثل الاعلى للشرف والإباء، ولم يعلم سي سيد بأن العالمة ليست موجودة في تلك الليلة، فجلس على عادته، بعد ان استقبلته زنوبة ثم سأل عنها فكان الرد: «السلطانة ليست في البيت»، ويدور حوار بينهما مفاده عدم العلم أي وجهة قصدتها السلطانة لأن السلطانة لا تطلع احداً على خط سيرها (7)، ويمتد الحوار بين زنوبة وبطل الرواية السيد احمد عبدالجواد عبر عشر صفحات تجلت فيه شخصية زنوبة إمرأة محافظة أمينة على نفسها رغم موقعها «وظيفتها»، السلبية، بل ورغم كيد الآخر بها ومحاولة الزج بها في مستنقع الخطيئة: «هل يطلع أصدقاؤك القدماء على خط سيرك؟ ليس لي أصدقاء ، لا قدماء ولا حديثون.. كيف يمكن ان تكوني بين قوم يبصرون ولا يتوقون الى صداقتك.. إن هي الا تصورات الكرماء أمثالك، ولكنها لا تعدو التصورات الخيالية، الدليل أنك صديق قديم لهذا البيت، فهل راق لك يوماً ان تهبني قسطاً من صداقتك؟..كانت ثمة ظروف.. لعلها نفس الظروف التي حالت بيني وبين الآخرين.. أنتِ عقدة .. المهم أنك قلت أنك جئت لمقابلة خالتي، فهل من رسالة أبلغها إياها عند عودتها؟ قولي لها ان سي سيد جاء ليشكوني إليك فلم يجدك»(8) ينم هذا الحوار عن أن زنوبة شخصية عسيرة جداً على الآخر، ومترفعة تماماً عن الخطيئة؟ وهذا ما جعل السي سيد ينعتها بـ(عقدة) مما كان ردها له الطرد بطريقة مهذبة جداً «أبلغها رسالة..) وهل تستعمل هذا الاسلوب ويقال في وجه شخصية مثل شخصية أحمد عبدالجواد؟
إذا ما انسقنا وراء احداث الرواية التي تتجلى فيها شخصية زنوبة، نجد ان الروائي حرص على ألا يخرج عن هذا، وحرص على ان يبرز الجانب المشرق لشخصية زنوبة، أمانتها على نفسها رغم ما واجهته من مغريات سي سيد وسواه، هذا من جانب، و من جانب آخر، يصور او يعرض الروائي من خلال شخصية زنوبة الفئة الغارقة في السلب واللامبالاة كالعالمة وسي سيد، وانه بهذا يقدم رأي نجيب محفوظ - للسلبية فكراً وسلوكاً و استكمالاً للصورة العامة الجميلة التي تتجسد في اعمال شخصياته الروائية الايجابية (9) لهذا يحاول سي سيد استدرار عطف زنوبة فيذكرها بما وقع بينها وبين الصائغ يعقوب حول اسورة ابتاعتها منه، فتسديه كلمة واحدة (تشكر) فيما يمتد غضبه «مثلي لا يقنع بالشكر، ماذا يفيد الجائع.. الجائع يريد الطعام الشهي اللذيذ» (10)،إذن فاستمتاع السيد بمراقبة زنوبة مراقبة من نوع خاص هو تدوين روائي صادق لما يبقى في الشيخوخة من نزوع عزيزي محكوم (11)، وحين يمضي سي سيد يتقرب من زنوبة زلفى
ويدعي الحب مجازاً بلا حقيقة تراوغه زنوبة، وإزاء تلك المراوغة يتبين انها شخصية حادة الذكاء كونها تقرأ مافي دواخل الآخرين أما تذكيرها للسيد بالماضي يوم ان دعيت وهي السلطانة الى العوامة وعرفت ان وراء تلك الدعوة سي سيد ما كان منها الا ان تراجعت ولم تذهب الى العوامة، فذلك ينم عن كرهها له، وعدم الذهاب يعني تدارك الخطأ قبل وقوعه، ثم يبرز الكاتب دور هذه الشخصية الايجابي من خلال : «حقاً سأغادر هذا البيت الذي عشت عمري فيه الى غير رجعة..»(12) توقها الى ان تصبح سيدة ملاء الافواه وقيد الواقع، ينتهي المشهد بهذا الاصرار العتيق من قبل زنوبة «انتظر حتى يجمعنا المسكن عند ذاك أكون لك الى الأبد»، ان الكاتب في بين القصرين قد برر - مسبقاً - زواج ياسين من زنوبة ، وذلك من خلال ما دار بينهما وبين والده السيد من محاولات باءت بالفشل، ولم تستطع الظروف القهرية التي مرت بها زنوبة أن توقع بها في شباك الخطيئة، بل لم تتغلب تلك الظروف على إرادتها، وبذلك فالكاتب يقدم في هذا نقداً للمجتمع العربي من خلال المقارنة بين شخصيتين عكسيتين تماماً، تمثل الأولى شخصية السيد في نظر المجتمع من السطح الشخصية الايجابية، وهي في الأصل شخصية سلبية، فيما تمثل الثانية في نظره، الشخصية السلبية، وهي الايجابية تماماً من حيث أن الأولى تبتغي مالا تبتغيه الثانية.
يعود الكاتب مرة أخرى لاستخدام الحذف، حيث يعمد الى حذف أحداث يفترض وجودها قبل أن يلتقي ياسين بزنوبة وقد مرت عليهما فترة انقطاع السبع سنوات بعد أن انشغل ياسين بمهام شخصية، إذ لم يذكر الروائي ما جرى في تلك الفترة، وماصنعه- أي نجيب محفوظ- هو الاسترسال في وضع الارهاصات للقاء ياسين بزنوبة، وغالباً مايقدم الروائي أو الراوي الشخصيات ويحدثنا بالكثير عنها، وهذا مايعرف في النقد الحديث «بالراوي العليم بكل شيء 13.
ولكي تتضح رؤيتنا هذه بشكل أوفر حول الشخصيات التي تدور في مدار سطورنا هذه، نقول: بأن ياسين هو ابن بطل ثلاثية محفوظ، الأكبر من أم ليس له أشقاء، فيما بطل الرواية أحمد عبدالجواد هو السي سيد، والعالمة هي السلطانة، خالة زنوبة، واذا ما انسقنا مع أحداث الرواية في جزء الثلاثية الثاني (قصر الشوق) نجد ياسين يلمح زنوبة وهي مارة في الشارع، فيدور بينهما حوار يمتد الى قرابة العشر صفحات، وفيه يعقد الكاتب مقارنة بين مكانين يتصلان بشخصية زنوبة، وعند أن سألها ياسين عن بيت السلطانة هجرت ذلك البيت منذ أشهر ، الآن لي بيتي الخاص وأنا سيدته 14، لقد كانت زنوبة تقطن ببيت السلطانة ذلك المكان الخبيث، فيما هي الآن صار لها بيتها الخاص، والذي يختلف تماماً عن السابق، وهنا تبرز المفارقة بين المكان الجديد لشخصية زنوبة، والمكان القديم، ولقد حرص الكاتب على استقطاب هذه المفارفة بين المكانين بدرجاتها المختلفة وشروطها المتعددة، وربما كانت هذه من أبرز مظاهر شعرية السرد، تعادل في أهميتها وخطورتها الوظيفية نفس الدور الذي يقوم به المجاز في شعرية القصيدة، فهي كما يقول د. صلاح فضل « تنفيس فني عن ذكاء الإنسان وتعبير عن قدرته على رفض مايقال له ونقده وتأويله حتى يتسق مع مالديه من وعي ومعلومات 15، مما يعمل على إثارة انتباه المتلقي، لاسيما اذا كان في معرض السخرية «ماذا يفيد الجائع.. لدينا ملوخية وأرانب».وتتابع أحداث الرواية، إزاء شخصية زنوبة، بشكل تسلسلي، ويدور بينها وياسين حوار يشترك فيه الحوذي صاحب العربة، يتبين من خلاله أنها شخصية باتت تتمتع بشيء من الثراء، يأتي ذلك عند أن عزما على الخلود في فندق مع خوفها أثناء قطع الطريق الى الفندق من أن تسرق حليها التي تلبسها « أذناي وعنقي وساعداي محملة بالذهب»16، مما يعني أن هذه الشخصية أصبحت تمتلك مايعفيها من مهنة العمل بدار السلطانة، وهذه هي نقطة التحول الأساسية لهذه الشخصية، حيث تبدأ البحث عن كيف تقيم أسرة سوية قائمة على الشرعية المتاحة رسمياً, يمكننا أن نجد في هذا أي قطع الطريق وسط القاهرة - طرحاً للمشاكل الاجتماعية والسياسية التي طرحها القرن العشرين على الناس، والتي مافتأت تتضخم فيه مشاكل روحية ونفسية ازاء الاحتلال الفكري الاستعماري البريطاني لمصر 17، فقد خلف القلق والخوف بأوساط الناس، ونشر أوبئة سامة فكرية ونفسية تفوق حرب السيف والمدفع آنذاك. على أية حال يتجه ياسين وزنوبة الى بيته الأول الذي ورثه عن أمه بقصر الشوق، ويدخلا خلسة، فينشب بينه وبين زوجته مريم صراع ينتهي بطلاق مريم، وهنا يسجل الروائي حقائق ملموسة في الواقع العربي، وتأتي على لسان شخصية مريم : «تزوج من هذه، إنها من النوع الذي يوافق مزاجك»، وهكذا يتماشى الكاتب مع مايوافق شخصياته الروائية، إذ ان حياة ياسين تتوافق مع حياة زنوبة تماماً، ليس على صعيد الواقع، وإنما يرى الروائي ذلك من خلال الصورة التي تقبع وراء شخصياته (مريم), وعندما يكتشف السيد بيات زنوبة خارج العوامة، إزاء ذلك، نلاحظ الروائي يؤثر القيام بعمليات استبطان لدخائل شخوصه، لاسيما شخصية زنوبة، والإغراق في وصف خواطرها النفسية عبر صفحات طويلة 18، لكي يفتح مجال التأويل أمام المتلقي، وتقبع أمامه اللوحة المشهدية بشكل تام، لكن يعود السيد ويسأل زنوبة عن سبب غيابها عن العوامة ليلة أمس، فتتمرد عليه في الاجابة، فينفطر الموقف شجاراً بينهما، حيث لم تعد زنوبة تطيق حياة الجحيم التي مابرحت تهجرها منذ تخليها عن بيت السلطانة، وهي ترنو الى مستقبل أفضل، بيد أن السيد يعارض هذه الفكرة، حيث لايروق له ان يرى من زنوبة أبعد من قدميه، بينما دائرة الحياة ليست ثابتة، وهذ ما تعبر عنه شخصية زنوبة وهي «تعكسف على أسورة ذهبية تديرها حول ساعدها الأيسر»، فالأسورة تشير الى الأيام الجميلة التي ستشهدها حياة هذه الشخصية بالعبور الى عش الزوجية، فيما تدويرها للأسورة، يعني عدم الاستقرار أو استقرار الحياة على وتيرة واحدة، إذ هي متقلبة، فمن يعيش اليوم خادماً قد يصبح غداً سيداً، وكذلك العكس، لكن سي سيد يأبى أن يكون هذا، وأن يتحقق، حيث تعرض عليه الزواج منها فيتخلص منها الى الأبد.
تتحقق أمنية زنوبة وتتزوج بياسين 18، فتقوم المعارضة من قبل أسرته كلها إزاء هذا الزواج الذي يعد في نظرهم إساءة لهم جميعاً، ويتدخل الروائي ليصف ذلك، والراوي لايعادي- بذلك- زنوبة أو ياسين أو السيد أو سواهم، بل ينتقد المجتمع الشرقي المتحفظ حد الإفراط، والذي يرى في المرأة سلباً تماماً مع أن في جوانبها من الايجاب ما يمكن التسليم به، من ذلك سعة صدر زنوبة وأمام نزوات ياسين زوجها «قبلت أن تسكر في الحانات كما تحب على شرط أن تعود الى بيتك في وقت مبكر» 19، فضلاً عن إهتمامها كزوجة بأمور الزوج وتنظيم وقته، وهذا يعكس لنا جزءاً من الصورة الايجابية لشخصية زنوبة، والتي حرص الكاتب على إبرازها، وستكتمل عند أن تصبح أماً.
على أية حال: فإن حركة تنقل شخصية زنوبة بين بيت العالمة والعوامة وزواجها من ياسين تدوين روائي حقيقي لعجلة الزمن، وسيرورة الحياة التي لاتقف أمامها الأحداث، مهما كانت هذه الأحداث، وإن كانت أي الأحداث كبيرة ودامية كاحتلال الانجليز لمصر، فضلاً عن أن الكاتب يقدم لنا الملامح الفكرية و النفسية لهذه الشخصية التي هي نموذج لفرد يعيش قلبه في ثورة وعذابات، وعقله في حيرة لم تنته بعد .. واليك هذه الجدولة التي تبين حركة هذه الشخصية وعلاقتها بالأشخاص والأماكن داخل العمل الروائي:
الشخصية علاقتها بشخصيات أخرى المكان
زنوبة ياسين وأفراد بدون أسماء دار العالمة +القهوة
زنوبة ياسين ، العالمة العربة، حارة المتولي
زنوبة السيد (بطل الرواية) بيت العالمة
زنوبة ياسين، الحوذي الشارع، العربة
زنوبة ياسين، مريم، الجيران بيت ياسين
زنوبة السيد العوامه
زنوبة ياسين بيت ياسين
زنوبة ياسين مرة أخرى بيت ياسين
عبدالله الدحملي
الـهوامش:
1- ينظر، ثلاثية نجيب محفوظ الروائية، جزء: بين القصرين، صــــ68.
2- نفسه، صــــــ70.
3- البنية الروائية في يموتون غرباء، لمحمد عبد الوالي، وهبية صبرة، مركز الدراسات والبحوث، صنعاء، طـــ11، 2002م ، صــــ100
4- ثلاثية محفوظ، جزء بين القصرين ، صـــــــ273- 281.
5- ينظر، أساليب السرد في الرواية العربية، د. صلاح فضل، الهيئة العامة للكتاب، مصر، طــــــ(1) 2002م ، صـــــ21.
6- ينظر، شخصية المثقف في الرواية العربية، د. عبدالسلام الشاذلي ، دار الشروق، مصر، د.ت،ط صــــــ436.
7- ينظر، جزء: قصر الشوق لمحفوظ، صـــ105.
8- نفسه، صـــ105.
9- شخصية المثقف في الرواية العربية، المرجع السابق، صــــ339.
10- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ106.
11- أساليب السرد في الرواية العربية، المرجع السابق، صـــــــ27.
12- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ111.
13- البنية الروائية في يموتون غرباء، المرجع السابق، صــــــ116.
14- قصر الشوق لمحفوظ ، صـــــــ281.
15- أساليب السرد في الرواية العربية، مرجع سبق ذكره، صــــــ34.
16- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــــــ283.
17- شخصية المثقف في الرواية العربية، مرجع سبق ذكره،صـــــ84.
18- ينظر، قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ388.
19 نفسه، صــــــ38
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق