كانت الغنيمة كبيرة جدا هذه الليلة ، لم يتركا شيئا له قيمة إلا واقتاداه بجعبتهما الكبيرة ، ومالبثا أن بدأا بحث السير في تلك الطريق الترابية المبللة ببعض من مطر يبكي ماخلفه اللصان بعد مغادرتهما .
الظلمة أشد وطأة من أي ليلة سابقة ، هل لأنها كانونية !!! أم أن السماء زادتها اسودادا ...
أطفال خمسة في زاوية يذرفون آخر ما في مآقيهم من دموع باردة ، بينما الزوجة مازالت ترتعش خوفا ، الرجل الملتحي كان يداعب شعر لحيته المكتظ كما أحد أفران المدينة ، نظراته لاتشبه إلا سيفا من زمن الحروب الجاهلية ...
- شكوتهم إلى الله ... سرقوا كل شيء ، ماذا سنأكل غدا ، لعنة الله على كل نذل ...
- لم يسرقوا شيئا يا امراة ، انظري حولك ، لم يسرقوا شيئا ...
ابتسم وهو مازال يلهو بشعيرات لحيته ( المبندقة ) ، رمى بعقب سيجارته نحو الأطفال ...
- ما بالكم ... اضحكوا ... العبوا ... لا تخشوهم ، إني هنا مازلت لكم ، ألا يكفيكم هذا ...
قهقه هذه المرة حتى بدت نواجذه ، قفز أحد الأطفال إلى حجره ، احتضنه بشدة ...
- سرقوا لعبتي الجديدة يا أبي .
- لا تخف يا بني ، سوف تعود لوحدها ...
- لكنها لا تعرف الطريق يا أبي .
- بل تعرفه ، تعرفه جيدا ياولدي .
مسح على رأس الطفل ، لثم جبينه الأسمر الذي يشبه سنابل قمح لم تبلغ سن اليأس .
التحف وشاحه المرقط بالأبيض والأسود ، أخفى سكينا في جيب معطفه قبل أن يفتح باب البيت .
- أين تذهب يارجل ... كيف تتركنا لوحدنا في هذا الليل ...
صرخت المرأة ، بينما تجمهر الأطفال الخمسة حولها ، رمقها بنظرة اخترقت جبلا من السنوات العشرين التي جمعتهما تحت سقف واحد ، انتشل ذاكرته من بئر غائر ، جميلة جدا كانت تلك الأيام ، كانا ينامان تحت السماء بلا خوف ، أشاح بعينيه عن كتلة اللحم التي توحدت بجسد واحد للتو ، أغلق الباب خلفه بهدوء دون أن ينبس بكلمة .
كان المطر وابلا ، الوحل يعرقل القدمين ، لا درب آخر يمكن سلوكه في هذا الليل ، الآن فقط أخرج بندقية من تحت عباءته السوداء ، بدأت أنوار البيت تسافر عبر زوارق المطر المنهمر ، وقهقهات الريح الآتية من جهة غربية ، توقف فجأة عن التنفس ، ترك العنان لأذنيه ...
- هذه لي ، هكذا اتفقنا ...
- لا إنها من حقي ، أنا من وجدتها في خزانة المرأة ، خذ هذه بدلا منها .
- لن تأخذها ، فقد وعدت صديقتي بهدية كهذه ...
- ليس بوسعك إلا أن تأخذها عنوة ...
- سآخذها ولو بالقوة .
انتهى الكلام وساد الصمت لحظات ، لم يتبق إلا صرير الريح ، طرقت مسمعه آنات خافتة مالبثت أن توارت فجأة ، أدار ظهره وكر عائدا من حيث أتى تاركا خلفه السر الذي جاء به إلى هذا المكان .
عندما أطلق الفجر رصاصته الأولى ، كانت الأسرة تتجمهر حول جثة هامدة بالقرب من باب المنزل .
التقط الطفل لعبته بشغف وشوق ، ابتسم الرجل الملتحي ببراءة الأطفال هذه المرة .
( ألم أخبرك بأنها تعرف الطريق يا بني ) ...
أطلق سراح رصاصة سهرت معه طيلة تلك الليلة ...
-------------
وليد.ع.العايش
الظلمة أشد وطأة من أي ليلة سابقة ، هل لأنها كانونية !!! أم أن السماء زادتها اسودادا ...
أطفال خمسة في زاوية يذرفون آخر ما في مآقيهم من دموع باردة ، بينما الزوجة مازالت ترتعش خوفا ، الرجل الملتحي كان يداعب شعر لحيته المكتظ كما أحد أفران المدينة ، نظراته لاتشبه إلا سيفا من زمن الحروب الجاهلية ...
- شكوتهم إلى الله ... سرقوا كل شيء ، ماذا سنأكل غدا ، لعنة الله على كل نذل ...
- لم يسرقوا شيئا يا امراة ، انظري حولك ، لم يسرقوا شيئا ...
ابتسم وهو مازال يلهو بشعيرات لحيته ( المبندقة ) ، رمى بعقب سيجارته نحو الأطفال ...
- ما بالكم ... اضحكوا ... العبوا ... لا تخشوهم ، إني هنا مازلت لكم ، ألا يكفيكم هذا ...
قهقه هذه المرة حتى بدت نواجذه ، قفز أحد الأطفال إلى حجره ، احتضنه بشدة ...
- سرقوا لعبتي الجديدة يا أبي .
- لا تخف يا بني ، سوف تعود لوحدها ...
- لكنها لا تعرف الطريق يا أبي .
- بل تعرفه ، تعرفه جيدا ياولدي .
مسح على رأس الطفل ، لثم جبينه الأسمر الذي يشبه سنابل قمح لم تبلغ سن اليأس .
التحف وشاحه المرقط بالأبيض والأسود ، أخفى سكينا في جيب معطفه قبل أن يفتح باب البيت .
- أين تذهب يارجل ... كيف تتركنا لوحدنا في هذا الليل ...
صرخت المرأة ، بينما تجمهر الأطفال الخمسة حولها ، رمقها بنظرة اخترقت جبلا من السنوات العشرين التي جمعتهما تحت سقف واحد ، انتشل ذاكرته من بئر غائر ، جميلة جدا كانت تلك الأيام ، كانا ينامان تحت السماء بلا خوف ، أشاح بعينيه عن كتلة اللحم التي توحدت بجسد واحد للتو ، أغلق الباب خلفه بهدوء دون أن ينبس بكلمة .
كان المطر وابلا ، الوحل يعرقل القدمين ، لا درب آخر يمكن سلوكه في هذا الليل ، الآن فقط أخرج بندقية من تحت عباءته السوداء ، بدأت أنوار البيت تسافر عبر زوارق المطر المنهمر ، وقهقهات الريح الآتية من جهة غربية ، توقف فجأة عن التنفس ، ترك العنان لأذنيه ...
- هذه لي ، هكذا اتفقنا ...
- لا إنها من حقي ، أنا من وجدتها في خزانة المرأة ، خذ هذه بدلا منها .
- لن تأخذها ، فقد وعدت صديقتي بهدية كهذه ...
- ليس بوسعك إلا أن تأخذها عنوة ...
- سآخذها ولو بالقوة .
انتهى الكلام وساد الصمت لحظات ، لم يتبق إلا صرير الريح ، طرقت مسمعه آنات خافتة مالبثت أن توارت فجأة ، أدار ظهره وكر عائدا من حيث أتى تاركا خلفه السر الذي جاء به إلى هذا المكان .
عندما أطلق الفجر رصاصته الأولى ، كانت الأسرة تتجمهر حول جثة هامدة بالقرب من باب المنزل .
التقط الطفل لعبته بشغف وشوق ، ابتسم الرجل الملتحي ببراءة الأطفال هذه المرة .
( ألم أخبرك بأنها تعرف الطريق يا بني ) ...
أطلق سراح رصاصة سهرت معه طيلة تلك الليلة ...
-------------
وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق