اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

كل شيء حزين | بقلم: سماح خليفة ــ فلسطين

لم تكن أمي لتسمح لنا مغادرة المنزل إلى المدرسة دون تناول الفطور وشرب كأس من الحليب.
ذات صباح بينما كانت أختي تصنع ضفائري المعتادة وتزينها بالزهر الأبيض الذي كنا نتسابق على شرائه من دكان جارنا بفرح كبير، كانت أمي تعد الحليب وتصبه في كؤوس ليشرب كل منا كأسه ثم يتوجه إلى مدرسته.

أخي الأوسط يبدو أنه كان على عجلة من أمره، غادر المنزل دون أن يشرب كأسه، لم نلحظ مغادرته من بيننا، كأنه طيف.
أذكر كيف كنا نجتمع في المطبخ على تلك الطاولة المستطيلة الشكل -المقابلة لتلك النافذة المجاورة للمجلى المطلة على الشارع الرئيس- نشرب الحليب. بينما أمي كانت تقف قبالة المجلى بجوار النافذة. وما إن أدارت رأسها في تلك اللحظة ونظرت من النافذة حتى رأت أخي الأوسط يعبر الشارع الرئيس متجها إلى المدرسة، التفتت بسرعة إلى كأس الحليب فوجدته مازال ممتلئا، نظرت إلى أخي الأكبر وقالت: "أخوك ما شرب الحليب، قوم ناديه بسرعة" انتفض أخي عن الكرسي وانطلق نحو النافذة، صرخ بأعلى صوته: "محمد ارجع اشرب الحليب". هذا النداء تزامن مع مرور دورية جيش صهيونية من نفس الشارع، مما جعلها تتوقف وتنظر صوب النافذة مطلقة رصاصها. ثم بلمح البصر انتشرت في المنطقة وهي تتخبط ذعرا كأن بها مسس، وما هي إلا ثوان حتى اقتحمت بيتنا، أسرع أحد الجنود وقبض على رقبة أخي بعنف قائلا: "انت تنادي محمد يرمي حجارة علينا؟!!!". أسرعت أمي نحو الجندي تحاول تخليص أخي من بين يديه وهي تقول: :والله أنا طلبت منه ينادي أخوه يشرب الحليب حتى شوف بعده سخن على الطاولة". لم يكترث الجندي لأمي ورجائها، كبل يدي أخي واصطحبوه إلى الدورية، بينما كان أخي يهديء من روعنا قائلا: "ما تخافوا رح أرجع"، في تلك اللحظات أمي انهارت بالبكاء وظلت تلوم نفسها بأنها السبب، وأما نحن كأن عاصفة ثلجية أطاحت بنا وجعلتنا كالأصنام من هول الصدمة.
أخي محمد لم يلبي النداء، يبدو أن هناك ما كان يشغل عقله ويشده إلى المدرسة. وأما نحن فقد طلبت أمي منا أن نتوجه إلى المدرسة. لم أشعر في تلك اللحظات بقدمي، ولا كيف حملاني إلى المدرسة، وكيف أصبحت في مقعد الدراسة، كنت أشبه بروبوت إلى أن خاطبتي المعلمة بصوت دافئ ومسحة رقيقة دافئة على شعري أذابت الجليد المتراكم على جسدي ولساني: "شو هالحلو يا سماح؟! مين عملك السبلة بشعرك؟ ومن وين هالبكل الحلوات؟! يا بتعطيني شعرك يا الزهر الحلو يا بتشتريلي نفس البكل"، أجبتها بصوت مكسور: "اليهود أخذوا أخوي".
في ذلك اليوم وبعد تلك اللحظة شعرت بالزمن قد توقف والحياة انعدمت، والحركة شلت، لا أذكر أين كان والدي في ذلك اليوم!! لم تعبق الأمكنة برائحة القهوة، لا البيت ولا المدرسة ولا حتى الشارع، رغم حاجتي الشديدة لما ينعش أنفاسي ويرد نبض قلبي!!
كل شيء كان حزينا.
أما مصير أخي فظل مجهولا مصحوبا بدموع أمي وحسرتها إلى أن

لم تجف دموع أمي يوما، لم تتوقف عن لوم نفسها. وأما تهمتهم فلم تثبت على أخي، تهمتهم المشروعة بقانون الإنسانية وممنوعة بقانون المحتل الغاصب. ولذلك لبث في السجن بضع شهور.
إلا أن اسم أخي ظل محفوظا في سجلاتهم وفي ذاكرتهم، فلم يتركوا قلب أمي يهنأ بولدها، بل صاروا بين فينة وأخرى يقتحمون البيت ويقتادون أخي مكبلا؛ لتبدأ رحلة العذاب وتأنيب الضمير من جديد في ذاكرة والدتي.

أذكر آخر مرة أسر فيها أخي لم نعرف عنه أي خبر. ميت، حي، في الأسر، أطلق سراحه، وتعمد هؤلاء الأوغاد التكتم على مصير الاسرى في تلك الفترة.
وذات ليلة بهيمية استفاقت أختي وزوجها على أصوات شباب يستنجدون قريبا من حيهم.
بيت أختي يقع في أسفل جبل يفصله عن جبل آخر طريق وعرة غير معبدة في تلك الفترة. وحتى المنطقة التي تسكنها أختي لم تكن مأهولة بالسكان في ذلك الوقت، بل كانت منطقة جبلية وعرة. كنا نتنقل بصعوبة في تلك المنطقة، فما بالك بأسير معصوب العينين مكبل اليدين وفي منتصف ليلة بهيمية لا قمر فيها!.
هرعت أختي وزوجها وجيرانهم يتتبعون الصوت، يتحسسون الطريق بحذر وهم يحملون في أيديهم مصابيح يدوية، حتى انتهوا إلى حفرة كبيرة في الارض في داخلها مجموعة من الشباب معصبي الأعين مكبلي الأيدي غارقين في دمائهم الممزوجة بالتراب.
لم يتم التعرف على أحد في تلك اللحظة. أخرجوهم من الحفرة واصطحبوهم إلى البيت. وبعد أن قام الذكور من اهل البيت بإسعافهم ومسح آثار الدماء عنهم؛ تجلت ملامحم فإذا بأحد الشبان هو أخي الأكبر الذي أسره جنود الاحتلال.
ذهل الجميع ونادوا أختي على أجل. لم تصدق ما رأت، انفجرت عينيها بالبكاء ثم هرعت صوب أخي تحتضنه وتقبله، هي تحتضنه بقوة وهو يتأوه من شدة الألم مما جعلها تتوقف وتبتعد قليلا. ثم أوما إليها أن تتفقد ظهره. صدمت من هول المنظر؛ دم نازف من أثر السياط التي رسمت خارطة للمحتل المغتصب في جسده.
لحظات حتى هدأ الجميع ثم بدأ أخي يسرد قصة نجاتهم من براثن العدو.
يقول: أمضينا فترة التحقيق ونحن تحت سيل من السياط والشتائم. كنا نشبح أحيان فيمطر وابل من السياط على ظهورنا، واحيانا أخرى نستلقي على ظهورنا وتبدا السياط تضرب اسفل أقدامنا وهم يرددون: بدك تعترف. ثم تركنا ننزف لفترة لا أعرف مدتها بالضبط، وبعدها دخل الجنود علينا في سجن لا نعرف في أي منطقة هو، عصبوا أعيننا وكبلوا أيدينا، ثم ساقونا إلى داخل دورية، وعندما وصلنا الدورية سمعنا نباح كلاب ظل يصاحبنا إلا أن توقفت الدورية في منطقة وعرة. أطلقوا سراحنا حفاة وأطلقوا خلفنا تلك الكلاب النابحة؛ مما جعلتنا ننطلق مسرعين دون شعور بألم أقدامنا، نسقط وننهض، ترتطم رؤوسنا هنا وهناك ونحن مانزال نسمع نباح الكلاب حتى سقطنا في تلك الحفرة، توقف النباح واخذنا بدورنا نصرخ طلبا للنجدة؛ فكان هذا اللقاء.
أذكر أنهم أخفوا الأمر عن والدتي حتى تعافى أخي جيدا، ثم سمحوا لها بلقائه حتى تقر عينها ولا تحزن.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...