١) انتصار الهزيمة.)
الموقع وسط المدينة لبناية من ثلاثة غرف تم بناؤها بشكل سيء فالثقوب في الجدران عديدة وتكفي للتلصص من خلالها على بعضها البعض , لاطابق ثاني والسطح تم الاهتمام به لانه سيكون مكانا لنصب اجهزة البث الاذاعي فالبناية لاذاعة محلية تهتم بشؤون المدينة فقط ولن يهمها مايحدث خارجها فأهوال القتل كالطاعون تجعل العزلة لباس المدن حتى زواله,كما ان البناية محاطة بسياج عال نسبيا وحُشرت باب مستعمله قد أكل منها الصدأ لكنها تصلح للغرض فهي ستبقى مفتوحة على الدوام.
المدير:اراك غير مهتمة عزيزتي ,ارجوك انه عمل انساني لاننوي الربح منه كما انه ليس دار سكن لك , ها...صحيح؟
أنا: ليس الامر كما تظن ,لكن ماحاجة المدينة لاخبار يعرفها اهلها حتى قبل وقوع الحدث.. هههههه , كما انهم غير مهتمين بفهم اي شيء ,يموتون بسرعة فائقة ,اشك برغبتي في العمل معك.
المدير: لكن لاعمل لنا بدونك , هذه الاذاعة مخصصة لخدمة التوصيل للموتى ممن فارقوا اهلهم عزيزتي ولن يلتقي بهم غيرك ,لايملك اي شخص ماتملكين من قدرة ولن اسمح لك بالتراجع.
أنا:كيف ستجبرني ؟
المدير: من بينهم احبتك ,شيء جميل ان يعرف الاخرين ويصدقون ان احبتهم لهم حياة وان فرقهم حاجز الموت.
أنا: وهل تصدقني؟
المدير:بل انا على يقين .
أنا:ياصديقي ان هذا العمل سيقتلني وسأكون مع الموتى في اول لقاء بلا عودة, ربما هذا ماتريده؟
المدير: لماذا تقولين ذلك؟ انت قوية وتنظرين للامور بشكل مختلف .
أنا:الهزيمة.
المدير: اية هزيمة ؟
أنا:ألا تسمع بان المظلوم منتصر , الدماء تنتصر .. كنت اسمع بانتصار الدم ,لكنني ارى ان الانتصار بالدم هو اكبر هزيمة.
المدير: الحزن يخيم على قلبك بشدة وقسوة , لكن لابد من ان ينتصر الدم.هكذا تكون التضحيات لأجل قضية ما.
أنا :أي تضحيات ؟ هل انت مغفل ؟ انهم يقتلوننا بطقوس شيطانية ويختاروننا أضاحي، ارجوك توقف لقد مات الكثير بوحشية كانوا زبدة الحياة في هذه المدينة الكئيبة وانتهوا الى التراب , ومازال الحقد والظلام يحكم ويتنمر ويقتل , دوامة العُرف المُستهلك بقوة الصبر على المحن والخنوع للظلم !! شيء لااريد ان اقبله شبعت من حديث القبول للموت المفرغ من العقل وانتظار الخلاص ارى الجميع يحتمي باشجار يابسة لاتستر نفسها بأي غصن, تكسرت اغصانها من شدة العطش واليباس.
المدير: حسنا انه موضوع جيد للبحث لنعرضه على اهل المدينة عند الافتتاح ونطلب من المثقفين دراسة جدوى للوضع على هذا الشكل من الصمت والذهول.
أنا: هههههههه دراسة جدوى الموت اليومي بلا جدوى ياعزيزي فالاصوات تموت بموت الانسان وينهار جسده بمجرد دفنه ,وكما تعلم لاحرية في المقابر , هناك يسكن الصمت المطبق وهو الملتزم بتطبيق الدستور بالمملكة السفلية وتنفيذ بنوده.
المدير:كفى ارجوك اشعر برغبة للتقيؤ.
أنا: لا لن اتوقف ,لقد ذكرت احبتي وعبثت بقلبي, حين ازورهم لااسمع جوابا ولاسلام حتى الاطفال صامتون , مازلت على قيد الحياة لكنني اشعر باستحالة ان احيا..هكذا ببساطة فقدت اللهفة والانتظار، الاحلام اجدها سخيفة جدا ولافضول عندي ليوم قادم ربما سيكون خيرا ! انه انتصار الهزيمة هل فهمت؟ ها أنا أحيا بانتظار المزيد من الموتى والخذلان ولاموت يقترب مني لانه قد تعرف علي هناك في جولاتي عنده .. يؤخرني باستمرار لمحبة منه او لخبث. ( كانت حالة من الاعياء قد بدت على وجه المدير)..فأكملت كلامي.
مابك؟ هل انت بخير؟ آسفة جدا هكذا انا مُتعِبة لكل من حولي ؟ تقول انك قوي وستتحمل عبأ هذا العمل الثقيل؟
المدير:لن اتكلم الان دعينا للغد لعلك تقتنعين بالعمل فربما ماستقدميه يعيد ترتيب كل شيء .عزيزتي مهما كانت قناعاتنا وفهمنا للحياة ولما يجري لن يمنع حدوثها صدقيني حتى ان مسألة عدم الايمان بوجود الله لاينفي وجود الحياة والعالم ودوران الايام ,هكذا الناس هنا انهم اهلنا يعتقدون بالانتماء ويحسبون ان قدموا القرابين من الدم سيتوقف العالم عن الانهيار وتنتهي الفوضى والقتل.لاتبتعدي عنهم فربما ان بقيت كما انت ستتوصلين الى ان هذه الدماء ستنتصر. ولا اعلم لماذا كل شيء باق ولم ينهار بفداحة مايحصل!
أنا: اريد فقط ان استمتع بحياة ما واغادر دون ضجة لقد تعبت..تعبت جدا .كيف يمكن ان امنح السكينة لنفسي والخواء يقتلني؟ وداعا الان سآتي غدا في الصباح لنتفق على العمل فربما به ومعه سأكون كما اريد.
المدير: أجل هكذا ايتها البطلة سنلتقي غدا ونتفق ونبدأ العمل.
...................................
2) (اذاعة احياء القلوب)
مع الفجر كان العمل يدب لاكمال نصب الاجهزة ووضع الديكورات والاثاث ، دخلت عندهم مايقارب العاشرة صباحا واستقبلني المدير ببسمته المعهودة .
المدير: صباح الجمال ،الم تذكرينني بطعام ما انني جائع؟
أنا : صباح الخير ، كلا لم اذكرك.
المدير: لقد اكملنا العمل ، تعالي لنشرب الشاي ونتحدث رغم ان احاديثك تربكني. انا : الشاي في هذا الجو الحارق !
المدير: اجل , وكإننا اقوياء ونتحدى الحرائق من حولنا وفينا..هل ستشربينه ام ان اصوات التمرد مازالت عالية كما الامس؟ انا: لاشيء قادر على تغييري وليس الشاي من ضمن اعدائي ياصديقي. المدير:سنبدأ البث بعد قليل ومعك سأكون كل صباح في برنامج " لقاء مع الاحبة" اني على ثقة بقوتك وأثرها في احياء قلوب صَدعها الموت والفراق .
انا: يسعدني كلامك وثقتك رغم انني لم استطع ان أحيي قلبي فأرجو ان انفع اهل هذه المدينة التي باتت صامتة كمقبرة.
....................
3) (مقدسون)
بدأ عند الساعة الحادية عشرصباحا بث قناة المدينة .
المدير استلم المايكرفون واعلن :"معكم الان احبتنا واهلنا نبدأ البث الذي وجد لاجلكم لنحيي به قلوبكم فتعلوا اصواتكم بقوة الحياة وتحديا للعدو الذي يريد ان يجعلنا نعيش الموت قبل ان نموت,كونوا معنا وابنتكم "هداية" لنعيد الوصل بمن فارقونا الى موطن الشهداء حيث تنتمي الدماء الطاهرة , منح الله "هداية" نورا ورحمة وقوة تدخل بها عوالم الاحبة لتعيد بناء شرخ الفراق وتجعله هباءا باعمار قلوبا اتعبها الهَم واللوعة ,اترككم مع "هداية" لتتواصلوا معها.
أنا: صباحكم طيور خضراء ترفرف في سمائكم فتنهل عليكم بالبركات والرضا احبتي اهل المدينة ,كما قدمني المدير مصطفى انا "هداية" وسأزور من يدعوني الى داره واعدكم بانني لن اكون زائرا ثقيلا بل ساترك عبقا من عطر الياسمين تبقى تفوح بعد رحيلي عنكم , لن احتاج ان تطلبوا مني شيئا لانني سأفهم ماتريدون من حديثي معكم...أنا هداية بانتظار تواصلكم وهواتفنا مفتوحة لكم كما سيقدمها زميلي المبتسم الهادىء دوما مصطفى ..فاهلا بكم ونحن معا سنبقى.
........................
مرت نصف ساعة والاسطوانة تعطي بموسيقاها توسلا بشخص ما قد يتصل, وجاءت رنة للاتصال الاول وكنت أنا من أجاب : اهلا بك متصلنا الاول نحن معا سنبقى هداية تكلمك. (جاء صوت لامراة اعطت اسمها "اني ايمان حسن ابراهيم, ام المغدور احمد قاسم " أنا: اهلا بك ام احمد هل تحبين ان نتحدث الان ام ازورك؟ ام احمد: بل ارجو زيارتك ان سمحت؟ انا: سانال شرفا عظيما برؤيتك ايتها الام العزيزة, اليوم ساكون عندكم.اتركي لي العنوان ,والى لقاء.
(كنت بعد ساعة في دار ام احمد وكان اللقاء)
أنا: مساؤك الخير ايتها الام المقدسة.
الام: مساؤك خير عزيزتي ، تعبير "المقدسة" مذهل ، لكنني لست كذلك .
أنا : هكذا جعلك الله في ميزانه يا أم.
الام: لايمثل الحمل ورعاية الذرية قدسية ياابنتي،فكل المخلوقات تحمل وتلد بطريقة او باخرى لكن انثى الانسان هي من صارت مكرمة.والكثير منهن لاتنطبق عليهن القدسية فهن لم يقمن بواجبهن كما ينبغي.
أنا: لم اتوقع ان اسمع هكذا من امرأة .
الام: من الرجال من هو مقدس اكثر في رعاية اولاده بوجود الام او حين تتركهم ياعزيزتي.
أنا: علمت انك فقدت ولدك الوحيد قبل فترة ،وجئت اليك لأحاورك وأقدم لك مساعدتي ، املك تواصلا مع الراحلين ان اردت ذلك مع ولدك.
الام: انه ولدي الثاني لقد فقدت اخاه قبل سنتين ، تعودت الالم والحزن بصمت لكن زوجي لم يحتمل فراق الاول وصار عاجزا في فراشه ثم توقف عن الحياة بعد رحيل الاخر وهو من اريده ان يسمع منك شيئا عن ولديّ.اني اراهما من حين لآخر وهما بخير معا فكلاهما قُتلا ظلما وغدرا وكانا بارين بنا.
أنا: هل ممكن ان أرى ابا احمد وأسلم عليه.
الأم: بالتأكيد تعالي معي.
) غرفة صغيرة من سريرين وقد وضعت صور كثيرة على الحائط تحمل ضحكات العائلة لمراحل حياة جميلة لأم وأب وولدين)
أنا: مرحبا ياعم ، أيها الأب المقدس ، قدستك الالام واثقالها وصور الفراق اللئيم.. وهذا الصمت المطبق المتنفذ فيك.
( مددت يدي وأمسكت بيده فأخذتني موجة عاتية لأكون في مكان واسع مكتظ وكان الرجل هو من يمسك بي وحدثني قائلا: هنا ولديّ ولا أتمكن من رؤيتهما فالموتى كثر وقد علقت في هذا المكان بلا عودة ، كيف يمكن ان تساعدينني فامهما وحيدة في وجع الفراق وانا معلق بهذا المكان طلبا وشوق لرؤيتهما؟
أنا: دعني أنا من يقودك ياعم فقط اترك لي نبضك كي أشعر بقربهما .
( شعرت باختناقه لكنني مضيت معه وتسارعت دقات قلبه حين وصلنا حاجزا زجاجيا هائلا وكانا هناك ولداه ينظران اليه( بفرح )،نظرت اليه قائلة: هل تراهما ياعم؟
الاب: أجل ،لكنني اريد اكثر من ذلك.
أنا : لن يسمحوا لك الان عليك بالحياة اولا كما امهما ياعم ،كن مقدسا بالصبر حينها ستجتاز الحاجز وكأنه ماء يغسل قلبك وتنعم باللقاء.
( تركت يده لنكون في مكانه حيث الفراش، سلمت على الام وتركت المكان)
(عدت مهمومة الى بيتي وشعورا بعدم جدوى محاولتي لاعادته الى وجوده )
حلً النهاروفتحت سماء المدينة الصامتة على صبح جديد انظر الى بياضه بفتور لأَسِدَ رمقي ببعض الطعام واتهيأ لبرنامج قد اعالج نفسي من خلاله قبل ان اعالج الاخرين فانا واحدة من اهل المدينة المصابين بشرخ الحياة وطلاء الموت.
4)(انتصار الدم)
بدأ البرنامج بموسيقاه وبعدم رغبتي بالاستمرار لكن كلماتي هي ذاتها مع صوت المدير مصطفى وهو يلقي تحية الصباح على المدينة واهلها .
أنا : هداية معكم دائما وننتظر تواصلكم والارض رحبة بنا جميعا ان كنا نسير عليها ام نستوطن ترابها..
(رن الهاتف عن اتصال ليأتي صوت ام احمد متهللا بالشكر لله ان جعل الشفاء لزوجها من رقدة الحزن تحت غيمة موت ولديه, جاءتني صعقة تركت دموعي يقظة لتعلمني ا ن ابا احمد بخيروهو يخبرني بصوته انه قد وعى من صدمته واستفاق على صبر وتلاقى مع ولديه وتحول جدار الصمت العازل بينه وبينهم الى ماء بارد غسل عنه كل هم وحزن ,صوته يدعوني "بابنتي" فتمالكت نفسي لأهنئه بعودته للحياة وبانني ساكون معه دوما.
وصارت الاتصالات كما المطر بعد انقطاع طويل عن ارض عطشى لم تمتص الدماء التي طالما اريقت عليها , صرت ازور اهل المدينة على طول يومي فاقضي وقتي في مملكة الصمت حيث الاحبة , تعودت وجودي بينهم والبحث في وجوههم عن احبة لي هناك يقطنون,لكنني حتى لم اراهم ,مازلت في رقادي تحت مظلة الموت رغم جعل كل اهل المدينة يحيون من حزنهم ويتلاقون مع احبتهم, من لي يقودني اليهم ,متى ينكسر الجدار وينهمر الماء البارد منه عليَ فاحيا بالصبر وبرؤيتهم .
صحوت مبكرة في هذا اليوم من عملي ولم اهتم لرؤية السماء بنور الشمس وبيوم جديد وشعرت بثقل على ظهري وتعب شديد,جاءني اتصال من المديرليخبرني ان لي عمل في بيت اخير فقدوا فيه طفلة ,قلت له انني ساكون عندهم الان مبكرة لاعود فالنوم يدعوني بشدة .
كنت هناك حيث بيت فقيراقاموه ببعض جذوع النخل وصفيح ,جلس الابوان وثلاثة اطفال صبيين وطفلة ..بيت بابه قطعة قماش تتلاعب بها الريح.وقفت امامهم بألم وشعرت بعدم قدرتي على مواصلة الامر..ركضت نحوي الطفلة تحييني قائلة "عمة اريد منك ان تاخذي امي وابي حيث اختي فقد ضاق بنا الدار من حزنهما" حاولت ان ابتسم في وجهها المتسخ وشفتاها المتشققة فحملتها وقبلتها ومشيت لاكون قرب الابوين ,بقيت صامتة لفترة ثم قلت: "هل نذهب؟" رفع الرجل رأسه ونظر الي قائلا:" حتى ان صدقت وصبرت فلا اظنني ساحتمل ففي حياتنا من القهر والهموم مالاتحمله الجبال لياتي حملا اخر وتموت طفلتي ,انها التوأم لهذه لكنها مطيعة اكثر وتسعى لان تبدو نظيفة وجميلة" قلت: افعلها لاجل زوجتك واولادك فان صبرت وتحملت سيقام البيت وان كان من الصفيح ,كانت الام تسمع وتنظرالى زوجها فقالت: لنذهب ياعزيزي فقد اشتقت اليها لعلني احظى بقبلة منها" كنت اتمزق واشعر بان مافي هذه العائلة قسوة حياة وجريمة وجود.مد الاثنان يديهما فكنت معهما حيث مركب جميل كلعبة كبيرة تحوي اطفالا كثيرون يزهون بملابس حلوة وتتعالى ضحكاتهم وماكان هناك جدارا للصمت بل صوت فرح وصخب لم اعلم له وجود على الارض ركضت طفلة تشبه تلك لتحتضن والديها بفرح ومطر خفيف جميل لامس وجوهنا جميعا ,شعرت بالفرح وبلمسة تهز ثوبي نظرت كانت حبيبتي بقربي فاطمة ببسمتها وجمالها تنظر بشقاوة معهودة بها قائلة: "عمة تعالي لاهمس لك " صحت :اجل حبيبتي كما كنت تهمسين فتطلبين دمية ..احتظنتها بقوة وقبلتها وقلت اين اخوك ؟ قالت: اقبلي اولا ماكان . قلت مجبرة نفسي :"قبلت حبيبتي,لقد قبلت" قالت:...انه هناك ان الصبية يقودون المركب لنجوب الامكنة الجميلة ولا نشعر بالفراق . وكان عليٌ بقربي يضحك بخجل فلم اتمكن من حبس نزيف دموعي وهويت عليه اقبله واحتظنه ,"آه ياقرة عيني عليّ" . قال: اكتفي الان عمتي من البكاء نحن بخير وسعداء ولا نشعر بالفراق. قلت: اذن سابقى معكما . قالت فاطمة: هنا فقط يسكن المنحورون ,المقتولون ياعمة وانت بلا دماء.عودي وكوني هناك بخير واصبري مع امي وابي . (وجدت نفسي اقف عند بيت الصفيح تنظر الي العائلة الفقيرة بدهشة." قلت : هل انتم بخير الان؟ الاب: اجل يااخت لقد زال عني الهم وارتويت. ابتسمت الام واندفعت الطفلة نحوي تقبلني.وعدت الى البيت وارتميت حيث الفراش . اندفعت باب الدار ليدخل بعض الرجال واقتحموا غرفتي وسحبوني وهم يبصقون علي ويضربونني بقسوة وسط دهشتي وذهولي وخوفي. قال احدهم : تبطلين عملنا بسهولة ايتها الفاجرة تعيدين الحياة للناس فيعيشون ,انك ساحرة وحكمك الان بتنفيذ قتلك بالذبح . (ربما اكون قد فرحت لقد تمكنت من هزيمتهم هؤلاء المجرمون ,صرت على يقين حين مرت السكين على نحري بان الانتصار للدم...صحت بقوة "دمي انتصر".)
حل السكون وشعرت بروحي طليقة في سماء المدينة انظر بفرح الى الجميع يعيشون بخير وقد هزمت دماء احبتهم الموت, نظرت تلك الطفلة الى السماء فرأتني وصاحت : انها هناك في السماء تطير كما الطيور .صدقها الجميع فراحوا يبحثون عني حيث الاذاعة , بكى المدير صديقي مصطفى وخرج يركض نحو بيتي ليجدني مذبوحة من الوريد الى الوريد ,صار يولول كما النساء وكل الناس من حوله بعيون دامعة يشكرونني انني جعلتهم يعلمون ان الدم لن يموت. جاءت الطفلة وامسكت بيد المدير وقادته حيث سيراني بخير ويسقط جدار الصمت وينهمر الماء عليه فلا حزن يبقى والحياة تسير..سمع الجميع صوتي اناديهم "اني هداية معكم دوما سأكون".
......................
ابتهال خلف الخياط
الموقع وسط المدينة لبناية من ثلاثة غرف تم بناؤها بشكل سيء فالثقوب في الجدران عديدة وتكفي للتلصص من خلالها على بعضها البعض , لاطابق ثاني والسطح تم الاهتمام به لانه سيكون مكانا لنصب اجهزة البث الاذاعي فالبناية لاذاعة محلية تهتم بشؤون المدينة فقط ولن يهمها مايحدث خارجها فأهوال القتل كالطاعون تجعل العزلة لباس المدن حتى زواله,كما ان البناية محاطة بسياج عال نسبيا وحُشرت باب مستعمله قد أكل منها الصدأ لكنها تصلح للغرض فهي ستبقى مفتوحة على الدوام.
المدير:اراك غير مهتمة عزيزتي ,ارجوك انه عمل انساني لاننوي الربح منه كما انه ليس دار سكن لك , ها...صحيح؟
أنا: ليس الامر كما تظن ,لكن ماحاجة المدينة لاخبار يعرفها اهلها حتى قبل وقوع الحدث.. هههههه , كما انهم غير مهتمين بفهم اي شيء ,يموتون بسرعة فائقة ,اشك برغبتي في العمل معك.
المدير: لكن لاعمل لنا بدونك , هذه الاذاعة مخصصة لخدمة التوصيل للموتى ممن فارقوا اهلهم عزيزتي ولن يلتقي بهم غيرك ,لايملك اي شخص ماتملكين من قدرة ولن اسمح لك بالتراجع.
أنا:كيف ستجبرني ؟
المدير: من بينهم احبتك ,شيء جميل ان يعرف الاخرين ويصدقون ان احبتهم لهم حياة وان فرقهم حاجز الموت.
أنا: وهل تصدقني؟
المدير:بل انا على يقين .
أنا:ياصديقي ان هذا العمل سيقتلني وسأكون مع الموتى في اول لقاء بلا عودة, ربما هذا ماتريده؟
المدير: لماذا تقولين ذلك؟ انت قوية وتنظرين للامور بشكل مختلف .
أنا:الهزيمة.
المدير: اية هزيمة ؟
أنا:ألا تسمع بان المظلوم منتصر , الدماء تنتصر .. كنت اسمع بانتصار الدم ,لكنني ارى ان الانتصار بالدم هو اكبر هزيمة.
المدير: الحزن يخيم على قلبك بشدة وقسوة , لكن لابد من ان ينتصر الدم.هكذا تكون التضحيات لأجل قضية ما.
أنا :أي تضحيات ؟ هل انت مغفل ؟ انهم يقتلوننا بطقوس شيطانية ويختاروننا أضاحي، ارجوك توقف لقد مات الكثير بوحشية كانوا زبدة الحياة في هذه المدينة الكئيبة وانتهوا الى التراب , ومازال الحقد والظلام يحكم ويتنمر ويقتل , دوامة العُرف المُستهلك بقوة الصبر على المحن والخنوع للظلم !! شيء لااريد ان اقبله شبعت من حديث القبول للموت المفرغ من العقل وانتظار الخلاص ارى الجميع يحتمي باشجار يابسة لاتستر نفسها بأي غصن, تكسرت اغصانها من شدة العطش واليباس.
المدير: حسنا انه موضوع جيد للبحث لنعرضه على اهل المدينة عند الافتتاح ونطلب من المثقفين دراسة جدوى للوضع على هذا الشكل من الصمت والذهول.
أنا: هههههههه دراسة جدوى الموت اليومي بلا جدوى ياعزيزي فالاصوات تموت بموت الانسان وينهار جسده بمجرد دفنه ,وكما تعلم لاحرية في المقابر , هناك يسكن الصمت المطبق وهو الملتزم بتطبيق الدستور بالمملكة السفلية وتنفيذ بنوده.
المدير:كفى ارجوك اشعر برغبة للتقيؤ.
أنا: لا لن اتوقف ,لقد ذكرت احبتي وعبثت بقلبي, حين ازورهم لااسمع جوابا ولاسلام حتى الاطفال صامتون , مازلت على قيد الحياة لكنني اشعر باستحالة ان احيا..هكذا ببساطة فقدت اللهفة والانتظار، الاحلام اجدها سخيفة جدا ولافضول عندي ليوم قادم ربما سيكون خيرا ! انه انتصار الهزيمة هل فهمت؟ ها أنا أحيا بانتظار المزيد من الموتى والخذلان ولاموت يقترب مني لانه قد تعرف علي هناك في جولاتي عنده .. يؤخرني باستمرار لمحبة منه او لخبث. ( كانت حالة من الاعياء قد بدت على وجه المدير)..فأكملت كلامي.
مابك؟ هل انت بخير؟ آسفة جدا هكذا انا مُتعِبة لكل من حولي ؟ تقول انك قوي وستتحمل عبأ هذا العمل الثقيل؟
المدير:لن اتكلم الان دعينا للغد لعلك تقتنعين بالعمل فربما ماستقدميه يعيد ترتيب كل شيء .عزيزتي مهما كانت قناعاتنا وفهمنا للحياة ولما يجري لن يمنع حدوثها صدقيني حتى ان مسألة عدم الايمان بوجود الله لاينفي وجود الحياة والعالم ودوران الايام ,هكذا الناس هنا انهم اهلنا يعتقدون بالانتماء ويحسبون ان قدموا القرابين من الدم سيتوقف العالم عن الانهيار وتنتهي الفوضى والقتل.لاتبتعدي عنهم فربما ان بقيت كما انت ستتوصلين الى ان هذه الدماء ستنتصر. ولا اعلم لماذا كل شيء باق ولم ينهار بفداحة مايحصل!
أنا: اريد فقط ان استمتع بحياة ما واغادر دون ضجة لقد تعبت..تعبت جدا .كيف يمكن ان امنح السكينة لنفسي والخواء يقتلني؟ وداعا الان سآتي غدا في الصباح لنتفق على العمل فربما به ومعه سأكون كما اريد.
المدير: أجل هكذا ايتها البطلة سنلتقي غدا ونتفق ونبدأ العمل.
...................................
2) (اذاعة احياء القلوب)
مع الفجر كان العمل يدب لاكمال نصب الاجهزة ووضع الديكورات والاثاث ، دخلت عندهم مايقارب العاشرة صباحا واستقبلني المدير ببسمته المعهودة .
المدير: صباح الجمال ،الم تذكرينني بطعام ما انني جائع؟
أنا : صباح الخير ، كلا لم اذكرك.
المدير: لقد اكملنا العمل ، تعالي لنشرب الشاي ونتحدث رغم ان احاديثك تربكني. انا : الشاي في هذا الجو الحارق !
المدير: اجل , وكإننا اقوياء ونتحدى الحرائق من حولنا وفينا..هل ستشربينه ام ان اصوات التمرد مازالت عالية كما الامس؟ انا: لاشيء قادر على تغييري وليس الشاي من ضمن اعدائي ياصديقي. المدير:سنبدأ البث بعد قليل ومعك سأكون كل صباح في برنامج " لقاء مع الاحبة" اني على ثقة بقوتك وأثرها في احياء قلوب صَدعها الموت والفراق .
انا: يسعدني كلامك وثقتك رغم انني لم استطع ان أحيي قلبي فأرجو ان انفع اهل هذه المدينة التي باتت صامتة كمقبرة.
....................
3) (مقدسون)
بدأ عند الساعة الحادية عشرصباحا بث قناة المدينة .
المدير استلم المايكرفون واعلن :"معكم الان احبتنا واهلنا نبدأ البث الذي وجد لاجلكم لنحيي به قلوبكم فتعلوا اصواتكم بقوة الحياة وتحديا للعدو الذي يريد ان يجعلنا نعيش الموت قبل ان نموت,كونوا معنا وابنتكم "هداية" لنعيد الوصل بمن فارقونا الى موطن الشهداء حيث تنتمي الدماء الطاهرة , منح الله "هداية" نورا ورحمة وقوة تدخل بها عوالم الاحبة لتعيد بناء شرخ الفراق وتجعله هباءا باعمار قلوبا اتعبها الهَم واللوعة ,اترككم مع "هداية" لتتواصلوا معها.
أنا: صباحكم طيور خضراء ترفرف في سمائكم فتنهل عليكم بالبركات والرضا احبتي اهل المدينة ,كما قدمني المدير مصطفى انا "هداية" وسأزور من يدعوني الى داره واعدكم بانني لن اكون زائرا ثقيلا بل ساترك عبقا من عطر الياسمين تبقى تفوح بعد رحيلي عنكم , لن احتاج ان تطلبوا مني شيئا لانني سأفهم ماتريدون من حديثي معكم...أنا هداية بانتظار تواصلكم وهواتفنا مفتوحة لكم كما سيقدمها زميلي المبتسم الهادىء دوما مصطفى ..فاهلا بكم ونحن معا سنبقى.
........................
مرت نصف ساعة والاسطوانة تعطي بموسيقاها توسلا بشخص ما قد يتصل, وجاءت رنة للاتصال الاول وكنت أنا من أجاب : اهلا بك متصلنا الاول نحن معا سنبقى هداية تكلمك. (جاء صوت لامراة اعطت اسمها "اني ايمان حسن ابراهيم, ام المغدور احمد قاسم " أنا: اهلا بك ام احمد هل تحبين ان نتحدث الان ام ازورك؟ ام احمد: بل ارجو زيارتك ان سمحت؟ انا: سانال شرفا عظيما برؤيتك ايتها الام العزيزة, اليوم ساكون عندكم.اتركي لي العنوان ,والى لقاء.
(كنت بعد ساعة في دار ام احمد وكان اللقاء)
أنا: مساؤك الخير ايتها الام المقدسة.
الام: مساؤك خير عزيزتي ، تعبير "المقدسة" مذهل ، لكنني لست كذلك .
أنا : هكذا جعلك الله في ميزانه يا أم.
الام: لايمثل الحمل ورعاية الذرية قدسية ياابنتي،فكل المخلوقات تحمل وتلد بطريقة او باخرى لكن انثى الانسان هي من صارت مكرمة.والكثير منهن لاتنطبق عليهن القدسية فهن لم يقمن بواجبهن كما ينبغي.
أنا: لم اتوقع ان اسمع هكذا من امرأة .
الام: من الرجال من هو مقدس اكثر في رعاية اولاده بوجود الام او حين تتركهم ياعزيزتي.
أنا: علمت انك فقدت ولدك الوحيد قبل فترة ،وجئت اليك لأحاورك وأقدم لك مساعدتي ، املك تواصلا مع الراحلين ان اردت ذلك مع ولدك.
الام: انه ولدي الثاني لقد فقدت اخاه قبل سنتين ، تعودت الالم والحزن بصمت لكن زوجي لم يحتمل فراق الاول وصار عاجزا في فراشه ثم توقف عن الحياة بعد رحيل الاخر وهو من اريده ان يسمع منك شيئا عن ولديّ.اني اراهما من حين لآخر وهما بخير معا فكلاهما قُتلا ظلما وغدرا وكانا بارين بنا.
أنا: هل ممكن ان أرى ابا احمد وأسلم عليه.
الأم: بالتأكيد تعالي معي.
) غرفة صغيرة من سريرين وقد وضعت صور كثيرة على الحائط تحمل ضحكات العائلة لمراحل حياة جميلة لأم وأب وولدين)
أنا: مرحبا ياعم ، أيها الأب المقدس ، قدستك الالام واثقالها وصور الفراق اللئيم.. وهذا الصمت المطبق المتنفذ فيك.
( مددت يدي وأمسكت بيده فأخذتني موجة عاتية لأكون في مكان واسع مكتظ وكان الرجل هو من يمسك بي وحدثني قائلا: هنا ولديّ ولا أتمكن من رؤيتهما فالموتى كثر وقد علقت في هذا المكان بلا عودة ، كيف يمكن ان تساعدينني فامهما وحيدة في وجع الفراق وانا معلق بهذا المكان طلبا وشوق لرؤيتهما؟
أنا: دعني أنا من يقودك ياعم فقط اترك لي نبضك كي أشعر بقربهما .
( شعرت باختناقه لكنني مضيت معه وتسارعت دقات قلبه حين وصلنا حاجزا زجاجيا هائلا وكانا هناك ولداه ينظران اليه( بفرح )،نظرت اليه قائلة: هل تراهما ياعم؟
الاب: أجل ،لكنني اريد اكثر من ذلك.
أنا : لن يسمحوا لك الان عليك بالحياة اولا كما امهما ياعم ،كن مقدسا بالصبر حينها ستجتاز الحاجز وكأنه ماء يغسل قلبك وتنعم باللقاء.
( تركت يده لنكون في مكانه حيث الفراش، سلمت على الام وتركت المكان)
(عدت مهمومة الى بيتي وشعورا بعدم جدوى محاولتي لاعادته الى وجوده )
حلً النهاروفتحت سماء المدينة الصامتة على صبح جديد انظر الى بياضه بفتور لأَسِدَ رمقي ببعض الطعام واتهيأ لبرنامج قد اعالج نفسي من خلاله قبل ان اعالج الاخرين فانا واحدة من اهل المدينة المصابين بشرخ الحياة وطلاء الموت.
4)(انتصار الدم)
بدأ البرنامج بموسيقاه وبعدم رغبتي بالاستمرار لكن كلماتي هي ذاتها مع صوت المدير مصطفى وهو يلقي تحية الصباح على المدينة واهلها .
أنا : هداية معكم دائما وننتظر تواصلكم والارض رحبة بنا جميعا ان كنا نسير عليها ام نستوطن ترابها..
(رن الهاتف عن اتصال ليأتي صوت ام احمد متهللا بالشكر لله ان جعل الشفاء لزوجها من رقدة الحزن تحت غيمة موت ولديه, جاءتني صعقة تركت دموعي يقظة لتعلمني ا ن ابا احمد بخيروهو يخبرني بصوته انه قد وعى من صدمته واستفاق على صبر وتلاقى مع ولديه وتحول جدار الصمت العازل بينه وبينهم الى ماء بارد غسل عنه كل هم وحزن ,صوته يدعوني "بابنتي" فتمالكت نفسي لأهنئه بعودته للحياة وبانني ساكون معه دوما.
وصارت الاتصالات كما المطر بعد انقطاع طويل عن ارض عطشى لم تمتص الدماء التي طالما اريقت عليها , صرت ازور اهل المدينة على طول يومي فاقضي وقتي في مملكة الصمت حيث الاحبة , تعودت وجودي بينهم والبحث في وجوههم عن احبة لي هناك يقطنون,لكنني حتى لم اراهم ,مازلت في رقادي تحت مظلة الموت رغم جعل كل اهل المدينة يحيون من حزنهم ويتلاقون مع احبتهم, من لي يقودني اليهم ,متى ينكسر الجدار وينهمر الماء البارد منه عليَ فاحيا بالصبر وبرؤيتهم .
صحوت مبكرة في هذا اليوم من عملي ولم اهتم لرؤية السماء بنور الشمس وبيوم جديد وشعرت بثقل على ظهري وتعب شديد,جاءني اتصال من المديرليخبرني ان لي عمل في بيت اخير فقدوا فيه طفلة ,قلت له انني ساكون عندهم الان مبكرة لاعود فالنوم يدعوني بشدة .
كنت هناك حيث بيت فقيراقاموه ببعض جذوع النخل وصفيح ,جلس الابوان وثلاثة اطفال صبيين وطفلة ..بيت بابه قطعة قماش تتلاعب بها الريح.وقفت امامهم بألم وشعرت بعدم قدرتي على مواصلة الامر..ركضت نحوي الطفلة تحييني قائلة "عمة اريد منك ان تاخذي امي وابي حيث اختي فقد ضاق بنا الدار من حزنهما" حاولت ان ابتسم في وجهها المتسخ وشفتاها المتشققة فحملتها وقبلتها ومشيت لاكون قرب الابوين ,بقيت صامتة لفترة ثم قلت: "هل نذهب؟" رفع الرجل رأسه ونظر الي قائلا:" حتى ان صدقت وصبرت فلا اظنني ساحتمل ففي حياتنا من القهر والهموم مالاتحمله الجبال لياتي حملا اخر وتموت طفلتي ,انها التوأم لهذه لكنها مطيعة اكثر وتسعى لان تبدو نظيفة وجميلة" قلت: افعلها لاجل زوجتك واولادك فان صبرت وتحملت سيقام البيت وان كان من الصفيح ,كانت الام تسمع وتنظرالى زوجها فقالت: لنذهب ياعزيزي فقد اشتقت اليها لعلني احظى بقبلة منها" كنت اتمزق واشعر بان مافي هذه العائلة قسوة حياة وجريمة وجود.مد الاثنان يديهما فكنت معهما حيث مركب جميل كلعبة كبيرة تحوي اطفالا كثيرون يزهون بملابس حلوة وتتعالى ضحكاتهم وماكان هناك جدارا للصمت بل صوت فرح وصخب لم اعلم له وجود على الارض ركضت طفلة تشبه تلك لتحتضن والديها بفرح ومطر خفيف جميل لامس وجوهنا جميعا ,شعرت بالفرح وبلمسة تهز ثوبي نظرت كانت حبيبتي بقربي فاطمة ببسمتها وجمالها تنظر بشقاوة معهودة بها قائلة: "عمة تعالي لاهمس لك " صحت :اجل حبيبتي كما كنت تهمسين فتطلبين دمية ..احتظنتها بقوة وقبلتها وقلت اين اخوك ؟ قالت: اقبلي اولا ماكان . قلت مجبرة نفسي :"قبلت حبيبتي,لقد قبلت" قالت:...انه هناك ان الصبية يقودون المركب لنجوب الامكنة الجميلة ولا نشعر بالفراق . وكان عليٌ بقربي يضحك بخجل فلم اتمكن من حبس نزيف دموعي وهويت عليه اقبله واحتظنه ,"آه ياقرة عيني عليّ" . قال: اكتفي الان عمتي من البكاء نحن بخير وسعداء ولا نشعر بالفراق. قلت: اذن سابقى معكما . قالت فاطمة: هنا فقط يسكن المنحورون ,المقتولون ياعمة وانت بلا دماء.عودي وكوني هناك بخير واصبري مع امي وابي . (وجدت نفسي اقف عند بيت الصفيح تنظر الي العائلة الفقيرة بدهشة." قلت : هل انتم بخير الان؟ الاب: اجل يااخت لقد زال عني الهم وارتويت. ابتسمت الام واندفعت الطفلة نحوي تقبلني.وعدت الى البيت وارتميت حيث الفراش . اندفعت باب الدار ليدخل بعض الرجال واقتحموا غرفتي وسحبوني وهم يبصقون علي ويضربونني بقسوة وسط دهشتي وذهولي وخوفي. قال احدهم : تبطلين عملنا بسهولة ايتها الفاجرة تعيدين الحياة للناس فيعيشون ,انك ساحرة وحكمك الان بتنفيذ قتلك بالذبح . (ربما اكون قد فرحت لقد تمكنت من هزيمتهم هؤلاء المجرمون ,صرت على يقين حين مرت السكين على نحري بان الانتصار للدم...صحت بقوة "دمي انتصر".)
حل السكون وشعرت بروحي طليقة في سماء المدينة انظر بفرح الى الجميع يعيشون بخير وقد هزمت دماء احبتهم الموت, نظرت تلك الطفلة الى السماء فرأتني وصاحت : انها هناك في السماء تطير كما الطيور .صدقها الجميع فراحوا يبحثون عني حيث الاذاعة , بكى المدير صديقي مصطفى وخرج يركض نحو بيتي ليجدني مذبوحة من الوريد الى الوريد ,صار يولول كما النساء وكل الناس من حوله بعيون دامعة يشكرونني انني جعلتهم يعلمون ان الدم لن يموت. جاءت الطفلة وامسكت بيد المدير وقادته حيث سيراني بخير ويسقط جدار الصمت وينهمر الماء عليه فلا حزن يبقى والحياة تسير..سمع الجميع صوتي اناديهم "اني هداية معكم دوما سأكون".
......................
ابتهال خلف الخياط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق