عند سيطرة التفتيش، توقَّف بسيارته الفارهة بين طوابير السيارات المتوقفة ، التفتيش كان دقيقاً، مما جعل الضجر يرتسم على ملامح أصحاب السيارات ، حاول أن يتجاوز السيارات المتوقفة من أي منفذ ممكن ، فلم يستطع ، طلب من العسكري الواقف أن يسمح له بالمرور من المنفذالخاص بالأرتال العسكرية، أشار له العسكري بالنفي ، ضيق الشارع والصبَّات الكونكريتية يحول دون حشر سيارته الصالون الفارهة بين الفتحات ، ينظر إليها وهي قابعة في الحوض الخلفي ، المرأة العجوز تتأوه من ألم مبرح في صدرها ، تتململ وتكّور جذعها الناحل لصق الباب الجانبي ..يفتح الباب وينزل من السيارة وهو يصيح :
__رجاءً ساعدوني... أمي في حالة خطرة ..أرجوكم ساعدوني ؟
لم يلتفت إليه أحد ..يلقى نظرة كسيرة على الجسد المتوجع ، ثم يعود ‘إلى مكانه ، يلمسها بكفه مطمئِناً :
__أمي ..اصبري ريثما أنقلكِ للمشفى..دخيل الله اصبري عليّ ؟
__سأموت ياولدي ..انقطعَ نَفَسي من الوجع .
رّن هاتفه الجوال ..ظهر على الشاشة اسم المتصل.. جاءه الصوت وهو يحمل نبرات حادة :
__أين أنت ياأخي..أليس بيننا موعدا ؟!
__أنا عندَ سيطرة التفتيش ..أمي تموت ياشيخ ..أريد إيصالها للمشفى.
__ماهذه التخاريف ..عجّل بالمجيء.. أمامك عشر دقائق فقط.
قالها وأغلق بوجهه الهاتف ، أدار رأسه نحو أمه ..اجتاحته رغبة في الصراخ .. أمسك بها من كتفيها النحيلين :
__أمي ..ستكوني بخير ..فقط اصبري أرجوكِ ..ليس الأمر بيدي.
نظرتْ إليه بعينين شاحبتين وتمتمت:
__ سأموت ياولدي .... ان مازرعته من شر.. أنا من يدفع ثمنه الآن .
__أرجوك يا أمي ليس هذا وقت لوم وتقريع .
لاح له مشهد من الماضي القريب عندما تم تكليفه بالإشراف على إنتحاري الأحزمة الناسفة، في آخر مهمّة له كان الإنفجار شديداً وسط شوق شعبي في بغداد . تطايرت على إثره السيقان والأذرع المبتورة والتصق اللحم المحروق بالعربات والبسطات عند ناصية الشارع ..يرقب عن بعد تلك المرأة العجوز التي كانت تشبه أمه تحمل قطعاً من العلكة تبيعها بثمن بخس ، .لا يدري لماذا توقف طويلا أمام تلك المرأة العجوز مبتورة القدمين ..فقد كانت تشير له أن يسقيها شربة ماء ..ابتسمً وقتذاك في سرّه وتركها ..لن ينسىأبدا تلك النظرة التي رمقته بها ..أفزعته تلك النظرة التي تشبه نظرة أمه عندما تغضب منه لأمر ما .
.بغتةً انتبه لهدير محركات السيارات المتوقفة ..تحرَّك السير بضع خطوات .
أسرع بتشغيل محرك سيارته ..المسافة ليست بالقصيرة ليكون أمام رجال مفرزة التفتيش وينتهي كل شيء ، للحظات توقَّف السير ..عاد يرّن هاتفه من جديد .
_الووووو ..نعم يا شيخي.
__لقد أفسدتَ العملية بتأخيرك هذا ...أين أنت ؟
__مازلتُ عند السيطرة ....الزحام شديد يا شيخ .
__تبّاً .. ..أترك سيارتك عند السيطرة واستقل سيارة أجرة بسرعة
_وأمي ياشيخ ..أقول لك أن أمي تموت! .
.أغلق التلفون هذه المرَّة بقناعة تامة ،لم يعد ذلك الرعديد الذي يرتجف من غضب الشيوخ والأمراء، بضغطة زر من يده قذف هاتفه فوق" دشبول " السيارة وهو يتمتم بإستياء ..حانت منه إلتفاتة نحو الجسد المسجَّى .. لم يسمع هذه المرَّة صوت توجعها .. مدَّ ذراعه نحوها دون أن يلتفت‘اليها لا مست أصابعه وجهها ،ذعر من برودة وجهها ، لحظة انعتاق مغرقة بالصمت، ينتظر أن تتمخض عن شيء أما الموت في هذا المكان أو إيصالها المشفى ومعالجتها.. لم يعد يسمع أي صوت ، ادار رقبته نحوها ببطء ، وجدها مفمتوحة العينين ترمقه بذات النظرة الجامدة التي رمقته بها العجوز بائعة العللكة :
__أمي ..أمي ..أمي ..صاح ملتاعاً.
.نزلَ من السيارة مسرعاً ،انتزع مقبض الباب وانحنى عليها يتفحصها بيدين مرتعشتين ..الصوت الذي بداخله ما فتئ يصرخ :
__أمي ..أمي لا تموتي أرجوكِ.
جّس نبضها ، شعرَ أن الدنيا أظلمت في عينيه ..قام يجرَّها من المقعد الخلفي ويحتضنها.. يحملها بين ذراعيه .
راح يركض متعثراً وأنفاسه تتلاحق ، خطرَ في باله ذلك الشاب الذي سقط من اول إطلاقه سدَّدها نحوه، فقد كان يلهث بشدة والدم ينبجس من رأسه ، صوت لهاثه مازال يثقب طبلة أذنه، تقمصته روح ذلك الشاب المغدور ، قال له وهو يبتلع ريقة بصعوبة متوسلا :
_أرجوك لا تفجع أمي بموتي ....أنا وحيدها .
_أنا أريد أن أفجع أمك تلك الزانية .
خمدت متكئة برأسها على مقبض باب السيارة الخلفي ، انقطع أنينها تماماً ، أحسَّ وهو ينحني عليها ليحملها أنه يحمل شخصاً آخر،الجسد بدا ثقيلا ً والأبواب كلها لا تفتح ذراعيها لصدره ، أعيته الحيلة في الجري بها ..الخطوات القليلة بينه وبين مركز نقطة التفتيش غدت أبعد من نجم بعيد..اقترب من مظلة التفتيش وهو يصيح بوجه بلا ملامح :
__أولا د الكلب ...أولاد الكلب ...أ ...و...لا...د.. ا ...ل ...ك..ل...ب .!
.
عادل المعموري
__رجاءً ساعدوني... أمي في حالة خطرة ..أرجوكم ساعدوني ؟
لم يلتفت إليه أحد ..يلقى نظرة كسيرة على الجسد المتوجع ، ثم يعود ‘إلى مكانه ، يلمسها بكفه مطمئِناً :
__أمي ..اصبري ريثما أنقلكِ للمشفى..دخيل الله اصبري عليّ ؟
__سأموت ياولدي ..انقطعَ نَفَسي من الوجع .
رّن هاتفه الجوال ..ظهر على الشاشة اسم المتصل.. جاءه الصوت وهو يحمل نبرات حادة :
__أين أنت ياأخي..أليس بيننا موعدا ؟!
__أنا عندَ سيطرة التفتيش ..أمي تموت ياشيخ ..أريد إيصالها للمشفى.
__ماهذه التخاريف ..عجّل بالمجيء.. أمامك عشر دقائق فقط.
قالها وأغلق بوجهه الهاتف ، أدار رأسه نحو أمه ..اجتاحته رغبة في الصراخ .. أمسك بها من كتفيها النحيلين :
__أمي ..ستكوني بخير ..فقط اصبري أرجوكِ ..ليس الأمر بيدي.
نظرتْ إليه بعينين شاحبتين وتمتمت:
__ سأموت ياولدي .... ان مازرعته من شر.. أنا من يدفع ثمنه الآن .
__أرجوك يا أمي ليس هذا وقت لوم وتقريع .
لاح له مشهد من الماضي القريب عندما تم تكليفه بالإشراف على إنتحاري الأحزمة الناسفة، في آخر مهمّة له كان الإنفجار شديداً وسط شوق شعبي في بغداد . تطايرت على إثره السيقان والأذرع المبتورة والتصق اللحم المحروق بالعربات والبسطات عند ناصية الشارع ..يرقب عن بعد تلك المرأة العجوز التي كانت تشبه أمه تحمل قطعاً من العلكة تبيعها بثمن بخس ، .لا يدري لماذا توقف طويلا أمام تلك المرأة العجوز مبتورة القدمين ..فقد كانت تشير له أن يسقيها شربة ماء ..ابتسمً وقتذاك في سرّه وتركها ..لن ينسىأبدا تلك النظرة التي رمقته بها ..أفزعته تلك النظرة التي تشبه نظرة أمه عندما تغضب منه لأمر ما .
.بغتةً انتبه لهدير محركات السيارات المتوقفة ..تحرَّك السير بضع خطوات .
أسرع بتشغيل محرك سيارته ..المسافة ليست بالقصيرة ليكون أمام رجال مفرزة التفتيش وينتهي كل شيء ، للحظات توقَّف السير ..عاد يرّن هاتفه من جديد .
_الووووو ..نعم يا شيخي.
__لقد أفسدتَ العملية بتأخيرك هذا ...أين أنت ؟
__مازلتُ عند السيطرة ....الزحام شديد يا شيخ .
__تبّاً .. ..أترك سيارتك عند السيطرة واستقل سيارة أجرة بسرعة
_وأمي ياشيخ ..أقول لك أن أمي تموت! .
.أغلق التلفون هذه المرَّة بقناعة تامة ،لم يعد ذلك الرعديد الذي يرتجف من غضب الشيوخ والأمراء، بضغطة زر من يده قذف هاتفه فوق" دشبول " السيارة وهو يتمتم بإستياء ..حانت منه إلتفاتة نحو الجسد المسجَّى .. لم يسمع هذه المرَّة صوت توجعها .. مدَّ ذراعه نحوها دون أن يلتفت‘اليها لا مست أصابعه وجهها ،ذعر من برودة وجهها ، لحظة انعتاق مغرقة بالصمت، ينتظر أن تتمخض عن شيء أما الموت في هذا المكان أو إيصالها المشفى ومعالجتها.. لم يعد يسمع أي صوت ، ادار رقبته نحوها ببطء ، وجدها مفمتوحة العينين ترمقه بذات النظرة الجامدة التي رمقته بها العجوز بائعة العللكة :
__أمي ..أمي ..أمي ..صاح ملتاعاً.
.نزلَ من السيارة مسرعاً ،انتزع مقبض الباب وانحنى عليها يتفحصها بيدين مرتعشتين ..الصوت الذي بداخله ما فتئ يصرخ :
__أمي ..أمي لا تموتي أرجوكِ.
جّس نبضها ، شعرَ أن الدنيا أظلمت في عينيه ..قام يجرَّها من المقعد الخلفي ويحتضنها.. يحملها بين ذراعيه .
راح يركض متعثراً وأنفاسه تتلاحق ، خطرَ في باله ذلك الشاب الذي سقط من اول إطلاقه سدَّدها نحوه، فقد كان يلهث بشدة والدم ينبجس من رأسه ، صوت لهاثه مازال يثقب طبلة أذنه، تقمصته روح ذلك الشاب المغدور ، قال له وهو يبتلع ريقة بصعوبة متوسلا :
_أرجوك لا تفجع أمي بموتي ....أنا وحيدها .
_أنا أريد أن أفجع أمك تلك الزانية .
خمدت متكئة برأسها على مقبض باب السيارة الخلفي ، انقطع أنينها تماماً ، أحسَّ وهو ينحني عليها ليحملها أنه يحمل شخصاً آخر،الجسد بدا ثقيلا ً والأبواب كلها لا تفتح ذراعيها لصدره ، أعيته الحيلة في الجري بها ..الخطوات القليلة بينه وبين مركز نقطة التفتيش غدت أبعد من نجم بعيد..اقترب من مظلة التفتيش وهو يصيح بوجه بلا ملامح :
__أولا د الكلب ...أولاد الكلب ...أ ...و...لا...د.. ا ...ل ...ك..ل...ب .!
.
عادل المعموري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق